|
في ضوء التعديلات الدستورية المنتظرة - قانون المفوضية العليا لحقوق الانسان
حنان القيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1809 - 2007 / 1 / 28 - 04:25
المحور:
حقوق الانسان
لم تكن قضية حقوق الانسان رأيا أو أعتقادا أو أيديولوجية أو فلسفة بل هو مشروع حياة ظل يلازم وجوده كمطلب إنساني سام يدافع عنه ويكافح ويضحي من أجله على مدى تأريخه ، وإذا كانت معظم المدارس الفكرية والقانونية ترى ضرورة أن يعيش الانسان بأعتباره أنسانا له ما له من حقوق وعليه ما عليه من واجبات ، فأن المعضلة الأكبر والأقدم هي ذلك البون المتسع على الدوام بين النظرية والتطبيق ، ليس الآن وحسب ، بل ومنذ اليوتبيات القديمة كجمهورية إفلاطون ومدينة الفارابي الفاضلة والعقد الإجتماعي لروسو وصولا الى العصر الذي نعيشه ، وظل هذا ديدن معظم ميادين المعرفة الانسانية التي إهتمت بالجوانب الأخلاقية المدافعة عن حقوق الأنسان، أن الواقع الحالي للكثير من دول العالم يشير الى تعثر رغبات الأنسان في نيل حقوقه كاملة ، لكن هذا لا يعني فقدان الأمل بتحقيق نظام عادل وعقلاني ومتوازن تحفظ فيه ما للانسان من حقوق .
والعراق أحد البلدان التي لا تخرج عن هذه الدائرة ، حيث عانى أبناؤه طوال قرون طويلة من إستعباد وقهر وسلب للحقوق ومصادرة للحريات ، ومن هنا تبدأ مسؤولية النخب المثقفة والطبقات الواعية في ممارسة الدور الفاعل المناط بها والمأمول منها أن تلعبه لكي تجد النظريات الأيجابية الصحيحة طريقها للتطبيق من أجل خلق الوسط الإنساني السليم الذي يؤمن للفرد العراقي كامل حقوقه وحرياته ، وهو دور يستحق الكفاح وأهلٌ للتضحيات .
وتبقى الوسيلة الأهم لحفظ هذه الحقوق هي وضع التشريعات والثوابت القانونية الراعية لها والكفيلة بها . مؤكدين أنها - أي الحقوق - ليست منة أو هبة تمنحها القوى القابضة على السلطة - أية سلطة- لأبناء الشعب ، بل هو حق كفلته الشرائع السماوية والوضعية جمعاء عندما أتفقت وأقرت على إختلافها وتبايناتها من أن جميع البشر يولدون متساوين بالحقوق ، ولا حق لأي طرف كان أن يسلب حقوق طرف آخر أي كان .
وعلى ما تقدم فأن وجوب سن قوانين واضحة وصريحة ودقيقة هو ما يعطي المفوضية العليا المستقلة لحقوق الأنسان في العراق - موضوعة البحث - إستقلاليتها الحقيقية وصلاحياتها الكافية والكفيلة في أداء عملها الرقابي وفي ممارسة مهام دفاعها عن حقوق الفرد العراقي ضد أي إنتهاك أو خرق أو تجاوز من قبل أي جهة تنفيذية من جهات السلطة أو غيرها .
لقد تناول الدستور العراقي الجديد موضوع حقوق الإنسان عندما سن المادة (102) الخاصة بالمفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان .
وعلينا التذكير هنا أن الدولة العراقية الجديدة قد إستحدثت وزارة لحقوق الانسان منوط بها متابعة هذا الشأن على أهميته وخطورته وهو ما يشكل إبتعادا عن المنطق السليم ، عندما نعوّل على الحكومة مهمة مراقبة نفسها ، أي أن جهاز من أجهزة الحكومة يراقب أجهزته الاخرى ، ومعنى ذلك أننا عدنا الى نقطة الصفر ومنحنا السلطة التنفيذية صلاحيات قضائية تترجم من خلالها وتقرر ما هو حق أوغير حق لأفراد المجتمع .
ولا ننسى أن نشير هنا الى أن ما أوضحناه آنفا من ملابسات كانت سببا وجيها وكافيا لأن يطالب - أحد الذين كلفوا بإستيزار وزارة حقوق الانسان - الى إلغاء هذه الوزارة وأبدالها بمفوضية مستقلة تماما عن السلطة التنفيذية لتأخذ على عاتقها متابعة ومراقبة حقوق الانسان ، وقد برر طلبه بأسباب عدة من بينها :
1- إن مفوضية مستقلة عن سلطة الحكومة يمنحها مصداقية ونزاهة في رصد مخالفات أجهزة هذه السلطة .
2- إن إرتباطها بالحكومة سيعيق حتما عمل منتسبيها خصوصا وأن وزيرها سيكون بالطبع قطبا سياسيا محكوما بولاءه الحزبي والحكومي . في حين أن المفوضية المستقلة ستكون في حل من أي إلتزام حكومي أو حزبي .
3- إن إستقلالها يحررها من التبعية لمجلس الوزراء وسيطرته ، مع ما تفرضه هذه التبعية من قيود روتينية تشل تحركها وتحدد صلاحياتها .
4- تعتبرالمفوضيات المستقلة ، هيئات ومؤسسات حيوية داخل إطار مؤسسات المجتمع المدني وهو ما يمنحها قدر أكبر من التمثيل الصادق والمؤثر لأرادة المجتمع على تنوعه واختلافه .
كما إن هذا الأمر كان محط جدال وخلاف أثير في مناقشات قانون تكافؤ الفرص، حيث إن تعدد الهيئات واللجان التي لها صلاحية الفصل في قضايا حقوقية مختلف عليها ، ستضع الفرد المتضرر أو صاحب الشكوى في حيرة من أمره بخصوص أي من الجهات المختصة أكثر فاعلية وتمثيلا للنظر بقضيته ، ونحن في (عهد العراق) أكدنا على ضرورة أن يكون القضاء المختص هو الفيصل دائما في حسم الخلافات الحقوقية ، لكن الرد الوحيد الذي نواجهه هو أن الدستور قد نص على إنشاء هذه الهيئات وأشار لها في أكثر من موضع ولا نستطيع مخالفته .
وبغض النظر عن رؤية المشرع الدستوري حينما أورد نص المادة (102) فهناك سؤال لم تحسم إجابته بعد وهو: هل أراد الدستور إيجاد مؤسسة تعمل الى جانب وزارة حقوق الأنسان أم أن المفوضية بديل لها ؟ وبالتأكيد لا يختلف إثنان على ضرورة وجود مفوضية مستقلة تماما عن أجهزة السلطة التنفيذية ، ولكن كيف ستحقق فاعليتها الى جانب وزارة حكومية تدعي ذات الإختصاصات ؟
ونعرض هنا تفصيليا لما قدمه تحالف (عهدالعراق) ضمن مشاريعه القانونية المقترحة والمنتظر مناقشتها في البرلمان العراقي الحالي ، المشروع القانوني الخاص بالمفوضية العليا لحقوق الإنسان ، مكون من ثلاث وعشرون مادة ومقسم الى خمسة محاور رئيسية وهي :
المحــــــور الاول
تشكيل المفوضية :
بعد التأكيد على ضرورة الأستقلال التام للمفوضية في إدارة شؤونها المالية والأدارية - والأهم من ذلك إستقلالية قراراتها وتحريرها من أي ضغوط حكومية أو حزبية أو غيرها - فأننا نؤكد أهمية أن توضع شروط هامة وملزمة يجب أن تتوفر في أعضاؤها منها :
أن يكون عراقيا حاصلا على شهادة جامعية كحد أدنى .
يتمتع بخبرة واسعة وكفاءة عالية في مجال حقوق الانسان .
لم تكن له ممارسة سلبية أو خرق لمباديء حقوق الانسان كان قد أرتكبه .
مع مراعاة أن تضم المفوضية أفرادا متنوعين في معارفهم وتخصصاتهم وخبراتهم وخدماتهم يلتقون في قرارات توافقية وإيجابية تعمل على صيانة وحماية حقوق الأنسان . (المواد 1 و 2 من المشروع ).
وتتكون المفوضية من رئيس وتسعة أعضاء يتولون المهام التنظيمية مثل مناقشة الموازنة العامة وإعداد التقارير السنوية وإصدار الأنظمة والتعليمات اللازمة لضمان حسن سير عملها ، ويكونوا مسؤولين أمام البرلمان العراقي .
المحـــــــورالثاني
أهداف المفوضية :
شددت المواد (5 و 6 من المشروع ) على المهام والأهداف المركزية للمفوضية من ضرورة حماية وإحترام وتعزيز لحقوق الأنسان في العراق .
المحـــــــــــــور الثالث
إختصاصات المفوضية :
1- تعزيز وإحترام حقوق الأنسان والدفاع عنها ورفع التجاوزات من عليها ، ولها في هذا السبيل تلقي شكاوى الأفراد والجماعات وإتخاذ الإجراءات الأصولية ، والتحقيقات الأولية مع المشكو منهم من المخالفين والمنتهكين للحقوق وإحالتهم الى القضاء المختص . (المادة 7 من المشروع) .
2- تنظر في مدى مطابقة أي من القوانين التي تصدرها الدولة مع مباديء حقوق الانسان ولها في سبيل ذلك الطعن بشرعيتها ودستوريتها أمام المحكمة الأتحادية العليا . (المادة 9من المشروع ) .
3- مراقبة مراكز التوقيف والحجز والسجون لمراعاة الجوانب الإنسانية الواجب توفرها ، والوقوف على أحوال المحتجزين والمعتقلين والبحث في أسباب الحجز والأعتقال ، ولها أيضا أن تطلب العفو العام أوالخاص . (المواد 11 و 12 و13من المشروع ) .
4- كل ما من شأنه الدفاع عن حقوق المواطنين على إختلاف مكوناتهم وطبقاتهم وأصولهم وفضح الأنتهاكات التي قد يتعرضون لها والتجاوزات التي قد تقع عليهم ، وإحالة مرتكبيها للعدالة .
المحــــــور الرابع
وسائل المفوضية :
لابد من التطرق لآليات عمل المفوضية في حماية هذه الحقوق وضمان عدم تعرضها الى الأنتهاك من أية جهة ، حكومية كانت أو غير حكومية ، ومنها :
1- التعاون والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والهيئات والجماعات المحلية والدولية العاملة في مجال حقوق الأنسان لأنها تشكل جهات داعمة وراعية لدى الرأي العام والضمانة المعنوية - غير المكتوبة - للأقرار بقراراتها . (المادة 15من المشروع ) .
2- إصدار تقرير سنوي عن أوضاع حقوق الانسان يعرض على البرلمان العراقي. (المادة 16من المشروع) .
3- الأهتمام بجوانب التوعية والتثقيف والتدريب الفني للعاملين في مؤسسات الدولة إضافة الى التوعية المجتمعية بحقوق الأنسان من خلال المؤتمرات والندوات وإصدارالمطبوعات وإنتاج البرامج السمعية والمرئية . (المادة 17من المشروع ) .
4- تقديم البيانات للجهات الرسمية ذات العلاقة عن حالات إهدارحقوق الانسان . (المادة 18من المشروع ) .
المحور الخامس
المــوارد المالية :
للمفوضية مواردها المالية من :
1- التخصيصات السنوية من الموازنة الحكومية .
2- الهبات والتبرعات التي تقدم للمفوضية والتي لا تؤثر على إستقلاليتها وكما يلي :
أ – المنح المقدمة من جهات عالمية شريطة موافقة البرلمان العراقي عليها .
ب – الهبات والتبرعات المحلية شريطة موافقة ثلثي أعضاء المفوضية عليها .
3- أي مصدر مالي آخر (لا يؤثرعلى إستقلالها) ويوافق عليه مجلس المفوضية .
*****
وفي الختام لابد من القول ، أنه وبرغم حالة الإحباط التي يعانيها مجتمعنا بسبب الظروف اللاإنسانية التي تملأ المشهد العراقي الحالي ، وبرغم الأنتهاكات اليومية التي نشكو منها ، ليس على مستوى الظروف الأمنية وتداعياتها والملاحظات المسجلة على أجهزة السلطة التنفيذية وغيرها وحسب، بل وعلى مستويات أوسع تشمل العوائق والموانع الحالية التي تحد من حرية المواطنين في حلهم وتنقلاتهم والتي تفقدهم أمنهم وإطمئنانهم ، مع شبه غياب للعدالة في توزيع الثروات وفرص العمل .. إلخ ، نقول برغم كل ذلك فأن تأسيس مفوضية مستقلة لحقوق الانسان وأن يجيء متأخرا فأنه يعد الخطوة الأولى على الطريق الصحيح حتى لا نفقد الأمل بخلق عراق إنساني متحضر خال من كل صنوف القهر والخوف والترهيب والإضطهاد والإستغلال والتعذيب والتمييز، ومن أي إنتهاك أو تجاوز أو خرق أو مصادرة للحقوق وللحريات . *****
(*) باحثة قانونــية
تحالف عهد العراق
#حنان_القيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وزير حرب الاحتلال: يجب منع تحول الضفة ومخيمات اللاجئين الى ن
...
-
ثالوث الموت يتربص بنازحي غزة والأونروا تدق ناقوس الخطر
-
البرد وغرق الخيام والأوبئة تفاقم معاناة النازحين في غزة
-
بريطانيا: سنتبع -الإجراءات الواجبة- بشأن مذكرة اعتقال نتنياه
...
-
شتاء الخيام فصل يفاقم مأساة النازحين في غزة
-
رئيس هيئة الوقاية من التعذيب في تونس ينتقد تدهور الوضع في ال
...
-
هكذا تتعمد قوات الاحتلال إعدام الأطفال.. بلدة يعبد نموذجا!
-
المكتب الحكومي يطلق نداء استغاثة لإنقاذ النازحين في غزة
-
خامنئي: أمر الاعتقال بحق نتنياهو لا يكفي ويجب الحكم بالإعدام
...
-
سجون إسرائيل.. أمراض جلدية تصيب الأسرى
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|