عمر قنديل
كاتب وباحث
(Omar Kandil)
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 21:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في لحظةٍ ما من التاريخ، لم يكن يُسمح للعقل أن يتجوّل خارج أسوار المعتقد، ولم يكن يُسمح للعلم أن ينقّب في أسئلة الوجود إلا بمفتاحٍ يباركه رجال الدين. كان العالم يغطّ في سباتٍ من الإجابات الجاهزة، حتى بزغ نجم اسمه تشارلز داروين، يحمل معه فكرةً بدت في ظاهرها بسيطة، لكنها كانت أشبه بزلزال ضرب أساسات التفكير التقليدي: الانتقاء الطبيعي.
لم يكن "أصل الأنواع" مجرد كتاب علمي، بل كان تحدّياً صريحًا لسرديات الخلق المُطلقة، تلك التي كانت تحتكر الإجابة عن سؤال: من أين جاء الإنسان؟ داروين لم يهاجم الدين، بل قدّم تفسيرًا طبيعيًا لنشوء الحياة، تفسيرًا لا يحتاج إلى معجزة، بل إلى مليارات السنين من التراكم، والصراع، والبقاء للأصلح.
ولم تمرّ سوى سنوات، حتى جاء نبيٌّ آخر، لكن هذه المرة من ميدان الفلسفة والاقتصاد والاجتماع، يحمل مطرقة لا تقل وقعًا عن نظرية التطور؛ كارل ماركس، مؤسس المدرسة الماركسية. ماركس لم يكن مهتمًا بكيف خُلق الإنسان، بل بكيف يعيش هذا الإنسان. رفض أن تُدار حياة البشر من المجهول، باسم قداسة أو وحي، ورأى أن الشرائع التي تنبثق من معاناة الناس ومصالحهم، أصدق من تلك التي تتعالى عليهم من دون أن تعيش بينهم.
كان كلٌّ من داروين وماركس، في نظر كثيرين، لا يهدمون فقط أنظمة معرفية، بل ينزعون القداسة عن الإجابات الموروثة. ومن هنا، بدأ العداء. كرههم المتدينون ليس لأنهم قالوا شيئًا خبيثًا، بل لأنهم تجرأوا على القول. حطّما غرور الوصاية الدينية، وأثبتا أن الإنسان يملك أدواته لفهم الحياة وإدارتها، دون أن يُلقّن ما يفعل، أو يُمنع من أن يسأل.
وما زال صداهما، إلى اليوم، يتردّد في أروقة الفكر، في كل نقاش عن أصل الإنسان، وفي كل صراع من أجل العدالة. لقد علّما العالم درسًا لا يُنسى: أن العقل البشري، حين يُطلق له العنان، قد يُحدث ضجيجًا... لكنه ضجيج الحياة، لا صمت المقابر.
#عمر_قنديل (هاشتاغ)
Omar_Kandil#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟