أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ الإسلامي














المزيد.....

الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ الإسلامي


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8385 - 2025 / 6 / 26 - 14:04
المحور: سيرة ذاتية
    


في حواضر العراق، حيث تمتزج العراقة برفيف الورق، يبرز اسم الشيخ يوسف كركوش كجذعٍ ضاربٍ في الأرض، تفرعت منه أغصان المعرفة وتفتحت عليه أزهار التاريخ والفقه والأدب. لم يكن الشيخ يوسف كركوش مجرد مؤرخ أو فقيه، بل كان روحًا تسكن الحروف، وصوتًا ناطقًا باسم الحلة، مدينة النهر والعلماء والمآذن، التي أغدقت عليه حبها فأفاض عنها بالمداد والكلمات.
وُلد في عام 1906 بين أزقة الحلة العتيقة، حيث كانت الأرواح مشبعة بأنفاس العلم والمروءة، فنهل منذ نعومة أظفاره من معين الحوزة الدينية وتلقى أولى علومه في مجالس العلماء وخلوات الزهاد. وكان شغفه بالعلم كالجمر تحت الرماد، لا يلبث أن يستعر كلما لمح كتابًا أو سمع حكاية من التاريخ. وهكذا، سار في طريق لا يعرف السكون، طريق المعلومة الممحوة التي سعى لاستردادها، والحدث المنسي الذي آلا على نفسه أن يكتبه بمداد الحقيقة لا بأهواء الزمن.
ما إن اشتد عوده حتى بدأ رحلته في البحث والتأليف، غير متكئٍ إلا على ذاكرته الحديدية، وقريحته المتقدة، وإيمانه بأن توثيق التاريخ ليس ترفًا، بل مسؤولية جسيمة. وقد تميّز في هذه الرحلة بعين المؤرخ الحصيف الذي يرى في التفاصيل روح المدن، وفي الأسماء الصامتة حكاياتٍ كان لا بد لها أن تُروى.
في كتابه مختصر تاريخ الحلة (1935)، ثم في عمله الأوسع تاريخ الحلة (1965)، قدّم كركوش شهادة حية على عصرٍ مضى، وشخوصٍ عبروا، وأسئلةٍ ظلّت مُعلقة تبحث عن مجيب. لم يكتب للتسلية، بل كتب ليحمي مدينة من النسيان، ويُعيد لأهلها أسماءهم وصورهم ومآثرهم. فتناول الحياة الاجتماعية بعين الراصد الدقيق، وسلّط الضوء على دور الحلة الثقافي والعلمي، ووقف إجلالًا أمام رجالاتها من العلماء والأدباء.
ولم يكن التاريخ وحده شاغله، بل امتد نَفَسه العلمي إلى مجال النحو، حيث خطَّ كتابه الفريد رأي في الإعراب (1958)، فطرح فيه رؤية إصلاحية في قواعد اللغة العربية، أضاءت طريق الباحثين في زمن كان النحو يُتهم فيه بالجمود. رأى فيه الدكتور نعمة رحيم العزاوي امتدادًا واعيًا لتيار تيسير النحو، متمثلاً بأعمال إبراهيم مصطفى، وشوقي ضيف، ومهدي المخزومي، ليُصبح هذا الكتاب على صغر حجمه، أحد لبنات التجديد اللغوي في القرن العشرين.
كما وضع الشيخ كتابًا نقديًا بعنوان كشف الغطاء عن فقهاء الفيحاء، جاء ردًا عميقًا وموضوعيًا على كتاب السيد هادي كمال الدين، في سعي منه لإنصاف التاريخ الديني وتقديم قراءة متزنة لفقهاء المدينة. فكان هذا العمل شاهدًا آخر على حسه النقدي النبيل وقدرته على التفكيك والتحليل.
وإلى جانب كتبه، نشر الشيخ كركوش مقالات رصينة في موضوعات شتى، ما بين الفقه والتاريخ واللغة، لم يتخلّ فيها عن دقته العلمية، ولا عن صدقه في القول. ولم تكن معرفته حبيسة الأوراق، فقد سعى إلى توظيفها في خدمة مجتمعه، فكان خطيبًا، ومصلحًا، وموجهًا، حمل في قلبه هاجس الدعوة إلى التسامح، وحماية التراث، ونشر الوعي بين النشء.
وقد أدرك مبكرًا أن للأمم ذاكرة، وأن فقدان هذه الذاكرة يعني التيه. ولذلك دعا إلى صيانة المخطوطات، وتوثيق الآثار، واستشعر خطر التفريط بالماضي، فوقف مدافعًا عن تراث العراق، مؤمنًا أن الحرف الحافظ للتاريخ هو نفسه الذي يصون هوية الأوطان.
وحين ترجل الفارس عن جواده في عام 1978، ترك خلفه ما لا يُمحى، لا في قلوب محبيه، ولا في صفحات كتبه. بقي اسمه يلمع في رفوف الباحثين، وفي ذاكرة كل من قرأ سطورًا من كتبه أو سمع خطبة من خطبه أو استلهم من عطائه سبيلًا للمعرفة. لقد عاش الشيخ يوسف كركوش للحلة، وللعراق، فأعطاهما عصارة عمره، وسطرًا من سيرته في كل كتاب.
إنه واحد من أولئك الذين لا تموت أسماؤهم، لأنهم حين كتبوا، إنما كتبوا بدمهم وأيامهم وأحلامهم. وسيظل صوت الشيخ يوسف كركوش يتردد كلما نطق باحث باسم الحلة، وكلما بحث مؤرخ عن عدالةٍ في سطور الزمن.



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشيخ عبد الكريم الماشطة مصباح علمٍ وتنوير في ظلمات الركود
- قارئ الطين: طه باقر حين نطقت الأرض باللغة السومرية
- ريام الربيعي حين يكتب الجمال أنوثته شعراً
- صبري الحيدري الناقد الذي رأى في الإهداء مرآة للنص
- الدكتور سامي سعيد الأحمد راوي ذاكرة الحضارات
- الدكتور صباح نوري المرزوك عاشق الحلة ومؤرّخ وجدانها
- حسين علوان عينٌ على بابل وقدمٌ في لغة العالم
- أحمد الناجي مؤرخ الذاكرة ومثقف الحلة المتجدد
- جعفر هجول شاعر مترحل بين الغربة والعشق
- الناقد الذي عبر الظل أمين قاسم خليل
- أحمد سوسة ضميرُ العلمِ ومسافرُ الزمان في خرائط الأرض وذاكرة ...
- خالد الحلّي شاعر المنفى وصوت الطفولة البعيد
- قراءة في قصيدة -النهر والمقصلة- للشاعر موفق محمد
- جعفر الكوّاز حاملُ الهوى ومفهرسُ الذاكرة
- الدكتور عدنان الظاهر سيرة حياة عالم كيميائي مميز
- عبد الإله كمال الدين... العابر بين الخشبة والمكتبة
- أديب كمال الدين شاعر الحرف ومتصوف المعنى
- الدكتور وليد جاسم الزبيدي شاعر الذاكرة والمناسبات
- قاسم عبد الأمير عجام الناقد الذي قتلته الكلمات الحية
- الدكتور علي الربيعي ذاكرة المسرح العراقي


المزيد.....




- أنور قرقاش يعلق على تقرير نيويورك تايمز حول الحرب في السودان ...
- المفقودون في غزة.. كارثة صامتة تؤرق آلاف العائلات
- مرضى الغسيل الكلوي بمستشفى الشفاء يواجهون شبح الموت
- عاجل.. ترامب: إسرائيل وافقت على الشروط اللازمة لإتمام وقف إط ...
- صحف عالمية: نتنياهو قد يوقف الحرب ودعاوى ضد جنود إسرائيليين ...
- أول اتصال بين بوتين وماكرون منذ 3 سنوات.. ما تفاصيله؟
- مع تفجر الخلاف.. هل يقوم ترامب بترحيل ماسك إلى جنوب أفريقيا؟ ...
- إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن
- كتاب جديد يكشف -تفاصيل مثيرة- عن محاولة اغتيال ترامب
- هاكابي بعد صاروخ الحوثي: ربما تحتاج قاذفة بي-2 لزيارة اليمن ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - الشيخ يوسف كركوش سادن الذاكرة الحِلِّيّة وأحد أعلام التأريخ الإسلامي