أسعد أسعد
الحوار المتمدن-العدد: 1807 - 2007 / 1 / 26 - 05:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لأنه هكذا أحب الله العالم حتي بذل إبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية
في هذه الظروف التي تمر بها المسيحية ليس في مصر أو العراق فقط بل في العالم الاسلامي كله نجد من ينادي بضرورة الرد بالمثل علي كل اعتداء يقع علي المسيحيين أو علي الاقل الدفاع المسلح عن النفس , و أنا إذا كنت أوردت هذه الاية فأنا بهذا لا أحـرّف آيات الكتاب المقدس بل أرد علي من يدعون أنفسهم مسيحيين و يكفّرون المسلمين و يأخذون من آيات قرآن المسلمين "و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و رباط الخيل " و يتمنون أن تكون هذه هي المسيحية التي تواجه دين العرب و فكرهم و كراهيتهم , لكل الناس لهؤلاء أقول إن أعظم خطية يرتكبها الانسان ليست هي القتل أو الزنا بل هي أن لا يُحب لأنه مكتوب في الكتاب المقدس الله محبة و المحبه هي من الله و من لا يُحب لم يعرف الله
و قد يرتبط في ذهن الكثيرين تعريف الحب بالتخاذل و الاستسلام السلبي ـ هذا إذا إستطاع الانسان البسيط أن يحررذهنه من إرتباط الحب في مفهومه بالشهوات و الملذات و التمتع حسيا سواء بالناس أو بالحياة المادية ـ فإذا كان المسيحيون الحقيقيون أتباع عيسي المسيح يتخذون من المسيح مثالهم الكامل في الحياة فينبغي أن يكون هو مثالهم في الموت أيضا , الم يقل هو "إن أراد أحد أن يأتي ورائي فليحمل صليبه كل يوم و يتبعني" و قد يرى البعض أيضا إن في هذا منتهي السلبية و أنا أري إن السلبية هي أن يحمل الانسان صليبا في ذاته و شخصيته و لكن لا يتبع المسيح , فالتواضع و إنكار الذات و التضحية موجودة في كافة المجتمعات الانسانية من حولنا , لأن هذه كلها صفات وضعها الله في الانسان و المشكلة إن الانسان لا يسلك بحسبها بل يسلك بخلاف الطبيعة التي خلقه الله عليها
أمّا الحب فهو إرادة أن يبذل الانسان أقصي ما في وسعه حتي حياته لإسعاد و لمصلحة من يحبه فلقد قال الله "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" و عن إيجابية المحبة قال سليمان ابن داود أحكم رجل في التاريخ "إن جاع عدوك فاطعمه و إن عطش فاسقه فانك تجمع جمر نار علي رأسه" و من أقوال سليمان أيضا "رابح النفوس حكيم"
و نحن نحتاج الي الحكمة التي نستطيع بها درء الشر عن بيوتنا لا بالعنف و السيف و لا بالخنوع و الاستسلام بل بتلك الحكمة التي تكلم بها يسوع أمام محاكميه حين لطمه أحد الخدام فقال له معاتبا "إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردي و أن كان حسنا فلماذا تلطمني" و قد عـرّفنا الكتاب المقدس عن المحبة الايجابية فقال "لا نحب بالكلام و لا باللسان بل بالعمل و الحق"
إن الاقتراب من المسلمين و تعريفهم بالمسيح لن يكون إلا إذا فهمنا كيف يفكر المسلمون , و لن نعرف ذلك ما لم نعرف ما في القرآن و حين ذاك سنكتشف أمرين هامين جدا أولهما أن جميع عقائد النصرانية و أهل الكتاب التي انتقدها القرآن تتنافي و تتعارض مع العقائد المسيحية الكتابية و الكَنَسيّة السليمة , و ثانيها إن القرآن لم يتعرض للعقائد المسيحية السليمة أبدا بل حتي إن الاسم "مسيحيين" غير مذكور في القرآن بتاتا
إن أعظم إكتشاف ياقارئي العزيز عن جارك المسلم سواء كان يعاديك أو كان يَوَدّك هو إنه لا يعرف عقيدتك و ما يعتقد أنه يعرفه عنها هو غير الحقيقة تماما , بل إن ما قد يواجهك به جارك من نقد لعقيدتك قد توافقه أنت عليه عن جهل منك بدقة عقيدتك , باعتبار إن ما يواجهك به هو عقيدتك المسيحية و أنت لا تدري و لا تري الشعرة البسيطة التي تفرّق في منطق القرآن و اللغة العربية بين عقيدة النصرانية الهرطوقية المنحرفة التي انتقدها القرآن و بين عقيدة المسيحية الصحيحة بحسب النصوص الكتابية و قانون الايمان المسيحي , و قد تعيشان متفاهمين و متحابين علي إعتبار لي ديني و لكم دينكم و تستسلمان لاختلاف الاديان و تضعا هذا الامر خلف ظهريكما و تحيا في سلام
لكن في بعض الاحيان لا يكون الامر كذلك فقد تفتر العلاقة بينكما و أحيانا قد تتوتر و أحيانا تكون علاقة متفجرة لاتفه الاسباب و السبب : "أصل إحنا نصاري و دول مسلمين" و بتسليمك هكذا بأنك نصراني و أنت لا تعرف من هم النصاري لا تدري أنك تكون قد سلمت الي جارك إعترافا منك بأنك مُشرِك بالله لا خلاق لك عابد لثلاثة آلهة و شأنك من أهل النار الذين حذر القرآن المسلمين من الاقتراب منهم أو إقامة أيّة علاقة معهم , ثم تمضي و أنت تتعجب لماذا يتجنبني جاري و يكون غليظا معي أحيانا و السر هو في كلمة "نصراني" التي يفهمها المسلم بعكس ما تفهمها أنت تماما , فأنت تُرَجّع كلمة نصراني في ذهنك الي كُنية يسوع المسيح أنه دُعي ناصريا ـ نسبة الي مدينة الناصرة التي نشأ فيها و أيضا أن شيعة أتباع المسيح في اليهودية الاولي دُعوا ناصريين ـ و لكن هذا مختلف تمتاما عن كلمة نصاري الواردة في القرآن العربي فالنصاري هم قبائل عربية كانوا في عهد النبي محمد لهم ديانة تدعي النصرانية و هي شبيهة بالمسيحية إلاّ أنها مكونة و مؤسسه علي مجموعة من العقائد التي أدانتها الكنيسة المسيحية بالهرطقة قبل ظهور النبي محمد ثم إنتقدها القرآن العربي بشدة و أدان معتنقوها, فالنصرانية ليست المسيحية أبدا حتي و إن تشابهت معها في العقائد
و مهما كان موقف المسلمين من المسيحيين فالمسيحيون يجب أن يسلكوا نحوهم بحسب تعاليم المسيح رئيس السلام و ملك المحبة, فإن وقوع الاضطهاد من المسلمين علي المسيحيين يعني بحسب الكتاب المقدس شئ واحد هو جهل المسلمين بمحبة الله و جهلهم بدين المسيحيين فقد قال الكتاب المقدس عن اليهود "فلو علموا لما صلبوا رب المجد" و أنا أعتقد أنه بالنسبة لمعظم المسلمين فأنهم لوعلموا ما هو الاسلام الصحيح بحسب القرآن و ما هي المسيحية الصحيحة بحسب الكتاب المقدس الذي صادقه القرآن أيضا لما اضطهدوا المسيحيين
المشكلة في مواجهة الاضطهاد هو في تنوير المسلمين عن محبة المسيح و كيف إن المسيحية في دستورها تبدأ بهذا الاعتراف "نؤمن بإ له واحد" أما الاله الذي هو ثالث ثلاثة و الذي اتخذ ولدا و الذي كانت له صاحبة و الذي أشرك معه عيسي ابن مريم و أمه فهو إله غريب قد يجوز أن النصاري في أيام النبي محمد قد عبدوه فهذا شأنهم أما نحن المسيحيين فلا شأن لنا به و لا نعرفه و لم نعرفه أبدا , و يجب أن نطالب المسلمين بعدم إتهامنا بعبادته . و إذا كان المسيحي يستحسن أن يحمل سيفا فعّالا فالكتاب المقدس يقول خذوا سيف الروح الذي هو كلمة الله . و قال عن ذلك أيضا لأن كلمة الله حيّة و فعّالة و أمضي من كل سيف ذي حدين
إن المتابع للمناقشات و المحاورات و الجدلات علي مواقع الانترنت و الكتب المنشورة سيجد العجب العجاب مسيحيين يحاولون الحفر في كتب التاريخ و الدين الاسلامي و إستخراج كل ما يرونه و يفسرونه أنه ينقض و يهدم الدين الاسلامي و يجادلون به المسلمين , و علي الناحية الاخري يشمّر المسلمون عن سواعدهم و يحاولون إستخراج النصوص من الكتاب المقدس التي يدينون بها العنف و يدينون بها صدق الكتاب و يحاولوا إثبات بطلان الوحي و فساد العقيدة المسيحية , و تدور المعارك بالتراشق و يخسر المسلمون و يخسر المسيحيون و تخسر الانسانية جمعاء أن تختبر شخصا فريدا بين البشر حي من الاموات هو رمز و صدق و خبر محبة الله لكل البشر المسلم و المسيحي و غيرهما هو يسوع المسيح الذي ينبغي أن يكون هو محور العلاقة بين الله و الانسان إذ قال عنه القرآن "وجيها في الدنيا و في الاخرة" و عن أتباعه انهم "فوق الذين كفروا الي يوم القيامة" , أما حرب النصوص و التفسيرات التي تشوه العقائد سواء المسيحية أو الاسلامية فهي ضد الله شخصيا الذي قال في الكتاب المقدس "إكرزوا بالانجيل للخليقة كلها" و ذكر القرآن وصية تقول "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن" , و لا ينبغي لنا أن نُخضع النصوص الدينية لتفسيرات و تحليلات و وجهات نظر معارضة أو موافقة رافضة أو قابلة بغرض الهدم و التحطيم و الاساءة و إلا فالمعارك لن تهدأ و الجدل لن ينتهي و الناتج سيكون المزيد من الكفر و الالحاد و الارتداد عن الله من المسلمين و المسيحيين
اما الشخص الحي الالهي روح من الله و كلمته يسوع المسيح فالمحك فيه ليس التفسير بل الاختبار لانه هو القادر أن يعلن ذاته و محبته للبشر و لن يتركهم لتفسيرات النصوص الدينية لان الله إله حي و أعظم و أكبر من كل كتاب فقد قال "فتشوا الكتب لانكم تظنون أن لكم فيها حياة و هي التي تشهد لي"
المسيحي الذي هو من أتباع عيسي المسيح قد سمّاه القرآن مسلما فهل هذا الاسم مشكلة؟ و المسسلم الذي يعتقد أن الاسلام حكرا علي أتباع النبي محمد فقد سمي القرآن الدين كله إسلاما من أول آدم مرورا بنوح و إبراهيم و موسي و الانبياء و يسوع المسيح ثم أتباعه من بعده , و النبي محمد نفسه قد إعتنقه و لم يأتي به دينا جديدا و هو قد أُمِرَ أن يرجع الي التوراة و الانجيل ـ التي كانت من قبله و هي نفسها بين أيدينا اليوم ـ كي يتأكد من صحة القرآن فيكون كل تفسير للقرآن يعارض الانجيل يكون تفسيرا باطلا
كل هذه الامور لن تثبت الا بحوار مباشر و صريح و عقل مسيحي يفهم القرآن بدقة و كذلك الايمان المسيحي و قانونيته بدقة متناهية فالدستور لن يحل المشكلة , لأن المشكلة هي في عقيدة الانسان و ليس في حقوقه و واجباته الدستورية , و رئيس الدولة لن يحل المشكلة لانها في يد رجال الدين و ليس في يد الحكومة
فإذا كان المسيحي يريد أن يتسلح للرد و ردع إعتداء المسلمين عليه فليتسلح بفهم الكتاب المقدس الذي هو كلمة الله و هو سيف الروح و هو أمضي من كل سيف ذي حدين و ساعتها مسلمون و مسيحيون سنكسب المجتمع كله من هاوية الانقسام الي بلد يتقدم ليبني نفسه بالمدنية الحديثة في نور الفهم و ليس في ظلام الجهل
#أسعد_أسعد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟