أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر















المزيد.....

حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر


خالد محمود خدر

الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 09:12
المحور: المجتمع المدني
    


كم من كلمات بسيطة تحمل في معانيها فائضا من المحبة و الاشتياق والحنين ، وكم من جُمل صادقة قادرة على تلخيص معاناة الملايين وخاصة من ابناء الاقليات المقهورين المجبرين على الرحيل مهاجرين من وطنهم في اوقات النوائب والشدائد مثل الحروب ، التي بدت وقائعها ونتائجها في السنين الاخيرة في العراق وسوريا وكأنها خططت لاستهدافهم تحديدا ليعانوا أثرها من الظلم والاضطهاد على الهوية ما وصل حد الإبادة المنظمة كما حصل مع الايزيدية في سنجار عندما غزاهم الدواعش في الثالث من أب 2014 ، حيث قتل منهم الآلاف وتم دفنهم في أكثر من تسعين مقبرة جماعية لاتزال غالبيتها غير مفتوحة رسميا، كما سبيت اكثر من خمسة آلاف فتاة وامرأة ومثلهم من الأطفال.

كان استهدافا إرهابيا منظما للأقليات من ايزيديين ومسيحيين وصابئة ، هُجروا أثره في وطنهم ، ثم ما لبث أن هاجر الكثير منهم غصبا عنهم باحثين عن الأمن والامان في دول أخرى احتضنتهم واحست بمعاناتهم وثقل فاجعتهم ، بعد ان فقد من نجوا بارواحهم بصعوبة بالغة حتى دورهم وممتلكاتهم وأموالهم ، ليضحوا وقودا او كبش فداء لأي محرقة تندلع بسبب او دون سبب عند من يبحثون عن فرصة لينالوهم بعناوين أخرى تارة أو عناوين مباشرة تارة أخرى باسم الدين والدين منهم براء.

مع كل ما جرى لهم ، فإنهم عندما يتصل بهم صديق ويفيض معهم في الحديث عن الوطن او يتبادل معهم الرسائل يجدهم يتحدثون باشتياق وحب وحنين واسى عن حال ما آل إليه وطنهم وعن اصدقائهم وجيرتهم وعموم اهلهم من ابناء العراق الذين شاركوهم في الظروف الصعبة والاوقات المتعبة من حروب وحصار اقتصادي وذكريات ووجع وامل وخذلان. وكم يجد في مفردات حديثهم الما ووجعا لا يطاق بل يجد حشرجه تصل حد البكاء عفويا ، بكاء يصدر عن أعماق قلوبهم التي تكن لوطنهم حبا وخيرا وانتماء. ولكنهم هاجروا ليس طواعية او رغبة ، بل بعد ان وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها انهم هم المطلوبين في أعمال الإرهاب مع كل الاصلاء المنتمين بحق لوطنهم. بعد عدوان داعش هاجر أكثر من مائة وخمسون الف ايزيدي خارج العراق ولا يزال نصف اهل سنجار الايزيديين نازحين في اقليم كردستان ، مثلما هاجر أكثرية ابناء المكون المسيحي والمكون اصابئي.

ان هذا الأمر للاسف تكرر مرارا في كل ظرف صعب يطال او مر به وطنهم ، ليضحوا هم المطلوبين للقتل على الهوية الدينية ، وكأن هوية المواطنة ومعاني الانتماء للوطن لا تقاس بما ضحى وخدم به المواطن وطنه واهله ، وانما تقاس على الهوية الدينية او الطائفية تارة او العنصرية تارة اخرى ، حدا يمكن قراءة فصول من تاريخ العراق عبر قراءة تاريخ أقلياته.
كم بات يتأسف الاصلاء في الارض والانتماء للوطن ، على كل زمن يصبح فيه ، من يعشق ويخدم وطنه واهله من أعماق قلبه ، إما مهمشا يعيش كالموتى او مهجرا مغتربا في بلده او مهاجرا يعاني من وجع الغربة في بلاد بعيدة ، دون ان يجد واقعا وقتها إلا القلة من مواطنين او جيرة من يربت على كتفه او يقف بثبات معه في محنته مدافعا مؤازرا ، ليبدوا لهم كأن الأمر لا يعني هولاء واقعا رغم انهم الأكثرية المجتمعية ، وكأن هدر كرامة الإنسان ، اي انسان عراقي ليس بهدرا لكرامة الجميع ، طالما العراق وطن الجميع وارض الجميع وهوية الجميع.
اما القتلة و اللصوص والانتهازين والطائفيين والعنصريين فيبقون يتلونون بلون كل زمان ويرقصون على انغام إحداثه الجسام و وقائع اعمال العنف وما جلبته من ظروف صعاب وإرهاب وصل حد الإبادة الجماعية لابناء الأقليات ليجد من تمكنوا منهم من النجاة منهم انفسهم مهاجرين ابدا الى دول اخرى آمنة ، يجدون معها كرامتهم في تلك الدول ويشعرون فيها بانتمائهم الانساني رغم وجع الاغتراب. هكذا غير الإرهاب معادلات الكثير وحسابات الكثير ، الذين وجدوا أنفسهم دون تخطيط مسبق في بلد آخر اضطروا إلى الهجرة إليه لاجئين من جور وظلم من أصبح الظلم مهنته دون محاسبة لزمن طال.

بالمقابل كم كان سامان انها ولا يزال هولاء المهاجرين وخاصة من ابناء الاقليات حديث الخيرين المتبقين في الوطن ، الذين عبر الكثير منهم عن اسفه لهجرتهم وهم الاصلاء في الوطن. نعم فقد كان فيهم الخير والسلام وعناوينه. لكنه يبقى أسفا يبرره سلامتهم وراحتهم واستقرارهم بعيدا عن من يجدهم فرصة لاملاءاته الخاصة. كانوا عناوين كبيرة وسيبقون هكذا في اعين الكثير الكثير . كم برز منهم رموزا وطنية واصبحوا اعلاما تقاس به الاصالة والانتماء للوطن واضحوا مثلا يحتذى.
في واحدة من كلمات الحنين والاشتياق للوطن ، عبر لي قبل اسابيع احد الاخوة الاصدقاء من ابناء الاقليات المغتربين (وهو في نهايه العقد السابع من عمره ) في اتصال هاتفي معه تناولت ما أشرت إليه في أعلاه ، ليجيبني بالقول:
ان كلماتك الطيبة التي أراحت نفسيتي التي قتلتها الغربة ، الغربة التي جعلتني أموت كل لحظة من لحظات عمري الأخيرة ، وكلماتك هذه جعلتني اتذكر كل مكان وكل صديق …...
كما عبّرت احدى الاخوات المهاجرات عن وجعها على ما اصبحت عليه بعد هجرتها و غالبية اهلها واقربائها خارج العراق او داخله وهي بينهم ، لتقول في عبارات موجزة بما كتبته في موقعها على الفيسبوك: خليتنا يا زمن كل واحد في ديره لا بيت يلمنا بعد و لا ام ولا جيره. حيره بعد حيره ، يا ليتنا نرجع الى الديره.
الغربة القسرية وجعٌ لا يُشفى، حتى لمن عاد إلى موطنه بعد هجرة داخلية ، فوجده موطنا آخر. وحده الحنين بقي صادقا، يطرق أبواب القلوب كلما خلت، وكلما سمعت اسما يذكرها بقريب أو جار أو صديق.

نعم ، أن الغربة، حين تُفرض على الإنسان، لا تصبح تجربة وقتية بل تتحول إلى ندبة عميقة في الروح. يحاول المغترب قسرا التعايش والتظاهر بالتأقلم ، مثلما يحاول أن يقنع نفسه أن عزائه في هذا الشتات ما توفر من أمان أو مستقبلا أفضل لأبنائه. ولكن تبقى الحقيقة المؤلمة تلاحقه في كل لحظة صمت، في كل ذكرى، في كل صورة قديمة، في كل خبر يقرأه عن داره المسروق والمفجر ، في كل خير عن أصدقاء رحلوا، أو جيران لم يعد يسمع أصواتهم. والأمر يزداد وقعه على الجيل المتقدم بالعمر منهم الذي يحاول الفرد منه أن ينسى ، دون أن يتمكن ، لأن الذاكرة ليست شيئا يمكن محوه ، ولأن الأماكن التي عاش فيها أكثرية عمره تصبح جزءا منه ، وأولئك الذين افتقدهم لم يغيبوا عنه تماما، بل يعيشون في تفاصيل حياته اليومية. ان ما يعبر عنه المغتربين قسرا في أحاديثهم أو في ما يكتبوه ليس مجرد خاطرة، بل شهادة حية على وجع جمعي، وحنينٍ لا يشفى، وأمل مؤجل. وتبقى أحاديثهم تُعبر عن آلاف الأرواح مثلهم التي ما زالت معلّقة بين ماض لم ينته، وحاضر لا يُشبهها، ومستقبل مجهول الوجهة.

هكذا أصبحت الغربة عند ابناء الاقليات قدرا من صنع اولئك الذين لا ينتمون إلى وطنهم ، مرهبين لمواطنيه لغايات تخضع من ضمن ما تخضع لاجندات خارجية لا تصب في مصلحة الوطن وأبناء الوطن. ، ليجد فيهم الفرصة لتحقيق عدوانيته وشره وحقده وملا جيوبه والاستيلاء على ما ليس له من ارض وبناء ، يأملون أن يكون لهذا الشتات من معنى يترجم عند المسؤولين في الدولة إلى واقع افضل لمن لم يستطع الهجرة منهم.
وليس لي بعد هذا إلا أن القول:
إلى كل مغترب لم يختر الرحيل، بل اختار النجاة،
إلى من غادر أرضه مجبرا، لكنه لم يغادرها من قلبه.
إلى من عاش الحنين في تفاصيل يومه، وتعلّم أن يحمل الوطن
كجزء من روحه.

اعلموا أن الغربة لا تُنقص من أصالتكم، بل تزيدها إشراقا.
أنتم الوطن في ملامح الصبر، في الكفاح، في الشوق الذي لا يخبو. وجودكم بعيدا لا يعني نسيانا، بل هو امتداد للأمل بأن يعود هذا الوطن يوما كما كان، آمنا كريما يحتضن أبناءه جميعا دون تفرقة، ودون خوف.

ابقوا كما أنتم ، أوفياء للذاكرة، صادقين في محبتكم، أنقياء في غربتكم، فأنتم بعضٌ من وجع العراق ، وبعضٌ من كرامته المفقودة.
وأكثر من ذلك ، أنتم شموعه التي لا تنطفئ.



#خالد_محمود_خدر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة من القصص المأساوية في الإبادة الإيزيدية / قصة الام العجو ...
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الثالث والاخير
- قراءة جديدة في مذكرات الأرقش / الجزء الثاني
- قراءة جديدة لمذكرات الأرقش / الجزء الاول
- تقديم لكتاب (ناجيات من جحيم داعش ) / الجزء الخامس من موسوعة ...
- بمناسبة الذكرى السابعة عشرة لوفاة المربي الشيخ صبري مراد شيخ ...
- كن بابا للضوء ، وإن ضاق بك الطريق
- لو صاير شيوعي كبل عشر سنين ما جان انطوج فصلية، هكذا قالها اب ...
- سيرة وآراء عالم الفيزياء ستيفن هوكينج في الكون والحياة
- ماذا لو اجتمع الضمير الإنساني للفرد والمجموع بوجود القانون ا ...
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السابع والأخير
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء السادس
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب/الجزء الخامس
- عندما يكون الحب في غير زمانه / الجزء الرابع
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب /الجزء الثالث
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الثاني
- عندما يكون الحب في الزمن الصعب / الجزء الاول
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثالث
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الثاني
- خواطر في محطات دروب الحياة / الجزء الاول


المزيد.....




- مؤسسة غزة الإنسانية تزعم إصابة موظفي إغاثة أمريكيين في هجوم ...
- إصابة عاملي إغاثة أميركيين في خان يونس
- الأونروا تحذر من تصاعد العنف في خربة أم الخير ومسافر يطا جنو ...
- الأونروا: لدينا خطة طوارئ جاهزة للعمل في غزة فور إعلان الهدن ...
- يورو نيوز: الاتحاد الأوروبي يدرس 5 خيارات للرد على انتهاكات ...
- محام وبرلماني إسباني للجزيرة نت: هدفنا تثبيت جرائم الحرب الإ ...
- اعتقالات جديدة تطال 3 رؤساء بلديات في تركيا
- إصابة عاملي إغاثة أميركيين في خان يونس
- الأونروا تحذر من تصاعد العنف وخطر التهجير القسري في الخليل
- تركيا: السلطات تنفّذ جولة جديدة من الاعتقالات بحق رؤساء بلدي ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - خالد محمود خدر - حين تكون هجرة الأقليات قدرا من صنع البشر