أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي














المزيد.....

زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي


حمدي سيد محمد محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8360 - 2025 / 6 / 1 - 12:02
المحور: الصحافة والاعلام
    


تُعد إدارة الانطباع (Impression Management) أحد المفاهيم المحورية في العلوم السلوكية والإدارية المعاصرة، حيث تعكس قدرة الأفراد والمؤسسات على تشكيل وتوجيه تصورات الآخرين عنهم، سواء عبر الخطاب أو الممارسة أو الصورة العامة. هذا المفهوم، الذي انبثق من دراسات علم النفس الاجتماعي، تطور ليصبح من الركائز الأساسية في العمل المؤسسي الحديث، لا سيما في السياقات التي يتشابك فيها الأداء الفعلي بالصورة الذهنية. في السياق العربي، تبرز إدارة الانطباع لا كأداة هامشية، بل كعنصر مركزي في صياغة علاقات المؤسسات مع بيئاتها الداخلية والخارجية، وفي بناء الشرعية الرمزية التي تسبق أحيانًا الكفاءة الحقيقية.

يُطرح سؤال جوهري في المشهد العربي: هل تُستخدم إدارة الانطباع كأداة للتجميل والتزييف أم كاستراتيجية واعية للاتصال الشفاف والتناغم مع الجمهور؟ الواقع يشير إلى أن الكثير من المؤسسات العربية تنزلق نحو استخدام إدارة الانطباع بوصفها قناعًا يغطي عيوب الأداء، أكثر من كونها أداة للتعبير الصادق عن هوية المؤسسة ورسالتها. نلحظ ذلك في كثافة استخدام الشعارات الفضفاضة، وحملات العلاقات العامة المكثفة التي تفتقر إلى مضمون جوهري، واللجوء إلى تضخيم الإنجازات في الإعلام دون تقديم أدلة ملموسة على أرض الواقع. هذه الممارسات لا تؤدي فقط إلى تآكل المصداقية، بل تُنتج فجوة متسعة بين الصورة والانطباع، وبين الحقيقة والممارسة.

في المجتمعات العربية التي تتسم بتركيبة اجتماعية هرمية ومركزية السلطة، تلعب إدارة الانطباع دورًا جوهريًا في بناء ما يُعرف بـ"الشرعية الرمزية". فالعديد من المؤسسات لا تنجح فقط لأنها فعالة أو تقدم خدمات عالية الجودة، بل لأنها تحسن الظهور أمام صانع القرار أو الجمهور، أو تنجح في محاكاة نموذج معين من "النجاح الظاهري". هذه الممارسات تؤدي إلى ما يُعرف بظاهرة "الإدارة للعرض"، حيث تُصمم السياسات والقرارات ليس وفقًا لأولويات استراتيجية أو متطلبات تشغيلية، بل وفقًا لما يثير الإعجاب أو يحقق التقدير السياسي والاجتماعي. بهذا المعنى، تتحول المؤسسات العربية إلى كيانات تهدف إلى ترسيخ حضورها في الوعي الجمعي، لا إلى تحسين كفاءتها الفعلية.

الإعلام المؤسسي في العالم العربي أصبح في كثير من الأحيان مرآة لإدارة الانطباع، لا مرآة للواقع. تُستخدم المنصات الرقمية، وصفحات التواصل الاجتماعي، والمؤتمرات الصحفية، لا لنقل الحقائق أو تعزيز الشفافية، بل لبناء سردية منظمة حول "النجاح"، و"التميز"، و"الريادة"، حتى وإن كانت تلك الصفات غير متحققة فعليًا. ويتم إنتاج تقارير سنوية مصممة بعناية شديدة لتقديم صورة مثالية، بينما يتم تجاهل المشكلات البنيوية، والتحديات الجوهرية، وأصوات العاملين والموظفين الذين يشكلون قلب المؤسسة النابض. هذا الانفصال بين الصورة والمحتوى يضعف مناعة المؤسسات، ويجعلها هشة أمام الأزمات.

إدارة الانطباع المفرطة في السياقات العربية تُنتج ثقافة تنظيمية ترتكز على المظاهر لا الجوهر، وعلى الإعجاب لا الفاعلية. في ظل هذه الثقافة، يُكافأ الموظف الذي يحسن الظهور والتواصل مع الإدارة العليا، أكثر من الموظف الذي يقدم أداءً عاليًا دون ضجيج. ويترسخ منطق الولاء للصورة بدلًا من الولاء للقيم المؤسسية. هذه الدينامية تعيق الابتكار، وتثبط روح المبادرة، وتُفرغ منظومة الحوكمة من مضمونها. والأخطر من ذلك أن هذه الثقافة تنتقل إلى الأجيال الشابة داخل المؤسسات، فتُعاد إنتاجها بشكل متكرر، مما يصعب على المنظمات التحول الحقيقي أو الإصلاح البنيوي.

غير أن إدارة الانطباع لا ينبغي أن تُفهم بالضرورة كأداة للخداع أو التجميل. يمكن توظيف هذا المفهوم بشكل إيجابي إذا ما تم ربطه بمنظومة أخلاقية ومعايير شفافة. فالمؤسسات التي تلتزم بالوضوح، وتقدم صورة حقيقية لكنها مدروسة، وتُظهر مواطن قوتها وضعفها بشجاعة، تُحقق احترامًا أعمق من مجرد إعجاب زائف. الإدارة المسؤولة للانطباع تتطلب مواءمة بين الأداء الحقيقي والصورة الذهنية، وبين القيم المعلنة والسلوك العملي. كما تتطلب إعادة النظر في استراتيجيات الاتصال المؤسسي لتصبح أكثر شفافية وصدقًا.

إن واقع المؤسسات ومنظمات الأعمال في العالم العربي بحاجة إلى نماذج أكثر أصالة في إدارة الانطباع، نماذج تستند إلى الرؤية الواقعية، والانفتاح على التقييم الذاتي، والجرأة في مواجهة التحديات، بدلًا من البحث عن الرضا اللحظي والانبهار الزائف. المطلوب ليس فقط تغيير الصورة بل تغيير الجوهر، وليس فقط تجميل الواجهة بل إصلاح البنية. وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى بناء ثقافة مؤسسية جديدة، تُعيد الاعتبار للحقائق لا الانطباعات، وللعمل لا الكلام، وللإنجاز لا الشعارات.



#حمدي_سيد_محمد_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواطن في قبضة الشاشة: كيف أعادت الرقمنة تشكيل وعينا السياس ...
- مناخ الصراع: نحو دبلوماسية بيئية شاملة لأمن عالمي مستدام
- أزمة العلم المتصدع: من اليقين التجريبي إلى سيولة المعرفة
- وداعاً للهاتف الذكي: بداية الوعي التكنولوجي الجديد
- الفردية والقلق الوجودي عند كيركجارد: قراءة فلسفية شاملة
- الحياد الكربوني والاقتصاد: من منطق الربح إلى منطق البقاء
- الخوارزمية والدبلوماسية: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل العلاقا ...
- حروب الخوازميات: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل ميزان القوى ...
- الوحدة العربية: بين معطيات الواقع وإمكانات التحقق
- علمنة التعليم في المجتمعات العربية: بين تحديات الهوية وآفاق ...
- السيادة العسكرية في عصر الذكاء الاصطناعي: من السيطرة التقليد ...
- الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل وظائف العلاقات العامة الدولية: ...
- ديمقراطية على الهامش: قراءة نقدية في انسحاب الوعي المدني من ...
- أكذوبة القرن: كيف صاغت أمريكا الرواية الكبرى لغزو أفغانستان ...
- قوة البخار وحدود العالم: الآلة البخارية كأداة للغزو البريطان ...
- النسوية والتأويل: قراءة نقدية في مشروع التفسير النسوي للقرآن ...
- العقل والوحي: جدلية الوجود بين الفلسفة والدين
- الهيمنة الناعمة: المركزية الأوربية واستعمار الذات والهوية
- عبد الله التعايشي: بين الحلم المهدوي وسقوط الدولة
- جدلية العقل والإرادة: قراءة في تحولات الفكر الألماني من لوثر ...


المزيد.....




- ترامب يعلق بعد استخدامه مصطلحا معاديا للسامية: لم أكن أعلم
- دفاعًا عن الحق في الوصول للعدالة: نتضامن مع مطالب المحامين ا ...
- سوريا تعلن عن هويتها البصرية الجديدة … ما هي دلالات شعار الد ...
- إثيوبيا تدعو مصر والسودان لحفل افتتاح سد النهضة… والقاهرة تر ...
- قانون ترامب للإنفاق يمرر بالكونغرس بعد جدل طويل، ما هي بنوده ...
- جزيرة كريت اليونانية تشتعل: إجلاء أكثر من 1500 شخص واستنفار ...
- بعيد اتصال بوتين وترامب .. روسيا تشن أكبر هجوم مسيرات على أو ...
- جهود لتحويل آثار بابل العراقية إلى وجهة سياحية
- حتى الدفن صار امتيازا.. أزمة مقابر خانقة في غزة
- جنرال هندي: الصين زودت باكستان بمعلومات لحظية خلال الحرب الأ ...


المزيد.....

- مكونات الاتصال والتحول الرقمي / الدكتور سلطان عدوان
- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - حمدي سيد محمد محمود - زمن الواجهة: حين تصنع الصورة مصير المؤسسة في العالم العربي