|
ثقافة الحوار
أحمد حيدر
الحوار المتمدن-العدد: 1813 - 2007 / 2 / 1 - 11:22
المحور:
المجتمع المدني
افتتاحية العدد الثاني من مجلة – نرجس
ثمة بديهية ، بات لزاما علينا إدراكها،واستيعابها،ولم تعد تحتمل المواربة أوالتنصل منها ، نظرا لأهميتها، وحساسيتها في ظل مايشهده الواقع من أحداث وتطورات خطيرة ، وأن أي سعي إلى إلغائها، وتحت أية ذريعة كانت سعي عقيم ، وهي :ان الهوية الثقافية ومكوناتها لا تقوم على المطابقة ، والتماثل ، إنما على التعدد ، والتنوع الذي يفضي إلى إثراء المضمون الحضاري لمفهوم الهوية الثقافية ( ويمكن أن تكون مركبة - حسب رأي الدكتور كريم أبو حلاوة - ومفتوحة ، ومرنة وقابلة لإعادة التشكيل ، وهي مرهونة بقدرة المجتمع على تأمين وإشباع الضروري للحاجات الثقافية والجمالية والروحية لأفراده ،لا عادة صياغتها بما يتوافق مع المهام المطروحة ويستجيب للحاجات المتجددة ) وأمام هذه المعطيات التي تفرض نفسها علينا ، نرى أن الحوار العقلاني – المدخل لفهم الذات أولا ، وفهم الآخر ثانيا – بين مختلف مكونات المجتمع ، وتياراته (واجب عين ) و ضرورة للتواصل الإنساني ، من اجل إزالة الغبش ، وإجلاء الحقائق ، للوصول إلى قواسم مشتركة تؤسس لدينامية مغايرة ، تضمن استقرار وأمن المجتمع ، ونسيجه الاجتماعي والسياسي ، تكون مقدمة لإعادة النظر في الفضاء الثقافي الراهن ، ترفع الأوابد عن الإبداع ، وآفاق الثقافة الجديدة التي تشجع الحوار في كل الحقول والأصعدة ، الحوار الوطني الديمقراطي ، تنبذ القمع الفكري ، والتطرف ، والمغالاة ، وتؤصل الحرية لرأي الآخر ، واحترامه ، بدلا من مصادرته . وعليه ، فالحوار بحاجة إلى ثقافة جديدة ، وفكر يحترم التعددية والاختلاف ، والإقرار بان ( الحقائق المجتمعية ماهيات مركبة ذات وجوه وأبعاد ، لا جواهر بسيطة مطلقة ذات بعد واحد) إضافة إلى الانعتاق من نزعة الانكفاء ، المقيدة للحوار العلني –يتميز بالصدق والشفافية - بين الثقافات الوطنية الأخرى: الكردية ، والسريانية ، والآشورية ، والأرمنية .. ومن الفكر المسبق القائم على نفي الآخر ( الذي يقطع الطريق على أي تفكير ) كما يرى سيروس . واعتماد الحوار في إدارة الخلافات المجتمعية ، دليل على نضج ،ورقي المجتمع يتطلب تجاوز خطاب ( الخصوصية الثقافية ) الثابتة ، في عالم متغير ، وإيجاد علاقات جديدة مع الآخر ، ترتكز على مبدأ التعددية وحق الاختلاف، بعيدا عن إقصاء المغاير ، والتفرد في الرأي ، أومحاولة فرضه على الآخر. الذي من شأنه إثارة التفرقة ، والتوتر ، والاحتقان ، لا أحد يتكهن بعواقبه ، تنبه له الإمام علي ابن أبي طالب في مقولته الشهيرة: ( من استبد برأيه هلك ، ومن شاور الرجال شاركهم في عقولهم ) كما ان منطق الاختلاف يتكامل عبر الحوار ، لتحقيق توافق في الآراء ،ولا ينبغي أن يتوقف عند الأحكام القاطعة ، وهذا ما عبر عنه الإمام الشافعي بقوله: ( رأينا صواب محتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب ) والحوار الذي الأصل فيه الاختلاف ، والاختلاف هو التباين في الرأي ، والمغايرة في الطرح ، وقد ورد فعل الاختلاف في القرآن الكريم ، في العديد من الآيات منها قوله تعالى :( فاختلف الأحزاب من بينهم ) مريم ، وقوله تعالى : ( وأرجلهم في خلا ف) المائدة ، وقوله تعالى:( ويحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه مختلفون) البقرة ، وجاء في الحديث الشريف:(اختلاف أمتي رحمة) وجاء في كتب السيرة ان ابن مسعود اختلف مع أمير المؤمنين عثمان بن عفان في مسألة إتمام الصلاة في سفر الحج ، لكنه لم يخالف ، وقال : الخلاف شر ، قد يودي الى القطيعة ، ثم أتم الصلاة خلفه . ويرى العلامة ابن القيم: ( ان وقوع الاختلاف بين الناس أمر ضروري لا بد منه لتفاوت أغراضهم ، وإفهامهم ، وقوى إدراكهم ، ولكن المذموم بغي بغضهم على بغض وعداواته ) والاختلاف لا يدل على القطيعة بل على بداية الحوار الذي من شأنه تعزيز التقارب ، وإزالة الحواجز المتراكمة من سوء الفهم المتبادل بين الشعوب التي عانت من الويلات ، جراء التعصب ، وسوء الظن ، والعنف ...الخ ويستلزم في الحوار- الذي من دونه يستحيل تطور الفكر البشري- توافر عنصر الإرادة ، والتحلي بالشجاعة الكافية لمواجهة الأفكار الهشة ( التي تختزنها الذاكرة الشعبية لثقافة شعب من الشعوب عن ثقافة شعب آخر ) ومن المورثات الهشة ( الماضوية) التي تسبغ عليها هالة من ( القداسة ) تحرم النقاش فيها و لا تقبل النقد . وتسد منافذ الحوار . فلا يمكن لأي حوار منشود أن يكون فاعلا ومنتجا ، دون امتلاك أدوات الحوار الحقيقية، الذي يعتبر النقد احد عناصره الرئيسة . إضافة إلى عناصر أخرى تعين على إزالة التراكمات وتمهد للحوار ( الفضاء الخصب لتبادل المعارف الإنسانية وامتزاجها الخلاق ) على قاعدة التنوع منها : القبول بالقيم الديمقراطية ، وحقوق الإنسان ، وفتح المجال أمام المنظمات الأهلية ، والمجتمع المدني في صياغة السياسات الثقافية . من هنا ، تأتي دعوة ( نرجس ) إلى تفعيل الحوار الديمقراطي ، وتوسيع دائرته ، ليشمل النخب الفكرية ، والقوى الثقافية الفاعلة والقادرة على اكتشاف المساحات الحضارية المشتركة ، وبلورتها ، والانطلاق منها في أية مبادرة ثقافية . ونسعى أن تكون ( نرجس ) منبرا حرا للمقاربات الإبداعية الجديدة ، والرؤى المغايرة التي تساهم في تحريك الساكن ، في الراهن الثقافي . نؤكد مرة أخرى ، على استقلالية ( نرجس ) وعدم انتمائها سوى للموهبة ، ونرحب بجميع المساهمات ، والآراء التي تسهم في اغتناء الفضاء الثقافي المنشود وتحفظ رسالة الحرف السامية .
#أحمد_حيدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأحزاب الكردية في سوريا بعد (49 ) عاما
-
فقيه الورد
-
ربيع المحبين
-
محمد غانم الضمير الغائب إإ ؟
-
عرس في حلبجة
-
من ذاكرة آذار !! إلى أرواح شهداء انتفاضة 12 آذار
-
لمن تقرع الأجراس !!؟؟
-
خطأ تقني لكنه باهظ الثمن !!؟؟
-
خطأ تقني .....لكنه باهظ الثمن !!؟؟
-
وقع سهوا ........: بين ( السيد )الشاعر و(السيد ) وزير الثقاف
...
-
الرفيق كمال مراد ....الى اللقاء
-
السيد علي عقلة عرسان ( كفاية ) !؟
-
وسام جديد للشاعرابراهيم اليوسف
-
اصح يانايم ...وحدووووو!!؟
-
الأحزاب الكردية في سوريا ... أمام مفترق الطرق !!؟
-
تضامناً مع الشاعر إبراهيم اليوسف في اعتصامه السلمي
-
ملالي الترف في جمهورية الخزف !!؟
-
جديد الكاتب عباس أسماعيل
-
دعوة الى احترام الاختلاف
-
إبراهيم اليوسف في مجموعته القصصية الأولى
المزيد.....
-
جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
-
مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري
...
-
جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة
...
-
الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة
-
السعودية تنفذ حكم الإعدام بحق 3 أشخاص بعد إدانتهم بجرائم -إر
...
-
ماذا سيحدث الآن بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت
...
-
ماذا قال الأعداء والأصدقاء و-الحياديون- في مذكرات اعتقال نتن
...
-
بايدن يدين بشدة مذكرات اعتقال نتنياهو وجالانت
-
رئيس وزراء ايرلندا: اوامر الجنائية الدولية باعتقال مسؤولين ا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|