ايها العرب.. "تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم"
[email protected]
تروي كتب الديانات والتاريخ، عن ملك بابلي اراد الرئيس العراقي الساقط تقليده ،والتشبّه بحاله واعماله. بل ان اكثر رسّامي (مارد العرب!) وضعوا في جدارياتهم صورة الطاغية البابلي مع صورة صدام،والذي امر في احد زياراته الى مدينة بابل ؛ان يحفر اسمه على جدار كان كل ملك بابلي يضع صفاً في بنائه.
حتى صدحت الاغاني في الارجاء العربية وصارت توزعها السفارات العراقية كموسيقى لحفلات الرقص العربي، تتبادلها البعثات الدبلوماسية في حفلات مجونها الشهيرة،واحتفالاتها بالانتصارات الوشيكة على الصهيونية!، بينما كانت اصوات اخرى لم تصل مسامع العرب بعد تدوي في العراق، وتخلف مقابر جماعية وحروب جوار طاحنة.
كانت الاغنية تقول " نبوخذ نصر شيّد بيت وعلاّه كف صدام حسين".
و اصبح تاريخ بابل صدام حسين تاريخاً عربياً لأسباب سترايجية وصراعات آيديولوجية ودينية،يطول البحث فيها.فأشتهرت بابل عربياً بامجاد البذخ الصدامي في مهرجانها السنوي الشهير،اكثر من كونها مدينة من اول مدن العدالة والقانون المكتوب والمؤرشف،واشتهرت عالمياُ بفرق العروض العالمية والتبذير الفاحش في اكرامها،وقيل ان نظام صدام عرض مبلغاً خيالياً على المطربة العالمية مادونا التي رفضت الحضور الى احد دورات المهرجان.
وذاع صيت بابل اكثر واكثر بفضل الرئيس الساقط ايضاً، يوم عرضت محطات التلفزة صوراً لأول مقبرة جماعية تكتشف في بابل بعد انهيار النظام الجائر ،وكانت تضم رفات اكثر من 20 الف عربي!!. لم يتحدث احد عنهم،بل انشغل العرب في البكاء على مجد بابل المستباح،والهجمة اليهودية الشرسة،ونبوخذ نصر(هم) الكاذب.
واختلط الامر عليهم ،فتناسوا ان نبوخذ نصّر(الأصلي) كان ايضاً صاحب اول مقبرة جماعية في ارض العراق ولم تكن مقبرته تلك تضم حشد سبايا اليهود، بل كانوا صفوة حكماء بابل، بعد ان جمعهم ولم يفلحوا بتفسير حلمه،كما يروي التاريخ.
و كم من الاحلام الصدامية لم يفلح بايجاد ادنى تفسير لها خيرة اهل العراق؟!!.
وتروي الكتب الدينية ان نبوخذ نصر أمر بمقبرة جماعية افنى فيها كل اهل الحكمة البابليين واستعان بحكمة صبي يهودي اتى به من السبي،وعيّنه حكيماً على ارض بابل.
وهنا يقفز سؤال وعلامة استفهام تحاول ان تختصر التاريخ كله في انحنائها ؟
وثانية اكبر منها،وثالثة على محبّة الحقيقة!.
ولكن هذا ما لا يشغلنا الان ،فلفلسفة التاريخ التأملية اربابها ،ممن ينقّب اكثرهم في ثنايا التاريخ طويلاً، ويشبع الفلسفة بمناهج جديدة ، مثلما فعل ابن خلدون،وكانت،وماركس، فلربما يأتي زمن لدراسة التاريخ القديم وفق رؤى التاريخ الحديث.
وهذا ما لا يشغلنا الان على الاقل، بل ربما يشغلنا معرفة من هو حكيم صدام الخفي؟،الذي قاده الى الوحدانية في نفسه، والوحدانية في الايمان( ايضاً الذي صار اليه نبوخذ نصر على يد الصبي الحكيم)الذي يقود حملاته منذ مدّة. فلم تكتمل بعد الاساطير عن صدام، وما يحاوله العرب الان هو تلبيس "الحلم العربي" لنبوءة صدّامية وفق منجز ابادة الحكماء( مع الاعتذار لنشيد " الحلم العربي" الذي لايقلّ اهمية عن النشيد السابق الذكر عن نبوخذ نصر والرئيس الساقط).
* * *
ونسمع كثيراً هذه الايام عن خلل في رؤية المثقف العربي،وصار من ضرورات كل متحدث عربي لإثبات ثقافته؛ الاستهلال بموال الازمة هذه ،فيكتب كاتب هنا، ويتحدّث آخر في فضائية هناك. ولا يتوانى أي كاتب من ابداء رغبته في صياغة نداء حملة لجمع التواقيع، دعماً لما يراه يستحق التضامن من كل المثقفين العرب. فقبل ايام جمع حشد لا بأس به من المثقفين العرب تواقيعهم في قائمة تضمنها بيان تضامني مع الكاتب جمال الغيطاني، يسنتكرون فيه اتهام السيد الغيطاني بمحاباة النظام العراقي والارتزاق منه بالكتابة .
وأخذت هذه الحملة وقتها من النقاش الطويل، حتى استجدّت حملات اخرى،فالاحداث اليومية تتطلب من المثقف العربي التواصل معها، ولابد له من ان يضع رأيه وقراره في موقف ما، ليثبت جهات انتماءه الحقيقية، فها هو جمال الغيطاني يثبت انه بعد افلاسه من كتابة روايات تمجد بطولات صدام بقتل ابناء العراق، وبعد ان تلطّخ قلمه بدم احبّتنا،والذي حفر بمداده مقابر "زبيبة" الجماعية وملكها الساقط..هاهو و"زبيبة" عربية اخرى اسمها حميدة نعنع يوقـّعون على بيان صادر عن مجموعة من رجال أعمال ونواب برلمانات للحرية الغربية!،وبعض الساسة،والكتاب، وتجّار صحف من فرنسا واوربا، في حملة شعواء تتواصل، منذ أيام، داخل فرنسا وخارجها، لجمع التواقيع على نداءات تطالب بالإفراج الفوري عن طارق عزيز،وتطالب بالافراج عن المسؤولين العراقيين المدنيين والعسكريين المعتقلين،هذه الحملة البائسة يروّج لها الكاتب الفرنسي، ديديه دوننكليز، وفيها النائب البريطاني جورج غالوي، والمنسق السابق لبرنامج النفط مقابل الغذاء في العراق هانس فون سبولك، ورئيس المنتدى البلجيكي العراقي للتجارة والصناعة برانس أرمو دو ميرود، ورئيس القوات الفرنسية السابق في عاصفة الصحراء الجنرال المتقاعد بير غالوا، ورئيس جمعية الصداقة الفرنسية العراقية جيل مونيه، ورئيس لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بير بيرسيس!!!.
قلت :رئيس لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة؟؟!.. فكم سيكون من ضروراتنا الوطنية العراقية، اعادة النظرّ في كلّ شيء. والى كم ينخدع المثقف العربي،لحظة يتوقع ان وقوفه مع الاسماء الكبيرة وقوفاً تاريخياً، فيعمه غياً، حداً نشكّك فيه بمسمى الثقافة العربية كلّها.
* * *
يوم التأم مجلس الحكم العراقي في اول حديث صحفي لهم،بعد باكورة اجتماعاتهم، خرجت صورة تاريخ العراق الذي كان يجب ان يكون، ومنذ زمن طويل، في خليط تجاوز بكثير عدد حكماء اوروك السبعة، حكماء للحكم، وللحكمة فيما سيختاره الشعب منهم لاحقاً.
ورسموا بأختلاف الوانهم صورة اولية ربما يشوبها خطأ ما، لكنها اجمل بما لا تحصيه احلام العراقيين على امتدادات تاريخهم الطويل.
خلفهم كانت خارطة العراق في ثلاثة الوان ،وهي رغم التصاق ماضيها بنظام سابق سقط زيف شعاراته و نجومه من العلم، ومن سماء الهمّ العراقي،الا ان الخارطة بألوانها حملت اشراقاً آخر.
كان اللون الاحمر في اعلى الخارطة،فقلت: هو ما انساب من دم من اعالي العراق وجرى مستزيداً على جنبات نهريين حزينين حتى شط العرب.
ورأيت اللون الابيض في قلب الخارطة وقد كـُتب عليه بالعربية! (مجلس الحكم)، فقلت: انما هذا البياض بياض الحكم الذي نريد ونرتجي.
ورأيت اللون الاسود في اسفل الخارطة فقلت: انما هذا السواد بستان العراق التي ليست لأحد. وفي غمر هذا التداعي وجدت من ينغّص عليّ مسامرة الالوان مجرّدةً من تاريخ الرئيس الساقط لحظة طلّ على مسائي لينغّصه وجه مثقف عربي !! من فضائية مأجورة،وليخلط الاوراق والالوان بشكل غريب،محاولاً الانتقاص من هذا التجمع العراقي بطرق ما عرف لها الحق من ماضٍ،سوى ما اراده هو من ماضٍ عربي زاخر!!،ومجدٍ يبدأ من لون العلم وتاريخه!!،وفي هول تخبّطه الكبير وجدته يذكرّ الوان اعلام عربية وتاريخها الحافل،ويمرّ بذكرّ لتاريخ اول علم عراقي كان للثورة العربية،وبقيت الوانه في علم منظمة التحرير الفلسطينية.
واربكت من فطنته وقلت لعلّي سأعجز عن القراءة التاريخية لما اراده السيد العروبي، لكني مع هذا بحثت لايجاد تاريخ لعلم العروبة الخفـّاق!،وصعقت ايما صعقة وانا اقرأ هذا النص عن تاريخ الثورة العربية،وعلمها،وعلم منظمة التحرير الفلسطينية. المقال المنشور في النيويورك تايمز في 1999،وفي موقع جامعة واشنطن الغربية:
*((Even the flag was artificial. The green, red, white and black banner that fluttered over Arab
raiders led by the Hashemite family against the Ottoman empire --
the basis for today s flags of Jordan and the Palestine Liberation
Organization -- was designed by a British Foreign Service officer
named Sir Mark Sykes and produced by his army s supply shop in
Cairo))
وعرفت من ترجمتي المتواضعة له؛ قاعدة الالوان للعلمين الاردني ومنظمة التحريرالفلسطينية ، محمولا على مسمى العروبة الخالدة،وقد وضعه ضابط السلك البريطاني السير مارك سايكس( الصهيوني!)، في ورشة في القاهرة. وسايكس هذا غني عن التعريف فهو من وقع اتفاقية سايكس بيكو عام 1916مع الفرنسي حورج بيكو،والتي بموجبها تمّ تفكيك الامبراطورية العثمانية،لتقسّم البلدان العربية التي كانت تحت احتلالها بين بريطانيا وفرنسا.
وكم سمعنا من عواءات النظام الساقط رفضاً واستنكاراً لتلك المخططات الاستعمارية الصهيونية!،وكم نسمعها من اخواننا العرب ايضاً،مثل ذلك المثقف (بشتم الكويت) الذي كاد يرقص مع بيض الصنائع (والبخت ضائع) وخضر المرابع (بمقابرنا الجماعية)،وحمر المواضي، وسود الوقائع (عليه ومن لف لفّه)، متغزلاً بصدام مكتشف هذه القصيدة لصفي الدين الحلي !!،رغم ان الكويتيين الذين يشتمهم ربما كانوا اول من غنى بها عام 1961 وهم يرفعون اول علم لهم ،والحكاية معروفة.
لكني لن اضيف له هنا معلومة يشتم فيها الكويت في الحلقة القادمة،فسوف لن اخبره ان صفي الدين الحلي لا دخل للكويتيين به لأنه من الحلّة وهو الاسم الحديث لمدينة بابل،حتى لا يربط الحكاية بنبوخذنصر!!.
يرقص هذا المسكين وغيره من الفلسطينيين الذين ترفّ على هاماتهم ألوان سايكس(الصهيوني!) البريطاني علماً خفاقاً في ذرى التحرير!،بينما يحتشد عرب كتبة الان مع "بيكو" فرنسي آخر في حملات توقيع لإنقاذ طارق عزيز، فهل من زيف بعد هذا ،بالعـَلم والقلم؟!.
_______________________
* http://www.ac.wwu.edu/~patrick/geo201/jordan.htm
http://www.wwu.edu/home.shtml