|
لماذا لم و لن يظهر محمد يونس مصري؟؟؟
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 1812 - 2007 / 1 / 31 - 07:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
محمد يونس الذي أعنيه، هو الإقتصادي و المصرفي البنغالي الفائز بجائزة نوبل للسلام لعام 2006 عن مشروعه الذي يمكن تسميته ببنك الفقراء، ذلك المشروع الذي غير مسار حياة كثيرين للأفضل في بنجلاديش و ربما سيغير حياة أخرين في العالم حين تنتشر الفكرة و يجري تبنيها من أفراد و هيئات و دول أخرى، خاصة و قد أثبتت نجاحها و جاءت جائزة نوبل فأعطت للفكرة دفعة إعلامية. مشروع محمد يونس لا شك رائد و يناسب حالتنا في مصر، التي حالها لا يختلف كثيرا عن حال دول شبه القارة الهندية، و يعلم هذا كل مصري يعيش الواقع، فهناك سكان المقابر، التي أصبحت مدينتهم بالقاهرة مدينة قائمة بذاتها لها حياتها المتكاملة العناصر، بما يعني أن حياة المقابر أصبحت لدى سكان تلك المدينة واقعا مستقرا و ليس مرحلة مؤقتة، و هناك عزب الصفيح التي تكاد أن تطوق القاهرة من بعض الجهات و تنتشر في معظم مدن مصر الكبرى، و هناك الريف المصري بكل مشاكلة المتراكمة، و الذي جرى تجاهله لنصف قرن و يزيد، فأصبحت الأمراض تنهش في أجساد أبنائه، و يكفي أن أحد التقارير الرسمية المشتركة بين الأمم المتحدة و بين الجهاز المصري للتعبئة و الإحصاء أشار إلى أن نصف سكان بعض قرى محافظتي قنا و الشرقية يعانون من الإلتهاب الكبدي الفيروسي، و أن الأمية ببعض قرى محافظات الصعيد تصل إلى خمسين بالمائة و ببعض محافظات بحري إلى ما لا يقل عن سبعة و ثلاثين بالمائة، و البطالة على المستوى الوطني وصلت في مصر، بين من هم في سن العمل، إلى تسعة و عشرين بالمائة، و أكثر من ذلك بكثير في بعض محافظات مصر، خاصة في صعيد مصر الذي تم عقابه جماعيا بسبب إتهام بعض أبنائه بالتطرف، فزادوه إحساسا بالمرارة بعقابهم الجماعي هذا. الحال في مصر، في حقيقة الأمر و بعيدا عن التجاهل الإعلامي الذي لا يهتم إلا بتسويق الوحدات السكنية بالمدن الجديدة و مشاريع الريفييرا المصرية بالساحل الشمالي، لا يقل سوء عن الحال ببنجلاديش أو باكستان أو الهند، حتى الأصبح الحال أشبه بقنبلة تنتظر الإنفجار. لكن هذا الحال السيء لماذا لم يحفز أحد على المبادرة بمشاريع أهلية تخفف وطأة الفقر عن كاهل الشعب المصري الحقيقي، و تعمل على إخراج الشعب المصري من دائرة الفقر المحكمة الإغلاق و التي تطوقه و تبقيه أسيرها؟؟؟؟؟ لماذا لم يظهر بيننا محمد يونس مصري بأفكار مشابهة؟ الإجابة ليست بسيطة، بل هي مركبة من عدة عوامل أسهم كل عامل فيها متداخلا مع العوامل الأخرى في إجهاض أي فرصة لظهور مثل محمد يونس. أولا: غياب الديمقراطية: أحد العوامل الهامة الفارقة بين بنجلاديش و مصر، و هو أيضا أحد العوامل الهامة التي أسهمت في ظهور محمد يونس في بنجلاديش و ليس في مصر، ففي دولة ديمقراطية، تتمتع بثقافة ديمقراطية شعبية راسخة، حتى لو إنقطعت في بعض الفترات، يمكن لأي شخص أن يأخذ زمام المبادرة و يتحرك قدما لترجمة أفكاره إلى واقع، غير خائف من خنق فكرته أو مصادرتها، بينما في مجتمع كالمجتمع المصري الحالي، فمن المستحيل أن يحدث هذا، فلو كان محمد يونس مصري لحدث أمر من إثنين: إما أن يتم إستدعاءه لمباحث أمن الدولة لإرهابه و تخويفه من العواقب الوخيمة للإستمرار في مشروعه هذا، الذي يشوه النظام الحاكم، بإظهاره حقيقة الوضع في مصر، و الذي تعمل الإجهزة الإعلامية على إخفاءه، و إما أن تصادر الفكرة و تنسب لأحد أعضاء الأسرة المباركية الحاكمة المختص بالشئون الإجتماعية، و تصبح الفكرة فكرة هذا الشخص، و تنطلق وسائر الإعلام النظامية في حملة تطبيل و تزمير، تماما كما حدث مع الهلال الأحمر المصري و مع الهيئات الخيرية الأهلية المصرية و مشروع مكتبة الأسرة، و يذهب بالتالي محمد يونس المصري إلى حال سبيله و وظيفته الأولى، و في أفضل الأحوال يجدون له وظيفة في الظل في المشروع الذي كان فكرته، ليشهد بعينة إنزواء فكرته و موتها بعد أن تكون إستنفذت أهميتها الإعلامية التلميعية للأسرة الحاكمة. ثانيا: تحول الدين عن جوهره: في دولة متدينة كمصر، يلعب الدين فيها دورا بارزا في حياة أفرادها، منذ العهود الفرعونية و إلى اليوم، كان طبيعيا أن يظهر مثل محمد يونس، بفكرة مماثلة أو مشابهة، فجوهر الأديان جميعها، في حقيقة الأمر، يقوم على مبدأ العدالة، و في دولة شهدت أول بزوغ لمعنى الضمير بما يحملة من معاني العدالة في أسمى أشكالها، و أعني المسئولية الشخصية عن إقرار العدالة و الحق دون إنتظار لتشريع ديني أو قانوني و دون خوف العقاب المدني، كان يجب، و أشدد يجب، أن يظهر ليس محمد يونس واحد، بل عشرات، يحفزهم الأوضاع المتردية في مصر، و السابق الإشارة إلى بعضها أعلاه، و لكن مما عطل دور الدين كحافز لصنع الخير إن الدين تحول في مصر، إلى المظاهر الفارغة، فإهتم بالقشور الخارجية، فأصبح إعفاء اللحية و تقصير الشارب، و إستعمال المسواك بدل من فرشاة الأسنان، و إرتداء الجلباب الأبيض بدلا من الملابس المدنية الحديثة، و تقصير الجلباب و لبس البلغة بدلا من الحذاء العادي، هو الإسلام، و أصبح إقامة الحدود هو الشغل الشاغل، أما ملء بطون الجائعين و إكساء العارين و محو أمية الجاهلين، و توفير فرص عمل للعاطلين، فليس أمر ذي بال، أو على الأقل لا يرقى بحال لقضية المظاهر الخارجيةالفردية و قضية الحدود. لقد تم حرف الرسالة الأولى للدين، و هي إرساء العدالة، و تحقيق المساواة، و تشهد على ذلك الآيات الكثيرة في القرآن التي تهتم بالمستضعفين و المهمشين و تعلي من شأن العدل و الحكم بالحق، إلى قضايا فرعية بعيدة عن أن تكون حافزا لفعل الخير و تخفيف الآلام، و الأهم مساعدة المهمشين و البسطاء على الخروج من واقعهم المؤلم، بتوفير التعليم، و خلق فرص عمل لهم، بما يجعلهم ليسوا في حاجة لمد يدهم طلبا للصدقة، فتحفظ كرامتهم الإنسانية بإعتمادهم على أنفسهم. بالطبع هناك عوامل أخرى، تضاف للعاملين السابقين، مثل الفساد المستشري على كافة المستويات، و البيروقراطية المزمنة، و غير ذلك، أسهمت في غياب محمد يونس مصري، و لكن العاملين الأولين هما العاملين الأساسيين، في غياب مشاريع تعمل بحق على الإسهام في محاربة الفقر و مساعدة البسطاء، مساعدة فعلية، تحررهم من الحاجة تحرير فعليا، و تجعلهم بعيدين عن أن يكونوا رهينة للفقر و إنتظار الإحسان.
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شرعية ثالثة، لا تعديلات دستورية
-
تحاولوا أن تزرعوا عقدة ذنب إسلامية
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|