حين تنتقل بين المحطات الفضائية العربية تصاب بالاحباط واليأس التام , تطالعك الوجوه الكالحة والتقارير المحبطة للأنفس المحرضّة على التراجع والتي تخاطب الغرائز والعواطف الدنيا للغوغاء .
ولكنني ومنذ فترة وجيزة توقفت صدفة في احدى المحطات على وجه جميل لرجل دين عراقي شيعي يقول كلاماْ أثار اهتمامي , انه السيد اياد جمال الدين الذي كان يقول: " أنا مع انشاء عراق ديمقراطي علماني فيه الدين مفصول عن الدولة ، وذلك حفاظاْ على الدين " ..
ولعمري لم أجد في هذا الزمان قط رجل دين معمماْ يقول ذلك الكلام الذي نزل كالبلسم على صدري وعلى من يتمنى العراق ديمقراطياْ حراْ علمانيا , فيه الدين لله والوطن للجميع , وترتفع فيه رايات العدالة والمجتمع المدني ومؤسساته .
برأيي أن الفكر كثيراْ ما يسبق السياسة في تطوير وعي الجماهير , والحرية الفكرية هي من ثمار الثقافة الراقية حيث يخرج الانسان من قيد الدوغما الى القناعة الناشئة عن التفكير العقلاني الحر ، والفقه الاسلامي يقوم في اساسه على الجمع بين مالله ومالقيصر فلا انفكاك بينهما في شرعه، وتخرج عن هذا السياق شخصيات تاريخية امتلكت وعياْ على درجة عالية من الانسانية ترى أن هناك فارقاْ عظيماْ بين حوافز النضال ضد الديكتاتورية والأنظمة الفاشية ( التي كان نظام صدّام منها ) , وبين النضال من أجل الحجاب والشعائر وقطع يد السارق ورجم الزاني وجلد شارب الخمر .
أنا واثق أن العراق الذي أنجب السياب والجواهري واحتضن فكر الامام علي وابنه الحسين ومايزال ينجب رجال دين جميلين كالسيد اياد جمال الدين ، سيخرج من هذه المحنة مرفوع الرأس , حراْ ليبني وطنه الديمقراطي العلماني , وطوبى لك أيها السيد وللعراق ما دام ينجب أمثالك .
ودمتم ودامت الممالك العربية حرّة مستقلة ، وبالروح بالدم نفديك يا ديمقراطية ..
ــ ميشيل الشركسـي ــ