|
حركات العامة الدمشقية كاملا
خليل الشيخة
كاتب وقاص
(Kalil Chikha)
الحوار المتمدن-العدد: 8395 - 2025 / 7 / 6 - 18:49
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
كتاب: حركة العامة الدمشقية حركات العامة الدمشقية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر للمؤلف عبد الله حنا مقدمة مختصرة عن المؤلف: من أراد دراسة تطور المجتمع السوري خلال قرن أو قرنين من الزمن بما فيه المدن والأرياف، فعليه الرجوع إلى مؤلفات الباحث لسوري الرصين عبد الله حنا، لأنه شذ في ابحاثه عن العادة المتبعة في دراسة التاريخ بواسطة الحاكم أو الملك أو السلطان، بل من خلال تفاعل البشر العامة مع الظروف السياسية والاقتصادية التي تتفاعل مع الحركة العامة للمجتمع وطريقة مساره مع عدم اغفال الحكام الذين يؤثرون بنشاط الناس. ولد عبد الله حنا في عام 1932 بقرية صغيرة في دير عطية التي وضع فيها حافظ الأسد أكبر صنم له كي يشاهده كل من أراد أن يزور دمشق أو يغادرها. حصل على إجازة في التاريخ من جامعة دمشق في عام 1958 نفس عام الوحدة مع مصر، ومن خلال نشاطه اليساري في عهد الوحدة طاردته أجهزة عبد الناصر فهرب إلى المانيا الشرقية وأكمل هناك دراسته في التاريخ حتى حصل على الدكتوراه في عام 1965. هو رجل معمر فقد توفى في تشرين الثاني من عام 2023 في المانيا، ورغم أنه كتب عن الثورة السورية وحلل قيامها وحركتها، لكنه توفى قبل أن يرى رحيل الطاغية عن دمشق. السبب أني اختصر أفكار هذا الكتاب بالرقم والصفحة هو لتسهيل التعرف على تاريخ سوريا بشكل عام وتاريخ دمشق بشكل خاص، فنحن السوريون لم نتعرف على تاريخ سوريا خلال ستة عقود من الزمن بسبب أن حزب البعث والأسدين بشكل خاص حاولوا طمس سوريا كوطن وكدولة لأنهم دمجوا أنفسهم في الدولة والوطن بشكل شخصي حتى أصبح يطلق على أرض مأهولة عمرها 10 الآف سنة ب (سوريا الأسد)، أي ملكية خاصة للعائلة. الكتاب برقم الصفحة والأفكار الهامة: الباب الأول: ظهرت الحرف اثناء عملية التقسيم الاجتماعي الثاني للعمل. فقد ظهر التقسيم الأول في انفصال قبائل الرعاة وعشائرها عن الكتلة المشاعية للمجتمع البدائي في العمل الزراعي. وظهر النشاط الحرفي كنشاط وعٍ في خدمة الزراعة وتربية الماشية، وحدث التقسيم الثاني حينما انفصلت الحرفة عن النشاط الزراعي والماشية (7). هناك وثيقة بعنوان (ضوء السراج فيما قيل في النساج) لشمس الدين بن طولون عام 953 هجري حيث كانت أكثر الحرف هي الحياكة التي كانت الأكثر انتشاراً بين عام 1475 – 1546 م وهي تهتم في حياكة القطن والجوخ والحصر، فقد أحاط هذه الحرف نظرة من الازدراء ولم يكن هؤلاء يتمتعون بحقوق الانسان في العهد العثماني من حيث الزواج والشهادة (9). قال القاسمي أيضاً في أواخر القرن التاسع عشر أن الحياكة صنعة دنيئة وغير شريفة وهناك وثيقة ثانية في القرن التاسع عشر تتكلم عن 437 حرفة موجودة في سوريا (10). كان الفلاحون يحملون انتاجهم إلى المدينة ويبادلونه بالحبوب واللحوم والبضائع الحرفية، وهو نوع من التبادل، فقد كانت الخانات عبارة عن مستودعات لخزن البضائع وفنادق لإيواء الغرباء (11). نما التبادل التجاري مع أوروبا في حلب منذ القرن السابع عشر وتأخر في دمشق حتى المنتصف الثاني من القرن التاسع عشر لأنه انحصر في ميناء بيروت وحيفا (12). - الفصل الثاني – العامة: العامة هي خلاف الخاصة. يعود تسمية العامة بسبب كثرتهم ويقول السواد الأعظم وهم ليسوا أصحاب السلطة، وكان التجار حلقة وصل بين العامة والخاصة، وغالباً ما كانوا يوماً من العامة (13). أحياناً يطلق عليهم السوقة أو الرعية واسم السوقة هو يأتي من أن الملوك تسوقهم كما تشاء، والذين انتموا إلى العامة في العصر العباسي هم من أهل المهن والصناع والتجار والخدم والفلاحون والجند، واللصوص، والعيارون، والشطار. لم تكن العامة محترمة حيث وصف الجاحظ أهل الصنائع والباعة بأنهم من سقاط الناس وهم أيضاً الغوغاء وسماهم الغزالي بالدهماء أو الجهال أو الأوباش والرعاع (14). اشتهرت في القرن الخامس الهجري في العصر العباسي حركات العيارين والشطار من العامة، واتخذت طابعا ثورياً عنيفاً ثم توجهت ضد السلطة وأصحاب المال وأخذت طابع آخر ضد السلطة الأجنبية البويهية ثم السلجوقية. أما في بلاد الشام كانت السلطة العثمانية تعزل بشكل دائم مثل الدفتردار والقاضي وقائد الإنكشارية بشكل سنوي (15). ولذلك كانت هذه الفئة تعي خوف العزل والمصادرة، فقد تميزت بالبطش والشراسة وجمع الثروة بسرعة. لقد تألفت العامة في دمشق وحلب في القرن السابع والثامن عشر من الحرفيين وكانوا عماد العامة ويتكونون من المعلمين (أصحاب الحرف) وصنّاع (16). هناك من العامة الخدم سواء كانوا من الأحرار أو العبيد وهم فئة غير متماسكة كما الحال عند الحرفيين، وهناك الجند وهم من الأغراب وهؤلاء كانوا يقفون مع الخاصة ضد العامة (17). هناك الباعة وهم من العامة ويبيعون المواد الاستهلاكية، وهناك التجار وهؤلاء اتصلوا مع الحكام لكسب حمايتهم، علماً أن الذين اختصوا بالتجارة الأجنبية هم من المسحيين العرب (18). إن أهم أسباب التأخر البرجوازي عندنا هو ظهور البذرة البرجوازية في الوسط التجاري المسيحي وعدم تمكنها من قيادة العامة المسلمة، ولهذا كانت فئة ممقوتة اجتماعياً. هناك العامة الرثة وهي مؤلفة من اللصوص والمجرمين والشحاذين والقوادين والمتسكعين والغرباء والمهرجين والطبالين والراقصات والمجاذيب وهم جميعاً نتاج المجتمع الإقطاعي (19). اتصفت العامة الرثة بالفوضوية وعدم الانضباط أثناء أي تحرك ضد السلطة وهي تخرج عن أهداف الحراك وذات سياسة عشوائية وحرف المسار عن الوجهة الصحيحة وتحويل الهدف الاجتماعي والمطلبي لحراك غوغائي وطائفي لصالح الطبقة الاقطاعية الحاكمة، وعدم الصمود في القتال والتراجع وإعطاء المبرر لوصف تحرك العامة بانه فجور وزعزعة وتعصب مذهبي (20). - الفصل الثالث مدن بلاد الشام والحكم العثماني الإقطاعي: وظف الفاطميون البربر عندما حكموا سوريا لقمع الناس لكن عرفت دمشق نهضة أيام حكم السلطان صلاح الدين الأيوبي (21). بعد الغزو المغولي عام 1260، حكم سوريا مماليك مصر خاصة مماليك الشراكسة الذين تميزوا بالسلب والإرهاب، وكما هو معروف، احتل السلطان سليم الأول سورية عام 1516 التي كانت خاضعة للمماليك ثم استولى على مصر وقضى عليهم (22). كانت الأراضي في العصر العثماني مقسمة إلى ثلاث أصناف: أراضي الدولة الأميرية والاوقاف وأراضي الملكيات الخاصة وهي قليلة نسبياً، فقد كان معظم سكان دمشق وحلب من الباشوات والبكوات الأتراك وموظفي الحامية وهم شريحة غير منتجة (23). - حكام المدن: تتألف الولاية من ستة اشخاص – الوالي، المتسلم، القاضي، المفتي، والدفتردار (أي مدير الخزانة)، وآغا الإنكشارية، وكانت عادة تغيير الولاة بحيث لا يبقى في المنصب أكثر من سنة، فقد بلغ عدد ولاة العثمانيين على دمشق بين 1516 و1918 قرابة مئتين وسبعين والياً خلال أربعة قرون. هؤلاء الولاة كانوا من جنسيات أجنبية : صربية والبانية وشركسية ومجرية وايطالية، ونادراً ما كان عربي، وغالباً هم أطفال من النصارى يؤتى بهم عن طريق الشراء أو الأسر أو المصادرة، واستمر هذا الوضع حتى القرن الثامن عشر حيث بدأ فيه الولاة الأحرار (25).كان بعض اليهود موكل على جباية الأموال الأميرية ومسك حسابات الولاية والاطلاع على اسرارها، وكانوا يعملون بالصرافة والتجارة، ففي أوائل القرن التاسع عشر لمعت اسرة يهودية أتت من الأناضول وقبلها هرباً من محاكم التفتيش الإسبانية وعينوا كتاباً في كل من عكا ودمشق فأثرت هذه المهنة كثيراً منهم (26). فقد استفاد هؤلاء اليهود من اضطرار الفلاحين إلى الاستدانة لدفع الأموال الأميرية قبل الموسم بسبب الحساب القمري وبسبب أنهم صيارفة ويقدمون المال للموسم مقابل ربا رهيب، لكن بعد الحملة المصرية على سوريا عام 1822- 1840 ضعف نفوذ اليهود في دوائر الخزانة (27). لكن بعد ذلك، كانوا يستقبلون الولاة ويملؤون جيوبهم (28). كان على القاضي في دمشق أن يدفع الرشوة لمن يساعده في الوصول إلى المنصب، ولذلك كان يقبل الرشوة كي يعوّض ما دفعه ويحقق الربح. كان القضاة من أبناء العائلات المحلية مثل العزي والكزبري، أما المفتي كان يعين من قبل شيخ الإسلام في استنبول، والمفتي اقل منزلة من القاضي (29). تشكل الجهاز الإداري كل من الوالي والمتسلم والقاضي والمفتي والدفتردار وهؤلاء جميعاً في مقابل الإنكشارية في السلطة العسكرية. فقد أبتكر العثمانيين منذ عهد أورخان طريقة جديدة للجيش عن طريق استرقاق أطفال بلاد الحرب وتربيتهم في الخدمة كعساكر للسلطان وسموا بالإنكشارية أي (النظام الجديد) (30). فقد تحول هؤلاء من ضباط أمن ودفاع إلى آلات شر وفساد، ووصل الأمر بهم إلى أن الكثير منهم لا يذهب إلى ثكنته إلا لقبض الراتب التي تسمى العلوفات وقد كانوا يهربون في الحرب (31). تحولت هذه الكتل الإنكشارية إلى المهن والحرف وأصبحت ترث احتكار هذه المهن وتنشر الفساد بين الناس في أواخر القرن السابع عشر ثم تدهور الاقتصاد ودب الفساد وخرجت الأقاليم عن طاعة الحكومة المركزية وانحطت الثقافة، فقد حاول السلطان سليم الثالث (1789- 1807) الإصلاح، لكن ثار عليه الإنكشارية وخلعوه ثم قتلوه (32). قام السلطان محمود (1826) بإبادة الإنكشارية وحل محلهم فرق الدراويش التابعة لهم المعروفة بالبكتاشية، وبهذا زال أحد مصادر الفوضى والفساد التي تلقت ضربة قاسية. عندما استقوى محمد علي في مصر، فتح ابنه سوريا ووصل إلى مشارف العاصمة العثمانية عام 1839 حيث قامت في نفس العام حركة التنظيمات التي أراد بها السلطان العثماني الحد من التدخل الأوروبي حيث امتدت حتى عام 1856، فقد شملت النظم الإدارية والمالية والحقوقية والعسكرية (33). قامت حركة تنظيمات أخرى بين عام 1856 حتى 1870 وهي التي نظمت حركة رأس المال الأجنبي مثل تأسيس البنك الإمبراطوري برأس مال بريطاني في عام 1867 حيث أصبحت الدولة تعترف بتملك الأرض للأجانب. في عام 1876 تمكنت جمعية تركيا الفتاة من إصدار الدستور للسلطنة (34). وعند ذلك، قام السلطان عبد الحميد الثاني بتعطيل الدستور بين عام 1876 وعام 1909 وحل البرلمان وابعد مدحت باشا صاحب اليد الطولى في وضع الدستور وانتهت حركة الإصلاح. في عام 1908 قامت جمعية الاتحاد والترقي بانقلاب على عبد الحميد وأعلنت الدستور المعطل منذ عام 1876 وحكمت حتى نهاية الحرب العالمية الأولى التي جلبت معها الاستعمار الغربي (35). - المنظمات الحرفية: ساد الفساد بين موظفين السلطان ولذلك ثارت العامة وهذا ما ساهم في تشكيل أرباب حرف وأصبح كل إنسان ينتمي لنقابة حرفية حيث قامت على سرية المهنة (36). وهنا أصبح لكل حرفة أو منظمة رئيس عرف شيخ الحرفة أو شيخ الكار ولمشايخ الحرف رئيس أعلى تخضع له سائر المنظمات الحرفية في المدينة ويساعده نقيب. وشيخ المشايخ يشترط به النسب الهاشمي، لكن بعد تطبيق التنظيمات الخيرية في منتصف القرن التاسع عشر توقفت سلطته مثل الضرب والسجن. فقد كانت هذه الحرف تحدد أيام العطل والأجور وساعات العمل (37). - الفصل الرابع – الحرف الدمشقية في كتاب القدسي 1883: شيخ المشايخ للحرفة لا يبدل ولا يعزل ولا ينتخب حتى يموت (39). المعلم عادة هو المالك أو المستأجر لأدوات العمل ووسائله وهو الذي يصدر أوامره للأجير. والصانع يقدم عمله على خبرته ومهارته، وهو مسؤول امام المعلم عما يسبب من ضرر في العمل (45). الأجراء هم الفئة الدنيا في المهنة وهم يتعلمون فنون الحرفة وقد يبدأ هؤلاء بشكل مجاني أو لقاء أجر زهيد (47). كانت أجرة الأجير الذي ينقل الطين والحجارة في البناء في أواخر القرن التاسع عشر حوالي سبعة قروش والصانع خمسة عشر قرشاً والمعلم عشرين قرشاً عشرين قرشاً. كان معظم البنائين والنحاتين من النصارى وليس لهم علاقة بشيخ مشايخ الحرفة (51). - الباب الثاني – الحياة الفكرية للعامة: لقد كان نظام ملكية الأرض في السلطنة في غالبيتها مملوكة وتابعة للدولة، أي للسلطان وولاته والجهاز الإقطاعي الحاكم. هذه الطبقة الإقطاعية الشرقية لا ترث الأملاك ولا تورث وهي في الغالب تقيم في المدن، إضافة أنها معرضة بشكل دائم للمصادرة وهذا ما خلق جواً من الحذر والرياء والخديعة والكذب وحبك المؤامرات، ضمن هذه الطبقة وهذا ما جعلها تختلف عن طبقة الاقطاع الأوروبية إذا أنها طبقة غير مستقرة (65). تطورت التجارة الداخلية بين المدن والقرى في منتصف القرن التاسع عشر، لكنه تطور بطيء لم يخلق طبقة رأسمالية (66). الصناعات الحرفية الطوائفية كانت تنظم في طوائف للحرفيين وهؤلاء ينظمون في الطرق الصوفية التي انتشرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر (67). اتهم رجال التنوير بدمشق بالوهابية تارة وبالماسونية تارة أخرى، فقد وصلت الماسونية عام 1864 إلى سورية (68). لقد كان الفكر السائد في منتصف القرن التاسع عشر هو الفكر الصوفي بتياراته المختلفة الجامدة، لكن مع الحملة المصرية، تشكلت نهضة للفئات المثقفة المسيحية والمسلمة (69). كانت الطرق الصوفية بمثابة أحزاب للعامة ومجالها الأساسي في التنفيس عن كربتها وأحزانها وهمومها (70). - الفصل الثاني – الطرق الصوفية: بلغت الطرق الصوفية أوجها في القرنين الثاني عشر والثالث عشر وكان أشهرهم عبد القادر الجيلاني 561 هجري وعمر بن الفارض والشيخ عبد الغني النابلسي عام 1731م، ومحي الدين بن عربي وجلال الد-ين الرومي (71). يمكن القول أن فرق الصوفية كانت لها دويلاتها الخاصة ضمن إطار الدولة العثمانية، فقد تظاهر بعض الدراويش بأنهم مجاذيب لتغطية عن أهداف اجتماعية أو سياسية، وأهم الطرق الصوفية التي انتشرت في بلاد الشام هي البكتاشية التي تغلغلت في صفوف الإنكشارية والملوية وهم من الدراويش الراقصين والنقشبندية وهي طريقة توحيدية، وهناك طرق ترجع كما تقول بنسبها إلى فاطمة مثل الجيلانية والقادرية التي ظهرت في بغداد والبدورية التي لاقا رواجاً في مصر والدسوقية (72). الفصل الثالث – رجال الصوفية - أعيان العصر: عندما كان بعض الصوفية يتكلمون كلاماً غير مفهوم، يعتبره العامة كلاماً ملهماً (80). لقد اقتصرت فرص التعليم قديماً على الجوامع والزوايا والكتاتيب (82). من أعلام الذين عملوا في التنوير هم الشيخ طاهر الجزائري المولود في دمشق 1268 هجري (84). كان الشيخ من المتصوفين ثم ترك التصوف وكان له أثر على التطور الفكري، فمن حلقته تخّرج قادة الحركة الوطنية في الربع الأول من القرن العشرين. فقد توفي في عام 1920 عندما عاد من مصر. من أفكاره: وقفته ضد المؤلفين الذين يكتبون دون إضافة أي جديد، سعيه بالتوافق بين العلم والدين والعمران، وكان يقول إن الدين لا ينافي العلم الكوني وكان يحارب معتقدات الناس بأن الأرض مسطحة وهي ترقد على قرن الثور (85). كان لعبد الرحمن الكواكبي أثر كبير في التاريخ السوري، فقد ولد عام 1848 في حلب وأصدر جريدة الشهباء وهي أول صحيفة تصدر بالعربية في حلب، لكن اغلقتها السلطات العثمانية، فعمل في التجارة، وعندما طاردته السلطات العثمانية، هرب إلى مصر، وهناك نشر كتابه الشهير (طبائع الاستبداد ومصارع العباد) وام القرى وقد عرّف العوام بأنهم إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا، ثم يقول أن جهل العامة هو السبب في شقائهم، وهم يشعرون بألآمهم لكنهم يجهلون أسبابها، ثم يرجعونها إلى السعد والحظ أو الطالع والقدر، ولم يكن له أي تأثير بين العامة، لكنه مؤثر جدا في النخبة (87). عندما قام الأتراك الاتحاديين بانقلاب 1908 ضد السلطان عبد الحميد، وقف يومها رشيد رضا في المسجد الأموي يطلب من الناس الرجوع إلى المنابع الإسلامية ضد الخرافات والتوسل بالقبور، لكن هاج الناس ضده وكادوا يفتكون به لولا أن البعض أخرجه بسرعة خارج المسجد (89). تأخر ظهور مثقفين تنوريين من المسلمين في نهاية القرن التاسع عشر وتركز في الطائفة المسيحية وطالبوا الدولة العثمانية بحكم ديمقراطي علماني يفصل الدين عن الدولة وحصل هذا في منتصف القرن التاسع عشر وحتى نهايته، وفي مقدمتهم كان رزق الله حسون الحلبي (1825 – 1880) وفرنسيس مراش الحلبي (1835 – 1874) وجبرائيل دلال الحلبي (1836 – 1892) ثم دعا الناس إلى الثورة، فألقت السلطات العثمانية عليه القبض ومات في السجن (90). الفصل الخامس – نماذج من العامة وفروسيتها – مراسم الاذكار: لجأ الناس إلى ما يسمى بمراسم الأذكار للنجاة في الدنيا والآخرة وكانت تقام كل يوم أثنين أو جمعة في المساجد أو الزوايا ويرددون اسم الله حتى يكاد ذلك يمنعهم من الشعور بأي جزء من اجسامهم، حتى لو قطعت أعضاءهم أو سلخت أجسادهم وهي أشبه بالتنويم المغناطيسي (95). ويقومون بضرب المزاهر والسيوف بخاصرتهم ووضع الحمر في فمهم وأتى الأطباء الأجانب ووصفوا حالتهم بأنها هستيرية لا يشعرون بألم أو يصابوا بمقتل طالما الشيخ جاكير بينهم (98). وهناك ما يسمى بالخلوة واستحضار الجن، فقد كان شيخ في حلب اسمه يوسف الشريف إذ ذكر ابنه عنه بأنه كان في الثلاثينات من القرن العشرين بأن اباه يتصل بالجن (101). علاوة على ذلك، كان للجبال قداسة عند الشعوب، ولذلك كان جبل قاسيون له أساطير ويعده العامة مكان مقدس، ويقال في الأسطورة أن آدم سكن في سفحه وفي أعلاه قتل قابيل اخاه هابيل ففتح الجبل فاهه لفظاعة الجرم وكان الجبل يبكي ثم أتت الملائكة تعزي آدم بابنه هابيل ثم في شرق قاسيون ولد إبراهيم (104). كانت الأجواء المسيحية قريبة من الأجواء المسلمة بالأساطير، لكنها عندما اتصلت بأوروبا، دفعها ذلك إلى التفكير (106). وقبل ذلك، كان للمسيحيين اساطيرهم كما رواها الكاهن الدمشقي عام 1747 أن امرأة بكى طفل في بطنها فسمعه أهل الدار فمات عند ولادته (107). كثيراً ما يجري ما يسمى مراسم الدوسة في موكب المتصوفين حيث يدوس الشيخ بفرسه فوق ظهور المريدين وسط التكبير والتهليل وهم لا يشعرون بشيء، إما إذا أحس أحدهم بالألم وجهر عندها يتهم بإيمانه، ولذلك لا يتجاسر أحد بالإعلان عن ذلك خوفا من الاتهام (110). كانت هناك عادة عند الناس في الأعراس، بأنهم يهربون العروس ويحجبونها عن الناس لفترة من الزمن عن الأنظار، خوفاً من العين الحاسدة، لكن مصدر هذه العادة نشأ من عدم خطف أحد الإنكشارية أو الباشوات بالعروس، خاصة إذا كانت العروس ذات جمال (112). كان هناك السيران وهو جزء مهم بين الناس وكانت جمعيات خاصة تهتم بتنظيم النزهات لأبناء الصنعة الوحدة (114). أما من ناحية المرأة، فهي لا تتجاسر على الخروج من بيتها دون حارس يحرسها، وإذا لم يتوفر ذلك تلبس الثياب الرثة أو تحني ظهرها خاصة نساء النصارى، ومنهم من لبس القنابيز (القنباز) (115). هناك خرافة حول الجراد وطير السمرمر تقول إذا واجهتك مشكلة الجراد فعليك إحضار السمرمر من أصفهان وهو كفيل بقتل الجراد، لكن عليك أن تقوم بهذه الرحلة إلى أصفهان واحضار الماء والطائر سيتبعك ثم لا تلتفت وراءك للخلف والشخص عليه أن يكون من أهل الصلاح ولا يمر من تحت سقف، والجراد يأتي عادة إلى منطقة من كثرة الفساد والفجور والفسق والشرور (116). معنى أرسلان في التركية اسد (119). الباب الثالث – تحركات العامة بين 1700 – 1830 القوى السياسية: تألفت القوى السياسية في دمشق من المنظمات الحرفية التي لبست الطرق الصوفية وكان ذلك أحد مظاهر الاحتجاج غير المباشر على النظام القائم كما كانت القوى الدينية من رجال دين وقضاة وإفتاء يقومون بتقويم المنكر باليد أو باللسان (131). كانت السلطة الحاكمة مؤلفة من الوالي ونائبه المتسلم والدفتردار أي المحاسب وآغا الإنكشارية وكانت هذه القوى تتصارع وتعتمد أحيانا على العامة واتصفت الإنكشارية بالقلق والتوتر وعقد النقص والخوف من العزل ولذلك كان همهم إرهاق الأهالي بإخذهم الأموال وجمعه بسرعة. قبل الحملة المصرية على سوريا، كانت السلطة العثمانية تهتم بالجنود الاقطاعيين المعروفين بالسباهية أي الفرسان الذين منحوا اقطاعات وزعامات ثم اولت ذلك للإنكشارية الذين جمعوا من بلاد الحرب عن طريق الخمس أو الدفشرمة أي المصادرة. بعد توقف الفتوحات، أخذ قادة الجند في دمشق يقبلون في صفوفهم رجال عصابات وأرباب الحرف والفلاحين حيث عرفوا هؤلاء بالإنكشارية المحلية تميزاً عن الذين أتوا من إسطنبول (132). ظهر في بلاد الشام ثلاث طوائف من الإنكشارية وهم القابي قول أي عبيد السلطان وهم إنكشارية الدولة وهؤلاء غالباً غرباء ومشاة ولا يتصلون بالأهالي، ثم الإنكشارية المحلية وكانوا من الفرسان وهم أبناء الشام وأقاموا في حي الميدان وحي ساروجة واتسموا بحب السيطرة واضطهاد الآخرين وعاثوا فسادا في الأرض وكانوا شراً على الناس وأحيانا كانوا يقفون مع الناس عندما يشعرون بضعفهم أمام الوالي ثم هناك المرتزقة وكانوا من أخلاط الناس ويختصون في حراسة الحج الشامي وكانوا فاسدين وقد جلب بعضهم من بغداد أو الموصل (133). قام علماء دمشق في عام 1707 ضد الوالي عندما فرض على الأهالي الأموال فرد عليهم بنفي بعضهم إلى صيدا، إلا أن السلطان عفى عنهم (137). وحدث ذلك مرة أخرى عندما فرض الوالي ضرائب في عام 1716 فثار الناس وأيدهم هذه المرة القابي قول الذين هاجموا السرايا وكان هؤلاء من عساكر البلد بدلاً عن الإنكشارية. أما في عام 1725 كثر الظلم مما دفع أحد الطرق الصوفية إلى مقاومة الظالمين، فاعتقلهم الوالي ابي طوق حيث قاد المقاومة خليل البكري الصديقي فعزل الوالي ونهبوا بيت الصراف اليهودي ابن جوبان صديق الوالي (139). في تلك الأثناء، عين إسماعيل باشا العظم (1725- 1730) وكان يحتكر المواد الغذائية، خاصة اللحم واعتمد في سلطته على المغاربة. وفي 1730 اندلعت ثورة العامة في إسطنبول احتجاجاً على الإسراف والهزيمة التي مني بها الجيش العثماني في فارس بقيادة بائع ثياب الباني الأصل اسمه علي باترونا. فأيد الإنكشارية الانتفاضة ثم انضم رجال الدين وهنا سلم السلطان وزراءه للثائرين فأعدموهم ثم عزل السلطان أحمد وبدل عنه السلطان محمود الأول، فقضى هذا على الثورة وأمر إسماعيل باشا ببناء مدرسة وحمامات ومقاهي ودكاكين (141). عين سليمان باشا العظم والياً من عام 1734 إلى عام 1738، فقضى على قطاع الطرق وفرض هيبته وتودد إلى أهالي دمشق (144). غالباً ما تفرز حركة الجماهير أناساً أشقياء يستغلون الحركة ويخونون رفاقهم ويتطلعون إلى تسلق الحكم (14). - الفصل الثالث – أسعد باشا العظم (1743 – 1757): خلف سليمان باشا في ولاية الشام ابن أخيه أسعد باشا بن إسماعيل العظم وكان من أشهر آل العظم وأطولهم مدة حكم، لكن عندما صادرت السلطة العثمانية أملاك عمه سليمان باشا، تظاهر أسعد بعدم الاهتمام والإهانة التي لحقت بحريم عمه (147). في عام 1745 تظاهرت العامة بسبب قلة الخبز وغلاء الأسعار وهاجمت السرايا، فقال لهم أسعد باشا أن الأمر بيد القاضي، لكنه كان يجمع ثروته من تجارة الحبوب وعن طريق جمع الضرائب واستغلال القحط بسبب الجراد واحتكار المواد، وعندما أتى القمح من حماة إلى دمشق هبط رطل الخبز من 6 مصاري إلى 3 مصاري وكانت العملة المصرية هي الدارجة آنذاك (151). ففي عام 1748 كثر الغلاء وأصبح الخبز ب 7 مصاري وأوقية الزيت بمصريتين واللحم بست وثلاثين مصرية للرطل وكثرت بنات الهوى (153). فقد خزن حامد أفندي القمح عام 1748 وزاد الأسعار دون رحمة (154). الفصل الرابع – تحركات العامة من عام 1757 إلى عام 1830: بعد أن ذهب أسعد باشا من دمشق إلى حلب، بأمر السلطان تخلخل ميزان القوى العسكرية في ولاية دمشق، فأتى حسين باشا وقام العامة بالتمرد (157). ففي عام 1757 نهب محمل الحج جميعه من خلال شيخ عرب بني صخر قعدان الفائز، فخيم الحزن على الأهالي بسبب نهب المحمل (160). ثم حلت ما بين عام 1759 و1760 كوارث وزلازل ثم أتى الطاعون، فمات كل يوم ألف ضحية وانحبست الأمطار أيضاً (162). هاجمت قوات المملوك المصري علي بيك الكبير (1728-1773) بقيادة محمد أبو الذهب وسانده الشيخ ظاهر العمر 1771 (163). بعد الوالي الجزار، حكم الشام عبد الله باشا العظم عام 1798 ووصلت أخبار الحملة الفرنسية على مصر إلى أهالي دمشق، لكن عندما مات الجزار في عكا، قتل الناس في دمشق أعوانه جميعاً (169). - الفصل الخامس – الأهداف لتحركات العامة: لم تكن انتفاضات العامة ضد السلطة المركزية في إسطنبول، بل وجهت ضد السلطة الاقطاعية المحلية في كل ولاية، وفي الغالب، قامت هذه التحركات بسبب ارتفاع الأسعار واحتكار المواد الغذائية (175). فقد مثلت حركة الصوفيين إضراب سياسي صامت للعامة. في بداية القرن التاسع عشر، بدأت الحرف البسيطة في سوريا تتلقى ضربات من البضائع المصنعة في أوروبا ثم زادت الضرائب والغرامات، فبدأت بوادر الثورة عام 1831. فمعظم من اشترك في الثورة هم أصحاب الحرف والمعلمين والصناع والأجراء والإنكشارية المحلية المتمركزة في حي الميدان حيث أطلق على زعمائها اسم الأغوات ثم تبعهم تجار المدينة بمختلف درجاتهم (188). قام السلطان محمود الثاني في عام 1828 بإبادة فرق الإنكشارية في استنبول وتأسيس جيش حديث وفرضت ضريبة الصلبان على الدكاكين والمخازن والمغاليق مقدار 2 مصرية وهي نفس القيمة المفروضة على أهل الذمة من المسيحيين واليهود فسار الناس إلى السرايا فأطلق النار عليهم ووقع 12 قتيل، فثار الأهالي ومعهم زعماء الإنكشارية المحلية وأغاوات الميدان (189). - الفصل الثالث – الاستيلاء على السرايا: تمرد أهل البلد في 16 أيلول من عام 1831 وقتلوا بعض عسكر الوالي. لكن عندما دخل عسكر الوالي حي القنوات، أخذوا الحريم وعملوا بهن عملاً يرثى له، ثم تجمع أهل البلد وهاجموا العسكر فهرب الوالي مع عساكره واشتعلت النيران في المدينة (198). وبعد أن هاجموا السرايا، توجّه الثائرون إلى جامع المعلق وخان الدالاتي، وكان في الجامع 1500 عسكري فحاول الثائرون حرق الجامع لكن بعد استسلام العساكر قتل الكثير منهم (102). في تلك المرحلة، لم تتعرض الأقلية المسيحية أو اليهودية لأي اعتداء بثورة 1831 رغم أن اليهود الصيارفة كانوا قد سيطروا على مالية استنبول وعكا ودمشق (207). - الحكومة الوطنية الشامية: امتنع تجار المدن السورية البيع والشراء من دمشق بسبب الثورة فيها ثم نقل تجار بيروت املاكهم من دمشق خوفاً من انتقام السلطان، ثم اشترى الناس البواريد والسلاح ومعهم القرى لملاقاة القوات العثمانية، لكن السلطان عفا عن أهل دمشق من أجل سير قافلة الحجاج بأمان (217). وعندما أتى الوالي الجديد والمتسلم، خرج الناس لملاقاته. لكن إذا أردنا تقييم ثورة أيلول التاريخية من ناحية الطبقة الإقطاعية المسيطرة، فنرى أنها كانت تعيش في المدن خلافاً للإقطاع الأوروبي فهم يشرفون على الفلاحين من المدينة، وبالطبع فإن إقامة هذه القوى الإقطاعية قد ضيق الخناق على المؤسسات الحرفية ومنعها من النمو (220). - الباب الخامس – الخلفيات السياسية لفتنة عام 1860: بدأت النزعة القومية في لبنان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولم تنتشر في دمشق إلا في بداية القرن العشرين، فقد أثر الحكم المصري (1831- 1841) في سورية من عدة نواحي. فقد سقطت عكا في يد إبراهيم باشا عام 1932 ثم وصل إلى دمشق في حزيران من نفس العام، فخرجت القوى العسكرية المتواجدة في دمشق لملاقاته، وكان لديه جيش ومعدات حديثه، وعندما شاهدوا المدافع والنظام، تقطعت قلوبهم من الخوف ولاذوا بالفرار بعد أن قتل منهم 10، فقد تلقى جيش إبراهيم تدريبه على يد الفرنسيين واستعملوا أسلحة فرنسية، وهنا فر الوالي مع عساكره إلى حمص ودخل إبراهيم باشا إلى دمشق واعجب أهل دمشق بالنظام الجديد وطريقة تنظيمه ونادى المنادي أن العملة المصرية هي المتداولة منذ الآن ولهم الأمان، ثم دعا خطيب المسجد الأموي للسلطان ولمحمد علي باشا، وأقام إبراهيم ديواناً مؤلفاً من عشرين شخصاً من أعيان البلد وشارك النصارى بذلك وواحدا من اليهود، وعمل بعض المسحيين وبعض اليهود وكلاء للشركات الأوروبية مما زاد حفيظة الناس لهذه المساواة بين الجميع (236). لقد سلبت عساكر باشا لب الناس بالإعجاب بما كانت تتمتع به من نظام وطاعة الأوامر وعدم تعديها على الناس ودفع ما تشتريه من المحلات لأنهم لم يروا ذلك من عساكر العثمانيين إضافة إلى الفوضى والفساد الذي كانوا يمارسونه ضد الأهالي (240). في البداية، رضي أهل الشام بالإدارة المصرية لأنها انقذتهم من بطش الولاة وأزالت عنهم كابوس العسكر العثماني، لأن عساكر إبراهيم كانوا يحترمون الناس ويحترمون أعراضهم واموالهم خاصة بعد أن أجرى إبراهيم إصلاحا إداريا وأبطل المصادرات ونظم جباية الضرائب وأصلح القضاء ورفع عن النصارى القيود القديمة مثل النزول عن رواحلهم إذا قابلوا المسلمين احتراماً، أو ارتداء الملابس السوداء والزرقاء فقط ثم منحهم المشاركة في إدارة الدولة وهذا أحد أسباب أحداث 1860 المشؤومة (241). بدأ السياح يدخلون دمشق بعد أن كان ممنوعا عليهم بسبب منزلتها في تهيئة قوافل الحج، ثم وصل أول قنصل إنكليزي إلى دمشق وتبعه قناصل آخرين وتجارا أجانب يحملون البضائع الأوروبية. لكن بعض المتغيرات لم ترق للأهالي، منها، فرض الجندية على الناس وإقامة خمارة، ثم منع الناس من صنع الخمر في البيوت، ودخول قناصل دول اجنبية، ثم دخول ألعاب بهلوانية، والمساواة بين الناس والطوائف (242). كان حكم إبراهيم باشا نقلة نوعية في بلاد الشام من ناحية البنية الاقتصادية والسياسية (243). - الفصل الثاني – ما قبل الفتنة 1840 – 1860: عاشت دمشق بعد خروج المصريين بين 1840 وعام 1860 حالة ركود، إذ هدأت فيها تحركات العامة والسبب أن ثورة عام 1830 أنهكت العامة وقضت على الكثير من قادتهم بواسطة إبراهيم باشا حيث ارتبطت السوق في الشام قبل إبراهيم بحركة مبادلة من سلعة لسلعة ثم من سلعة إلى نقود (245). رافق ذلك تحركات فلاحية في جبل لبنان وحلول الهواء الأصفر (الكوليرا) عام 1852 قادماً من الحجاز حيث مات حوالي 30 ألف إنسان (247). انفجر في عام 1858 تحرك فلاحي واسع في كسروان بجبل لبنان وتحول هذا الحراك إلى صراع طائفي بين الموارنة والدروز لكنه لم يمتد إلى بيروت مع السنة، بسبب أن الشيخ محمد الحوت كان رجلاً متنوراً 247). ساهم في الفتنة حكومات الحارات، وانعزال كل حارة عن الأخرى وخاصة حارة المسيحية، فقد أفتقرت المنطقة لحاكم ينصف المظلوم ثم ظهر رجال اشداء من المسلمين والذميين يؤمنون بالقوة الفردية وهم لا ينتمون لحزب عسكري مثل الإنكشارية والمرتزقة أو قبيقول وقد أطلق عليهم أسم (المعتّرين) الذين عرفوا بالشهامة والمروءة (250). أهم أسباب الفتنة في دمشق عام 1860 هي مساواة الحكم المصري بين الطوائف وإشراك النصارى في الحكم والإدارة وهذا ما سبب تخلخل اجتماعي، لأن الحكم العثماني حاول الرجوع إلى ما كانت عليه الحالة قبل الحكم المصري وفشل (251). جرت الإصلاحات العثمانية في عام 1856 لتساوي بين المسلمين والمسيحيين في اللباس والوقوف أمام المحاكم، فقد مثل أهل الذمة في تلك الفترة طبقة برجوازية ناشئة، لأنهم كانوا يتاجرون مع الافرنج بالحنطة والشعير والسمن والصوف والقطن وخاصة الفرنسيين. وهذه التغيرات قضت بأن يأخذ السلطان جنودا من المسيحيين وهو أحد القوانين غير المرغوب بها بالنسبة لهم (252). يمكننا القول إن احداث 1860 في دمشق هي حصيلة الصراع بين القوى الرجعية المتمثلة بأجهزة الدولة القديمة وبين القوى الناشئة في المدن (253). الفصل الثالث – الفتنة والثورة المضادة: قاد العامة مجموعة الأغوات الذين يتحدرون من الإنكشارية المحلية الذين كانوا يتاجرون في الحبوب والمواشي وتركوا حرفة الإنكشارية لكن أغوات الميدان وقفوا ضد الفتنة وسعوا لحماية المسيحيين، أما أغوات الشاغور والأكراد ساروا مع الهجوم على حي النصارى، ثم شارك معظم تجار الأغوات والباعة والكثير من الحرفيين والعاطلين عن العمل خاصة بعد فقدهم لحرفهم أمام البضائع الأوروبية (255). في صيف 1859 أسندت ولاية الشام إلى أحمد عزت باشا وهو ينتمي للرجعية العسكرية الناقمة على الإصلاحات في عام 1856 التي ساوت المسيحيين مع المسلمين (257). في يوم الأضحى من 29 حزيران من عام 1860 لم ينزل الوالي إلى صلاة المسجد الأموي، بل أرسل عساكره بسيوفهم حجة أن النصارى سيهاجمون الجامع الأموي ويقتلون المسلمين. في تلك الفترة، كان مسيحي دمشق يشكلون خمس السكان، وبعد سقوط حاصبيا وراشيا دب الزعر بقلوب المسيحيين في دمشق، ثم نزل بعض الدروز إلى دمشق يبتهجون بسقوط زحلة. أخذ الوالي 15 مراهقاً للحي المسيحي لتنظيفه وهم مقيدين بحجة أنهم أهانوا المسيحيين، لكن أهلهم وآخرون لم يرضوا بذلك فهاجموا النصارى وأخذوا يضربونهم بالعصي والسيوف ثم بدأ النهب والحرائق مما أدى ذلك إلى خسارة خمسة الاف انسان (258). فقد مات خمس المسيحيين في دمشق وبلغ عدد الأيتام الكثير وحرق 7000 بيتاً ويلغ نهب المال 800 ألف كيس (262). لكن الفتنة فشلت في الانتقال إلى حمص وحماة بفضل موقف السلطة هناك (266). - نتائج الفتنة على العامة: وجدت فرنسا من خلال الفتنة فرصة للتدخل، فقد أرسل نابليون الثالث الحملة الفرنسية إلى بيروت عام 1860 (267). لكن عندما وصل وزير خارجية السلطان عبد المجيد إلى دمشق، أمر بإعدام 111 شخصاً روميا بالرصاص وشنق 56 آخرين وحكم بالأشغال الشاقة186 وأرسل إلى السجون ألف شخص وساق إلى الجندية الإجبارية 3 الاف شاب من دمشق ثم جعل بدل الجندية مئتي ليرة ذهبية، فدفع 200 شاب البدل ثم حاولت السلطة العثمانية جمع الأموال من أهالي دمشق تعويضاً للمنكوبين وتمكنت من جباية مئات الألاف من الليرات الذهبية غرامة لبناء الحي المحروق ولم يصل للمنكوبين إلا ربع المبلغ وضاع الباقي بين نفقات واختلاس بين الصيارفة اليهود (268). كان أول من استفاد من الفتنة وجمع الأموال هما الدولة العثمانية والصيارفة اليهود. بعد ذلك هاجر الوف المسيحيين إلى بيروت وقبرص ومصر واستوطنوا هناك مما أدى ذلك إلى خسارة النواة البرجوازية الدمشقية التي مثلها المسيحيين (269). - الباب السادس – دمشق بعد عام 1860 – جمود حركة العامة: في منتصف القرن التاسع عشر، اختفى الباشوات الاقطاعيون السابقون من دمشق. أما الأسباب التي أدت إلا جمود حركة العامة هو القضاء على الإنكشارية وتنظيم جباية الضرائب من الريف والمدينة، ثم كان قمع السلطان عبد الحميد لحركة الإصلاح وزعيمها مدحت باشا أثر كبير، ثم منع عبد الحميد الصحف والكتب من كتابة مفردات مثل ثورة، اغتيال، دستور (278). استمر الجمود حتى زوال السلطان عبد الحميد 1908، أما أهم الأحداث ذات الصلة بالعامة بعد 1860، أتت في عام 1864 حيث راجت أعمال التجار ودخلت الماسونية عن طريق الوالي العثماني في دمشق. وعندما حلت الكوليرا أخذت معها عشرة الاف في عام 1865، وفي عام 1867 حدث غلاء شديد في المدينة وهبط سعر الحرير واستمر ذلك إلى عام 1871، ثم ظهرت عربات الزبالة لنقل النفايات (284). أما في عام 1875 عادت الكوليرا أو الهواء الأصفر ومات 9 الاف، وفي عام 1876 و1877 سوق الكثيرين للحرب التي وقعت بين تركيا وروسيا، وفي عام 1892 راجت الرشاوى والاحتيال من قبل الوالي والسلطان عبد الحميد ثم وضع مدحت باشا دستور عام 1878 (285). - ظهور العائلات الثرية: لم يمنح قانون عام 1858 الفلاحين الأراضي، بل اكتفى بإعطاء مستأجري أراضي الدولة حق شرائها ودفع ثمنها الكبير. هذه الملكية الخاصة للأراضي شجعت على اصدار قانون تسجيل الأراضي عام 1861 المتملكة للأفراد تحت مسمى (الطابو) لضبط وتنظيم جباية ضريبة العشر (291). هذا القانون سمح للكثير من اغنياء دمشق وتجارها من تسجيل الأراضي باسمهم تحت زريعة هجمات البدو، لأن البدو كانوا يسطون على المحصول، مما نتج أن الفلاحين باعوا اراضيهم لهؤلاء المتنفذين من أمثال عائلات العظم واليوسف والعابد والبارودي والدالاتي والقوتلي. وهنا نستنتج ان قانون عام 1858 لم يتم لصالح الفلاحين، بل لصالح أغنياء المدينة والريف معاً ومعهم الموظفين والضباط (293). بدأت في هذه المرحلة أن العائلات الثرية بدأت تستخدم اللغة التركية إلى جانب العربية وساد مثل يقول " المال يأتي بالمال والعمل يأتي بالصيبان". - طباع العائلات الثرية وسلوكها: يصف فخري البارودي أن الناس في دمشق خاصة من المجتمع الارستقراطي كانوا ينظرون للعامة على أنهم عبيدا وخدما، وهنا أخذت العامة تتزلف من الخاصة وأصبحت العائلات الثرية غير المنتجة تفتح المضافات للتسلية (300). فقد تميز اللباس داخل فئة التجار، فكبار التجار لبسوا (الساكو) من الجوخ الإنكليزي والصاية الحريرية، أما التجار الصغار فلبسوا (الديمة) والجوخ العربي، وإذا تعدى أحدهم على هذا النمط من اللباس تحقّر من الكبار (302). هناك أصناف من العائلات الثرية، منها من ارتبط بالمؤسسة الدينية التي تدعي أن نسبها يرجع إلى آل البيت (305). برزت في حماة أسرة آل العظم التي وصلت إلى السلطة في دمشق في منتصف القرن الثامن عشر وهي أسرة لم تشتهر بالعلم الديني (306). وتميز التجار المسيحيين، وخاصة في بيروت، بالتحدث بلغات اجنبية وتمتعوا بثقافة عالية لم يتمتع فيها زملاءهم من المسلمين، وقد مثل هؤلاء الرأسمال الأجنبي وكانوا وسطاء بين الأجنبي وأبناء البلد (305). لقد اتى آل القوتلي من بغداد وهم تجار حيث اقاموا في حي الشاغور الشعبي وجمعوا ثروة كبيرة، فقد كان شكري القوتلي منهم وهو عضو في الجمعية العربية الفتاة المناهضة للحكم العثماني واحد قادة الكتلة الوطنية ورئيس الجمهورية من عام 1943 إلى عام 1949 ثم 1954 وعام 1958 (306). صدر قانون الإصلاح الزراعي في 27 أيلول من عام 1958 ثم عدل عام 1963 وكان يهدف لاقتلاع الجذور الاقتصادية لأكبر العائلات الذين كانوا يتصدرون السياسة ثم صدر قانون التأميم عام 1961 (317). - خاتمة: بلغ عدد الحرف في أواخر القرن التاسع عشر 437 حرفة وكان عدد العاملين في نقش النحاس عام 1910 حوالي عشرة الاف عامل يدوي وصدّروا بضائع بقيمة ستة مئة ألف فرنك ذهبي وكان يوجد 150 معمل للصابون لكن لم يتجاوز انتاجها 20 ألف في السنة وعدد العمال العاملين فيها 300 شخصاً، وكانت الرسوم الجمركية 8 بالمئة على البضائع الأجنبية التي اغرقت السوق، وكان عدد الأنوال اليدوية 13000 نول عام 1881 ثم انخفض إلى 6000 في عام 1929 ثم انخفض مرة أخرى في عام 1933 إلى 3000. فقد انهارت السلطة العثمانية في عام 1918 بعد الحرب العالمية الأولى (327-335). ........................ - حركات العامة الدمشقية في القرن الثامن عشر والتاسع عشر – عبد الله حنا – ط1 ابن خلدون - 1985
#خليل_الشيخة (هاشتاغ)
Kalil_Chikha#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة العامة الدمشقية (4)
-
كتاب: حركات العامة الدمشقية (3)
-
كتاب: حركة العامة الدمشقية (2)
-
كتاب: حركة العامة الدمشقية (1)
-
كتاب: جيل الهزيمة – الوحدة والانفصال كاملاً
-
كتاب: جيل الهزيمة (3)
-
كتاب: جيل الهزيمة (2)
-
كتاب: جيل الهزيمة (1)
-
الشكر للسعودية وأميرها
-
كتاب: أصل العائلة والملكية والدولة
-
أصل العائلة (5)
-
أصل العائلة (4)
-
أصل العائلة (3)
-
أصل العائلة (2)
-
كتاب أصل العائلة
-
كتاب البعث الشيعي
-
كتاب: الهزيمة والايديولوجيا المهزومة
-
كتاب البعث – كاملاً
-
كتاب البعث - الجزء الثاني
-
كتاب البعث – سامي الجندي (1)
المزيد.....
-
تحليل: هل تؤثر كلمات ترامب على تصرفات بوتين وما يقوم به في أ
...
-
فساتين تُجسّد الملكية في عرض إيلي صعب الباريسي
-
سيُمنعون من المغادرة.. وزير دفاع إسرائيل يطلب تجهيز -مدينة إ
...
-
صور أقمار صناعية تكشف: الهجوم الإيران على قاعدة العديد بقطر
...
-
من السجن إلى قيادة فصيل مسلح مناهض لحركة حماس في غزة.. ماذا
...
-
-حرمان الأطفال من الجنسية ضرر لا يُصلح-: قاضٍ فدرالي يجمّد ق
...
-
ما الذي فعلته -غارة إسرائيلية- بـ 8 أطفال في دير البلح؟
-
تدابير أوروبية للضغط على إسرائيل حال فشل اتفاق المساعدات
-
البوسنة و الهرسك: ثلاثون عاماً مرت.. مجزرة سريبرينيتسا لا تز
...
-
ما صفات الإله مردوخ؟ في العراق، فك لغز نشيد بابل القديم بفضل
...
المزيد.....
-
قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير
...
/ رياض الشرايطي
-
نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و
...
/ زهير الخويلدي
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|