أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز














المزيد.....

قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 21:05
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


حين حمل جيسون وولبرز قلمه ليكتب كتابه The Power of a Positive Mindset – أو “قوة التفكير الإيجابي” – لم يكن يقدّم وصفة سحرية مختصرة لتجاوز المصاعب، بل كان يسعى لتأسيس رؤية متكاملة عن كيفية التعامل مع الحياة من داخل الذهن البشري نفسه. صدر الكتاب في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، في وقتٍ تتصارع فيه البشرية بين الأزمات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، حيث باتت النفس البشرية منهكة تبحث عن طوق نجاة لا يكمن في الخارج، بل في الداخل.

جيسون وولبرز ليس من كتّاب التنمية البشرية التقليديين الذين يبيعون الوهم تحت مسميات التسويق الذاتي أو التفكير الإيجابي كدواء شامل، بل هو باحث متأمل، ينهل من التجربة الشخصية، ويجمعها مع المعطيات النفسية والاجتماعية المعاصرة. هذا الكتاب هو ثمرة 90 يومًا من التمرين العقلي، مصمم ليكون يوميات تحويل، لا مجرد نصائح عابرة. بأسلوب بسيط لكنه مشبع بالحكمة، يضع وولبرز القارئ في مواجهة ذاته، لا ليؤنّبه أو يحمّله مسؤولية كل فشل، بل ليدعوه إلى مسؤولية الاختيار: هل أريد أن أبقى حيث أنا؟ أم أبدأ رحلة التحوّل من الداخل؟

ما بين السلبية والإيجابية… كيف يتشكّل العقل؟

يبدأ وولبرز من الفكرة الجوهرية أن العقل ليس لوحة بيضاء، بل مسرحٌ دائم للحوار الداخلي. وأن معظم البشر يعيشون تحت وطأة حديث داخلي سلبي دون وعي منهم. يقول في أحد مقاطع الكتاب: “نحن لا ننهار من الضربات الخارجية، بل من الهمسات التي تتكرر في عقولنا صباحًا ومساءً: لستُ كافيًا، لن أنجح، العالم لا يحبني.” هذا الحديث، كما يرى، هو عدو خفي، يجب أولًا أن نراه، ثم نعيد تشكيله.

لكنه لا يدعو إلى الإنكار ولا إلى الهروب من الواقع. بل على العكس، يرى أن مواجهة الذات تبدأ بالاعتراف بالظلال، لكن من دون أن نعيش فيها. التفكير الإيجابي، بحسب رؤيته، ليس تزييفًا للحقيقة، بل إعادة تفسير لها من زاوية أكثر رحمة وأكثر فاعلية.

يطرح مثالًا بسيطًا: تخيّل أنك فشلت في مقابلة عمل. الحديث السلبي سيقول: “أنا فاشل”، أما الحديث الإيجابي سيقول: “هذه المقابلة لم تكن ناجحة، لكني تعلّمت منها ما يجعلني أقوى في المقابلة القادمة.” الفرق بين الجملتين قد يغيّر حياتك بأكملها.

كيف نصوغ عقلاً إيجابيًا دون ادّعاء؟

يستعرض وولبرز العديد من الأدوات التي تساعد في إعادة برمجة التفكير، أبرزها:
• ممارسة الامتنان اليومي، ليس كشكل من أشكال التجمّل، بل كتمرين فعلي يجعل الدماغ يعيد ترتيب أولوياته، ويرى ما كان يراه أمرًا مسلمًا به كنعمة تستحق التقدير.
• الإحاطة بأشخاص إيجابيين، لأن العقل يتأثر بما يسمعه ويراه. الكلمة الطيبة، والبيئة المحفزة، ليست ترفًا، بل ضرورة لتغذية التفكير السليم.
• التأمل الذاتي والمراقبة اليومية للغة الحوار الداخلي، بحيث يتعلّم القارئ أن يصبح شاهدًا على أفكاره، لا عبدًا لها.
• الاعتراف بالفشل دون الخوف منه، إذ يقول: “الفشل هو أستاذ صامت، لكنه لا يمد يده إلّا لمن يسلّم بأنه تلميذ مستعدّ للتعلّم.”
• التصور الذهني الناجح، حيث يدعو القارئ إلى أن يخلق في عقله مشهدًا متكاملًا لما يريد تحقيقه، لأن الدماغ، كما تشير الدراسات، لا يفرّق بين التخيّل والواقع في بعض المستويات العصبية، ما يعزّز الثقة والحافز.

بين اللحظة الحاضرة والذات المستقبلية

يتوقف وولبرز طويلًا عند فكرة اللحظة. لا يدعو للهروب من الماضي أو القلق من المستقبل، بل يرى أن القوة الحقيقية تكمن في الاتكاء على اللحظة الراهنة. أن تتنفس بعمق، وتعي ما تشعر به، دون حكم. هنا يبدأ الشفاء من الداخل، وهنا تبدأ الخطوة الأولى نحو تحوّل أعمق.

ومن اللافت أن بعض تمارينه لا تعتمد على الجهد الكبير، بل على ممارسات صغيرة متكررة، مثل كتابة ثلاث نِعم يوميًا، أو إعادة صياغة كل جملة داخلية سلبية إلى صيغة تعلم أو احتمال. هذه البساطة ليست ضعفًا، بل قوتها تكمن في سهولة التطبيق اليومية.

القراءة النقدية: هل كل ما في الكتاب جديد؟

رغم زخم الأفكار العملية فيه، فإن القارئ المتمرّس سيلاحظ أن بعض المفاهيم الواردة في كتاب وولبرز ليست جديدة كلّيًا. بل تعود جذورها إلى مدارس في علم النفس الإيجابي، مثل مدرسة مارتن سليغمان، وإلى مدارس التأمل الذهني المستمدة من الفلسفات الشرقية مثل الزين والتاو. بل ويمكننا أن نجد صدى لبعض أفكاره في تعاليم ستيفن كوفي، وروبين شارما، وغيرهم من رواد التوجيه الذاتي.

لكن ما يمنح الكتاب فرادته هو دمج هذه الأفكار في مسار زمني واضح (90 يومًا)، مع لغة مبسطة وأمثلة واقعية يمكن للقارئ العادي أن يتصل بها بسهولة. الكتاب ليس للمختصين فحسب، بل لمن يريد بداية عملية نحو ذاتٍ أكثر توازنًا.

وربما يكون من العدل أن نقول: ما يُقدّمه وولبرز ليس اختراعًا، بل إعادة توزيع فعّالة لأدوات قديمة بصياغة حديثة، موجّهة لعصر يعيش فيه الإنسان وسط زحام الشاشات والتشتّت الذهني، ويحتاج لصوت هادئ يهمس له: يمكنك أن تبدأ من جديد، من هنا، من داخلك.

في النهاية: هل التفكير الإيجابي كافٍ حقًا؟

في خاتمة هذا التأمل، لا بد من طرح سؤال نقدي: هل يكفي التفكير الإيجابي وحده لتغيير الحياة؟ أم أن هنالك ظروفًا اجتماعية واقتصادية ونفسية تعيق التحوّل رغم صفاء النية؟ هنا نحتاج لتفسير دقيق: لا يدّعي وولبرز أن الإيجابية تلغي الألم أو تحل محل النضال الواقعي، لكنه يؤكد أنها تمنحنا قوة داخلية للاستمرار، وتغيّر طريقة تعاملنا مع الألم. إنها لا تلغي الحفر، لكنها تجعلنا نرى النور في آخر النفق، حتى قبل أن نصل.

يبقى الكتاب صوتًا محفزًا، لا مرشدًا مطلقًا. وهو بذلك يفتح بابًا للمراجعة لا للتلقين، ويجعل من التفكير الإيجابي ليس شعارًا سطحيًا، بل ممارسة واعية تتطلب جهدًا يوميًا وتواضعًا داخليًا لقبول الذات في كل حالاتها.



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فلسطين أولاً: تفكيك أسطورة “إسرائيل” في النصوص الدينية والتا ...
- قراءة نقدية في رواية الإسكافي: حين يُخاط الجلدُ الروح
- الشخصية الجدلية: بين الجاذبية والتنافر
- القيادة بين التحذير والتجاهل: دروسٌ من الكارثة
- مصر وتاريخ الهويات: من يوسف وموسى إلى رمسيس وأحمس، ومن النوب ...
- من السيارة إلى الإنسان: شرائح ذكية تحرس الحياة وتعيد تعريف ا ...
- كيف تتغلب على المتلاعبين؟ قراءة تأملية في كتاب جاستن تايلور
- في حضرة مهاويرا: رحلة إلى الجينية، الديانة التي تمشي حافية ف ...
- ومضات من حياة هنري ميلر
- قبّعات التفكير الستّ: حين يصبح العقل غرفةً ذات نوافذ ملوّنة
- الديانة الإبراهيمية: بين الخديعة الرمزية ومخطط تجميل إسرائيل ...
- قراءة جادة في مسار الإنقاذ الإداري
- من نحن… ومن يمكن أن نكون؟
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات
- أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة ا ...
- العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء


المزيد.....




- كيف تتحوّل الموضة إلى أداة للتعبير عن الذات؟
- لحظات تثاؤب لا تُنسى لحيوانات يلتقطها مصور في مقدونيا
- مقترحات مشتركة من المنظمات غير الحكومية قبيل انطلاق المفاوضا ...
- الحكم بالسجن خمس سنوات على الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صن ...
- غزة ـ مقتل المزيد من منتظري المساعدات والجيش الإسرائيلي يحقق ...
- سوهان..طفلة ليبية تفر من المرض على متن -قارب موت- ووالدتها ت ...
- الجزائر: محكمة الاستئناف تصدر حكما بالسجن 5 سنوات نافذة في ح ...
- بسبب الحرب والحصار.. تفاقم معاناة ذوي الإعاقة في قطاع غزة
- فايننشال تايمز: هكذا أعادت إسرائيل إحياء القومية الإيرانية
- -ما وراء الخبر- يناقش مستقبل المفاوضات الإيرانية مع الغرب


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - قوة التفكير الإيجابي: قراءة في كتاب جيسون وولبرز