|
أفكار حول المجتمع المدني العربي
شاكر فريد حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1808 - 2007 / 1 / 27 - 12:01
المحور:
المجتمع المدني
تنتمي فكرة المجتمع المدني الى الفلسفات السياسية لعصر التنوير الاوروبي قبل القرن الثامن عشر وبعده. ومفهوم المجتمع المدني مرتبط اساسا بالحداثة الاجتماعية والتطور العصري والتجديد الحضاري، ويعني ببساطة دولة الاحزاب والمنظمات السياسية والنقابات والجمعيات الأهلية والمنظمات الجماهيرية والمؤسسات المدنية الدمقراطية التي اوجدها وأبدعها الفكر العقلاني الانساني المعاصر، والتي تؤمّن للانسان حريته ورفاهيته وحقه بالدمقراطية في الحياة والموت واختيار اسلوب حياته وطريقته الخاصة في المعتقد والتفكير، بعيدا عن الاكراه الديني والقهر والظلم والكبت والحرمان والقمع الفكري والديكتاتورية المؤسسة التي تسلبه حلمه وتصادر حريته. والتعددية السياسية والفكرية والثقافية، والدمقراطية والليبرالية والتنوع الديني والطائفي والمذهبي هي شروط وملامح ومعايير اساسية للمجتمعات المدنية الانسانية. وفي واقع الامر ان المجتمع الغربي، المتمدن والمتحضر، حقق انطلاقة ونقلة نوعية جديدة وعودة مظفرة مع بداية ثمانينيات القرن الفائت، بعد زوال وتلاشي الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية، في حين نرى ان المجتمع المدني في العالم العربي يعيش حالة من التخبط والهذيان وآخذ بالتقوقع والانكماش والتراجع الى الوراء، ودولة المؤسسات والجمعيات الاهلية التي حلم بها المثقفون النهضويون والنخبويون المتنورون والعقلانيون العرب بدأت تغيب وتنقشع عن الساحة العربية وعن الحلم العربي بالدمقراطية وطفت على الهامش والسطح العربي مظاهر الطائفية السياسية والاقليمية والعشائرية والانعزالية والتمزق القومي والتفكك الاجتماعي، وانتعشت قوى التعصب والانغلاق الديني والتيارات الاصولية المتحجرة والحركات التكفيرية وتنامى خطابها الاصولي السلفي المعادي للتقدم والحضارة والحداثة والعقلانية والاستنارة والنظرة النقدية الفاحصة. وفي مصر انتصرت هذه القوى على المفكر د. نصر حامد ابو زيد الذي وضع الفكر العربي امام قاطرة العقل، واستطاع ان يقود بفكره حلقة مهمة من حلقات الاستنارة التي ورثها عن سابقيه، وذلك في محكمة الدولة واستنادا الى الدستور وليس في محكمة دينية. مجتمعنا العربي كأي مجتمع آخر فيه قوى سلفية ورجعية ومتزمّتة، وقوى تقدمية ودمقراطية متنورة والصراع الدائر والمتواصل بين هذه القوى هو صراع تاريخي، لن ينتهي الا بزوال الطبقات وسيادة العدالة والمساواة الاجتماعية وانتصار الفكر المستنير على الفكر الظلامي السلفي وقوى الجهل والتخلف، ولا شك ان غياب الحريات السياسية والفكرية العامة المدعوم بقوانين القرون الوسطى، هو الذي يمنح قوى الظلام الشرعية الدستورية وحرية القمع واغتيال العقل والوعي ومحاصرة الكلمة والفكرة. إن غياب الاحزاب السياسية وابتعادها عن الجماهير وانحسار دورها الحقيقي الفاعل، وتأثيرها الواسع عن واقع الامور والقضايا العربية الجوهرية، السياسية والاجتماعية والوطنية والقومية معناه غياب الانسان العربي وبقاءه عاجزا عن تحقيق طموحاته وحلمه بالحياة والحب والسعادة والحرية والدمقراطية، وبالمجتمع المدني المتطور والتعددي العقلاني المتنور. عالمنا العربي بحاجة الى المجتمع المدني الوطني الدمقراطي الذي يعكس في سيرورته التزاما بالوطن والمجتمع والفضاء السياسي، ودفاعا عن كرامة الانسان وقيمه الاخلاقية والمادية والروحية، وعلى مجتمعنا العربي ان يتحول الى مجتمع وطني، كي يغدو الوطن مرجعا رئيسيا للقضاء على السلبيات والتقاليد المتوارثة وتأمين الوحدة الاجتماعية والارتقاء بالانسان العربي وتوليد الوعي السياسي المجتمعي واعادة النظر في المسلّمات الفكرية والعقيدية وأورَبة جميع مظاهر الحياة وخاصة فيما يتعلق بتحرير العقل وتأصيل وترسيخ العقلانية الاجتماعية واقامة مجتمع المدنية والحضارة والتجديد الفكري والثقافي والعلمي، والقضاء على الفقر والاضطهاد الاستبدادي والجهل والتخلف الذهني المؤدي الى تخلف الفكر والثقافة والابداع العلمي. ولتحقيق هذه الاحلام والغايات والاهداف فان المطلوب، حركة وطنية اجتماعية نهضوية عصرية تعمل على تطور المجتمع العربي مدنيا ودمقراطيا، وايقاظ الاهتمام بالسياسة والفكر وتذويت افكار وقيم عصر التنوير العربي واستلهام التراث الديني وتحويله الى قوة دامغة للتحرر والانعتاق والتقدم الحضاري، والعودة الى كتابات وآراء رجالات عصر النهضة العربية الذين ادركوا، بوعيهم وتجربتهم، ان التطور والنهضة والتقدم والارتقاء بالمجتمع والانسان اهداف سامية لن يتم انجازها الا بمسار اصلاحي طويل يشمل التربية والتعليم والتثقيف والتوعية والاعلام واللغة، والمجتمع المدني لا ينبثق من ركام من البشر وانما من نخبة مثقفة مسلحة بالعلم والمعرفة. واناس اصحاب كفاءات وقدرات مستقلة واعية وراقية وخلاّقة تتاح لهم فرص الاصلاح الاجتماعي.
#شاكر_فريد_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محاولة للولوج الى عالم فاروق مواسي الشعري
-
مع ابداع الروائي والمسرحي والشاعر الجزائري كاتب ياسين
-
عن الصحافة الثورية- ألاتحاد نموذجًا
-
في ذكرى استشهاد شاعر العمال والثورة: عــبــد الــرحــيــم مـ
...
-
من صناع الفكر الثوري الحاد ماذا يتبقى من مهدي عامل؟!
-
لذكرى المناضل الوطني والقائد الشيوعي محمد علي محاميد
-
نوال السعداوي ومواجهة أُخرى مع الفكر الظلامي المتطرف
المزيد.....
-
تصويت تاريخي: 172 دولة تدعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير
-
الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد قرارا روسيا بشأن مكافحة ت
...
-
أثار غضبا في مصر.. أكاديمية تابعة للجامعة العربية تعلق على ر
...
-
السويد تعد مشروعا يشدد القيود على طالبي اللجوء
-
الأمم المتحدة:-إسرائيل-لا تزال ترفض جهود توصيل المساعدات لشم
...
-
المغرب وتونس والجزائر تصوت على وقف تنفيذ عقوبة الإعدام وليبي
...
-
عراقجي يبحث مع ممثل امين عام الامم المتحدة محمد الحسان اوضاع
...
-
مفوضية اللاجئين: من المتوقع عودة مليون سوري إلى بلادهم في ال
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: مستقبل سوريا يقرره الشعب السوري
...
-
مندوب ايران بالامم المتحدة: نطالب بانهاء الاحتلال للاراضي ال
...
المزيد.....
-
أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
المزيد.....
|