علي الجلولي
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 12:01
المحور:
القضية الفلسطينية
تشهد فلسطين المحتلة وخاصة قطاع غزة استمرارا وحشيا لحرب الإبادة التي أتت على الأخضر واليابس في تحدي سافر لكل المؤسسات والأعراف والقوانين. لقد وصل الأمر إلى ضرب من العبث المجنون حد "استدراج" الجوعى و العطاشى إلى الطوابير الطويلة ثم إطلاق الرصاص الحي عليهم وهو ما أصبح لعبة يومية تجسد قمة الصادية بل قمة التوحش التي يمكن أن يصلها "بشر" في استعادة تراجيدية للممارسات النازية وجرائم رعاة البقر ضد السكان الأصليين في شمال أمريكا، بل لجرائم كل الاستعماريين ضد الشعوب المحتلة على طول التاريخ. يتمّ هذا التقتيل اليومي الذي تنقل تفاصيله على الأثير أمام صمت رهيب للعالم الرسمي وفي المقدمة منه الأنظمة العربية التي يتورط بعضها بصفة مباشرة في محاصرة الشعب الفلسطيني مثل النظام المصري الذي يغلق معبر رفح ويمنع مرور الدواء والماء فيما تتولى مؤسسات أمريكية توزيع نزر قليل من "المساعدات" جعلت الطوابير إليها فخاخا لاصطياد الغزاويين من قبل رصاص الاحتلال. وتعوض المؤسسات الأمريكية مؤسسات الأمم المتحدة التي وقع تجفيف كل منابعها وأصبحت مؤسساتها مثل "الأنروا" بدورها في حاجة إلى الحماية. وقد تكثف التقتيل مع انطلاق العدوان الصهيوني على إيران، فمنذ أيام أصبح العدد اليومي للشهداء يتجاوز المائة، فبالنسبة للكيان النازي لا يجب أن يتشرب في ذهن أي طرف أن قبضة التقتيل الصهيوني قد ارتخت تحت وابل الصواريخ الإيرانية التي تدك كيان الاحتلال.
وفي الوقت الذي "تعطلت" فيه المناورات الدبلوماسية التي تهم التفاوض غير المباشر بين المقاومة وكيان الاحتلال، وفي الوقت الذي توجه الإدارة الأمريكية كل جهودها إلى جبهة الحرب الجديدة بتكليف مبعوثها "ويتكوف" بملف الحرب مع إيران، تنهض المقاومة الباسلة من تحت الأنقاض وتوجه الضربات الموجعة لجنود الاحتلال على طول قطاع غزة وعرضه، كما دكت صواريخها بعض المغتصبات القريبة واختطفت أيادي أبطالها بعض المسيرات، فيما يتواصل فشل العدو في "تحرير" رهائنه رغم كم الدمار والتدمير.
ولئن انعكست هذه الحرب القذرة على كيان الاحتلال ومؤسساته بكل الأزمات بل وبمظاهر جدية للتفكك هي بصدد التعزز تحت القصف الإيراني الذي لم يكشف على محدودية القوة الصهيونية التي لا معنى لها دون دعم أمريكي فحسب، بل كشف أيضا عن حجم الضعف الذي يسم المجتمع الصهيوني باعتباره مجتمعا اصطناعيا ومركبا يتسابق جزء مهم منه على المغادرة برا وبحرا للعودة إلى البلدان الأصلية. ولئن أصبحت عديد الدول الإمبريالية "محرجة" خاصة تحت الضغط العارم والجماهيري من شعوبها و أساسا في أوربا إذ شرع الاتحاد الأروبي في مراجعة اتفاقية الشراكة مع كيان الاحتلال وألغت اسبانيا صفقة تسليح معه، فان الأنظمة العربية "أعطت المثال " في الوظيفية والعمالة لكيان الاحتلال و للامبريالية الأمريكية من خلال الانخراط المباشر في حصار الشعب الفلسطيني وتجويعه وتعطيشه، ومن خلال القمع الرهيب الذي قابلت به تحركات الشعوب للتضامن مع الشعب الشقيق.
ـ حركة الإسناد لفلسطين تتصاعد
منذ انطلاق العدوان لعبت الساحات العالمية وخاصة في أوربا وأمريكا دورا محوريا في إعلاء الصوت ضد ما يجري في فلسطين. وتعرف هذه الحرة تصاعدا في المدة الأخيرة عرف ذروته في فرنسا وايطاليا واسبانيا والولايات المتحدة وألمانيا. وقد كان تنظيم القافلة البحرية "مادلين" من قبل نشطاء غربيين أوقفتهم قوات الاحتلال على شواطئ غزة مناسبة لتصعيد الاحتجاج وهو ما فرض على الاحتلال إطلاق سراح هؤلاء النشطاء، و قد تنادى نشطاء من كل العالم من أجل تنظيم المسيرة العالمية إلى غزة يوم الأحد 15 جوان في مصر (من العريش إلى معبر رفح)، لكن نظام السيسي العميل أعاد العديد من مطار القاهرة لمنعهم من إحراجه على أرضه وأمام شعبه على دوره المخزي في إغلاق معبر رفح أمام المساعدات بما فيها العاجلة، وقد تعرض العديد من النشطاء إلى الإيقاف والاعتداء من قبل القوات الأمنية المصرية، وهو ذات الأمر الذي تعرضت إليه "قافلة الصمود" التي منعت من دخول مدينة "سرت" الليبية من قبل نظام حفتر لعدم حصول المشاركين فيها على التأشيرات للتحول إلى مصر. في ذات الوقت تواصل أنظمة العمالة وجامعتها الصمت والتواطؤ بما في ذلك الأنظمة التي تدعي الانتصار إلى فلسطين مثل نظامي تونس والجزائر اللذين لم يقدما لفلسطين أكثر من خطابات المغالطة والتضليل في الوقت الذي قامت أنظمة في أمريكا الجنوبية واروبا وجنوب إفريقيا بخطوات سياسية وعملية هامة تهم أشكالا متعددة من مقاطعة كيان الاحتلال وقطع العلاقات معه وخاصة ملاحقة مجرمي الحرب أمام المحاكم الدولية المختصة لكشف رياء النظام العالمي الذي تحكمه الامبريالية وتسود فيه شريعة الغاب.
إن الحراك الأممي المساند لفلسطين وخاصة الحاصل منه في أوربا وأمريكا والآخذ في التوسّع حجما ونوعا وخاصة من جهة الشعارات والمطالب المرفوعة والتي أصبحت تتجذر نحو المطالبة بقطع كل العلاقات مع كيان الاحتلال باعتباره كيانا مجرما، وهو تحول مهم لابد من الانتباه إليه. لقد أثبتت التجربة التاريخية المعاصرة أهمية حركة الإسناد في دكّ حصون الاحتلال. لقد لعب الرأي العام الأممي دورا محوريا في إنهاء الاحتلال الأمريكي للفيتنام والاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر، ونظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا. لقد شكل صمود الشعوب ومقاومتها عصب انتصارها مدعوما بحركة التضامن العالمية وهو ما يحتاجه الشعب الفلسطيني اليوم الذي يخرج مآت الآلاف الحرائر والأحرار في العالم الغربي لإسناده، لكن نقطة الضعف في هذه الحركة هي الخاصة بالوطن العربي وإفريقيا التي آن الأوان لتحريكها وتقويتها حتى يتعزز الصف الفلسطيني بحليفه الموضوعي وهو الجماهير والشعوب في المنطقة العربية والعالم.
ـ الشعوب العربية معنيّة مباشرة بإسناد فلسطين
إن الحاجة الأساسية التي يحتاجها الشعب الفلسطيني ومقاومته في هذه اللحظة الدقيقة سواء في علاقة بالوضع الصعب في غزة والضفة والقدس، أو في علاقة بأوضاع المنطقة التي تعيش على صفيح ساخن لم تعشه منذ النكبة باعتبار حجم الواجهات المفتوحة وحجم الرهانات التي تهمّ كل القوى الإقليمية والدولية المتدخلة بشكل مباشر أو غير مباشر. إن ما يجري في المنطقة هو حرب عالمية تقابل بين أهم الأطراف المتصارعة من أجل فرض الهيمنة على مقدرات المنطقة وإمكانياتها الجيواستراتيجية. فالامبريالية الأمريكية وربيبها كيان الاحتلال لن يقبلا بأي شكل المسّ من مصالحهما الحيوية وهما يريدان الاستغلال الأقصى للفرصة التاريخية الحالية لإعادة تشكيل المنطقة القابلة أكثر من أي وقت لذلك بعد إسقاط النظام السوري وإضعاف سوريا وضرب المقاومة اللبنانية ووضع اليد على النظام اللبناني، وهو ما أضعف اللاعب الإيراني الذي يجب الانقضاض عليه حتى لا يعيد بناء ذاته. إن تحقيق الأهداف الصهيوامبريالية يتطلب أيضا حسن "استغلال فرصة" صمت الشارع العربي تحت الضربات الموجعة لأنظمة العمالة التي بدا بعضها يعي وان بشكل محتشم أن وجوده في حد ذاته أصبح مهددا في حال الاستفراد الكلي لأمريكا وكيان الاحتلال بالمنطقة، لكن معالجاتها بقيت دائما معالجات أمنية قهرية مع مزيد من الارتهان في أحضان الامبريالية الأمريكية والأطلسية، وهو ما يتطلب من القوى الوطنية والتقدمية الوعي بدقة اللحظة التاريخية، وتحمل المسؤولية في التصدي للمخاطر القائمة والقادمة.
ـ تجريم التطبيع في تونس كمهمة عاجلة
إن التحولات الطارئة في خريطة المنطقة واتجاهات السياسات الامبريالية والصهيونية مدعومة بتواطؤ وخضوع الأنظمة العربية يتطلب تحرك الشارع والجماهير التي يجب أن تتحرر من الشحنات العاطفية التي سرعان ما تطفو وتخبو وذلك بطرح الشعارات المناسبة التي يتطلبها الوضع الدقيق. إن تجريم التطبيع مع العدو الصهيوني هو اليوم معركة المعارك التي يجب خوضها دون تردد ولا تأجيل. إن تعبئة القوى والجماهير من أجل الاتجاه رأسا إلى الضغط الشعبي الواسع من أجل تجريم التطبيع هي المهمة المباشرة الآن أمام كل القوى التقدمية في بلادنا التي يتساهل نظامها ويتواطؤ مع كل أشكال التطبيع التي تتوسع يوميا وخاصة على المستويات الاقتصادية والأكاديمية والثقافية. إن النضال من أجل سن قانون لتجريم التطبيع يترافق وجوبا مع النضال من أجل إيقاف العدوان وفك الحصار وفتح المعابر و إنقاذ سكان غزة من الإبادة، وهو ما يتطلب استهداف مؤسسات ومصالح الدول المتورطة بأي شكل في هذه الجرائم ضد الشعب الفلسطيني. إن المطلوب منا بالضبط هو الالتحام بما يقوم به رفاقنا وأصدقائنا من الحرائر والأحرار في أماكن عديدة من العالم. .
20 جوان 2025
#علي_الجلولي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟