سيد القمنى
الحوار المتمدن-العدد: 1814 - 2007 / 2 / 2 - 11:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ان القوميين ومشايخ الدين وكل فرق الفاشية العنصرية والطائفية تحمل بشدة علي اتفاقية سايكس بيكون ويصفونها بالملعونة, لكنهم لا يقومون اخلاصا للمبدأ القدسي ـ ومداً لحبل الإيمان علي استقامته ، ودون إسقاط لما يترتب على المبدأ من فروض ـ بسداد جزية بلادنا للحجاز التي هي القيمة الإيجارية لأصحاب الحق القدسي في بلادنا, و كذلك لا يرسلون نسواننا لمتعة العربي في الحجاز و الى الراعى المسترخى على مؤخرة بعيرة فى اليمن , ولا يرسلون بنات جلولاء وصبايا دمشق من الشوام وعذارى دجلة والفرات لاصحاب الحق في ركوبهن ..........., حتي يكون لكلامهم معني !!, وحتي يتموا صحيح الدين ان كان الدين هو شاغلهم حقا. وعليهم ايضا اعلان التراجع الكامل بل واعلان الأسف و الخجل من اطماعهم في كراسي الحكم في بلادنا, لانه لن يكون (مع مد الخيط علي استقامته) لغير قرشي حسب نص الحديث الصحيح مرويا عن ابى بكر " الخلافة فى قريش ". هذا مع علمهم ان منهجهم يفترض أن إعلاء كلمة الله هي الأهم من كل مشاغباتهم السياسية وجرائمهم التي ترتكب كل يوم في حق الإنسانية, وانها الأعلي من كل المنافع والمناصب الدنيوية التي يصبون اليها.
أهل الدين والمسترزقون به يسلكون مسلك السلف في طلب منافع الدنيا, ويريدون تزوير الشريعة ، يطلبون الحكم وهو ليس لهم شرعا . والدليل انهم لا يتمون هذا الشرع بارسال حق الوقف لأصحاب الوقف الشرعيين في الحجاز ، لانهم ليسوا بأصحابه, بل هم انفسهم فيئ ضمن الفيئ وعليهم دفع ضريبة رؤوسهم لأهلها، فهم ليسوا اكثر من عبيد ،لا يحق لهم مجرد القول أو ابداء الرأي. ولعل أهم ما يميز قمة الـ (17) عن قمم العرب التى نعرفها في أيامنا هذه, انها قد صاحبتها إجراءات تنفيذية فورية لتطبيق التوصيات دون تسويف أو مماطلة أو تأخير . فقد انتدبت القمة رجلا مجربا محنكا في قياس الاراضي وتقويم جودتها هو (عثمان بن حنيف) , وأمدته بمساعد خبير بذات الشأن هو ( حذيفة بن اليمان) , وامرهما الخليفة بعمل قياس مساحي لاراضي السواد بالعراق, وعمل تقدير لقيمتها الخراجية موزعة علي الوحدات بدقة تحقيقا للعدالة, ومنعا للجور والظلم الذي قد يؤدي بالعربي الي أخذ نصيب اكثر من أخيه العربي, أو أكثر مما يستحق حسب منزلته في التراتب العربي لمنازل الناس وطبقاتهم ، ذلك التراتب الذي كرسه الخليفة عمر في توزيع هذا الفيئ, فقد وجد ان مساحة سواد العراق 36 ألف ألف جريب, اي 36 مليون جريب, فوضع علي كل جريب من الحنطة قفيرا ودرهما, أو أربعة دراهم وعلي كل جريب شعير درهمين, وعلي كل جريب كروم عشرة دراهم, وعلي النخل 8 والقصب 6 والرطب 8, وفي ذلك يقول الشاعر زهير بن أبي سلمي:
تغل لكم مالا تغل لاهلها قري بالعراق من قفير ودرهم
بعد حصر الغلة جاءت مرحلة التوزيع, ومن أجل هذا التوزيع وليس من اجل نشر الدين تم تشكيل اللجان, " فدعي عمر (عقيل بن أبي طالب) و( مخرمة بن نوفل) و( جبير بن مطعم), وكانوا من نسابة قريش, وقال لهم: " أكتبوا الناس علي منازلهم ", اي أن المسلمين انفسهم لم يعودوا كأسنان المشط, بل اصبحوا رتبا ومنازل ودرجات وطبقات, وهي منازل لا تعتمد علي مدي التقوي أو الايمان ودرجتة ، ولا علي حسن السير والسلوك ولا علي مدي الزهد والورع انما هي رتب عصبية قبلية جاهلية ، أولها المهاجرون من قريش يتوارثون ذلك في اجيالهم ونسلهم , وهم بدورهم رتب فأولهم من حضر غزوة بدر , ثم هاشم ثم بقية قريش, ثم الأنصار, ثم عرب الشمال, ثم عرب الجنوب.. الخ
انظر معي قارئي ونحن علي المائدة الاسلامية والأكالون (بتشديد الكاف ) بيعزموا بينا علي بعض : " سأل عمر: بمن أبدأ؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف: أبدأ بنفسك. قال:لا, لكني أبدأ ببني هاشم , فبدأ بالاقرب من رسول الله والاقربون أولي بالمعروف, ففرض للعباس ثم لعلي, ثم والي بين خمس قبائل حتي انتهي الي الانصار.. وكان يفضل في العطاء علي قدر السابقة في الاسلام, وعلي قدر القربي من رسول الله , ولكل من شهد بدرا 5000 درهما في السنة, وكل مهاجر قبل الفتح 3000 درهما. ولمن أسلم بعد الفتح 2000 درهما.
وفرض لنساء المهاجرين والانصار 600, ولعيال المقاتلة وذراريهم العشرات , ولكل مولود يولد 100 درهم, وقال عمر: لئن كثر المال لافرضن لكل رجل اربعة آلاف درهم, ألف لفرسه, وألفا لسلاحه , وألفا لسفره, وألفا لخلفها في أهله ".
وهكذا ومع الفتوح الاسلامية المباركة ظهر في التاريخ لاول مرة جماعة بشرية , تري نفسها المالك الوحيد للبلاد التي تحتلها بما فيها من اراضي وبما علي الارض , اقرأ معي " روي الشعبي, قال: اشتري عتبة بن فرقد ارضا علي شط الفرات, فذكر ذلك لعمر بن الخطاب, فقال له: ممن اشتريتها؟ قال: من أربابها. فلما اجتمع المهجرون والانصار عند عمر قال عمر: هؤلاء أربابها, فهل اشتريت منهم شيئا؟ قال: لا, قال عمر: فردها علي من اشتريتها منهم وخذ مالك ".
ويشرح الماوردي ما ذهب اليه الامام الشافعي فيما انتهت اليه قمة الـ (17) من قرارات, فيقول: " الظاهر من مذهب الامام الشافعي رحمة الله في سواد العراق, انه فتح عنوة واقتسمته الغانمون ملكا لهم وحدهم, ثم تنازلول استنزلهم عمر عنه فنزلوا ( اي تنازلوا عن حق الملكية الفردية مع الاحتفاظ بحق عائده كوقف لملكية العرب الجماعية) الا طائفة رفضت فاستطاب نفوسهم بمال عوضهم به عن حقوقهم؟!! فلما خلص للمسلمين ضرب عليه عمر الخراج ".
و(الخراج) بحسبانه بديلا عن حقوق العرب في امتلاكنا ملكية البعير والماعز والنساء والعبيد, كلمة تحتاج الي تعريف دقيق أو بالأحرى هى بحاجة لفض وفضح مصطلحها الدلالى , فالخراج هو الكلمة التي تدل علي غلة العبد أو الأمة عندما يفيض العبيد عن حاجة السيد, فيتفق السيد والعبد الزائد عن الحاجة علي اطلاقه يعمل فيما يجيده في الاسواق , فيقال فلان خارج غلامه, اي اتفق معه علي ضريبة يؤديها العبد المخارج لسيده كل يوم خراجا, ويكون مخليا بينه وبين العمل فيقال له: عبد مخارج. فالخراج هو غلة العبد المخارج, ومن ثم تم اعتبار شعوب البلدان المفتوحة عبيدا مخارجين يدفعون غلة العبد لمالكي رقابهم خراجا, يقول بن الاثير:" قال رسول الله لعمه أبا طالب: ألا أدعوهم الي كلمة تدين لهم بها العرب, ويملكون بها رقاب العجم/ج2 ص 23, 24 ".
كان الخليفة عمر بن الخطاب بحسبانه رئيس قمة الـ (17) يعمل بآيات القرآن :" قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون /29/التوبة ".
الآيات لم تقل "حتي يسلموا" وهو دليل عدم إكراه في الدين, الاكراه فقط في دفع الخراج ضريبة رقبة عبد مخارج, لهذا يتضح السبب في عدم تطرق قمة الـ (17) لمسائل الدين ونشره والدعوة اليه. كانت قمة من أجل الغنائم ليضمنوها شرعا قدسيا لهم ولنسلهم من بعدهم. نفس حكاية ابراهيم وربه في التوراة عندما منحه ربه الارض قائلا:" لنسلك اعطي هذه الارض من نهر مصر الي النهر الكبير نهر الفرات/ سفرالتكوين ". اما المسلمين فلم تكن للارض المملوكة لهم ولنسلهم حدودا, كانت أرضهم المعمورة كلها, وغير المعمورة ،المسكونة وغير المسكونة.
ظل العبد المخارج شرعا معمولا به وأحد معالم الاسلام في الحجاز حتي اليوم, كل ما في الامر انه تم اعطاءه تسمية جديدة هي (الفيزا الحرة) التي يستورد بها السيد السعودي عددا من العمال من مصر أو الشام أو السودان أو العراق, ويطلقهم للعمل وعلي كل عامل أن يسدد لسيده كل شهر مبلغا من المال يشرطه السيد عليه, ولا يحصل علي جواز سفره الا بعد أن يسدد لسيده كامل غلة العبد المخارج ......... !! وتحيا الأمة العربية!!
وبعدما ملك العرب رقاب العجم, فان خليفتهم الذي وزع علي عرب الجزيرة هذه الاموال والنساء الوافدة من البلاد المفتوحة, لمن شاء عد, ولم شاء كال بمكيال, هو من مات قتيلا بسبب مالا يزيد عن درهم أو درهمين. فبعدما حطم العرب العروش شمالا وشرقا وغربا, سقط في ذل الاستعباد أبناء تلك البلدان بعدما كانوا يعيشون في بلدانهم أحرارا. ومن بين نكدي الحظ كان ( فيروز أبو لؤلؤة) المانوى لذلك يلقب بالمجوسى ، والمانوية نحلة متطورة من الزرادشتية ، فكان من نصيب المغيرة بن شعبة الثقفي.
كان الخليفة قد سن قانونا بعدم دخول العبيد البالغين عاصمته يثرب, لكن (المغيرة) تمكن من أخذ استثناء من الخليفة لعبده (فيروز) لانه كان عالما مخترعا, لديه من العلم ما ينفع به الناس. ومثل هذا المخترع لاشك أنه كان يعيش في موطنه عيشة السيادة والرفاهية في رعاية الدولة وربما فى رعاية كسري نفسه, ولاشك انه كان يغشي القصور ويعرف أهل الارستقراطية, فقد روي عنه انة كان يمشي في أسواق العبيد فى يثرب يمسح بيده علي رؤوس الاطفال الملكيين والارستقراطيين المسلسلين ، ويذفر بالعبرات بكاء ونشيجا.
ولاشك أيضا أن عالما خبيرا مقربا من القصر عندما يجد نفسه عبدا وأولاد الملوك في الاسواق مع أهليهم يباعون بيع الماعز, لابد أنه قد استشعر إزاء هؤلاء القوم البدائيين في بواديهم ما جعله يكتوي نارا وبغضا وكراهية لهم ولدينهم.
خارج المغيرة عبده المخترع علي أربعة دراهم كل يوم ضريبة رقبته, وأطلقه يعمل بالمدينة, فذهب فيروز يستعطف الخليفة أن يخفف عنه درهمين أو درهما, فرفض الخليفة واعتبرها ضريبة عبد مخارج عادلة. بعد أيام التقي الخليفة فيروزا فقال له: " بلغني انك تقول لو أشاء لصنعت رحي تطحن الطحين بالريح , فرد عليه فيروز بنغمة صارمة: " لاصنعن لك رحي يتحدث بها الناس, فاقبل عمر علي من معه فقال: توعدني العبد ".
وقرر فيروز أن يتحول عن العلم والاختراع الي النقمة الفدائية , فكمن للخليفة بالمسجد فلما قام الخليفة لإمامه الناس قفز عليه فيروز فطعنه ثلاث طعنات نافذة ؛ فصرخ عمر " قتلني الكلب " ، فتكاثر الصحابة علي فيروز بسيوفهم ومعه خنجر, فتقاتلوا ، فقتل منهم سبعة ، وأصاب سبعة آخرين ، حتي اذا ما رأي أنه مأخوذ نحر نفسه بخنجره, فكان من احتز رأسه عبد الله بن عوف.
#سيد_القمنى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟