رشيد كرمه
الحوار المتمدن-العدد: 1812 - 2007 / 1 / 31 - 10:03
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
إنه ُ المسرح..........
تتمة مشاهد من هنا وهناك
إنه المسرح , ومن ناحية مسرح الطفل تحديدا ً,حيث إعادة تكوين الخلق من جديد.... فللمسرح أهميته الفائقة على مخيلة البشر وتكوين بدايات الوعي الإجتماعي ( المعرفي ) لكل الأشياء , ولايعقل ان يتحقق النمو والتقدم الحضاري والسلام العالمي والتطبيقات الديمقراطية والمساواة , دون المسرح وأدواته , لذا تحرص الدول المتقدمة وبالطليعة منها المثقفون على إرساء الأسس الفعلية لبناء الإنسان دون الولوج الى التسطيح والخرافة والدجل وما يصاحبهما من إرهاب متعدد الأوجه بغية ( الإقناع ).
ولعل الفرصة التي سنحت لي في العاصمة الليتوانية ( فيلينوس ) لم تكن كافية , الا أنها وفرت لي هذا القدر من تجربة مسرح الطفل , حيث خصص مجال واسع كمتحفٍ لكل الأشياء , إبتداءً من نموذج الكوكب الأرضي والحيوانات المنقرضة والنار وماكنة النسيج وتطور مراحلها وإنتهاءً بالمرحلة التقنية , التكنلوجيا الحديثة .
وذلك طبعا وفق طريقة تعليمية مشوقة , وهذا ما وقفت عليه أثناء زيارتي لمسرح الطفل في العاصمة فيلنوس .
فلقد صادف أثناء زيارتي ان إحتفل المسرحيون بالذكرى المائة لمولد الرسام Stasys Usinskas ،ستاسيس يوسنسكاس.ولد هذا الفنان في باكروييس Pakruojis وتوفي عام 1974 في كاوناس Kaunas . يقول ستاسيس في مقدمة الكتاب التعليمي الذي وضعه والذي كان بعنوان مسرح الدمى والمسرح المقنع...*تعتبر اسيا مهدا لمسرح الدمى . وقد انتقل الى اوربا بعد الحملة الصليبية حيث تأسس هناك بهوية مسيحية. تم تبني هذا المسرح في العصور الوسطى ليجسد حياة ومعاناة السيد المسيح وقد اتخذ اول مسرح دمى من هذا النوع أشكالا غامضة حيث تم تشكيل و أستخدام دمية صغيرة تمثل السيدة العذراء*.
أبتكر يوسنكاس الزجاج المدجج لصالح بنك كاوناس الوطني ولكنيسة فيتاوتاس عندما كان يدرس في مدرسة كاوناس للفنون.وبعد ثلاثة سنين قضاها كرسام في اكاديمية باريس الحديثة درس فيها السينوكرافي والزجاج المدجج، عاد الى موطنه كمبدع وكفنان حقيقي. لقد ادهش هذا الفنان جمهور كاوناس بلوحاته التشكيلية في المعرض الذي اقامه عام 1931 .ثم عمل بعدها مع المخرج المسرحي اللتواني أ.أوليكازيلينكاس في وضع ديكورات مسرحيات الاخير في المسرح الوطني للشباب في كاوناس.لقد كان تأسيس اول مسرح دمى متخصص في لتوانيا احدى انجازات يوسنسكاس ولكن هذا الانجاز لم يتم تقييمه كما ينبغي من قبل معاصريه. من خلال تذكره لدراسته في باريس يقول الرسام ..لقد كنت في الغالب اذهب الى مكتبة اللوفر في الامسيات لآجمع المعلومات عن المسرح الصيني والياباني القديم للدمى لقد كنت احلم بمسرح مشابه في بلدي ...وفي عام 1936 أصبح الحلم حقيقة .
ولآجل تحقيق ذلك الحلم امضى الرسام سنتين في صنع الدمى والديكورات في ورشته. كان قد اخذ على عاتقه كتابة المسرحيات، أيجاد الشخوص والممثلين ودعوة المخرجين وبعد افتتاح مسرحية سلفستر فلوت عام 36 اضطر لشراء الباص الذي يقوم بنقل فريق العمل المسرحي في رحلات فنية في أنحاء لتوانيا من ماله الخاص والارباح المستحصلة. وعلى الرغم من تللك الجهود الخالصة لأنجاح مسرح الدمى أضطر لآيقاف عمل ذلك المسرح بعد الفشل في الحصول على الدعم المطلوب من الحكومة.!!!! بعد ذلك مباشرة حقق يوسنسكاس فكرة أخرى بأنجاز فلمه حلم الرجل البدين مستخدما نفس الدمى. و قد كتب ليتوفوس زينيوس في ذلك الوقت عن الفلم ( لقد كانت الدمى تتطاير ،تركض وترقص، تتعثر وتتساقط ثم تتجمع في جعبة...تغني وتتحرك بأيماءات ملؤها الحيوية والتلقائية حيث استطاعات ان تخلق لحظات يمكنك وصفها بانها تحفة فنية ..لقد كان للفلم مزايا فنية خلاقة يجعله يضاهي الافلام الاجنبية اسلوبا وصناعة)، لقد اراد يوسنسكاس ان يعرض من خلال الشاشة اسطورة لتوانية...وهنا فشلت الحكومة ايضا في توفير الدعم المادي للعمل.
لم يتمكن الفنان من ارساء قواعد لمهنته خارج البلاد بسبب الحاق ( ضم ) الاتحاد السوفياتي للتوانيا عام 1940 . وبعد الحرب اصبح يوسنسكاس مؤسس لمدرسة صناعة الزجاج المدجج اللتوانية وفن التشكيل بالزجاج.لقد ترك أرثا متميزا من خلال تدريسه لآجيال عديدة وتخريجها كفنانين مصممين للنصب والاعمال التشكيلية.........أتم رسالة يوسنسكاس في تبني مسرح الدمى اللتواني المخرج باليس لوكوسيوس الذي أعاد مسرح الدمى المتخصص سنة 1958 في فيلنيوس حيث و منذ 1975 أصبح يسمى مسرح ال( Lele ) اي الدمى.
خوزيه مارجينكيفسيوس ، مدير مسرح الليلي أي ( مسرح الدمى ) في فيلنيوس ....
ولقد إطلعت على كتيب وزع في مسرح الطفل , فيه توطئة لخوزيه مارجينكيفسيوس تقول : نهنىء جميع المشاركين والضيوف والمتعهدين والمشاهدين لمهرجان مسرح الدمى بالذكرى المائة لمولد الفنان ستاسيس يوسينسكاس كما ونهنيء جميع محبي مسرح الدمى أيضا. ان جميع فناني مسرح الدمى اللتواني بفصائله المتخصصة والهاوية والدارسة تقدر جيدا الارث الفني العميق و الثمين الذي تركه الفنان لمسرح الدمى. لقد كان لدمى الفنان التي صنعها وذكريات مسرحية سلفستر فلوت والفلم _حلم الرجل البدين_ كما لملاحظات الفنان المدونة ومخطوطاته وكتبه التعليمية لمحركي الدمى الاثر الكبير على مسرح الدمى اللتواني وعلى مسرح الليلي في فيلنيوسin Vilnius Lele theatre ومنذ عهد بعيد.
وعلى الرغم من ذلك يبقى الاهتمام بارث فني كيوسينسكاس واحياء ذكراه كما يجب دون المستوى المطلوب والاعتراف باثره في الحياة الفنية اليومية دون ما يستحق. لقد دأب مسرح الدمى في فيلنيوس على ملىء هذا الفراغ بما تتوفر له من موارد وأمكانيات متواضعة وبمساعدة وزارة الثقافة فنظم مسرحنا عام 1996 أحتفالا لآحياء الذكرى الستين لآنشاء مسرح الدمى المتخصص في فيلنيوس وتأسيس مسرح يوسينسكاس للدمى. وبهذا فأن مسرحنا يتفهم الحاجة للاستمرار بنشر الوعي عن يوسينسكاس ومسرحه وفنه ومبادئه الفنية وانجازاته. وباكورة هذا الدأب كانت مهرجان مسرح الدمى والذي يحتفل باليوبيل الذهبي لميلاد يوسينسكاس ويقام في مسرح الدمى في فيلنيوس من الثلاثين لايلول وحتى الثاني من اوكتوبر عام 2005. وبالرغم من ان مسرح الدمى له تقاليده العميقة فان دقة تفاصيله التقنية تجعلنا لا نتمكن من مشاهدة مسرح دمى نقيا الا نادرا. ان المسرحيات التي ستعرض عليكم في هذا المهرجان قد كرست لها ما امكن من تقنيات دقيقة والتي تطلبت مهارات وجهود خاصة .
وهذا لم يكن بالامر المعضلة ولكنه يثبت مجددا بان مسرح الدمى لم يكن بالفن المنسي يوما وبان الجهود والامال تتوجه دوما لتطوير فن مسرح الدمى. ان لقاءات المعنيين بمسرح الدمى المتواصلة وتبادلهم للخبرات الحرفية والفنية فيما بينهم خلال المهرجان سترفد المزيد من الخبرة والنبض الخلاق لحرفيي مسرح الدمى. ان ما نسمو اليه هو ان يكون بالامكان تطبيق المبادىء الخلاقة التي يحملها العبق الفني الذي اورثنا اياه يوسينسكاس بوجه اعمق في تفاصيل حياتنا اليومية .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لاعب الدمى ريماس دريزيسRimas Dreizis لقد قدم لي هذا الفنان الكثير من المساعدة وأتاح لي الإطلاع على عرض احسبه كرما وهدية لزائر أقحم نفسه في لحظة كان الوقت فيها شحيحا .
ولقد كتب هذا الفنان المتواضع مايلي :
يعد يوسينسكاس ومسرحه بالنسبة للكثير من الفنانين ومحترفي مسرح الدمى نبع دائم للعون والالهام. بالامكان القول ان مسرح الدمى قد اندفق في بلدان اخرى من الحلقات الثقافية والتعليمية. وعلى اي حال من الاحوال فان يوسينسكاس والذي يعد مبتدع مسرح الدمى المتخصص في لتوانيا قد ابتدع مسرحه ومنذ البداية كمادة فنية صلدة و جلية مقدما اياه كصيغة فنية متجردة ذات مواصفات فنية عالية.
تحت حقبة ( الحكم السوفيتي ) تراجع هذا الفن صوب الحرفية البحتة حيث كان مكرسا لامتاع الاطفال واضحاكهم وبطريقة ادت الى تضعضع مبادىء هذا الفن. ولكن.. وعبر اداء محرك الدمى فيتاليوس مازوراس كانت هناك عودة الى الاولويات الفنية التي وضع اسسها يوسينسكاس. ومن المتعارف عليه حاضرا فان يوسينسكاس قد اسس عالميا ظاهرة مسرح الدمى اللتواني المتخصص ومدرسته.
لقد كانت دمى مسرح يوسينسكاس هي ايضا من نوع خاص. لم يكن لتلك الدمى تشبهابالواقع بل كانت هي بحد ذاتها واقعا فنيا خاصا. لم تكن امتدادا تقليديا لما كان متعارفا عليه في مسارح الدمى انذاك ، بل كانت اقرب لما يجسد الية الفن المتحرك. ومع هذ فاننا لا ننكر ان الرسام نفسه قد حلل وامتدح الدمى التقليدية وباسهاب مركزا في الوقت نفسه على اهمية الشكل الذي اعتمده للدمى. ومن بين جميع التشكيلات البلاستيكية المعروفة لدى يوسينسكاس في ذلك الوقت اختار هذا الفنان اصعبها حيث كان مسرحه ذو مساس بفن الكوميديا ولهذا فقد اختار اشكالا بحيث يتمكن من الاستفادة منها في تجسيد شخوص دراماتيكية اخرى تختلف عن السابق بمجرد تغيير ازيائها. ووفقا لما جاء على لسان الناقد الفني اودرون كيرجاوسكايتي فان يوسينسكاس كان فنانا كونيا ووراء ذلك يكمن السبب في قدرته على خلق مسرحا كونيا.
وباحياء الذكرى المائة لميلاد يوسينسكاس واضافاته في تطوير مسرح الدمى اللتواني و من خلال عرض اعماله غير التقليدية سنتمكن من تسليط الضوء على التقاليد والخواص العالمية لهذا الشكل من اشكال الفنون بمعية المحترفين وعشاق هذا الفن والجمهور.
يتبع
رشيد كَرمة sweden 2007/1/26
#رشيد_كرمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟