أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - الشهبي أحمد - -الوقوف على عتبات الأمس-: كتابة ضد النسيان في زمن القطيعة














المزيد.....

-الوقوف على عتبات الأمس-: كتابة ضد النسيان في زمن القطيعة


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 17:09
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


تبدو رواية "الوقوف على عتبات الأمس" لأحمد طايل وكأنها لحظة توقف طويلة أمام مرآة الزمن، محاولة لفهم ما تبقى من الذاكرة حين تتقاذفها رياح العولمة، وما يُمكن إنقاذه من فتات الهوية حين تُفرَض على الإنسان حداثة لا تأبه بجذوره. لا يتعامل طايل مع الماضي بوصفه أرشيفًا ساكنًا، بل بوصفه كائنًا حيًا، يُطِلّ من شقوق الحاضر بعين متعبة، ويُطالب بالاعتراف والإنصاف.

في هذا العمل، يكتب طايل من داخل الجرح، لا من فوقه. يمضي بسرده لا ليُعيد تمجيد القيم القديمة بكسل فكري، ولا ليرثي أطلالًا بكائية، بل ليُجرِّد سؤال الهوية من عاطفيته الزائدة، ويُعيد طرحه بوصفه سؤالًا وجوديًا: ماذا يتبقى من الإنسان حين يفرّط في ذاكرته؟ الرواية تُقاوم التغير الجارف الذي يُعيد تشكيل الوعي الفردي والجمعي، وتطرح الحنين لا كعاطفة، بل كآلية دفاع ضد المسخ.

يُجيد طايل في هذه الرواية لعبته القديمة: التوتر الهادئ. لا صخب في الأحداث، ولا انقلابات درامية صارخة، بل مشاهد تتسلل برفق، وتحفر بعمق. البطل الذي لا يُسمّى – كما في كثير من أعمال طايل – ليس مجرد شخصية بل هو استعارة لذات جمعية، تبحث في الأزقة الضيقة لذاكرتها عن معنى في زمن فقد طقوسه. يتنقل بين الماضي والحاضر كمن يمشي على أطراف الذكرى، يخشى أن تطويه.

اللغة تنبض بعذوبة لا تنزلق نحو التجميل الفارغ، بل تلتقط نبض الحياة اليومية في بساطتها وألمها. كل جملة تبدو كأنها قيلت من قبل، لا لأنها مكرورة، بل لأنها صادقة بما يكفي لتصبح مألوفة، ومنقوشة في الوعي الجمعي. تتماهى اللغة مع الحالة النفسية للشخصيات، فتبطئ حين يتثاقل الزمن، وتتوتر حين تتقاطع الأزمنة وتتداخل.

لا تخلو الرواية من موقف حضاري واضح. ثمة موقف ناقد من العولمة، لا بوصفها خطرًا خارجيًا فقط، بل بوصفها خيارًا تم قبوله بلا مساءلة. الرواية تسائل الاندماج القهري في ثقافة الاستهلاك، وتُشير إلى ما يشبه "الانسلاخ الهادئ" من الذات، حين تصبح المرجعيات الثقافية مجرد ذكرى، والأغاني القديمة مجرد نغمة غريبة في زحمة الحداثة.

في ختام الرواية، لا يمنحنا طايل إجابات سهلة، بل يتركنا على عتبة السؤال، تمامًا كما ترك بطله على عتبة الأمس، ينظر إلى الوراء لا ليعود، بل ليتذكر أنه لا حاضر بلا ذاكرة، ولا مستقبل بلا نسب. هذا العمل، في جوهره، ليس فقط رواية عن الحنين، بل عن الحق في التذكر، وعن مقاومة النسيان في زمن بات فيه التقدم مرادفًا للقطيعة.

"الوقوف على عتبات الأمس" عمل يقف على تخوم الشعر والتاريخ، يستنطق الصمت، ويمنح الهامش صوته المفقود، ويُثبت مرة أخرى أن السرد حين يُحسن الإصغاء للماضي، لا يشيخ، بل يتجدد.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -المتشابهون-: احتجاج ناعم على صمت الأجيال
- قراءة في -عيد ميلاد ميت- لأحمد طايل: حين يتحوّل الموت إلى طق ...
- حين يرقص التعليم على جراحه
- الوطن ككابوس وحلم: تأملات في تناقضات الرواية المغربية «الوطن ...
- حين انفجرت الدار البيضاء... واهتزّ قلب الوطن
- -الطلياني: عندما يصبح العقل آخر ملاذ للبقاء- ـ قراءة نقدية و ...
- الأستاذ... من القسم إلى تيك توك
- حين تُطل الحرب من نافذة كشمير: العالم على حافة الزر النووي
- الكيان الصهيوني: مشروع اغتصاب لا وطن
- الجابري... عقل لا يُنسى
- في حضرة صاحبة الجلالة
- شكراً بنكيران… لقد بلغت من الشعب مبلغ الميكروبات
- طنجة: مرآة الروح المكسورة - قراءة نقدية وتحليلية لرواية -الس ...
- ربة البيت: عاملة بلا أجر في وطن لا يعترف بها
- العيد الذي لا يخص أحدً
- مفقوص على الأساتذة؟ ليتك وقفت معهم بدل أن -تتألم-
- نقابتنا العزيزة... رفيقة درب الأتراك
- ملتحٍ؟ إذن أنت مشتبه فيه
- حين يُمسك التراب بالذاكرة: قراءة في وجع الإنسان وهشاشة المصي ...
- حَفْرُ الذاكرة في جدار الصمت: تزمامارت وتشريحُ الإنسانيّ عبر ...


المزيد.....




- مصمم الأزياء جان بيار خوري: -التعاون مع ميريام فارس وياسمين ...
- نيابة أمن الدولة تأمر بمد الحبس الاحتياطي لستة أشخاص بتهمة - ...
- بينهم صحفي.. عشرات القتلى والجرحى في غارة إسرائيلية استهدفت ...
- ابتزاز.. قراصنة إيرانيون يهدّدون بنشر رسائل البريد الإلكترون ...
- السعودية.. تجديد عقد رونالدو مع نادي النصر يلقى تفاعلا
- نجل نتنياهو: هربت من إسرائيل خوفا من معارضي والدي
- مصير مجهول ينتظر 18 عائلة في أم طوبا بالقدس
- مصابان بينهما طفل في غارة إسرائيلية بالنبطية جنوبي لبنان
- 130 منظمة دولية تطالب بإغلاق -مؤسسة غزة الإنسانية-
- فورين بوليسي: هل ترامب حقا قيصر أميركي يشبه أباطرة الرومان ا ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - الشهبي أحمد - -الوقوف على عتبات الأمس-: كتابة ضد النسيان في زمن القطيعة