|
ماذا بعد وقف إطلاق النار الإيراني - الإسرائيلي
عبد القادر معيوف
الحوار المتمدن-العدد: 8393 - 2025 / 7 / 4 - 16:03
المحور:
القضية الفلسطينية
بعد 12 يوما من القصف المتبادل، خرج علينا هولاكو العصر ترامب ليعلن عن وقف إطلاق النار بين إيران وعصابة الكيان المحتل لتبدأ مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، وفعلا توقفت الهجمات ودخل الطرفان فيما يسمى بالمسار السلمي الذي لا يمكن له أن يلغي إمكانية العودة للصدام العسكري خاصة وأن الكيان الغاصب لم تكن له اليد العليا في الجولة الماضية. لقد نجحت إسرائيل عبر شبكة عملائها في اغتيال ثلة من قيادات الصف العليا ومجموعة من العلماء وراهنت عبر هجومها على تدمير المشروع النووي الإيراني وخاصة خلق مناخ مساعد على انتفاضة شعبية كبيرة من شأنها تغيير النظام أو إدخاله في أزمة داخلية، ولإن نجحت نسبيا في ضرب بعض المنشآة الإيرانية بدعم ومشاركة أمريكية إلا أن مجموع ضرباتها ليس من شأنها إلا تعطيل المشروع الإيراني لبعض الوقت ليس أكثر بشهادة الإعلام الأمريكي. لقد أثبتت الجولة الأخيرة، أن الكيان الغاصب لا يمكنه أن يغامر في المنطقة دون ضوء أخضر وغطاء أمريكي، وقد أظهرت بما لا يقبل الشك مدى تغلغلها في المنطقة ومدى انبطاح الأنظمة العربية المجاورة لها ، فبإجماع العسكريين لا يمكن مثلا للطيران الإسرائيلي أن يصل لإيران دون أن يتوقف للتزود بالوقود، الأمر الذي يجزم أغلب المحللين أنه كان يحصل في الأجواء السورية والعراقية (كردستان العراق) في تواطئ مباشر مع العدو الصهيوني ، والأدهى والأمر هو ما قام به نظام الأردن في محاولاته اعتراض المسيرات والصواريخ الإيرانية المتجهة للأراضي المحتلة تحت مسمى الدفاع عن السيادة الأردنية المنعدمة أمام آلة القتل والتدمير الصهيونية. الرد الإيراني وأبعاده: عندما رفع الإيرانيون العلم الأحمر في قم ، لم يكن أحد يتصور أن يبلغ الرد الإيراني ما بلغه ،المئات من المسيرات الانتحارية والصواريخ الباليستية استهدفت أكثر من 150 موقعا إسرائيليا ، خسائر مادية فاقت 5 مليار دولار ولكن الأهم هو أنه ولأول مرة في التاريخ يشاهد العالم صورا للدمار في الأراضي المحتلة يشبه بدرجة كبيرة ما حصل ويحصل للأراضي العربية عقب الاعتداءات الصهيونية ، الملاجئ ممتلئة وغير قادرة على استيعاب المستوطنين و حتى المراكز الإستراتيجية كمطار بن غوريون ووزارة الدفاع ومراكز الموساد والقواعد العسكرية والمختبرات (كمختبر وايزمان) لم تسلم من الضربات المدمرة لصواريخ خيبر وفتح وسجيل وغيرها من الصواريخ الباليستية والفرط صوتية؛ وبعيدا عن الإصابات المباشرة فإن هذا الاستهداف المباشر يمثل زلزالا ومنعرجا سيكون له تأثير كبير على مستقبل المنطقة ، فاليوم لم يعد المستوطنون بعيدين عن الأحداث ولم تعد إسرائيل في أي مأمن من قصف مماثل وكل تلك البروباغندا الإعلامية عن القبة الحديدية ومقلاع داوود سقطت بلا رجعة ، والأهم أن الحليف الأمريكي صار يدرك خطورة هذا الرد ليس على إسرائيل وحدها بل على المنطقة والتجارة العالمية بأسرها ، فإيران لم تكشف عن كل إمكانياتها ولم تستعمل أيا من أوراقها التي من شأنها شل المنطقة كضرب المنشآت البترولية أو غلق مضيق هرمز الذي كان من شأنه أن يفجر التجارة الدولية خاصة مع الواقع الذي يفرضه اليمنيون في مضيق باب المندب. لا يمكن أن نمر عن الرد الإيراني دون الحديث عن قصفها للقواعد الأمريكية في العراق ولكن خاصة قصفها لقاعدة العديد في قطر بوصفها أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ومركز قيادتها (رغم كل المحاولات الإعلامية وتصريحات ترامب في التخفيف من آثارها) في رسالة مباشرة للإدارة الأمريكية على قوة ردعها الذي من شأنه أن يشعل كل المنطقة؛ طبعا المضحك المبكي هو ما تلا هذه الضربة من إدانات الحكومات العربية التي لم نسمع لها صوتا عندما كانت الطائرات الأمريكية تنطلق منها لقصف شعبنا العربي في العراق. لقد نجحت إيران في الخروج السريع بعد تلقيها للضربة الصهيونية الموجعة لترد الصفعة وبطريقة غير متوقعة ولتثبت للعالم عموما وللحكومات العربية المهرولة للتطبيع أن السيادة لا يمكن أن تكون بالانبطاح لأميركا والكيان عبر التنسيق المباشر ودفع المليارات من الدولارات كجزية مقابل الحماية، بل في الاعتماد على الذات والاستثمار في التكنولوجيا الردعية والاعتماد على العقول المحلية التي تمثل الثروة الحقيقية لأي بلد. إسرائيل ومستقبل الصراع مع إيران: عبر هجومها، راهنت إسرائيل على عدة عوامل وتغيرات : فقد حاول نتنياهو منذ اليوم الأول إقحام الولايات المتحدة مباشرة في الصراع أي عدم الاكتفاء بدورها الخفي ، وراهنت كذلك على حلف خليجي غربي إسرائيلي، عبر توسيع دائرة اتفاقيات إبراهام التي أمضاها الكيان مع الإمارات والبحرين سنة 2020 لتشمل دول عربية أخرى، قصد مواجهة ما سمته بالخطر الإيراني وهو ما دعا إليه صراحة وزير مالية الكيان سموتريتش والذي تجاوز ذلك ليطالب بدعم مباشر من دول الخليج وتكفلها بدفع قيمة الأضرار الناتجة عن الرد الإيراني، والأهم من ذلك رهانها على خلق الفوضى وإضعاف هذا النظام وهو ما سيشكل حجر الأساس في الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه إيران في قادم السنوات. من الواضح اليوم وفي غياب تام للدعم العربي، أن النظام الإيراني هو حجر الأساس في محور المقاومة والذي يضل رغم كل ما لحقه من تدمير وضرر ورغم تدمير سوريا التي كانت إحدى ركائزه الأساسية، الخطر الأكبر على الوجود الإسرائيلي، وبالتالي فإن إضعاف النظام الإيراني وإقحامه في صراعات داخلية سيكون الهدف الأكبر للكيان الصهيوني وذلك إما عبر محاولة استنساخ التجربة السورية أو بمحاولات على طريقة ما قامت به وكالة المخابرات المركزية في إسقاطها لنظام مصدق في خمسينات القرن الماضي. يتكون المجتمع الإيراني من عدة أعراق : يمثل الفرس أكثر من نصف سكان البلد ويمثل الأتراك (أذار وتركمان) حوالي 24 بالمئة من السكان هذا مع تواجد كبير للعرب والأكراد والبلوش وغيرهم من الأقليات مما من شأنه أن يجعلها أرضا خصبة للنزاعات العرقية والطائفية، وطبعا لن يجد العدو الصهيوني وراعيه الأمريكي أفضل من الصراع الديني (الشيعي – السني) ليحاول من خلاله إعادة استنساخ النموذج السوري وهو ما بدأ بفعله فعلا عبر تسليحه لمجموعات متفرقة عند الحدود الأفغانية الإيرانية ، طبعا لن تكون إيران في دور المتلقي فقط هذه المرة ، فدول الخليج وتركيا اللذان لعبا دورا مفصليا في إسقاط النظام في سوريا وإغراقها في دوامة الفوضى التي ستستمر لعشرات السنين، يدركون أن النظام الإيراني قد يحرق الأخضر واليابس ويشعل كل آبار النفط إن لزم الأمر ، وهو من شأنه أن يجعل من تدخلهم أن يكون حذرا وبطرق دعم غير مباشرة. وإذا ما نظرنا كذلك إلى مدى تغلغل الموساد وعملاؤه في إيران وفي المناطق الكردية بسوريا والعراق، والذين كان لهم دور أساسي في الهجوم على إيران ومن الداخل الإيراني بالذات ، فالنموذج الأسلم لهذا الحلف الخليجي الصهيوني الأمريكي سيكون بدعم شبكة عملاء قادرين على خلق البلبلة في الأوساط الإيرانية وذلك عبر مراحل تبدا بتسخير المنابر الإعلامية والدعوة لإنقاذ الأقليات المضطهدة (خاصة أهل السنة) وفي مرحلة ثانية تمويل بعض الوجوه السياسية والمجموعات التخريبية استنساخا لما قامت به السي آي أي في عملية أجاكس التي أدت إلى إسقاط نظام مصدق (لتأميمه لشركات النفط في إيران) سنة 53 . من المهم كذلك إشارة، أن الحرب على إيران ليست الأولى ولن تكون الأخيرة للعدو الصهيوني، فهذا الكيان يمثل تركيبة عرقية غير متجانسة من سافارديم وأشكناز وقرائيم وغيرهم من أٌقليات لا يجمع بينهم سوى فكرة الخطر المحدق بهم جميعا وبكيانهم وهو ما يجعل من خلق الحروب أمر ضروري لضمان مبدأ وحدة المصير الجامع لكل هذه الأقليات، وقد قالها نتنياهو سابقا: بعد إيران هنالك باكستان، لا يجب على أي دولة إسلامية أن تمتلك السلاح النووي وبالتالي فأننا نفهم أن بقاء إسرائيل مرتبط باستمرار الحرب في المنطقة. الحرب على غزة والواقع الجديد لقد خلق الرد الإيراني متنفسا للقوى المقاومة وخاصة منها الفلسطينية والتي وإن لم يشملها إلى حد الآن اتفاق وقف إطلاق النار إلا أن هذا الرد نجح في التخفيف من حدة الهجمات الصهيونية والأهم من ذلك هو ما صاحبه من حراك سياسي انعكس من خلال الرغبة الأمريكية بإيجاد حل سريع لملف تبادل الأسرى وذلك عبر التواصل غير المباشر مع حماس وقوى المقاومة. رغم الخسائر المؤلمة العسكرية والاقتصادية والاجتماعية التي تكبدها العدو إلا أنه نجح في تحقيق عدة أهداف ولعل أبرزها نجاحه في استنزاف ركائز محور المقاومة (المقاومة اللبنانية بالأخص) والتي تحتاج اليوم الكثير من الوقت لإعادة بناء الصفوف، خاصة بعد تدمير سوريا التي كانت العنصر الأساسي في تسليح وتدريب المقاومة. فمن المنتظر إذا أن تدخل المنطقة إلى ما يشبه الهدنة غير المعلنة والتي قد تستمر إلى عدة سنوات خاصة مع التطورات الحاصلة في المنطقة وخاصة سوريا بعد سيطرة الاحتلال على جنوبها وتدمير الجيش العربي السوري ودعمه لإقامة نظام مذهبي طائفي مطبع وقابل أن يمضي على معاهدة سلام معه مستندين في ذلك على ما عبر به وبصراحة زعماء سوريا الجدد كونهم لا يكنون أي عداء للكيان وأنهم مستعدون للتقارب معه وبعث شراكات. في لبنان تبدو الأمور أكثر تعقيدا، شبح الحرب الأهلية يقترب أكثر فأكثر، فالكثير من المغامرين (أقصى اليمين المتطرف) يحاولون اليوم استغلال التقهقر الذي تعيشه المقاومة بعد الضربات الكبيرة التي تلقتها من العدو الصهيوني وبعد السقوط المدمر للحليف السوري، فإعادة الهيكلة والبناء لن تكون سهلة ومن شأنها أن تستمر لفترة طويلة من الوقت. حملات مسعورة لا تنتهي ضد الحاضنة الشعبية للمقاومة وسلاح المقاومة ورموزها، ووصل الأمر بالبعض ان يطرح تصفية هذه الحاضنة أو طردها للعراق! سلسلة من الاستفزازات التي لا تتوقف خاصة مع غياب موقف رسمي من ذلك، ومع تواصل خطر التسليح القادم من فوضى الجوار السوري فإن الوضع في المستقبل القريب قد ينبئ بما لا يحمد عقباه. وأما ما تبقى من دول المنطقة، التي راهنت على كسر شوكة محور المقاومة، ومع الضغط الأمريكي والانبطاح العربي، فمن المنتظر أن تحمل قادم الأيام المزيد من التنازلات والتسويات عبر انضمام دول عربية أخرى لاتفاقيات إبراهام وخاصة منها قطر والسعودية وسوريا الجديدة. الأكيد أن المنطقة تمر بمرحلة جديدة عقب كل الأحداث المتسارعة التي عرفتها في آخر سنتين، ويبدو أن العربدة الإسرائيلية برعاية أمريكية ستتواصل ولوقت ليس بالقصير في ضل غياب أي موقف دولي رادع ومع تواصل انبطاح الأنظمة العربية وهرولتها للتطبيع مع العدو وتقديم فروض الطاعة لراعيه الأمريكي على حساب شعوبها وقضيتها المركزية. ورغم كل هذا السواد الذي يلوح في الأفق إلا أن الرد الإيراني كان له الأثر الإيجابي على محور المقاومة الذي وإن نجح في التعافي القريب فإنه سيكون لاعبا مهما في المدى المتوسط والبعيد، فاليوم كل إسرائيل لم تعد آمنة والصواريخ الإيرانية أثبتت قدرتها رغم كل التعتيم الإعلامي الصهيوني، وبالتالي فإن الجولة القادمة وإن حصلت في السنوات القليلة القادمة ستكون مختلفة ونتائجها أيضا لن تقتصر على الجانب السياسي، بل من الممكن أن تعبر إلى تغير جغرافي جديد في المنطقة.
#عبد_القادر_معيوف (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في سقوط دمشق والعجز العربي
-
طوفان الأقصى - دروس 100 يوم
-
شكرا لطوفان الأقصى
-
أزمة الخطوط التونسية وشيطنة العمل النقابي
-
مراجعات في زمن الكورونا
المزيد.....
-
عاجل: إسرائيل تشن هجوماً على مدينة الحديدة في اليمن
-
وسط محبيه.. الدالاي لاما يحتفل بعيد ميلاده التسعين في المنفى
...
-
تيك توك يعمل على تطوير إصدار جديد قبل بيعه لمستثمرين
-
الحكومة مهددة بعد الإعلان عن استدعاء آلاف الحريديم للخدمة ال
...
-
حرائق اللاذقية تلتهم 10 آلاف هكتار وتصيب 8 من الدفاع المدني
...
-
إسرائيل تعلن شن هجمات على الحديدة باليمن
-
تفاصيل انطلاق أوسع حملة إيرانية لترحيل الأفغان غير النظاميين
...
-
مفكر فلسطيني: المشروع الصهيوني نجح في الدعم الإمبريالي وفشلن
...
-
-الموت لجيش إسرائيل-.. كيف أشعل المغني -فيلان- بريطانيا والع
...
-
محللون: إسرائيل أمام خيارين بشأن غزة وحماس لن تتنازل عن 3 نق
...
المزيد.....
-
1918-1948واقع الاسرى والمعتقلين الفلسطينيين خلال فترة الانت
...
/ كمال احمد هماش
-
في ذكرى الرحيل.. بأقلام من الجبهة الديمقراطية
/ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ محمود خلف
-
الأونروا.. والصراع المستدام لإسقاط شرعيتها
/ فتحي الكليب
-
سيناريوهات إعادة إعمار قطاع غزة بعد العدوان -دراسة استشرافية
...
/ سمير أبو مدللة
-
تلخيص كتاب : دولة لليهود - تأليف : تيودور هرتزل
/ غازي الصوراني
-
حرب إسرائيل على وكالة الغوث.. حرب على الحقوق الوطنية
/ فتحي كليب و محمود خلف
-
اعمار قطاع غزة بعد 465 يوم من التدمير الصهيوني
/ غازي الصوراني
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
المزيد.....
|