أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي بندق - مصر وثقافة الحصار















المزيد.....



مصر وثقافة الحصار


مهدي بندق

الحوار المتمدن-العدد: 1812 - 2007 / 1 / 31 - 11:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مقدمة
شهدت ثمانينات القرن الماضي صعود مشروع الإسلام السياسي –بجناحيه الشيعي والسني- موازياً لبداية تراجع المشروع القومي العربي الذي كان يعد رافداً مهماً في نهر حركة التحرر الوطني على مستوى العالم المعاصر. ولقد كان لهذا التراجع أسباب، أولها: غياب فلسفة الديموقراطية عن قلب وعقل هذا المشروع القومي، وثانيهما: سقوط الحليف الأكبر، الاتحاد السوفييتي السابق، الذي امتطى الماركسية كفلسفة تحرير على المستوى النظري، بينما كان يعمل في الواقع على بناء نظام رأسمالية الدولة ذات المصالح القومية. وأما ثالث الأسباب فيعود إلى استطاعة الغرب الرأسمالي المحنك أن يعبر أزمته الهيكلية –مؤقتاً- في مجال الاقتصاد، بتبنيه لما صار يُعرف بالليبرالية الجديدة، تأسيساً على أفكار لورد كينز، وميشيل فريدن ولوتار جال.
فأما عن صعود مشروع الإسلام السياسي، فلقد انطلق قطاره مسرعاً من المحطة التي توقف عندها القوميون، لا سيما حين تمكن الجناح الشيعي الإيراني من الوصول إلى السلطة بعد أن اقتلع –بالزخم الإسلامي- عرش الطاووس حليف الإمبريالية الأمريكية الأول في المنطقة. فكان أن برزت في العالم العربي من الجزائر إلى فلسطين، ومن السودان إلى السعودية، ومن الأردن إلى مصر تنظيمات سنية ٌ، متخذة ً لنفسها هدفا ً سياسياً محدداً (ومحدوداً) هو تجنيد شعوب المنطقة تحت راية الإسلام، تمهيداً لمواجهة حاسمة مع قوى الاستكبار العالميّ، وهو هدف سياسي لا شك في نبله، لكنه على المستوى الاستراتيجي لا يحل أية مشكلة. ذلك أنه بفرض تحقق الهدف السياسي، فلا مناص حينئذ من عودة صيغة الدولة الدينية، التي ترفع شعار الحاكمية لله وليس للشعب (الجهاد) والتي تعلن الحرب على كافة الدول غير المسلمة (سيد قطب) وتجبر رعاياها من غير المسلمين على سداد الجزية، أو بالأقل تحرمهم من تبؤ مناصب معينة في الدولة (الإخوان) مما يدفع بالمشكلات السياسية والاجتماعية، داخليا وخارجياً إلى حدها الأقصى.
ربما يضع الباحث يده على مظاهر التناقض في هذا المشروع والمتمثلة في منهج الانتقائية Eclecticism حيث اضطرت هذه التنظيمات إلى اعتبار أن الشورى هي الديموقراطية آخذة من الأخيرة الشكل دون المضمون، وقابلة منها آلية الانتخابات حسب، رافضة صراحة ً أو ضمناً التسليم بمبادئها الواردة بالميثاق العالمي لحقوق الإنسان، وعلى رأسها المساواة الكاملة بين المواطنين دون النظر إلى جنسهم أو أديانهم أو عقائدهم. ولكن الباحث حين يتعمق أكثر، لا ريب سيدرك أن التكوين الثقافي لغالبية الشعوب العربية والإسلامية إنما هو حجر الزاوية في مسألة قبول أو رفض تلك المبادئ الإنسانية العالمية. وآية ذلك أن هذه الثقافة كانت قد تأسست في عصر الإمبراطورية على اقتصاديات الفيء والخراج، ورضعت –سوسيولوجياً- من ثدي أيديولوجية التفوق الديني والعنصري، وصحيح أن كافة الدول في العصر الوسيط كانت كذلك، إلا أن تلك الثقافة أمست محض ذكريات بالنسبة للدولة المدنية الحديثة. أما عالمنا العربي فلازال يعيش على هذه المخايلة التاريخية عاجزاً عن تخطيها، فبات منطقياً أن تولد لديه الأسطورة الأولى: أسطورة إعادة الماضي الذهبي ، بما تصوره لأصحابها أن مستقبل الأمة قابع وراءها، وبالتالي فأي حديث عن إبداع مصير إنساني بغير نموذج سابق، إنما هو حديث بدعة وضلال!
هذا التصور الماضوي يقوم على أمل غامض أن يدب الضعف في أوصال الغرب كما حدث للإمبراطوريتين الفارسية والرومانية في العصر الوسيط، وأن يتقدم العرب والمسلمون كما تقدموا في السابق (نظرية حسن حنفي)، والمفارقة هنا أن العرب والمسلمين الذين آمنوا بالعلم في ذلك العصر الذهبي مثل أبي بكر الرازي وابن سينا وابن رشد، وغيرهم، اضطهدوا واتهموا بالزندقة، رغم قبول إنتاجهم المعرفي ولو على مضض. فما بالنا بالعرب المُعاصرين فهم جُملة ً يمقتون فكرة المعرفة العلمية، رافضين شروطها بظن منهم أنها تزعزع أركان العقيدة !! من هنا نشأت أسطورة فرعية تدعى "أسلمة العلوم" أي القبول بالنواتج الاستهلاكية للعلم ورفض مناهجه في آن. خذ مثلاً قيام مفتي السعودية السابق عبد العزيز بن باز بتكفير القائلين بكروية الأرض! وكذلك تصريح الأستاذ أ.ك. بروهي المفكر الرسمي السابق لباكستان بأن آراء آينشتاين في حركة الجزيئات والمكونات الأساسية للمادة وطبيعة الضوء خاطئة من الناحية الإسلامية! أضف إلى هذا وذاك تحقير غالبية المتعلمين في العالم الإسلامي لداروين ونظريته في أصل الأنواع، ليس لكونها ناقصة علميا ً، بحيث يجوز تخطئتها بمنهج كارل بوبر، بل لأنها أساساً لا تتفق وفكرة خلق الإنسان مستقلاً عن المملكة الحيوانية، تلك الفكرة التي تستند على النص التوراتي لا على أية أبحاث بيولوجية. ويترتب على هذه القطيعة المعرفية Epistemological Break مع مناهج العلوم الطبيعية المعاصرة تخريج أجيال من المتعلمين شكلاً، عاجزين عقلاً عن مواكبة العصر، بله المنافسة في ميادين الإنتاج الصناعي، والاتصالاتيّ، والاختراع، والكشوف العلمية المتسارعة. ومع ذلك تأبى هذه الأجيال أن تسأل نفسها من أين جاء هذا الحاضر البائس؟ أوليس كل حاضر ابناً لماض لا مشاحة مورث لجيناته وميماته ؟
وأما الأسطورة الثانية – والتي يروج لها مشروع الإسلام السياسي- فتعد امتداداً عضوياً للأسطورة الأولى. ومفاد هذه الأسطورة الثانية أن الإسلام يتعرض لمؤامرة تاريخية، رسم اليهود تفاصيلها، وتقوم أمريكا وأوروبا بتنفيذها، وهي أسطورة لا تلتفت إلى حقائق صراع القوى العظمى بغرض تكريس الثروة العالمية لصالح دول الشمال على حساب دول الجنوب، ولصالح الرأسماليين على حساب العمل المأجور، دون تفرقة بين طبقات عاملة مسلمة وأخرى مسيحية وثالثة يهودية، حيث الكل مستلب ومنتهب سواء بسواء.
أما ثالث تلك الأساطير، فهي أسطورة المـُـخـَلـّص (بتشديد اللام) الذي هو فرد عبقري مُلهَم، فيه تتجسد الأمة جميعاً بآمالها وأحلامها بل وقدراتها الكامنة Potential Potencies، ولهذا فإن تسليم القياد للبطل المخلص بغير مراجعة أو مناقشة كفيل بإحراز النصر! وعليه يمكن تفسير ولع الشعوب العربية بصلاح الدين وعبد الناصر وصدام ونصر الله، إذ يكفي هؤلاء شرفاً أنهم تصادموا مع العدو، بعضهم حقق انتصارات، وبعضهم هزم ولا تثريب! فالنتائج المترتبة على ما يفعلون أمر يخصهم وحدهم، وكيف يمكن محاسبتهم وقد احتازوا الرضا والإعجاب؟ كذلك لا يمكن محاسبة الجماهير على نتائج الأبطال إذا جاءت سلبية لسبب بسيط هو أن الجماهير لم تكن مشاركة بأية حال في قرارات هؤلاء الأبطال.
وهكذا يمكن القول بأن ثقافة الأساطير الموروثة هذه، والتي تسود غالباً مجتمعات ما قبل الحداثة، إنما تمثل قاعدة ارتكاز تصعد عليها مشاريع الإسلام السياسي: سنياً كان أم شيعياً، ولكن إلى متى يظل الصعود؟ وإلى أين يذهب بالمصريين على وجه التحديد؟
ربما يرى بعض المراقبين – بالنظر إلى تزايد مظاهر هذه الثقافة في الشارع السياسي – أن الإخوان المسلمين هم الإجابة المحتملة. وقد يراهن مراقبون آخرون على إمكانية أن تنهض أحزاب المعارضة السياسية بالتوافق مع الحزب الحاكم على درء خطر المنادين بالدولة الدينية. بيد أن هؤلاء وأولئك يلزمهم أولاً أن يدركوا أي حصار هذا الذي ضرب عليهم من خارج ومن داخل.
الإخوان المسلمون .. ثقافة محاصَرة ومحاصِرة
لعل معظم المثقفين المصريين، والعرب، يوافقون على أن جماعة الإخوان المسلمين إنما هي تعبير عن ثقافة ذات طابع تقليدي ينزع نحو الشمولية، ويعتبر التعدد خطأ مأسوياً يؤدي إلى هلاك الأمة.
ومن نافلة القول أن هذه الثقافة تتغذى على مخايلات تاريخية تمجد عصر الفتوحات الكبرى من ناحية، ومن أخرى تتألم لما أصاب العالم العربي الإسلامي من تفكك وانقسام أتاحا للعدو الخارجي أن يقتحم الحدود، وان يحل بعساكره داخل الديار بدء من الحروب الصليبية فالغزو المغولي التتاري، ثم الاستعمار الأوروبي وصولاً إلى الهيمنة الأمريكية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً في وقتنا الحاضر.
ولما كانت الثقافة (=مجمل المفاهيم ووتائر السلوك) هي التي تبقى للإنسان بعد أن يفقد كل شيء كما يقول سارتر، فإن إعادة إنتاج هذه الثقافة العربية قد تصبح طوق نجاة، وبالمقابل فإن النقد الذاتي لهذه الثقافة ربما كان السبيل الأوحد لتجاوز سلبياتها إبداعاً للجديد القابل للحياة في هذا العصر.
في هذا السياق ثمة حاجة إلى المراهنة على أن التاريخ لا يمضي خبط عشواء في مسيرة البشر، بل هو في معظمه ينطلق تبعاً لقوانين يمكن رصدها، وهذا الرصد إنما يمثل أداة تحليل علمي لفهم أسباب صعود وسقوط القوى العظمى، بحد تعبير المؤرخ الأمريكي بول كينيدي، أو صعود وانحسار الدول (قل العصبيات الحاكمة كما يدعوها مؤرخنا عبد الرحمن بن خلدون) أو الصراع بين الطبقات الذي كشف عنه علم الاجتماع الحديث.
***
نشأت جماعة الإخوان "المسلمين" في عشرينات القرن الماضي، لا لتكون حزباً Part بين أحزاب سياسية ليبرالية، يؤمن كل منها بأنه يعبر عن مصالح طبقة معينه، أو حتى عن طبقات متجانسة ومتحالفة، وإنما أرادت الجماعة أن تحل – مع الوقت- محل هذه الأحزاب جميعاً، فالتعددية الحزبية، كما تؤكد أدبيات الجماعة، منذ توجيهات حسن البنا إلى وثيقة خيرت الشاطر، ليست إلا تكريساً للانقسام وللفرقة، فالخير للأمة أن تتوحد تحت راية الإسلام، وأن تمضي إلى غايتها التي ارتضاها السلف الصالح، ألا وهي نشر الدعوة الإسلامية في العالم بأسره بكل الطرق الممكنة، بما فيها القوة العسكرية إذا هي توفرت (راجع معالم على الطريق لسيد قطب) فإذا لم تتوفر فكفى بدار السلام شاهدا ً. وهنا فلا مندوحة من تطبيق الشريعة الإسلامية حين يحين الوقت الملائم. وحتى يحين ذلك الوقت فلا بأس من تجربة الوسائل المختلفة: الانقلاب العسكري كما حدث في السودان، أو باجتذاب أصوات الناخبين، في الجزائر أولا ً وفي مصر آخرا ً، وفي هذا المسار أو ذاك فلا يوجد مانع من إجراء التحالفات واستخدام العنف حينا ً والتهدئة أحيانا ً، المهم أن تؤدي هذه التكتيكات بأصحابها إلى انجاز الإستراتيجية غير المعلنة، ولكن المعروفة للجميع.
لقد أفاض كثير من المثقفين في تقييم مبدئية وجدارة تكتيكات جماعة الإخوان الرامية إلى تحقيق إستراتيجيتهم هذه، ويقف في المقدمة من هؤلاء الصديق د. محمد السيد السعيد فيما يكتبه بجريدتي الأهرام والقاهرة، ومن قبله الصديق الأستاذ صلاح عيسى خاصة مقدمته لكتاب الدكتور ريتشارد ميتشيل "الإخوان المسلمون- دراسة أكاديمية" ربما لأن الرجلين يربطان –عضويا ً- بين الوسائل والغايات، بأمل منهما أن يُضَمَّـا هذا الفصيل "الشارد" إلى الجبهة الوطنية الديمقراطية، الساعية إلى الإصلاح السياسي الراديكالي، وإلى تثبيت دعائم الدولة المدنية، بما يجعل من مصر واحدة من الدول العصرية المتقدمة إنتاجياً وثقافياً.
***
أما ثاني هذه التحفظات، فيتجاوز فرضية علاقة الغايات بالوسائل، إلى رصد العلاقة الجدلية بين المعرفة والسلطة؛ فمن المُسلم به أن أية جماعة لا يمكنها امتلاك السلطة ما لم تكن نخبتها واعية بإمكانيات هذه الجماعة، وبقدرات منافسيها، فضلا ً عن معرفتها بطبائع المحكومين، ومعرفتها أيضاً بالمجال الحيوي (=الدول الأخرى ومتطلباتها). ففي العصر الفرعوني اختص الكهنة، مثقفو ذلك الزمان، بهذه الوظيفة المعرفية، أما العصر الإسلامي فقد أوكل هذه المهمة إلى الفقهاء وعلماء الكلام وأضرابهم من نخبته المثقفة، ومن ثم فإن الانقسام السياسي بين الإسلام السُني والإسلام الشيعي، إنما كان مرتكزاً على المعرفة المقدمة من هؤلاء الفقهاء وعلماء الحديث وأئمة المذاهب، وازداد الخرق اتساعاً حينما استعان الخليفة المأمون بالمعتزلة، قاصداً إحداث ما يمكن تسميته بلغة عصرنا "إصلاحاً سياسياً محدوداً" فكان أن واجهته القوى المحافظة بفكر الأشعرية الاستبدادي المُغلق. ولقد كانت هذه المعارك الثقافية تجليات للحراك السياسي الذي جاء بالعباسيين وحلفائهم الفرس ليحلوا محل العنصر العربي (الأموي) ثم ما لبث هذا الحراك حتى انتهى إلى جمود تام سواء في هياكل الدولة أو في أبنيتها المعرفية حيث قبلت الدولة ُ بفكر الأشاعرة في العصر العباسي الثاني، تحت وطأة الهزائم المتلاحقة منذ أن انتزع النورمان السيادة على البحر المتوسط من العرب في بداية القرن الثالث الهجري، ثم مالطة وصقلية في القرن الخامس، فضلاً عن سيطرة الصينيين والهنود على البحار الشرقية، الأمر الذي عجل بقدوم الصليبيين الفاتحين في نهاية هذا القرن.
والذي يهمنا من هذه العجالة التاريخية، هو التذكير بأن تكلس الوسائط المعرفية لدى النخب الحاكمة في العصر العباسي الثاني، إنما كان سببا إضافيا ً (بقدر ما كان نتيجة) للجمود السياسي، وللتخلخل الاقتصادي المتمثل في الثراء الفاحش لدى الطبقات الحاكمة مقابل الفقر الرهيب في جانب الطبقات المحكومة. فأما الطبقة الوسطى -ممثلة في التجار وأصحاب الصناعات الناشئة- فما كان لها إلا أن تنحاز إلى الحكام، بدلاً من أن تقود الكادحين إلى الثورة (كما فعل البرجوازيون الأوربيون فيما بعد) وذلك بعد أن اضطرت هذه الطبقة الوسطى إلى الانكفاء للداخل نتيجة الحصار الذي ضربته حولها القوى الخارجية.
فما أشبه الليلة بالبارحة !
فهاهي ذي دعوة الإخوان السلفية تواجه نفس المأزق. وهاهو ذا برنامجهم يخلو تماما ً من إقرار بحقوق العمال والفلاحين والفقراء، اكتفاء بدعاوي الإحسان إليهم والبر بهم، ليقف بذلك إلى يمين برنامج الحزب الوطني انحيازاً إلى الرأسماليين وكبار الملاك الزراعيين، والتجار ورجال المال المضاربين في البورصات العالمية، فكيف إذن يواجه هذا البرنامج هيمنة الشركات عابرة القارات؟
ربما يقول قائل : ولكنهم يعلنون الحرب على الفساد. وهذا صحيح ولكن أية معرفة علمية بأسباب الفساد، لا شك سترده إلى تغوّل الرأسمال الاستهلاكي، وإلى تخلي الدولة عن دورها في المجالات الإنتاجية الكبرى –لا سيما في البلدان المتخلفة اقتصادياً- فالفساد ليس إلا عرضاً لمرض كامن في البنية التحتية Infra-structure لأي مجتمع من المجتمعات، وبالطبع فإن العلاج لا يكون للأعراض بل للمرض ذاته، ومن ثم فإن الهجوم على الخلاعة والمجون والرشوة والمحسوبية لن ينهيها، وإنما سيدفعها فحسب إلى التخفي والاستتار.
فمشكلة الإخوان "المسلمين" إذن لا تكمن في نواياهم بل في حدود معارفهم، تلك المعارف المنبثقة عن أبنية اجتماعية محاصرة من خارج، ومن داخل. فأما الحصار الخارجي فواضح لا يحتاج إلى تنويه.. فقط نقول انه يعبر عن مصالح عظمى وليس كما يتصور الإخوان نتيجة كراهية صليبية للإسلام.. وأما الحصار الداخلي، فيتمثل في ثقافة الدولة الشمولية، التي أعيد إنتاجها على أيدي ضباط يوليو، حيث احتكرت العمل السياسي لحساب مشروعها في التنمية. ولأن الثقافة تبقى حتى بعد زوال دوافع تأسيسها، فإن تخلي الدولة المصرية عن المشروع الناصري منذ عهد السادات، لم يلغ بالتوازي الأبنية السياسية والتنظيمية، التي قامت لتحقق هذا المشروع، فظل الاتحاد الاشتراكي ردحاً من الزمن مهيمناً وحيداً، إلى أن ورثه حزب الرئيس السادات بنفس مواصفات حزب الدولة الأوحد تاركاً لباقي الأحزاب اللعب في الهامش.
والحاصل أن الحزب الحاكم قد أصبح الآن، بحكم المتغيرات في الداخل والخارج، أمام آلية تداول السلطة، الأمر الذي تشي به نتائج الانتخابات الأخيرة، بيد أن مأزق البلاد الحقيقي يكمن في أن البديل الذي ظهر على الساحة (=الإخوان) هو نفسه صاحب ثقافة شمولية. فهو إذن محاصـَـر (بفتح الصاد) من قبل غريمه الحالي، وهو محاصـِـر (بكسر الصاد) لغيره من الأحزاب بفضل أيديولوجيته السلفية، ومخايلاته الماضوية المشبعة بمعرفة غير دقيقة عن قوانين التطور التاريخي.
في هذا السياق، فإن صلاح عيسى تراه يكرر للإخوان دعوته التي سبق وأبداها في مقدمته الهامة لكتاب "ميتشيل" أن يتخلصوا من خللين رئيسيين حكما برنامجهم السياسي الذي أعلنوه تأييداً لثورة يوليو 1952، وأولهما غموض الأسلوب المطروح لحل المشكلة الوطنية (وقتها كان جلاء الانجليز عن مصر) وثانيهما غموض موقفهم من قضية الديمقراطية.
فأما المسألة الوطنية فقد تحولت إلى مشكلة قومية هي قضية فلسطين، وهي قضية محورية يترتب عليها اتخاذ موقف واضح ليس من إسرائيل فحسب، بل ومن الولايات المتحدة التي يعلن الإخوان أنهم لا يناصبونها العداء ومن ثم فلا تفكير في إلغاء اتفاقيتي كامب ديفيد، إنما إبداء الاشمئزاز منهما فحسب. فأي فارق في التوجهات الإستراتيجية الدولية بينهم وبين الحزب الوطني؟
المشكلة الثانية هي قضية الديمقراطية، إذ لا يزال الإخوان يراوحون في مكانهم بين القبول بوسائلها: الحريات العامة، الانتخابات... الخ وبين رفض أساسها الذي هو حكم الشعب لنفسه بتشريعات إنسانية يمكن تغييرها، وليس بتشريعات إلهية لا يملك حق تفسيرها إلا النخبة الحاكمة، الأمر الذي يعيدنا إلى سلطة الخلفاء المطلقة في التاريخ الوسيط،ومن ثم يقودنا حتماً إلى الدولة الدينية، وهذا القول يلزمه تفصيل، فدعنا نتعرف على هذا التفصيل.
وبالطبع فلا تثريب على الدولة الدينية إن هي مارست العنف ضد مخالفيها (فتلك هي طبيعتها) ومن هنا فإن الإخوان المسلمين (=جنين الدولة الدينية) لا يمكن أن يعتذروا بحال من الأحوال عن ممارستهم للعنف بدء من اغتيالهم لرئيسي وزراء مصر أحمد ماهر في فبراير عام 1945، والنقراشي في ديسمبر عام 1948، وبين التاريخين اغتيال القاضي أحمد الخازندار في مارس من نفس العام، فضلاً عن محاولتهم اغتيال زعيم الوفد مصطفى النحاس في ديسمبر 1945، وجمال عبد الناصر في يوليو 1954، فضلاً عن تدميرهم لأجزاء من مباني سينما مترو وسينما ميامي بالقاهرة مايو 1946 علاوة على تسجيل الشيخ الإخواني عبد الحليم محمود لاعتراف عبد الرحمن السندي مسئول الجهاز الخاص بمسئوليته عن تفجير مساعده الأول سيد فايز وشقيقته بصندوق حلوى ملغم أرسله إليه الجهاز حال مخالفته لتعليمات الجماعة !
وأما المرأة فهي في ثقافة الدولة الدينية كائن غير مساو للرجل – وإن منحت بعض الحقوق- فلا ولاية لها على نفسها، ولا حق لها في تبوأ مناصب الدولة العليا كالرئاسة والنيابة والقضاء، وليس لها أن تسافر –بل وأن تغادر المنزل- إلا بإذن الزوج، وهذا كله يعارض معارضه صريحة للميثاق العالمي لحقوق الإنسان، الأمر الذي يعرض مصر إن هي صارت دولة دينية للطرد من الأمم المتحدة، وما يتبع ذلك من عزلة تعصف بالأخضر واليابس على كافة الأصعدة اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.
وأما في توصيف روابط الدولة الدينية بالأقليات، فإن علاقة الإخوان المسلمين بالاقباط تحددها عبارتهم الشهيرة "لهم ما لنا وعليهم ما علينا" وتلك عبارة تؤكد على حقيقتين، الأولى أن مصر بها شعبين "نحن" و "هم" الأمر الذي ينسف أساس الوحدة الوطنية، ويسحب اعتراف الدولة الحالية بمبدأ المواطنة، الذي لا يفرق بين مواطن ومواطن بسبب الدين أو العقيدة أو الجنس.. الخ. وتشي الحقيقة الثانية باعتقاد قائلها بأنه "يمنح" بكرم منه وسماحة الطرف الآخر نفس الحقوق، ولكن ما دامت هذه الحقوق مجرد منحة، فهي إذن معرضة للسحب بقاعدة أن المانح يستطيع أيضاً حين يتراءى له ذلك. بعدها نعود إلى سياسة فرض الجزية على أهل الذمة، واستبعادهم من مناصب الدولة العليا وساعتها لن يتعجب أحد إذا رأى شبح الحرب الأهلية يطل برأسه من وراء الحجاب.
واليسار أيضاً محاصر
اليسار مصطلح قد يضيق وقد يتسع تبعاً لمعطيات المشهد السياسي في بلد ما وفي زمن معين. إنما هو بوجه عام يشير إلى الفاعلين الاجتماعيين المتطلعين إلى مغادرة الجمود سعياً إلى التقدم. وعليه فقد يضم هذا المصطلح في لحظتنا الراهنة الماركسيين والقوميين والليبراليين الاجتماعيين، لكن هذه القوى في مصر محاصرة بالفعل.. كيف؟
ذلك سؤال ربما يجد إجابته في الأمثولة التالية.. فقد تلقيت دعوة كريمة من الأستاذ أبو العز الحريري نائب رئيس حزب التجمع للقاء ضم لفيفاً من المثقفين والمنشغلين بالشأن العام. كان اللقاء بمقر الحزب بالإسكندرية، وراح كل يدلي بدلوه تعليقاً على ما حدث. وحين جاء دوري قلت إن الإخوان حققوا فوزهم النسبي الكبير، لأنهم كانوا الأقرب إلى تمثيل الثقافة العربية الموروثة، ثقافة الكل في واحد، حيث يعمل أعضاؤهم وأنصارهم بمبدأ "إذا كنتم ثلاثة فأمروا أحدكم" فهذا الواحد له الأمر، وعلى الباقين الطاعة والإذعان، وهو مبدأ تعمل به الجيوش، وعملت به أنظمة الخلافة في عصور الإمبراطورية الإسلامية، ويسمي علم الاجتماع ذلك بالتراتبية التي تنتعش في العصر الإقطاعي (اللورد كلمة تعني الرب) وثمة يكون الاقتصاد تابعاً للسياسة، بعكس المجتمعات الرأسمالية الحديثة التي تتبع فيها السياسة ُ مقتضياتِ الاقتصاد. قلت لهم: ولما كنا نعيش ولا نزال في عصر مجتمعات ما قبل الرأسمالية الحقة، فلا غرو أن تحكمنا نفس الثقافة المؤمنة بالتراتبية، والدليل على ذلك أن الأحزاب الليبرالية واليسارية لم تحاول قط أن تجدد خطابها السياسي بما يوائم المتغيرات، فبدا وكأن الزعامات التاريخية ما زالت حاكمة لها دون أدنى تغيير، حتى ليكاد المرء أن يرى سعد زغلول والنحاس وسراج الدين على رأس حزب الوفد، وأن يرى جمال عبد الناصر على رأس الحزب الناصري، وخالد محيي الدين زعيماً أبدياً للتجمع، وهكذا. وأما الرؤساء الحاليون الذين حلوا محل الزعامات التاريخية، فقد ورثوا سطوة وسيطرة الأسلاف، محجمين عن نقدهم مقابل ألا يتعرضوا لمن ينتقدهم من الأجيال الجديدة. وباختفاء النقد الذاتي داخل هذه الأحزاب انتعشت ثقافة اليقين، واعتقد كل فريق أنه ملاك ٌ للحقيقة المطلقة. ولما جاء الوقت للمطالبة الجادة بالديمقراطية لم يجدوا أنصاراً من الشعب تصدقهم وتناضل في صفوفهم، وكيف لا والناس تبصرهم يقمعون كل صوت معارض داخل أحزابهم؟!
لم تكن دولة الطغيان الشرقي Oriental Despotism منذ الفراعنة وحتى العصر الإسلامي، لتنتهج النهج الأسطوري في تبرير الاستبداد فحسب، بل وكانت تعمل على توريثه اجتماعياً في العائلة والأسرة وحتى بين المثقفين، وربما يفسر هذا الإرث كيف أن قوى اليسار المعاصر لم تعتمد في خطابها السياسي منهج العقلانية قدر ما اعتمدت على تسخين العواطف بالضد على أعداء الأمة من الامبراليين أو الاستبداديين أو الفاسدين. وآية ذلك أن الناصرية حينما تولت السلطة في مصر اندفعت إلى أسلوب "التأميم" بتوسع مذهل دون التفات إلى نقص الكوادر الفنية والإدارية الصالحة لقيادة الشركات والبنوك والهيئات المؤممة، ودون سؤال عن الضرورة العملية لتأميم بعض هذه الشركات والهيئات والبنوك، فكانت النتيجة ترهلاً في الأداء وتوحشاً بيروقراطياً نجم عنه ما رأيناه في آخر المطاف من تحالف غير مقدس بين الفساد البيروقراطي والرأسمالية الطفيلية الجديدة.
لقد فات على اليسار المصري التفكير في أن القضاء على الفقر يتطلب زيادة الإنتاج بقدر ما يتطلب عدالة التوزيع: وأن إدارة المجتمع الطبقي تقتضي الاعتراف بوجود طبقات غير متجانسة المصالح، لكنها جميعاً صاحبة حق في التعبير السياسي عن مصالحها، ومن هنا فإن احتكار اليسار للحديث باسم الشعب جملة أدى في نهاية الأمر إلى انقلاب الطبقات غير الشعبية على فقراء الشعب فيما يشبه الانتقام من اليسار برمته.
قلت هذا للسادة الحاضرين، فلم يرضهم كلامي، بل وحاول بعضهم مقاطعتي محتداً أكثر من مرة.عندئذ أدركت أن الخلل ليس مقتصراً على الإخوان، وإنما هو موجود أيضاً لدى الأذكياء اليساريين والليبراليين والقوميين .
والمرأة المصرية محاصرة كذلك
للهيمنة Hegemony أن تدافع عن نفسها قائلة إنها عنصر أصيل من عناصر الوجود، ليس الوجود الإنساني فحسب، بل والوجود البيولوجي والفيزيائي ذاته. فالكائنات الحية لا تبقى إلا بالتهام كائنات حية أخرى، والمادة من الذرة إلى السدم النجمية لا تستمر في البقاء إلا وفقاً لقوانين الجاذبية، والضغط، والديناميكية الحرارية بتناقضها المذهل ما بين ثبات كمية الطاقة وبين تشتتها الأنتروبي Entropy، فكل ما في الكون إذن خاضع لغيره، ومسيطر على غيره. بيد أن الجبرية المطلقة Absolute Determination التي تبدو ظاهرة في الكون والحياة، كان من شأنها أن تخلق نقيضها، وفقاً لقانون التعدد الذي هو أيضاً عنصر أصيل من عناصر الوجود، فكان أن ظهرت فكرة الحرية، لا في البداية، وإنما بعد أن بلغ الكون الدرجة الرفيعة من تطوره، الذي بدأ من المادة غير العضوية إلى المادة العضوية، ثم إلى الحياة، فالحياة الإنسانية التي أنجبت الفن، والفكر، والفلسفة.
ولعل تاريخ الفلسفة منذ طاليس وحتى ميشيل فوكو أن يروي لنا كيف حاول البشر بدأب التخلص من سيطرة الطبيعة عليهم، مستخدمين في ذلك وسيلة المعرفة. فالمعرفة تمنح صاحبها القدرة على التحرر من قيود المكان والزمان، وبها اخترع البشر العجلات فالسيارات، فالطائرات، فالصواريخ التي تحمل السفن إلى الفضاء الخارجي، وبقى أن تتنامى معرفة البشر بأنفسهم حتى تصل إلى درجة تحريرهم من عسف بعضهم بالبعض، ومن استغلال أغنيائهم لفقرائهم، وأقويائهم للضعاف منهم،... وذكورهــم للإناث اللائي يخلدون إليهن طالباً للمتعة والنسل.
الهيمنة إذن، والسعي للتحرر منها صورتان من صور الوجود الإنساني على وجه التحديد، وكأن الكون –متجلياً في أرقى أشكاله- قد أصبح بشراً أقواماً، قادرين على مسائلته، عاملين على تصحيح رؤيته لنفسه، حتى لا يظل على توهمه أنه كون واحد وحيد، ومن ثم يعترف بأنه أحد الأكوان التي قد تـُرى، وقد لا تـُرى، تتصادم أو تتلاقى في ملحمة لا يمثل تاريخ البشر ومستقبلهم إلا صفحة من فصل صغير فيها.
هل ترى قد دار شيء من هذه التأملات بخلد هنريك ابسن وهو يعد العدة لكتابه رائعته بيت الدمية عام 1879؟ أغلب الظن أنه كان يفكر على الأقل في مبدأ الحرية.. والذي لا يكون المرء إنساناً إلا به، وهذا هو ما دعا برنارد شو إلى تأليف كتاب كامل بعنوان جوهر الابسنية Quintessence of Ibsenism. ولو أننا تفهمنا جيداً غرض هذا الكتاب الخطير الذي يدعو المرء إلى الانفصال عن الغير، لكي يتوصل بتجربته الحرة إلى الاتصال؛ لقلنا إن "نورا" التي صقلتها تجربة الزواج المغشوش، قد خرجت منها امرأة واقعية Femme de facto بعد أن أسقطت هذه التجربة ُ الأليمة ُ الوهم َ المثالي القائل: إن المرأة الكاملة مخلوق في ذاته، وليس مخلوقاً لذاته.
وإذا كان بعض النقاد الشكسبيريين – مثل ريموند وليمز- يلقون باللائمة على ابسن لإدخاله مبدأ المناقشات في الفعل المسرحي، باعتبار أن تلك المناقشات لا تمثل مواجهات حية بين أناس حقيقيين؛ فإن شو منتصفاً لابسن يقول: "لقد وضعنا شكسبير فوق خشبة المسرح، أما ابسن فقد وضع لنا مواقفنا".. والحق أن مقارنة ابسن بشكسبير إنما هي مقارنة بين نوعين من الكائنات الحية، لكل نوع وظيفته الخاصة به. فشكسبير طائر غرد يتمتع ويمتع في بساتين الملوك والأمراء، لا يحمل على ظهره أو بين جناحيه قضية محددة، ومن هنا جاء سحره وخلوده، أما هنريك ابسن فأشبه ما يكون بشغالة نحل ثورية، مهمتها إعداد الطعام السائغ لأجيال الخلية، وما كان طعام ابسن لهذه الأجيال إلا لمعاونتها على الخلاص من هيمنة الملكة، وما كانت تلك الملكة في ذهن ابسن إلا الثقافة الدنماركية والسويدية الرامية إلى طمس السمات الخاصة للنرويج، تمهيداً لتذويبها في وحدة اسكندنافية متعسفة، وما كانت نورا –في أحد مستوياتها الرمزية- وهي تصفق خلفها باب بيت تورفالد، إلا النرويج المتعطشة إلى الحرية، الباحثة عن هويتها عبر الممارسة Praxis لا من خلال الإذعان لنموذج سابق التجهيز. ذلك أن الوحدة حين يراد لها أن تكون غاية للأفراد والأمم، فإنها لا يمكن أن تتحقق إلا عن الطريق القويم الوحيد، الذي هو الاستقلال أولاً.. فالاستقلال –قرين الحرية- هو ما يمنح الوسائل والغايات شرعيتها الوجودية.
كان ابسن قد بلغ الستين حين كتب مسرحية "بيت الدمية"، أي بعد أن بلغ قمة النضج المعرفي سياسياً واجتماعياً، ولا ريب أنه قد تأثر كذلك بفلسفة سورين كيركجورد (1813-1855) القس البروتستانتي الذي رفع إلى المستوى الفلسفي أفكار لوثر، وكلفن عن ذاتية العلاقة بين الإله والإنسان، دون وسيط مؤسساتي مهيمن، ولا مراء في أن الفرد، في هذا الوعي الفكري الجديد، مقصود به كل رجل، وكل امرأة دون تفريق (وهل نضيف كذلك كل أمة وأخرى؟) فلا عجب إذن أن تعد الوجودية فلسفة تحرير، بجانب الماركسية التي كانت قد بدأت تغشى العالم الأوروبي منذ عام 1848، وإن لم يمتد تأثيرها إلى أعمال ابسن، اللهم إلا خيوطا رفيعة في مسرحية "عدو الشعب"، ولا تثريب عليه في ذلك، فوجود المرء في مجتمع معين -كما يقول ماركس- هو الذي يحدد له فكره وليس العكس. إنما يكفي هنريك ابسن شرفاً أنه حرك بأعماله المسرحية -وفي مقدمتها "بيت الدمية"- بركة المياه الآسنة في الثقافة الأوروبية.
أما ثقافتنا العربية -ومصر في طليعتها- تلك التي تعرفت على الوجودية والماركسية معاً مكتملتين ومتكاملتين منذ خمسينات القرن الماضي، فلقد بات عليها أن تجيب عن هذا السؤال:
- لماذا لم يستطع أدبها أن يخلق نموذج "نورا" عربية، سواء في مستواها الواقعي، أو مستواها الرمزي، اكتفاءاً بإنتاج نماذج، ربما كانت شبيهة ببطلة ابسن في بعض النواحي، لكنها عاجزة عن التأثير في المجرى الثقافي العام!
يمكننا بالطبع أن نلخص الإجابة في رؤوس موضوعات، مثل تجذر ممارسات الطغيان الشرقي، المرتكز على ما يسمى بالنمط الآسيوي للإنتاج بحكومته المركزية المستبدة، ومثل توريث ثقافة الإذعان الناجمة عن الرضا بالعيش القليل، وكراهة المغامرة، ونبذ مشاريع الهجرة بعد أن ذاق الناس طعم الاستقرار في واد سهل وتحت ظل مناخ معتدل، و ربما يضاف إلى هذين العاملين عامل جديد هو "توطين الأصولية"، سواء من خلال المسيحية الوادعة أو الإسلام المحافظ.
رؤوس الموضوعات هذه تحتاج إلى تفصيل بطبيعة الحال، وإنما سنحاول هنا التماس تمظهراتها في بعض الأعمال الأدبية التي تعرضت لقضية المساواة بين المرأة والرجل باعتبارها قضية محورية على الصعيدين الاجتماعي والسياسي. إذن فلنتوجه إلى تلك الأعمال الأدبية المختارة كأمثلة، نسائلها وتسائلنا.
برغم التقدمية الظاهرة في خطابها الروائي، لا تنجح الأديبة لطيفة الزيات في حمل قضية تحرر المرأة إلى مقدمة المسرح الثقافي، فالبطلة "ليلى" لا تمضي في تمردها حتى النهاية، وآية ذلك ما نراه في رواية الباب المفتوح من نجاح ليلى في إنشاء علاقة عاطفية بديلة عن الأولى -الفاشلة- تحت نفس الشروط الاجتماعية التي تقمع المرأة وتشيؤها. وما ذلك إلا لان المحب الجديد كان منخرطاً في حركة مقاومة وطنية تسعى للتحرر من المحتل الأجنبي. لكن علينا الإقرار بان الانخراط في مقاومة المحتل الأجنبي يظل فرض كفاية يقوم به القادرون من الشباب فتية أو فتيات، بينما تحَرَرُ الفرد من قيود مجتمعه القمعية لا يمكن ألا أن يكون فرض عين، فلا أحد يستطيع أن يحررك من قيدك الشخصي ما لم تكن أنت بادئاً بالمقاومة، ساعياً إلى تحرير الذات. فهل صحيح أن تحرير الوطن يؤدي تلقائياً إلى تحرير المرء داخل جماعته الوطنية؟ سؤال يجد إجابته قاطعة ً في التطورات السلبية التي أحاطت بالمجتمع المصري منذ أن ظهرت طبقة برجوازية ٌ بيروقراطية -بعد اندحار العدوان الثلاثي- راحت تلتهم فائض قيمة العمل الاجتماعي تحت لواء العسكرتاريا، تلك التي تسببت بعد أعوام قلائل في إنزال هزيمة مروعة بالوطن جميعه، بقدر ما تسببت حليفتها البيروقراطية -بجمودها وتحجرها ونهمها الأناني- في إفشال مشروع التنمية الرأسمالية (كان اسمه الحركي الاشتراكية العربية) مما أفسح المجال للقوى السلفية بفكرها الأصولي أن تسود.
لكن الكاتبة لطيفة، تنهي روايتها بالتبشير بفكرة ساذجة، تزعم أن الحب كفيل بحل التناقضات الإيديولوجية، ومن هنا فإن البطلة ليلى التي شاركت حبيبها في مقاومة المحتل، لا تجد بأساً في الزواج من رجل يملك حق تطليقها بإرادته المنفردة، وحق الجمع بينها وبين زوجات أخريات، ما دام الحب هو دافعها للزواج من مثل هذا الرجل! والحق أن الكاتبة اليسارية نفسها التي تزوجت من مثقف يميني محافظ، إنما كانت تعلن بهذا الحديث المراوغ عن الحب، قبولها للنزعة الأصولية الكامنة فيها، حتى وإن رأيناها تتمرد -ظاهرياً- على لسان بطلتها صائحة "لا يوجد شيء اسمه الأصول" بينما يكشف تكنيك السرد في الرواية عن عروق أصولية تلمع تحت القشرة الأرضية في ثقافتها، يشي بها لجوء الكاتبة إلى راو ٍ عليم بكل شيء، إضافة إلى تنميط الشخصيات، والانحياز إلى جانب من جوانب الصراع انحيازاً غير مبرر فنياً على الأقل، وكلها سمات لأدب تقليدي، يفتقر إلى الوعي الحداثي الرامي إلى تفكيك الخطاب السائد ثقافياً بأدوات مبتكرة، بالتوازي مع إبداع خطاب جديد مغاير.. نسبي إنساني، وموضوعي محايد.
وهكذا نرى أن الباب الذي فتحته لطيفةـ لم يكن ليفضي بالمرأة المصرية إلا للانخراط في التجربة الناصرية، التقدمية اسما ً، والأصولية في بنيتها العميقة، المؤكدة للهيمنة على مستوى الأفعال. وآية ذلك أن الناصرية لم تفكر قط في القيام بفصل الدين عن الدولة (على نحو ما فعلت الكمالية في تركيا) بل على العكس أسهمت في تعميق الدلالات الدينية، ليس فحسب على المستوى السياسي (لجوء عبد الناصر إلى الأزهر إبان العدوان الثلاثي) بل وأيضاً على المستوى المجتمعي بتعديل نظام التعليم في الأزهر للسماح بتخريج مهندسين وأطباء ومحاسبين أصوليين ، وكذلك بفرض مادة الدين كمادة أساسية في كل مراحل التعليم قبل الجامعي، وإنشاء إذاعة خاصة للقرآن الكريم.. وما كان ذلك نتاج ورع وتقوى قادة يوليو (وإلا لسلموا السلطة طواعية للإخوان المسلمين) وإنما جرى بغرض تأميم الدين، في مزايدة على ممثليه السياسيين (=الإخوان) ومنعهم من استخدامه، ليظل حكراً للدولة، مثله في ذلك مثل شركات ومصانع القطاع العام. فكان الحصاد الأخير لهذه السياسة اضفاءَ طابع مزدوج، تلفيقي ما بين التقدمية والأصولية على الممارسات الثقافية (كان يعبر عنها تحت عنوان الأصالة والمعاصرة) وذلك لمسايرة الأغراض السياسية للدولة، التي لم يكن من بينها إطلاقاً هدم الأسس الثقافية للمجتمع الذكوري الأبوي. وكيف للناصرية أن تفعل وهي التي ما قامت إلا باستلهام النموذج البونابرتي الهيراركي Hierarchy الذي يهيمن على المجتمع، فارضاً رؤيته وقيمه الخاصة على الجميع باسم الثورة وباسم الفقراء الذين سـُـتبنى لهم الاشتراكية شريطة ألا يزعجوا الدولة أو أنفسهم في محاولة الاشتراك في بنائها.
قبل عامين من صدور الباب المفتوح، أي في عام 1958 كان إحسان عبد القدوس، فتى الرومانسية الثورية في مصر، قد نشر روايته "أنا حرة" ليطابق بين شخصيته الحالمة المنكسرة، وبين شخصية البطلة المتمردة في البداية والمستسلمة في آخر الأمر للنموذج الأنثوي الذي يطبخ ويكنس باسم الحب، تلك المطابقة التي تشير إلى هيمنة النسق سوسيولوجياً (بما تعنيه السوسيولوجيا من جدلية الاقتصاد بالسياسة بالثقافة) حيث نرى اندياح الأفراد داخل حقل معرفي بذوره الليبرالية الانتقائية، وثماره الاستسلام لهيمنة القوى الصاعدة، ممثلة في عسكرتارية يوليو، شريطة أن يتقنع هذا الاستسلام بقناع الحب، حيث لا تثريب على المُحب إن هو نزل عن حريته ارضاء للحبيب. وهو بالضبط ما فعله عبد القدوس حين قبل دعوة عبد الناصر للعشاء ليلة الإفراج عنه من السجن الحربي. وهكذا فعلت بطلة روايته في مراوغة ذاتية، يتم بفضلها التنازل عن مشاريع تطوير الهوية، بدعوى الثبات الانطولوجي لقيمة الحب.
***
تصر الثقافة العربية على أن الهوية Identity قرينة الثبات، دون التفاف منها إلى أن العكس هو ما تشير إليه شواهد الحال. فـ "الأنا" ليس إلا ذلك المتغير من الشكل الجنيني إلى الهيئة الطفولية. إلى الصبا والشباب، فالكهولة والشيخوخة. لكن الوعي العربي الجمعي الذي يخشى المواجهة، لا يلبث حتى يعدو بعيداً عن رعب الوجود. محتمياً بكهف الوهم الأثير الذي يسميه "الأصول" Fundament وهو كهف تعرفت عليه البداوة أولاً، ثم راحت الحضارة تلون جدرانه وتضيء سقوفه بنصوص Texts خلعت عليها صفات القداسة (راجع ديكريتو العقيدة الصحيحة التي فصل بنودها الخليفة القادر العباسي، وبمقتضاها اندفع ابنه الخليفة القائم ليقتل ويعذب وينفي خصومه من المعتزلة والشيعة والمتصوفة بدء من العام 1040 ميلادي =433 هـ) ومنذ هذا الوقت فإن الأصولية Fundamentalism بما تعنيه من تمركز على نصوص تُتخذ معياراً للمعرفة ومقياساً للحقائق، صارت توقع في شباكها الجميع. وحتى الذين رغبوا في تطوير العلاقات القانونية لتتلائم مع متغيرات العصور، كان عليهم أن "يرجعوا" إلى "النصوص" لتأويلها، غير مدركين أن التأويل Interpretation إنما هو دليل في حد ذاته على أن هذه النصوص قد صارت -بمحاولة إعادة تفسيرها- خارج الواقع التاريخي الذي أنتجها في وقتها.
ذلك ما نستبينه واضحاً في المحاولة الأدبية الأنثوية الثالثة، والتي خاضتها بشجاعة غير منكورة، الكاتبة حسن شاه في روايتها التي تحولت إلى فيلم سينمائي باسم "أريد حلاً" فالبطلة التي أعلنت رفضها العيش مع زوج خائن، والتي راحت تخوض معركة شرسة في المحاكم الشرعية لكي تنهى هذا الزواج، لا تلبث حتى تذهب إلى الاستعانة بنفس النصوص الشرعية. وبالطبع لم يكن لها أن تكسب المعركة. ولقد يرى البعض أن الرواية والفيلم قد حركا المياه الراكدة، حتى أن الدولة (بعد ربع قرن !!) أصدرت القانون رقم (1) لسنة 2000 لتساوي بين حق الرجل في إيقاع الطلاق وحق المرأة في الانفصال، اتساقاً مع المادة 40 من الدستور. أما الذين يستبصرون المسألة الاجتماعية بعمق أكثر، فيرون أن "الخلع" الذي لا يتم إلا بمصادقة القاضي الشرعي -باعتباره ولي أمر الزوجة- يظل إجراء لا يعترف بحق المرأة في أن تكون سيدة مصيرها، وهذا هو لب القضية، لمن يريد مقارنة شخصية "نورا" الابسنية بأية شخصية أنثوية في الأدب العربي المعاصر، حيث الشخصية الأدبية تعبير جدلي عن ثقافتها السائدة، إلا في حالتين: الأولى : أن يلجأ الكاتب إلى آلية الخيال الممنهج بأن يخترع شخصية إنسانية عامة (على نحو ما فعل كاتب هذه السطور في مسرحيته الشعرية "ريم على الدم") لتكون نموذجاً مطلوبا ً، لا مرجعية له في الماضي أو في الحاضر، أو قل لتكون بشارة لمستقبل لم يأت بعد، الأمر الذي يقلل من تأثيرها في الواقع المعيش.
وأما الحالة الثانية، فقيام الكاتب بتصوير نمط من أشباه "الخوارج" المهمشين لا بإرادتهم، بل جراء نبذ المجتمع لهم، على غرار ما فعلته الكاتبة نوال السعداوي في روايتها "امرأة عند نقطة الصفر" التي تقص فيها عن عاهرة ترفض الانصياع للقيم السائدة فيتم إعدامها بتهمة القتل، لتعقبها برواية "سقوط الإمام" تتشفى فيها من السادات بوصفه رمزاً للهيمنة الذكورية الأبوية، دون التفات من الكاتبة إلى أن القتلة كانوا رجالاً لا نساء ً كما كانت البطلة تحلم!!
والمفارقة Paradox في مثل هذا النوع من التسويق الأدبي للفكر الأنثوي "المغتاظ" أنه يقدم نفسه للقارئ بهيئة النموذج المضاد Anti-Model داخل بنية الهيمنة، مستبدلاً مهيمناً جديداً (=الأنثى) بالمهيمن الحالي (=الذكر) دون تغيير للبنية ذاتها، وهذا النموذج المضاد ليس من شأنه أن يشجع أحداً على الاقتداء به، أو على انتهاج نهجه، بعكس نموذج نورا المناقض للهيمنة ذاتها، ويتضح ذلك من الكلمة التي ألقاها ابسن عام 1898 أمام الجمعية النرويجية للدفاع عن قضية المرأة إذ قال ثمة: "إنني لا أتبين ما هية قضية المرأة، لقد كانت المسألة بالنسبة لي مسألة إنسانية". فذلك بالضبط ما أثار مناقشات بناءة ً في الأوساط الثقافة الأوروبية، مما دعا الحكومات إلى إصدار تشريعات المساواة الكاملة بين النساء والرجال في الحقوق الشخصية والسياسية تباعاً عبر العقود الأربعة التالية لظهور مسرحية بيت الدمية عام 1889.. بعدها تأكدت هذه المساواة قانوناً على مستوى العالم بصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن الأمم المتحدة عام 1947.
***
لقد وقعت الدول العربية جميعها على ميثاق الأمم المتحدة، المتضمن الاعتراف بهذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، دون تحفظ إلا من السعودية (تحفظت على منطوق المادتين السادسة عشرة، والثامنة عشرة والمتعلقتين بإنشاء الزواج وفضه) ولكن هذا التوقيع لم يمنع الدول العربية الموقعة من مخالفة أحكامه -عدا تونس- فيما يتعلق بنظم الأحوال الشخصيةـ بحجة خصوصية الثقافة العربية الإسلامية، وهي حجة لم تمنع من الانسياق للنموذج الغربي في طرز المعمار، والملبس ووسائل الانتقال والترفيه..الخ، والأهم من هذا كله أنها حجة لم تمنع الإبقاء على جوهر الهيمنة (الذي يمارسه الغرب عليها اقتصادياً وسياسياً) لتمارسه هي كلياً على شعوبها .
المصريون جميعا محاصرون بين الثقافتين العربية والغربية
من بين التعريفات العديدة للثقافة، يظل تعريف تايلور Taillor المؤرخ البريطاني أكثرها انتشاراً وقبولاً في الأوساط الثقافية، ولدى الجمهور، فهو يحددها بأنها الكل المركب المتضمن المعرفة والعقيدة والفنون والآداب والقانون والأخلاق والأعراف والتقاليد والعادات المكتسبة. وأنا أيضاً أقبل هذا التعريف ولكن بعد أن أضيف إليه الجملة التالية "دون إغفال لشروط وأنماط الإنتاج المحدِدة لهذا الكل المركب"، فبفضل هذه الجملة سوف يتسع ما صدق المفهوم ليشمل كل انواع النشاط البشري مادياً ومعنوياً، والأكثر أنه لن يصادر على حقائق التحولات الجارية مجرى النهر تبعاً للقانون الهيروقليطي الشهير، بالنظر إلى التغير الدائم في الكون والحياة والمجتمع، وحتى داخل الفرد الواحد. وما تاريخ البشر إلا البرهان الساطع على ان كل ثقافة لا بد متأثرة بالتغيرات الحياتية، سواء انبثقت هذه التغيرات من داخلها، تبعاً لتطورها الإنتاجي والمادي والعقلي، أو جاءها التغيير من احتكاكها بغيرها من الثقافات عبر الحروب، أو التجارة، أو غيرهما من وسائل الاتصال.
من هنا يمكننا أن نفهم كيف أن مصر –المتميزة أنثروبولوجياً عن العرب- قد غدت عربية الثقافة (على الأقل بالنسبة للنخب) بفضل الاحتكاك الطويل لغوياً ودينياً، بل وسياسياً حتى الآن.
● ●
في هذا الموضع رصد التحولات التي حدثت وتحدث للثقافة العربية (ومصر مثال نموذجي لها) من جانب تأثرها بالثقافة الأوروبية عبر تاريخهما المتماس Tangential history بوصفهما جماعتين متميزتين ضمن الجماعة الإنسانية الأعم. أما الجانب المقابل، أي تأثر الأوروبيين بالثقافة العربية (حينما كان للعرب شأن غير شأنهم اليوم) فلقد كفانا بحثه وجود المستشرقين المنصفين أمثال : زيجريد هونكه، ولوي ماسينيون، وجاك بيرك، وإضاءات المفكرين العرب أمثال عبد الرحمن بدوي، وطه حسين، و زكي نجيب محمود، ورشدي راشد، ومحمد آركون، وإدوارد سعيد.
إنما لبحثنا هذا –الرامي إلى دراسة تأثر الثقافة العربية بأوروبا- عـِلـَّة ٌ، قوامها أن التقدم الذي أنجزه الاوروبيون بدءاً من القرن السادس عشر الميلادي، قد صاحبه انحطاط عظيم للثقافة العربية (بالمعنى الشامل للأفكار والسلوك) إلى درجة أنْ قادها ذلك الانحطاط إلى موقع المفعول به المنصوب، لا الفاعل المرفوع المؤثر.. أوليس منطقياً أن يتأثر المفعول بفعل الفاعل وليس العكس؟
في ذلك القرن تمكنت أوروبا من القفز بـ .. "زانة" النهضة، متخطية أسوار عصورها الوسطى المظلمة، بفضل تسليم دولها بواقع التنوع الجيبولوتيكي والاقتصادي والاجتماعي، وهو تسليم كان حرياً بإطلاق إشارة البدء للماراثون الكبير، أي ماراثون التنافس على الصدارة في مجالات العلوم، والاختراعات، والكشوف الجغرافية، وتشجيع المانيفاكتورة Manufactory (بروفة الرأسمالية الصناعية) واعتماد سياسة الماركانتيلية Marcantile منطلقاً للتعاون والتنافس التجاريين، جنباً إلى جنب اللهاث العسكري الاستعماري المحموم جلباً للمواد الخام، وفتحاً للأسواق، وتحويلاً للمال Money إلى رأس مال Capital قادر على توليد القيمة، وفائض القيمة في ذات الوقت.
وكان هذا القرن قد شهدت أعوامه القليلة الأسبق طرد العرب نهائياً من الأندلس، واكتشاف قارة أمريكا، ورأس الرجاء الصالح، ثم شهد هو نفسه سقوط الشام ومصر ثم العراق في قبضة العثمانيين، هؤلاء الذين ثبتوا دعائم دولة الشرق الاستبدادية؛ فكان أن انكفأت البرجوازية التجارية العربية –والمصرية بالأخص- إلى الداخل، مفسحة المجال للإقطاع العسكري العثماني الذي أزاح بوادر ما يمكن تسميته بلغة عصرنا "الإصلاح الزراعي" في العصر المملوكي. فظل نظام الحرف قابعاً تحت سقف لا يمكن تجاوزه إلى فضاء الصناعة، لتتوقف بالتبعية مسيرة التطور العلمي المصاحبة دوماً لتطور قوى الإنتاج تلازما في الوقوع وتلازماً في التخلف, فكان ومنطقياً أن ينعكس هذا كله على البناء الفوقي للمجتمعات العربية فاقدة الاستقلال بهيئة جمود فكري، مهد له من قبل أبو حامد الغزَّالي بتكفيره للفلاسفة وروّى غرسه فقه ٌ حنبليٌ أشعريّ ٌ أطاح حتى بالآمال المحدودة للمعتزلة أن تعقلن العقيدة. فصار محتوماً أن يحصد القرنان السابع عشر والثامن عشر ثمار التخلف المُـرّة الشائكة.
غير مجد في ملتى واعتقادي قراءة التاريخ دون إعمال آلية النقد، فالحدث التاريخي –كما يقول جاك دريدا- ليس إلا عملاً من أعمال الخيال، لأن الحضور الأصلي ليس موجوداً، الموجود حسب، هو حضور يعاد إنشاؤه. ولقد تفسر هذه العبارة نزعة َ "الانتقائية" Eclecticism التي راح بها بيتر جران بها يعيد بناء أحداث القرن الثامن عشر في كتابه ذائع الصيت :"الجذور الإسلامية للرأسمالية"محاولاً إثبات أن ثمة نهضة كانت قد بدأت تختمر في تربة المجتمع المصري، لولا أن قطع الطريق عليها احتكاك ُ المصريين، ومن بعدهم العرب بالغرب. وعليه فإن الحملة الفرنسية (من وجهة نظر جران) هي التي وأدت النهضة المصرية في مهدها، وها هي ذي تـُسأل بأي ذنب قـــُتلت؟ ربما سيرد البعض قائلين: الجواب عند ليبنتز ونابليون، حث اجتمعت الفلسفة والأطماع السياسية في تنفيذ الثاني لمشروع الأول في غزو مصر (على ما بين الرجلين من فاصل زمني يبلغ القرن وربع القرن).
ولكن ألا يحق لنا أولاً أن نتبين حقيقة تلك النهضة المزعوم قيامها قبل مجيء الحملة الفرنسية؟
يفصّل أندريه ريمون في كتابه عن القاهرة العثمانية كيفية تزايد ضعف الإدارة، فالوالي العثماني لا يمكث في ولايته أكثر من ثلاثة أعوام، يقضيها طبعاً في جمع ثروة عمره، فيتبعه سبيلاً متولي الشرطة، والمحتسب، والملتزم.. وتزداد بالتوازي مظالم الانكشارية وأمراء المماليك إضراراً بالناس. دعنا نضف إلى ذلك انصراف الباب العالي صاحب السيادة عن رعاية شؤون الولايات، اكتفاءاً بجلب أموال الضرائب الضخمة منها. وفي مثالنا المحوري مصر، ترتب على ذلك إهمال تحصينات المدن الساحلية في الإسكندرية ورشيد ودمياط والسويس والقـُصير، فاقتصر الجند فيها على بضع مئات، وأحياناً على بضع عشرات، مع خلوها من الخنادق وأسيجة الدفاعات المتقدمة، بل والماء العذب الصالح للشرب. أما في العاصمة فقد دبت الفوضى في المرافق العامة، وانتشرت الأوبئة، وتتابعت، وتفاقمت أزمات الغذاء نتيجة تدهور الإنتاج الزراعي في الريف، واضطرار الفلاحين للفرار وهجران الأرض والوطن، مثقلين بتجارب الانتفاضات الفاشلة في تاريخهم، وأشهرها انتفاضة الفلاحين الأقباط عام 830 ميلادي والتي أجرى فيها الخليفة المأمون دماء الآلاف منها ومن حلفائهم البدو "العاصين". فكان طبيعياً أن يشهد العصر العثماني بأحواله الأسوأ تناقصاً مفزعاً في أعداد السكان، هؤلاء الذين كان تعدادهم قرابة العشرين مليوناً عند الفتح العربي (بحساب جزية الرؤوس) فأمسى على أيام الحملة الفرنسية حوالي المليونين فقط!
كيف يمكن إذن أن نتحدث عن نهضة حقيقية كانت في سبيلها إلى الانبثاق ذاتياً عن تلك الأوضاع التي أوجزناها آنفاً، لمجرد أن ظهرت بعض الجهود الأدبية (غير ِ المنكورة ِ قيمـُـتها بالطبع) تمثلت في وضع الزبيدي لكتاب تاج العروس في شرح القاموس (والمقصود بذلك قاموس الفيروز آبادي) وفيما كتبه محمد الصبان في النحو عن ابن مالك الأندلسي، واهتمامه بكاتب الحواشي الأشموني حيث جعل الأشموني الحديث النبوي مصدراً أساسياً في المعرفة اللغوية، كما كان سبيلاً لتأويل مبدأ "الكسب" الأشعري بما يتناسب مع متطلبات التجارة. نعم لقد عادت طبقة البرجوازية التجارية إلى التطلع لدور شجعها عليه محاولة علي بك الكبير في ستينات القرن الثامن عشر أن يستقل بالبلاد، لكن هذا التطلع سرعان ما عاد إلى الكمون بعد مقتل علي بك، مخلفاً آثاراً ثقافية تلقفها الشيخ حسن العطار بمحاولة تحرير الكتابة النثرية من السجع اقتفاءً بمقامات الحريري، بالتوازي مع محاولة عبد الرحمن الجبرتي أن يكتب حوليات تاريخية تهتم بالطبقات الوسطى وهموم الطوائف وأصحاب الحرف. بيد أن جهود الرجلين لم تعط ثمارها المنتظرة، فلقد عادت الدولة في تسعينات القرن إلى الهيمنة على النشاط التجاري نتيجة عدم وجود القنوات الملائمة لاستثمار أموال البرجوازية التجارية، واستفحال التضخم المالي، وضعف القطاع الحرفي، ومنافسة السلع الأجنبية المتدفقة دون حساب. أضف إلى ذلك أن حركة إحياء الحديث التي قادها العطار، إضافة إلى اتخاذه "علم الكلام" كساتر ديني لمناقشة السياسة؛ لا يمكن أن تقارن -هذه الحركة – بحال من الأحوال بالبروتوستانتية الراديكالية في ألمانيا وانجلترا فيما سمي بحركة الإصلاح الديني، لا من حيث منطلقاتها ولا من حيث نتائجها. كما أن "ماتريدية" الجبرتي (نسبة إلى المنصور الماتريدي السمرقندي) كانت تجذبه إلى نزعة يمينية أشعرية تسلم بأن إرادة الله هي التي تقرر مصير الإنسان. وبالطبع فإن الحداثة تبدأ باقتناع المرء بأنه سيد مصيره وليس الكائن الترانسندانتالي Transcendental. وقد انعكس هذا الفكر ما قبل الحداثي على كتابة الجبرتي ، خاصة في لومه للثوار الشعبيين أثناء الاحتلال الفرنسي، وإدانته للحلبي قاتل كليبر، علاوة على موقفه المتعصب ضداً على النصارى، وموقفه الرجعي من المرأة، ومساندته الواضحة لثقافة الاذعان، ولكن لا عجب فالرجل كان ابناً مطيعاً لعصره ولأمته التي ترسخت فيها تلك الثقافة منذ أيام الدولة الفرعونية، ذات الحكومة المركزية المهيمنة في قلب النمط الآسيوي للإنتاج Asiatic Mode of Production حتى إذا صار الأمر إلى الخلافة العثمانية لم يعد المصريون قابلين بالإذعان فحسب، بل وغدوا مؤمنين بالتواكل والسلبية راضين قلبياً بها تحت تأثير الصوفية والشعوذة اللتين شجعهما الحكم العثماني، إلى درجة أن أصبح المصريون معادين لفكرة التغيير من أساسها. والدليل على ذلك أنه ومع قدوم الحملة الفرنسية ومحاولة نابليون أن يغرس في التربة المصرية أفكار ومبادئ الحداثة جوبه بالرفض والمقاومة. لعل جانباً من الأسباب يعود إلى اقتران الحداثة البونابرتية بالاحتلال العسكري، (مما يلفتنا إلى نفس الخطأ فيما يجري اليوم من إخفاق أمريكا في غرس فكرة الديموقراطية لاقترانها بالعنف العسكري).
لكن يبقى على الجانب الآخر أن التأبي على التحديث في حد ذاته، لا شك يعود إلى نزعة متوطنة، قوامها التمسك بالمألوف السائد مهما يكن فاسداً، وربما يضاف إلى ذلك سبب ثان ٍ هو تعلق العوام بأسطورة الماضي الذهبي الذي دائماً ما تـُنسى تفاصيله المؤلمة في غمرة الأحداث الجارية، وهي بلا أدنى شك أشد إيلاماً من التذكار.
بيد أن مياه الحداثة –التي رُفضت فترة الاحتلال- لم تتبخر تماماً في الهواء بل بقى منها، على الأقل عند النخب، قطرات تلمع بدهشة ممزوجة بالسرور. من خلالها لمست الشفاه الظامئة واقع ثقافة أخرى تمنح ممثلي الشعب الديوان حق مناقشة القوانين والقرارات المتصلة بالشؤون العامة مثل الضرائب والإجراءات الصحية والزراعية، وتشجع على البحث في العلوم الطبيعية كما في العلوم الإنسانية بمناهج جد مختلفة، لكن فعالة تماماً، وشتان بين المنهج العلمي التجريبي، ومنهج الشرح على المتون والتلقين والحفظ في الذاكرة الذي كان سائداً في ذلك الوقت.
ولذلك فإنه عندما اندفع محمد علي إلى مشروعه الكبير: تأسيس دولة عصرية على النموذج الأوروبي، مستعيناً على ذلك بمجموعة السان سيمونيين (اشتراكيي القرن التاسع عشر) لم يجد ذات المقاومة التي لاقاها بونابرت. ولقد كاد الباشا أن ينجح في مسعاه، لولا أن أضاع الفرصة بمغامراته العسكرية داخل المنطقة العربية وخارجها، فكان أن انتفضت أوروبا (الاستعمارية) هلعاً لا سيما حين وطأت أقدام العسكر المصريين أرض اليونان. حينئذ أسرعت الدول الأوروبية – بما فيها فرنسا الصديقة!- إلى إجهاض التجربة، فكانت موقعة نافارين وما استتبعها من فرض شروط أوروبا السياسية على الباشا في مؤتمر لندن 1840. ورغم قسوة هذه الشروط، فإن مصر قد أصبحت فعلياً –بفض احتكاكها السياسي والثقافي بأوروبا- دولة ً عصرية ًمعترفا ً بها، مستقلة ً أو تكاد عن سلطة الخلافة العثمانية الهابطة هبوط الشمس إلى الغروب.
من نافلة القول إعادة تفاصيل الحركة الإصلاحية التي مهدت للنهضة الحديثة بفضل رائدها رفاعة الطهطاوي، حيث بدأ التبشير بالفكر الليبرالي وفكرة المواطنة، والحاجة إلى دستور ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكومين، ثم جاءت الدعوة إلى إصلاح ديني شبيه بحركة مارتن لوثر وكالفن Calven على يد الأفغاني ومحمد عبده، ومن الواضح أن هؤلاء الرواد الإصلاحيين ما كان لهم أن يفكروا على هذا النحو لولا اتصالهم بالثقافة الأوروبية اتصالاً مباشراً أو غير مباشر، ولقد ساهم في ازدياد تأثيرهم على النخب والجماهير نمو طبقة الملاك الزراعيين بدءاً من تراخي قبضة الدولة على ملكية الأرض بعد رحيل محمد علي، حيث صدرت اللائحة السعيدية 1852 ثم قانون المقابلة 1857 وانحلت المشتركات القروية لصالح ملاك صغار ما لبثوا حتى تحالفوا مع كبار الملاك ومع حركة ضباط الجيش المصريين فكانت الثورة العرابية.
ومرة أخرى فإن المشروع الثوري كان قميناً باستثارة الدولة الاستعمارية الكبرى (بريطانيا) في ذلك الوقت فأسرعت باحتلال مصر عام 1982 اتساقاً والنزعة العدوانية للثقافة الرأسمالية في الغرب.
من هنا يمكن القول باطمئنان كبير، أن الثقافة العربية –وقد اتخذنا لها مصر مثالاً- لم تال ُ جهداً في تحديث نفسها تأثراً بأوروبا السباقة إلى الحداثة، لكنها – الثقافة العربية- كانت غالباً ما تصطدم بأطماع أوروبا السياسية والاقتصادية، مما أجبر المثقفين الوطنيين التحديثيين إلى التزام خنادق الدفاع أمام الجماهير، وهي جماهير لا غرو تـُعذر في نفورها من ذلك الغرب العدواني، وقد تـُـعذر كذلك في التفافها حول أصحاب الثقافة الأصولية الماضوية توهماً منها أن في العودة إلى قيم الماضي الذهبي بعثاً للقوة الزائلة والأمجاد الغابرة.
وهكذا صار على المثقف العربي المعاصر أن يناضل نضالا ًمزدوجا ً، فهو خليقٌ بأن يقف في طليعة جماهيره بالضد على ثقافة العدوان والتوسع والاستغلال ممثلة بداية في النظام الرأسمالي ذاته، وثانياً في صعود أيديولوجية اليمين الصهيوني المسيحي، وثالثاً في السياسات الاقتصادية للثمانية الكبار بقيادة U.S. وحلفائها الأوروبيين، وأجهزتها الفاعلة من أول حلف الأطلنطي إلى البنك الدولي وصندوق النقد، ومنظمة التجارة العالمية وغيرها من وسائل القهر والهيمنة. وفي نفس الوقت فالمثقف الوطني مطالب بأن يعمل بين الجماهير لتوضيح الفوارق في الثقافة الغربية بين نزعتها العدوانية المرفوضة، وبين توجهاتها الحضارية الإنسانية التي جاءت بأفكار الحرية والإخاء والمساواة، وبمبادئ ميثاق حقوق الإنسان جنباً إلى جنب ازدهار العلم، والفلسفة، وأدبيات التحرر، والفنون الراقية، والتكنولوجيا النافعة.. الخ
● ●
ذلك هو جوهر الازدواجية في الثقافتين الأوروبية والعربية، يترتب عليه (من جانب الأخيرة) أن يعجب العرب بالغرب، وأن يمقتوه في آن، إلى درجة أن يضعوا مثقفيه جميعاً في سلة واحدة، دون تفرقة نقدية بين المثقفين العضويين (هناك وهنا) الذين يقفون إلى جانب مصالح الشعوب في كل مكان على سطح الكوكب، وبين المثقفين التقليديين الذين يضعون إمكانياتهم ومواهبهم ومعارفهم في خدمة الطبقات المستغـِلة، محولين أنفسهم إلى مجرد موظفين ثقافيين، ليحصدوا بجانب أجورهم المميزة وعياً شقياً Unhappy Consciousness بحد تعبير هيجل.
فهل يمكن أن تظل ثقافتنا العربية تطابق بين مفكرينا من نوع جوبينو وكسنجر وصمويل هونتنجتون، وبين مثقفين من طراز جرامشي وسارتر وتشومسكي؟! وهل يمكن أن تبقى ثقافتنا العربية عاجزة عن التفريق بين المشاريع الثقافية التحديثية لأمثال عابد الجابري وعبد الله العربي وسمير أمين، وبين أصحاب المشاريع الأصولية المبشرة بأن مستقبل الأمة قابع وراءها، وليس أمامها؟ كما لو أن سهم الزمن يمكن أن يرتد إلى القوس الذي أطلقه، وهو مالا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المرء يشاهد فيلماً سينمائياً أدير شريطه -عمداً- بالمقلوب.
بالطبع هي كارثة أن تظل الثقافة الأوروبية على ازدواجيتها ما بين تقدمها العلمي وبدائيتها العدوانية (ممثلة في ذيليتها لأمريكا) بيد أن الأفدح بالنسبة لنا أن نـُبقي على ازدواجيتنا نحن المتجسمة في حاجتنا الماسة للتحديث الثقافي فكراً وممارسة سلوكية، بينما معظمنا حبيس شرنقة خوفه من ذلك التحديث .
***
يقول آلان تورين:"ليست الحداثة هي التي تنتج الديموقراطية، وإنما الجمع بين العقلنة وتحقيق الذات هو ما يؤدي بنا إلى الحداثة" ومن ثم فإنه حين جرى العصف بالعقلنة (نيتشه-فرويد) وتوقف تحقيق الذات بفعل تغليب النجاح على قيمة النقد، توقفت الحداثة في الغرب، مما فتح الفضاء لظهور التيار الثقافي الجديد المسمى بـ "ما بعد الحداثة" Post Modernism وهو تيار يعبر عنه جان بودريارد Jean Baudrillard بأنها محاولة ً لبلوغ نقطة يمكن عندها أن يعيش المرء بما تبقى، إنها مجرد البقاء بين الأطلال ولا شيء أكثر.
دعنا إذن ننظر –فيما هو تال- كيف يمكن أن يعيش المصريون بين هذه الأطلال على أسفلت الاقتصاد العشوائي في شوارع الفساد، وتحت ظلال الأساطير، في عصر أميز ما فيه هو تلك السيولة الكونية التي تهدد بزوال الحضارة الحالية ذات الملمح الغربي، ولعلنا بالرغم من تلك الصورة القاتمة أن نستشرف ملامح حضارية جديدة لمسيرة الإنسان الصعبة.



#مهدي_بندق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البلطة والسنبلة - هل المريون عرب
- ثقافة الإرهاب تمهد لضرب الوحدة الوطنية
- *نورا العربية لا تغادر بيت الدمية
- *الطابع المزدوج للثقافتين الأوروبية والعربية
- *الشعر يمحو باليد الأخرى
- إعدام الشاعر عماد الدين النسيمي
- مسرح شعري في مصر الفرعونية ؟!-الفصل الثاني
- قراءة تجريبية في دراسات المسرح الشعري - الفصل الأول
- الطريق إلى المسرح الشعري - مقدمة منهجية
- * الكتابة على سِفْر الاختيار
- * المدخلُ إلى علم الإهانة
- *قراءة سوسيولوجية للوحة العشاء الأخير- شفرة دافنشي الأخرى
- *الحرية بين العلم والدين والفلسفة
- المسرح الشعري ..الغايات والوسائل
- مكابدات الحداثة في المسرح الشعري
- الطابع المزدوج للثقافتين الأوروبية والعربية
- 2 البلطة والسنبلة .. التراث الفرعوني ومساءلة الأساس
- لا أنت غيثٌ ولا القومُ يستنكرون الظمأ - قصيدة
- البلطة والسنبلة.. إطلالة على تحولات المصريين1
- مشروع الإسلام السياسي وثقافة الأساطير


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...
- قائد الثورة الاسلامية: شهدنا العون الالهي في القضايا التي تب ...
- قائد الثورة الاسلامية: تتضائل قوة الاعداء امام قوتنا مع وجود ...
- قائد الثورة الإسلامية: الثورة الاسلامية جاءت لتعيد الثقة الى ...
- قائد الثورة الاسلامية: العدو لم ولن ينتصر في غزة ولبنان وما ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مهدي بندق - مصر وثقافة الحصار