|
نحو مدينة عراقية ..بلا هوامش واطراف .. بلا عنف واستبداد
وليد المسعودي
الحوار المتمدن-العدد: 1813 - 2007 / 2 / 1 - 11:56
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
بعد عقود طويلة من مركزية مطلقة لدكتاتورية لم تعمل على انتاج وخلق الجانب المديني وتطويره في بنية اكثر المدن العراقية، كيف تظهر المدينة العراقية اليوم؟ وما هي سماتها؟ هل تملك طابع التسامح والتعدد القيمي والمعرفي؟ ماهي آفاق تطورها وتحولها القادمين؟ كل ذلك سوف نعالجه في هذه المقالة التي نحاول من خلالها
رسم المعالم التي اصبحت عليها طبيعة المدينة العراقية في الازمنة الراهنة من اجل تجاوز حالة الركود المديني او حالة عدم الاشباع في مجال التمدن والحرية لان الاخيرة صفة مصاحبة ومرافقة للتمدن وتطور النظرة الانثروبولوجية للانسان وحريته وتعدد حاجاته .. الخ. نستطيع ان نقول ان الحاضر هو نتاج التراكم الذي يخلفه الماضي من قيم ومعارف ومدارس فكرية وعلمية وثقافية .. الخ كل ذلك يؤثر على طبيعة المدينة، فهذه الاخيرة هي نتاج التحولات البشرية من طبيعة اجتماعية وجودية الى اخرى تختلف عنها وتشكل قطيعة معها من حيث القيم والافكار والمعارف، فالمدينة لا تشبه الريف والمدينة نتاج التطور الصناعي والعلمي والثقافي الذي استطاع الانسان الوصول اليه، ومن ثم تنحصر قيم المدينة في النظرة العملية للوقائع والاشياء وهناك الحراك والسرعة والاهتمام بالوقت والعمل بحيث نستطيع ان نقول ان المدينة لا تنتج سوى الاختلاف والتعدد والتراكم والتغيير، وذلك منطقها الخاص بها ولو تحولت عن خصائصها المتعلقة بالتسامح والحريات والتعدد القيمي والثقافي، فأنها تغدو اشبه بنظام القبيلة او المجموعة البشرية المنعزلة عن العالم . لا توجد هنالك اية بوادر للتغير او تكوين وخلق جذور جديدة ومختلفة عن الماقبل او محاولة اعطاء الجذور الاصل الكثير من التجديد وربما اعادة الخلق، ذلك ما تتسم به المدينة من منطق حركي متجدد وحيوي وغير قائم على العجزية او النظرة السلبية للعالم تلك التي تتصف بعدم الاهتمام بالوقت والزمن والتطور .. الخ . ان المدينة العراقية منذ نشأة وتكوين الدولة العراقية عرفت الكثير من التعدد القيمي والمعرفي والثقافي لا بحكم وجود المدينة بمعناها الحديث ولكن بحكم وجود السلطة التي استطاعت بقوة مركزية ان تجمع القوميات والاثنيات والثقافات داخل هذه المدينة حتى كأننا نتصور المدينة في بداية تكوين الدولة قائمة على فسيفساء متعددة من الاقوام والاثنيات والطوائف وكلها محكومة بمنطق التعايش والتآخي والتواصل الانساني بدءا بالمسلم والمسيحي واليهودي والصابئي ضمن تعددية الاديان والعربي والكردي والتركماني والشركسي والارمني والفارسي ضمن تعددية القوميات، وهكذا الحال مع ظهور التيارات المعرفية والثقافية التي بدأت تظهر من احزاب وتيارات ماركسية وقومية وديمقراطية في ما بعد . كل ذلك وجد من دون ان تظهر المدينة بالمعنى الحديث اي وجود المصنع والشارع والسيارة والتكنلوجيا مع التجدد الداخلي وتطور المدن بالشكل الذي يؤصل ويعمق قيمة المدينة وتطورها نحو قيم التسامح والتعددية بالرغم من ظهور بوادر لتطور مدن بالمعنى الحديث بالمستوى النسبي . لكن كل ذلك تم اقصاؤه او تعطيله عن النمو والتطور فالمصنع والسينما والشارع لا توجد الى جانبه مجتمعات مرفهة ومتمدنة بل هنالك الاطراف التي بدأت في غزو المدن بسبب ظلم واضطهاد الاقطاع لها فبدأت المدينة تتحول شيئا فشيئا الى التراكم البشري غير المنتج إلا لهوامش او لاجهزة تخدم الحاكم فحسب، كان العمال والخدميون والصناع الصغار من ابناء الاطراف اي اطراف المدن الوافدين اليها، والنتيجة هنالك التهميش بأبعاده الكبيرة والاسكان الحصري لمهاجرين متدفقين بشكل مستمر بل نقول استمر ذلك الى فترات ماقبل نهاية الدولة بشكلها الاستبدادي في 9 /4 /2003. ان المدينة العراقية ظهرت فيها الكثير من بوادر انتاج المدن ولكننا كما اسلفنا لم يوجد ما يؤهلها لان تتطور وترسخ في ثناياها عناصر التمدن اكثر فأكثر، وهكذا لو درسنا طبيعة المدن العراقية اليوم نجد اثر المركز السلطوي في تقرير مصائر واقدار الكثير من البشر بشكل سلبي من خلال وجود الاسكان العمراني المتخلف او من خلال وجود المدينة المتريفة والمصابة بالجمود العقائدي والمعرفي والثقافي او من خلال غياب اثر الدولة عليها ضمن الشكل الذي يجعلها متقدمة عن سواها من المدن العربية الاخرى خصوصا بعد ان كانت بغداد مصدراً ثقافياً وابداعياً ولكن كل ذلك لم يجعلها تتطور وتبدو مختلفة عن وجودها الشبحي المفتقر لمقومات مدينة حقيقية بالمعنى الحديث . ان اثر السلطة الاستبدادية البعثية جعل المدينة حمالة للعنف والاستبداد والنظرة المطلقة في التعامل مع الانسان المختلف،الأمر الذي أنتج بعد زوال هذه السلطة الكثير من التخلف في مجال التعامل مع الجديد ذاته، وذلك لغياب الطبقة الوسطي المتعلمة التي تستطيع ان تجدد او تعطي الحيوية للمدينة واهميتها بعد التغيير الذي حدث في العراق، إذ نجد المدينة العراقية المصابة بالتنوع السكاني تعاني اليوم من احتقان طائفي وثقافي بسبب التغيرات التي طرأت في بنية الدولة فضلا عن وجود القتل على الهوية، وكأن التعدد والاختلاف اصبح مصيبة على مجتمعاتنا بعد زوال دكتاتورية البعث في العراق والنتيجة هنالك المزيد من الانغلاق الهوياتي ومحاولة الغاء وظيفة الوطن المتعدد والمختلف بشكل مستمر، وذلك الامر يتحمل في تكوينه وخلقه السياسي العراقي بجميع اشكاله ومضامينة القديم والحديث على حد سواء . ان إعادة بناء المدينة العراقية ضمن المفهوم القائم على التآخي والتسامح بحاجة الى استقرار الدولة والقبول بها من قبل اكثر المكونات العراقية، إذ لايمكن العيش من دون الاتفاق والتوافق والمصالحة، وهذه الاخيرة تكاد ان تكون شعاراتية الى حد بعيد مادام السياسي لا يتصالح مع ذاته ومع الاخرين فكيف يراد للمكونات الاجتماعية المصابة بالانغلاق الهوياتي ان تتصالح مع الاخرين . ان محاولة تكوين ونشوء المدن العراقية يجب ان تمر في إعادة قراءة التاريخ العراقي الحديث وكشف الاثر السلبي الذي تعرضت له المدينة العراقية من تكوين هائل لحشود لا تعرف من المدينة سوى الزي الرسمي ولكن الفكر والسلوك اقرب الى الريف والبداوة كما يؤكد ذلك الدكتور علي الوردي . فإعادة قراءة تاريخ المدينة العراقية ومدى تعرضها الى التشويه والعسكرة وانتاج الهويات الضيقة سواء كانت دينية او علمانية قومية او شيوعية مع وجود او إعطاء فسحة كبيرة من الاستقرار والرفاه والتجديد العمراني و إعادة التطور والبناء الصناعي الى العراق، من الممكن ان يجعل المدينة اكثر حيوية بعد ان تتجاوز حالة احتقانها المعرفي والديني. كل ذلك ينبغي ان يأخذ بنظر الاعتبار الكثير من القضايا التي يمكن تلخيصها بما يأتي: 1- بعد بناء الدولة واستقرارها ضمن شكلها الحديث والقائم على وجود الديمقراطية كرسوخ قانوني وثقافي، ينبغي الاهتمام بالتعليم وتعميمه على اكثر المدن العراقية، مع الاخذ بنظر الاعتبار عدم تأثر التعليم ومناهجه بالقوى السياسية وما تحمل من مصادر معرفة وايديولوجيا معينة، وذلك بسبب التغيير الذي من الممكن ان يطرأ على بنية المدينة بين آونة واخرى ولان تجربة البعث في العراق كان لها اثرا سلبيا من حيث عسكرة المجتمع وايجاد الكثير من المجتمعات المغلقة في اطر ومصادر معرفة متردية وعاجزة عن خلق التطور والتغيير الذي ننشده، فالتعليم المتحرر من جاهزيات السلطة السياسية يقود الى تكوين مجتمعات ومدن غير مؤطرة بالايديولوجيا التي تصدر الاقصاء والعنف، ومن ثم هنالك المدن المتسامحة والمنتجة لوعي الاخر وهنا الاخر المختلف والمضاد لما تملك الذات من مصادر معرفية وثقافية معينة. 2- ترسيخ ثقافة الديمقراطية بواسطة الكثير من المؤسسات التي تعي ان المستقبل يجب ان يكون مختلفا عن الماضي والحاضر على حد سواء، وهذه الديمقراطية تجعل الاكثرية والاقلية تعيش حالة المساواة في الحقوق والواجبات والفرص المتاحة من دون متناقضات تتعلق بالهويات الضيقة كالطائفة والعرق والمذهب .. الخ. 3- العمل على بناء ثقافة جديدة للمدينة العراقية تلك المتعلقة بالتمدن بشكل عام من خلال توضيح وكشف ان المدينة هي بنت الحداثة ووجودها لازم للتحديث والتجديد مع الاخذ بنظر الاعتبار طبيعة الثقافة السائدة ومدى مقاومتها للجديد والغريب وذلك من خلال تجاوز حالة الفرض القسري للتمدن الامر الذي قد ينتج او يقود الى ارتدادات كثيرة في مجال التمدن ذاته . كل ذلك يتم من خلال التطور المجتمعي الهادئ والمستقر بواسطة التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتجاوز حالة المدن - الاطراف التي تكاد تثقل المدينة العراقية ( العاصمة خصوصا ) بالكثير من المخلفات التي تركتها آثار المركزية السلطوية والاسكان الحصري، كي تتحول مدننا العراقية من انتاج العنف والاستبداد المجتمعي والثقافي الى مدن جديدة متسامحة ذات صلة بالحراك والتطور الدائمين الامر الذي يجعلها قائمة على الاختلاف الذي يمحي ذاته في ديالكتيك او جدلية دائمة من الاختلاف والحوار والتسامح وانتاج الجديد والغريب عن التركيبة الاجتماعية والثقافية السائدة
#وليد_المسعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الهويات المغلقة - الهويات المفتوحة
-
نقد سلطة المعرفة .. الحداثة والتراث في مقاربة جديدة
-
هل يمكننا تجاوز تاريخ الانغلاق في المجتمعات العربية الاسلامي
...
-
التعليم وصناعة الخوف لدى الطلبة .. نحو تعليم عراقي جديد
-
نحو تكوين فلسفة شعبية عراقية
-
لحظة إعدام صدام .. نهاية الاستبداد في العالم العربي ؟
-
خصائص تربية الابداع في المؤسسة التربوية العراقية
-
جماليات الاحتلال
-
الثابت والمتحول في انماط الاستبداد(الطريق الى مقاربة وطنية ت
...
-
المعرفة العامة نسق ثقافي سلطوي
-
المجتمع بين العقل والغريزة
-
كتابة السلطة – سلطة الكتابة
-
تاريخية العنف في المجتمعات العربية الاسلامية
-
سلطة الايديولوجيا
-
المصالحة الوطنية بين الوهم والحقيقة
-
نحو رسم خارطة جديدة للمواجهة مع القوى الكبرى
-
العلمانية المنفتحة - خيارا بشريا جديدا لدى المجتمعات العربية
...
-
جاهزية الخطاب الفضائي محاولة لبناء مجتمع عراقي تواصلي
-
الحداثة المسلّحة بأشكالها الثلاث
-
العنف المنزلي .. سلطة ذكورية أم خضوع نسائي
المزيد.....
-
كيف يعصف الذكاء الاصطناعي بالمشهد الفني؟
-
إسرائيل تشن غارات جديدة في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بع
...
-
أضرار في حيفا عقب هجمات صاروخية لـ-حزب الله- والشرطة تحذر من
...
-
حميميم: -التحالف الدولي- يواصل انتهاك المجال الجوي السوري وي
...
-
شاهد عيان يروي بعضا من إجرام قوات كييف بحق المدنيين في سيليد
...
-
اللحظات الأولى لاشتعال طائرة روسية من طراز -سوبرجيت 100- في
...
-
القوى السياسية في قبرص تنظم مظاهرة ضد تحويل البلاد إلى قاعدة
...
-
طهران: الغرب يدفع للعمل خارج أطر الوكالة
-
الكرملين: ضربة أوريشنيك في الوقت المناسب
-
الأوروغواي: المنتخبون يصوتون في الجولة الثانية لاختيار رئيسه
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|