وسام جوهر
الحوار المتمدن-العدد: 1808 - 2007 / 1 / 27 - 03:06
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا شك ان العراق مقبل على مرحلة حاسمة مع بداية هذا العام 2007 و اعلان السيد بوش لخطته الجديدة لاستتباب الامن في العراق او لتحقيق النصر على حد تعبيره. هناك تحركات و جولات مكوكية علنية و سرية لمختلف الفرقاء في العملية السياسية العراقية و ما اكثر الفرقاء, كما يلاحظ تحركات اقليمية مكثفة. ان نجاح هذه الخطوة مرهون بامور عديدة متشابكة و معقدة بحيث لا يمكن لمراقب او محلل سياسي أن يتكهن النتائج. اين ذلك الحلم الوردي الذي ينعم فيه الشعب العراقي بالامن و الامان و بالعدالة و المساوات تحت ظل دولة القانون يعيش فيها المواطن بحرية و ينعم بخيرات البلد الهائلة؟ من يتحمل المسؤولية؟ الامريكان, العراقيون, سوريا, ايران, العرب ام القدر؟ للاجابة على هذه الاسئلة نرى من الضروري اعادة عقارب الساعة الى الوراء بعض الشيء لكي نرى ما قاله لنا الامريكان و بمباركة حلفائهم من القيادات السياسية العراقية من الاكراد و الشيعة و لاحقا رموز و شخصيات سنية. ثم لنرى ما فعلوه حقا حيث نجد كيف ان الخطاب السياسي قد تغير مع الايام و دون ادنى خجل. قالوا لنا ان نظام صدام حسين كان يهدد الامن العالمي و كان على قاب قوسين من الحيازة على السلاح النووي على حد زعم الادارة الامريكية و هذا ما لايقبل به العقل و المنطق. كيف لدولة مارقة تقع احداثياتها على محور الشر ان تمتلك لهكذا سلاح؟! مضت الايام و العالم و العراقيون ينتظرون بفارغ الصبر العثور على المفاعلات النووية و معامل الاسلحة النووية العراقية دون جدوى. استمر الامريكان في بحثهم و بمساعدة حلفائهم و لم يتركوا نفقا او نخلة او صخرة لم يبحثوا تحتها عن السلاح النووي من غير نتيجة و ترائى للناس و كان نظام صدام قد جعل و بقدرة قادر كل شيء يتبخر و يتلاشى بين ليلة و ضحاها! قالوا بعدها ان النظام السابق كان له علاقات وثيقة مع تنظيم القاعدة الارهابي فغدوا يفتشون عن وثائق تثبت ذلك. مرة اخرى لم يجدوا ما يحفظهم ماء الوجه. فجأة ينزل الوحي على السيد بوش و يوصيه ببناء احدث و احسن الانظمة الديموقراطية, على ارض الرافدين نموذجا تحتذي بها الامم, على الاقل امم الشرق الاوسط. كما هو الحال مع الرسل و الانبياء وجد قادة العراق الجدد حاجتهم الى كتاب مقدس يهتدي به الشعب العراقي العظيم و ان كنا لاندري من اين هذه العظمة و هو يعيش في الظلمات منذ قرون بينما تعيش الكثير من الشعوب المجاورة في الرخاء. كما كانت هناك جاجة ماسة الى مجموعة من القيم و المبادئ التي تنظم المجتمع الجديد. فكان لهم كل ذلك بكتابة دستور عراقي , وبسرعة الصوت, يعطي لكل ذي حق حقه!. حصيلة فترة تقترب من اربعة اعوام يعيش اليوم اضعاف مضاعفة من العراقيين مشردين في ديار الهجرة مقارنة بعددهم في عهد النظام المقيور. اليوم يسود العراق فقر يعيد الى الاذهان مجاعات افريقيا. بلد سابح في بحر من الذهب الاسود لا يستطيع المواطن فيه من تدفئة منزله او من طهي طعامه البسيط يا له من عار. الفساد الاداري الذي يسود العراق من شماله الى جنوبه فاق كل حدود الانسانية و القيم الخلقية. كل هذا و قادة العراق الجدد مشغولين باداء مناسك الحج تارة و بدحرجة الرؤوس تارة اخرى بحثا عن الانتقام و الثار من الماضي. عصابات الجريمة المنظمة و فرق الموت اصبحت سادة الشارع و المواطن خائف من الاستنجاد بالشرطة و الجيش لانهم جميعا مخترقين و متصاهرين و التبس الامر على المواطن المسكين الذي لم يعد يمييز الاصيل او الاوريجنال بلغة حكام العراق الجدد من النسخ الزائفة. بعد ان فشل مشروع الديموقراطية رغم الانتخابات و الاستفتائات و رغم المليارات من الدولارات و بعد ان سقطت الاقنعة اصبحوا يتحدثون عن النصر و نحن نستفسر على من؟ اذا كانوا يقصدون النصر على ارهابيي المفخخات من السفلة لا بد لنا ان نتسائل و هل كان في العراق سفلة يقتلون الابرياء بالمئات و العشرات بالسيارات المفخخة ام ان خروج الاسد من عرينه الى الساحة العراقية جذب اليه هؤلاء الاوغاد جذبة الذباب الى القمامة. اذا كانوا سينتصرون على ميليشيات الجيش المهدي ام سينتصرون على ما تسمى بفرق الموت لا بد لنا عندئذ ان نسأل ان كان لجيش المهدي وجود في العراق قبل الاحتلال ناهيك عن عدم وجود عصابات الجريمة المنظمة و فررق الموت في العراق قبل الاحتلال , اذ كيف لهذه العصابات و الفرق ان تنافس النظام السابق الذي كان سيد الجريمة و الموت. على من سينتصرون اذن؟ ربما سيتنصرون على ايران او سوريا و ربما الاثنان معا. حسنا لماذا لهكذا انتصار ان يحصل على الساحة العراقية و على الجماجم العراقية؟؟ دون شك لان العراق الى جانب ايران كان يشكل خطر على الموازنة الاقليمية بعد ان فرزت كل من الدولتين نفسها كقوة اقليمية لها مطامعها. هذا الامر لا يتناغم مع المصالح الامريكية و فلسفة احتكار السيادة الامريكية من خلال حليفة امريكا التقليدية اسرائيل. هذا هو سر الاحتلال الامريكي للعراق و التخلص من نظام لم يعد محل ثقة. اذن امريكا باحتلالها للعراق تكون قد انهت نظاما بات مزعجا و في ذات الوقت تقترب من ايران غربا بعد ان حاذاها شرقا من افغانستان لكي تضغط عليها للتنازل عن برنامجها النووي. يبدو من الواضح ان الولايات المتحدة الامريكية تريد اصابة عدة اهداف برمية واحدة. امريكا تهدف الى تمزيق العراق بعد احتلاله و ليس تقسيمه, و ان كان ذلك حلم البعض وغايته, لان تمزيق العراق و ضرب ايران و سوريا يستعيد التوازن الى المعادلة الاقليمية المختلة, لصالح اسرائيل و خدمة للمصالح الامريكية في المنطقة خاصة عندما تعيش دول الخليج النفطية و المعتدلة جدا بسلام و امان من التهديدات العراقية و الايرانية و السورية. فللامريكان نفط مؤمن و للعراقيين دولة ممزقة و هشة غير قادرة على تجاوز الخلافات الطائفية و لا الهروب منها الى دويلات بل يبقى اعتماد العراق على امريكا في الدفاع عن نفسها و نعلم ان لكل خدمة هناك من خدمة مقابلة. تستخلص مما تقدم بان النصر الذي يتكلم عنه السيد بوش انما هو قد تحقق ولو جزئيا في تمزيق العراق و كل ما تبقى له ان يسحب قواته بشكل مناسب و يخدم مصلحته السياسية في دياره. اما القوات الاضافية التي سيتم ارسالها فلسيت الاٌ لاسناد الانسحاب و هناك مقولة عسكرية شهيرة مفادها الهجوم هو افضل طريقة للانسحاب. ما لي ارى بوادر صراع يحتدم بين الاخوة الاعداء و شرخة في زواج دام قرابة اربعة سنين, خاصة بعد صدور تقرير بيكر هاملتون و من ثم لاحقا خطة بوش الجديدة. هل نحن مقبلون على طلاق امريكي عراقي لا محال منه؟ نعتقد ان تقرير بيكر هاملتون اثار الرعب في نفوس القيادات السياسية العراقية و خاصة المتحالفة منها مع الادارة الامريكية بل كان التقرير بمثابة ناقوس انذار ربما ايقظت العقول النائمة في هدوء زائف.
هناك نشاطا اقليميا مكثفا لقادة العراق. نرى على سبيل المثال ان فخامة رئيس الجمهورية مام جلال يقذف بكامل ثقله في حلبة الصراع الاقليمية بزيارته الى كل من ايران و سوريا و سعيه في توظيف كامل رصيده السابق لدى هذه الدول من ايام المعارضة لخلق جو سياسي اقليمي لابد منه للحلفاء السياسيين من الشيعة و الاكراد لملئ الفراغ القادم بعد طلاق قادم و مغادرة الضيف الامريكي. هل بدأ الجميع يعون بان لا اقليم و لا عراق في اعتمادهم على الدعم الامريكي و بانه في نهاية المطاف فان العراق لابد ان ياخذ مكانه الطبيعي في المعادلة الاقليمية المتوازنة و بان الحل الحقيقي هو الحل السياسي العادل و البعيد عن الطائفية بل المبني على الوطن و المواطنة.
نلاحظ كيف ان المالكي يصعد من وتيرة الخطاب مع الامريكان و لاول مرة عندما صرح بان ادارة بوش لم تكن يوما اضعف مما هي عليها هذه الايام و ان تم انكار هذا التصريح لاحقا على لسان احد مقربيه. نعتقد بان القيادة العراقية باتت تعي بان المسالة اصبحت كن او لا تكن وعليه اصبحت تتعامل بخطاب جديد لا استغرب من تصعيده مع مرور الايام و نحن على مقربة من مطالبة القيادة العراقية بجدولة الانسحاب الامريكي لكي تحفظ هذه القيادة على ما امكن الحفاظ عليه من ماء الوجه. استطيع الجزم بان قادة العراق الجدد اصبحوا على دراية تامة بان الحليف بات يخطط للهزيمة و الانسحاب و بالقاء اللوم عليهم و هذا ما يعرضهم للخطر فيحاولون استباقة الامور و الاحداث او بالعامية يريدون (ان يتغدون ببوش قبل ان يتعشى هو بهم ... و اللي يعيش يشوف!!!). ان تحقيق النصر ات لا محال و لكن ياترى من سيخرج منتصرا من هذا الطلاق لزواج بدأ بعشق و غرام و انتهى بخيبة امال و احباط؟ و هل تعلٌموا الجميع درسا؟
السويد 22/01/2007
#وسام_جوهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟