|
المواطن السوري أولاً
نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1808 - 2007 / 1 / 27 - 12:00
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
باتت الفواتير " القومية" التي سددها السوري في العراق ولبنان، وفلسطين والعراق، ولن ننسى بالطبع الجزائر، وإريتريا وحتى عربستان، كابوساً ثقيلاً يقض مضجعه ويجعله في وضع مادي واقتصادي مزرٍ، ولا يحسد عليه البتة، من بين جميع الدول العربية التي التفتت إلى همّها وشأنها الداخلي، وسدّت كلياً على النوافذ القومية التي كان يأتي منها الشر المستطير والويل الكبير، لا بل ذهبت بعض الدول أكثر من ذلك، حين عقدت الاتفاقيات الثنائية مع إسرائيل متنصلة من كل وعودها والتزاماتها القومية، تاركة هذا العبء والثقل الكبير على كاهل وعاتق السوري الدرويش. وفي الوقت الذي كانت فيه الكهرباء السورية، التي تولدها سواعد وزنود بسطاء السوريين، تغذي قصور ملوك الطوائف في المختارة، وقريطم، وبكفيا، الذين تحولوا بقدرة بوش إلى نمور سياسية تلعلع ضد سوريا، كان أطفالنا يدرسون، ويمضون الليالي كئيبة على ضوء الشمعة وفانوس الكاز البدائي في عز أيام التقنين الشهير، ليمنـّوا النفس بالحلم القومي الكبير الذي سيجمع الشامي على المغربي، والصومالي على الموريتاني تحت سقف واحد ذات يوم حيث سينهل الجميع من أنهار العسل واللبن القومية الوهمية الجافة.
ويعزو اليوم كثير من خبراء الاقتصاد والمراقبين أزمة الغلاء المستفحلة، وارتفاع الأسعار الجنوني، الذي لا تحتمله جيوب معظم السوريين المتخمة والمثقلة بشتى أنواع ضرائب الرفاهية العجيبة والفواتير المحلقة في الفضاء، والذي يكتسح السوق السورية، ويترك آثاراً اقتصادية بالغة السوء على عشرات آلاف العائلات السورية، إلى وجود أكثر من مليون وافد عراقي( قدره البعض بأربعة ملايين)، يتغلغلون في كل ركن وزاوية في المدن الرئيسية السورية رافعين أسعار العقارات، والإيجارات والكثير من المواد والسلع التموينية إلى أرقام غير مسبوقة في تاريخ السوق السوري، وتاركين بصمات مؤلمة، وقصصاً محزنة عن معاناة السوريين، ناهيك عما يقال من عمليات تصدير كبيرة لمواد تموينية وغذائية رئيسية، لأغراض شتى قد لا يكون بعضها تجاري، واقتصادي، وأثر ذلك الكبير في الارتفاع الجنوني للأسعار. وعلى السوري أن يدفع اليوم، أيضاً، وكأن المصائب تنقصه، وعلى حساب أطفاله، ثمن حماقات صدام وجنونه، ومغامراته الرعناء ضد شعبه ودول الجوار.
لا بد من التذكير، وربما، تبني الخطاب الرسمي ذاته، واجترار البلاغة المعهودة عينها، عن النخوة والأخوة والتضحية، وعظمة نجدة وإغاثة الملهوف، وترديد كل ذاك السيل العرمرم المكرور عن القيم والمعاني السامية والعظيمة...في الموضوع، وهذا صحيح مائة بالمائة، ولن نكون أبداً إلا في صف المثل والمبادئ العليا، ولكن شريطة ألا يصاب، بالمقابل، قوم بجهالة وسوء، ويذهب الخير إلى غير أهله ومكانه، وألا ينعكس سلباً في النهاية على الآخرين وعلى المواطن العادي والبسيط، ويصاب بمقتل في معيشته وسعادته. وللأسف فإن عمليات النزوح، واللجوء الفوضوية تلك قد تركت منعكسات سلبية للغاية على فقراء السوريين عموماًُ، ولا بد من وقفة جادة، وإجراءات فورية للحد من تفاقمها ولجم آثارها على السوق السورية بشكل عام. إذ لا يعقل أن تتم إغاثة ونجدة المواطن العربي، من أي بلد عربي، على حساب وراحة وسعادة المواطن السوري، الذي قد يفكر والحال تلك بالبحث عن نزوح ولجوء للهروب من شبح الغلاء القاتل والحصار والتقنين. ولا أعتقد أن دولة عربية من "إياهم" تفعل نفس الشيء كرمى لعيون وخاطر المواطنين السوريين، الذين تسميهم مرة وافدين، ومرة مقيمين، ومرة أجانب، نعم أجانب بكل ما للكلمة من معنى ومضامين، وتحرمهم تماماً من أي مبدأ لتكافؤ الفرص الذي يمارسه السوريون مع العرب أجمعين.
وقد يقول قائل أن هناك آلافاً مؤلفة من السوريين يعملون، ويكسبون في بعض البلدان العربية الغنية، وهذا القول صحيح، ولكن الأصح أنهم هناك بقوة خبرتهم، وندرة اختصاصاتهم والحاجة الماسة إليهم في سوق العمل تلك، وبسبب استحالة أن تسد تلك الدول النقص لديها في بعض الوظائف والاختصاصات من الهنود والبنغال، والباتان، والكوريين، والسيريلانكيين، والنيبال، والفيلبيين الذي يسرحون ويمرحون، وصاروا جزءا من التركيبة السكانية المعقدة هناك، والتي لا يمكن اقتلاعها بسهولة وتشكل هاجساً أمنيا وديموغرافياً رهيباً. وحين تنتفي الحاجة لخدماتهم فلن يبقوا يوماً واحداً في تلك البلدان ولو كانوا من نسل قحطان وعدنان مباشرة، وجدهم عبد المطلب نفسه، وأبو زيد بالذات هو خالهم وأخو أمهاتهم الشقيق. فلا تعني للعرب الآخرين كل تلك الترهات والخزعبلات والتخرصات القومية البلهاء أي شيء على الإطلاق. فيما أبواب سورية مفتوحة ومشرّعة أمام جميع المواطنين العرب للسفر والسياحة والإقامة والعمل والتملك والزواج، في الوقت الذي يذوق فيه السوري الأمرّين للحصول على فيزا، ناهيك عن العنصرية والإذلال الخارجة عن كل قواعد الأخلاق والتعامل الإنساني الذي لا تمارسه دولة لا في في العالم المتحضر ولا المتوحش على حد سواء، والمتمثلة في حاجته لكفيل حاف جاهل أمّي لدخول بعض البلدان العربية التي تحرّم عليه ذلك دون فيزا وتعقيدات إدارية أخرى لا يعرف أولها من آخرها.
فلِم لا يتم اللجوء، مثلاً، إلى مبدأ المعاملة بالمثل مع هؤلاء، وكإجراء شكلي فقط لا غير، لرد الاعتبار لكرامة المواطن السوري التي تهدر يومياً آلاف المرات، في هذه البلدان، ومطاراتها، وحدودها، ولا يسمح له لا بالتملك، ولا بالزواج، ولا بالزيارة فقط لأنه رجس من عمل القومية العربية. وحين امتلكت هذه الدول بعضاً من المفاتيح الاقتصادية، والثروات الباطنية عمدت إلى تشكيل تكتلات سياسية إقليمية انعزالية تنعكس في مجملها لمصلحة بلدانها ومواطنيها بالذات وبعيداً عن كل ذاك الصخب والزعيق والضجيج القومي النشاز الذي لم يجلب سوى الشؤم والفقر والنحس والخراب العام؟
المسألة تتفاقم وتتطور بشكل سلبي للغاية، وقد تؤدي إلى تفاعلات اجتماعية واقتصادية قد يصعب التحكم بها في مرحلة ما، كما تترك آثارها الخطرة الكامنة على غير صعيد حيوي، وباتت تؤرق كثيرين. وبما أن الحلم القومي المنشود أصبح وهماً وسراباً وفي حكم الأموات، فلماذا يتوجب على المواطن السوري المسكين أن يسدد الفاتورة القومية دوماً، من جيبه الخاص ومن قوت أطفاله وعائلته، وأن يكون هو كبش الفداء الجاهز، والسريع للتضحية به قرباناً على المذبح القومي الذي يبدو أنه لا يشبع، وأن لا نهاية له، فعصر العبث القومي مستمر بنجاح منقطع النظير، وكل طالع شمس وصبح، هناك مصيبة وكارثة قومية جديدة والحمد لله، ألعن من أختها، ولا يعقل أن ينتظر السوري إلى حين نهاية مسلسل الكوارث القومية الطويل حتى ينعم بشيء من الكرامة والبحبوحة والعيش الكريم، الذي أصبح حلماً في أغنى، وأخصب، وأجمل، وأطيب بلد، وبدون مبالغة، في هذا العالم الكبير؟
اللاذقية 26/1/2007
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسرائيل البريئة!!!
-
شهداء الطغيان
-
إخوان مصر: تباشير النهايات السعيدة
-
الحجّ الوزاري ودعاء دخول الوزارة
-
لماذا يهلل المسلمون لفوز إليسون؟
-
مآتم أم أعياد؟
-
شَنْقُ رَئيس ٍعَرَبِيٍّ !!!
-
خبر عاجل: وزارة الصحة السورية تعترض على محاكمة جنبلاط!!!
-
اللّهم شماتة: انهيار المحاكم الإسلامية
-
حكومة الظلّ الوهابية المصرية
-
هل أصبحت إسرائيل ضرورة قومية؟
-
الكاميرا الخفية
-
أهلاً بكم في تلفزيون الحوار المتمدن
-
انطلاقة لعصر إعلامي جديد
-
الإنترنت السوري ومهمة الدعوة إلى الله
-
سيدي الوزير: لا تعتذر !!!
-
كيف فضحتهم إيران الصفوية؟
-
انتفاضة محاكم التفتيش السلفية
-
الهَيْلَمة السياسية
-
نساء مصر، و-كامب- الشيخ محمد بن عبد الوهاب!!!
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|