أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد العبيدي - على طريق الحسين














المزيد.....

على طريق الحسين


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 22:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في كل عام، يعود مشهد كربلاء كأنما لم تمضِ عليه القرون. تُشعل القلوب نيران الأسى، وتسيل الدموع كما لو أن الطفّ لم يُروَ بعد بما يكفي من الدماء. يخيّم الحزن، ويتجدّد العهد، وتُرفَع رايات "يا لثارات الحسين" في كل زاوية من زوايا الوجدان.
ورغم هذا الحضور الطاغي، يظل في المشهد ما يدعو للتأمل، إذ تزداد الطقوس كثافة كلما غابت القيم، وكأنّ الصوت يعلو حيث المعنى يخفت. فالحسين، عليه السلام، لم يقدّم نفسه لنبكيه، وإنما ليوقظ روح الأمة، ويمنحها القدرة على الوقوف والرفض والانتصار للحق. نهض ليجعل الكرامة فعلًا يوميًا، لا شعارًا موسميًا.
ومع مرور السنوات، تتعاظم المراسم وتفقد الواقعة شيئًا من حرارتها الأولى. تذوب القيم التي حملتها الثورة في صخب الشعائر، ويتوارى الصدق خلف العبارات المكرورة، فيما تخبو كلمة الحق في أزمنة الصمت الطويل.
المفارقة جلية. فكلما اتسعت مساحات التعبير عن الحزن، تراجعت في المقابل مساحات التضحية والفعل. نلجأ إلى الذكرى بحثًا عن سكينة لا تغيّر، ونكرّر الطقوس كأنها تعفينا من واجب المواجهة.
وفي زمن تتسارع فيه المادية، وتستبد الغفلة، تتحوّل كربلاء إلى مَنجى جماعي من خجلٍ دفين، نلوذ به لا للنهوض، بل لتهدئة الضمير. يصبح الحزن غلافًا هشًّا يغطي انحدارًا أخلاقيًا، لا سبيل لتجاوزه إلا بإعادة إحياء ما مثّله الحسين من وضوح واستقامة وشجاعة.
أجدادنا، حين وقعت الواقعة، وقف كثيرٌ منهم متفرّجين، تاركين الحسين يمضي وحده في طريقه، حتى لو كانوا في قلوبهم يقرّون بصدقه. واليوم، نكاد نعيد المشهد بصيغة أخرى: نُجاهر بمحبته، ونؤازر بالصوت، ونردد النداء من بعيد، لكن أقدامنا لا تخطو في دربه، وأفعالنا لا تشبه مقصده. فنحن نحيي الذكرى، لكننا نُقصي المعنى.
تكريم الحسين ليس طقسًا نُمارسه، ولا موسمًا نمرّ به ثم ننصرف. هو عهد، يُكتب بالدمع والعمل، لا يُختصر برايةٍ مرفوعة ولا في موكبٍ عابر. فالحسين لم يترك لنا ذكرى، بل طريقًا محفوفًا بالتكليف: أن نقف حيث وقف، وأن ننطق حيث نطق، وأن نتحمّل الصمت إذا كان في الصمت حفظٌ للكرامة.
وها هي كربلاء، رغم السنين، ما زالت تصدح بندائها في قلوبنا. لا تعود إلينا لتوقظ الأحزان النائمة، وإنما لتقيس حرارة الوفاء فينا، وتكشف عمق الصدق في انتسابنا. ليست ذكرى تعبر بنا، إنما ميزان يومي يزن مواقفنا في زمن الالتباس. أفنحن حقًا أبناء الدم الذي تفجّر في الطفّ، أم أن خطانا ما زالت تائهة على سفوح التلّ، نكتفي بالبكاء من بعيد، والحسين يُذبح كل يوم في صمتنا؟



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علمٌ ينتظر الولادة من رحم الوطن
- أربعة أيام في عمر قاضٍ
- هذا ليس دين أبي
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)
- الغلونة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (2- 12)
- ظواهر العفن الاجتماعي: رحلة نفسية في خزين الوعي السلبي
- الاعتراف بالخطأ فضيلة


المزيد.....




- أنصار الله: دعم قائد الثورة الإسلامية الإيرانية حسم المعركة ...
- المفكر الماليزي عثمان بكار: الكونفوشية والإسلام يشتركان في ا ...
- “متابعة جيدة” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 على النايل سا ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى
- يهود الغرب والضغط الخانق على إسرائيل
- فرنسا: إصلاحات تشريعية للحد من -خطر- الإخوان المسلمين؟
- -غرفة انتظار الجنة-..هذه البلدة تحتضن المقر الصيفي للبابا لا ...
- الاحتلال يدرس إعادة الوجود اليهودي الدائم في قبر يوسف بنابلس ...
- مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى
- مدينة -بني براك- الإسرائيلية المركز الديني اليهودي الأكبر عا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد العبيدي - على طريق الحسين