عائشة العلوي
(Aicha El Alaoui)
الحوار المتمدن-العدد: 8345 - 2025 / 5 / 17 - 17:27
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
في خضم الضجيج الذي يرافق كل خبر عن فساد أو إهمال في الوسط الجامعي، يُنسى سريعًا أن هناك رجالاً ونساءً يقفون يوميًا في الصفوف الأمامية للتعليم والبحث العلمي، يبذلون جهدًا يفوق ما يُطلب منهم، ليس طمعًا في مكافأة أو شهرة، بل لأنهم يؤمنون بأن العلم رسالة، لا مجرد وظيفة. هؤلاء لا يظهرون في الإعلام، ولا يتحدث عنهم أحد، لأن قصص الإخلاص والتضحية لا تبيع الجرائد كما تفعل الفضائح.
المشكلة لا تكمن في فضح الفساد، فهو موجود في كل المجتمعات والمؤسسات، بل في أن يتحوّل إلى الصورة الوحيدة التي تُلصق بالأستاذ الجامعي. في حين أن الواقع يؤكد أن الغالبية العظمى منهم يعملون في صمت، يواجهون تحديات بيروقراطية، ونقصًا في الموارد، وأجورًا لا تعكس سنوات الدراسة الطويلة والخبرة المتراكمة. ومع ذلك، يصرّون على العطاء، لأنهم يرون في ذلك التزامًا أخلاقيًا ومهنيًا.
ما يزيد الوضع ألمًا هو أن النظام نفسه، في كثير من الأحيان، لا ينصف المجتهدين. فالأستاذ الذي يقضي لياليه في المختبرات، أو في مراجعة أبحاث طلابه، أو يبتكر طرقًا جديدة للتدريس، قد يجد نفسه متأخرًا في سلم الترقية، مقارنةً بآخرين لا يملكون سوى شبكة علاقات أو قدرة على التحايل على النظام. وحتى عملية الانتقال بين الجامعات، التي يُفترض أن تكون حقًا مكفولًا للجميع، تتحوّل في بعض الأحيان إلى امتياز يُمنح لمن يُتقنون مسالك الفساد والارتشاء.
لا أحد ينكر ضرورة مكافحة الفساد، أو أهمية محاسبة من يخونون الأمانة العلمية أو الإدارية. لكن العدالة تقتضي أن نرى الصورة كاملة. فكما نطالب بمساءلة المقصّرين، يجب كذلك أن نطالب بتكريم المتميزين، وأن نُوجد بيئة تعترف بالجهد الحقيقي، بدلًا من تهميشه. لأن تهميش المخلصين هو أول خطوة نحو فقدانهم، وحين نفقدهم، نفقد معهم مستقبل الجامعة والتعليم برمّته.
الأساتذة الجامعيون ليسوا ملائكة ولا شياطين، بل بشر. غير أنهم بشر يتحمّلون على أكتافهم مسؤولية بناء العقول التي ستحمل البلاد إلى الأمام. وإذا كنا نطمح فعلًا إلى نهضة تعليمية حقيقية، فلا بد أن نبدأ بعدالة الاعتراف بمن يستحق، وبإنصاف من يبذل الجهد في الظل، قبل أن نطالبه بالمزيد من العطاء.
#عائشة_العلوي (هاشتاغ)
Aicha_El_Alaoui#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟