|
وفاء سلطان : لا تفرق بين قول المسيح وما جاء في التوراة
نهرو عبد الصبور طنطاوي
الحوار المتمدن-العدد: 1806 - 2007 / 1 / 25 - 12:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تعتبر كتابات السيدة وفاء سلطان، ومن هم على مذهبها، من الكتابات التي تحترف الصيد في المياه العكرة بين المسلمين والمسيحيين، وخصوصا المصريين، فلحساب من هذا الصيد؟؟، وماذا يريدون بالمصريين من وراء هذا؟؟ لا أدري؟؟ ولكن لي كلمة قبل مناقشة الحلقة الأخير أود أن أقولها وأتوجه بها إلى بعض المثقفين، من الطرفين المسيحيين والمسلمين المصريين.
وأبدأ كلمتي بقول المولى جل جلاله: (وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى).
تنتشر في هذه الأيام بين بعض الكتاب المسلمين والمسيحيين المصريين، ظاهرة نفاقية عجيبة. فاقت كل الظواهر. هذه الظاهرة كثيرا ما تجعل المرء يمتلئ حيرة في بعض الأوقات، وإحباطا وعدم ثقة في أوقات أخرى، هذه الظاهرة تفوق ظاهرة معانقة شيوخ الأزهر والقساوسة لبعضهم البعض أمام عدسات كاميرات التلفزيونات، وتفوق ظاهرة إقامة موائد الإفطار الرمضانية المسيحية للمسلمين، وتفوق أيضا ظاهرة حضور بعض الساسة والإعلاميين والمثقفين المسلمين لبعض الصلوات والشعائر الكنسية، وتفوق ظاهرة أداء بعض المثقفين المسيحيين للصلاة مع المسلمين في المسجد، وتفوق ظاهرة دعوة الإخوان المسلمون للمسيحيين للانضمام لعضوية حزبهم الجديد المزمع تأسيسه.
هذه الظاهرة العجيبة الغريبة والتي تنتشر بين البعض غير القليل من الكتاب والمثقفين المسلمين والمسيحيين على حد سواء، هي عبارة ظاهرة من النفاق الفكري المثقف، فالبعض من الكتاب والمثقفين المصريين، دائما ما تأتي مقالاتهم في صورة مذكرة دفاع مستميت من الطرف المسلم عن الطرف المسيحي، ومن الطرف المسيحي عن الطرف المسلم، لدرجة تشعر القارئ بأن الكاتب المسلم أصبح مسيحيا، والكاتب المسيحي أصبح مسلما، وأنا أقول: لا بأس في ذلك على الإطلاق وخصوصا لو كان ما بداخل القلوب يحمل نفس الود والمشاعر الأخوية التي توشك على الصراخ من بين سطور تلك المقالات.
إلا أنني أعتقد بل وأجزم أن هذه المقالات أو حتى جزء كبير منها، حتى لا أظلم البعض من أصحاب النوايا المخلصة والطيبة والصادقة فعلا، لا تقل شبها عن العناق بين شيوخ الأزهر والقساوسة، وعن الصلاة الغير خالصة لوجه الله من المسلم في الكنيسة ومن المسيحي في المسجد، وعن موائد الإفطار المسيحية، وعن دعوة الإخوان للمسيحيين للانضمام لعضوية حزبهم المزمع تأسيسه.
وأقول هذا الكلام بناء على معلومات مؤكدة لاحظتها أنا بنفسي منذ منتصف التسعينات من خلال علاقاتي المتعددة مع الكثير من المثقفين المسلمين والمسيحيين في مصر على حد سواء، وبناء على ما هو مشاهد من واقع الحياة اليومية بين المسلمين والمسيحيين في مصر، وأستعير هنا قول المتنبي: (السيف أصدق أنباء من الكتب ففي حده الحد بين الجد واللعب). ومع الاعتذار للمتنبي أقول: الواقع أصدق أنباء من المقالات، ففي ظاهره الحد بين المجاملة والصدق.
فالظاهر والبين لكل ذي عينين أن انتقاد العقيدة المسيحية في مصر يسير على قدم وساق بالليل والنهار وطوال أيام الأسبوع بل وطوال العام، إما في الإذاعة أو التليفزيون أو الصحف أو على منابر المساجد أو في الكتب المنشورة التي تملأ المكتبات وتملأ الأرصفة عند باعة الصحف، وفي الوقت نفسه يمنع القائمون على النظام في مصر المسيحيين من الرد على هذه الانتقادات، لا في الصحف ولا في الإذاعة ولا في التليفزيون، ولا عبر الكتب، ولا حتى فيما أظن داخل الكنائس، بل من يتم ضبطه من المسيحيين في مصر بالرد على الإسلام أو انتقاده، سوف يتم تأديبه إن لم يكن على أيدي السلطة فعلى أيدي الجماعات الإسلامية، المهم أنه في نهاية المطاف سيؤدب ولا يسمح له إطلاقا بإبداء رأيه أو حتى الدفاع عن عقيدته التي يؤمن بها.
ومن خلال هذا القهر الذي يشعر به المسيحيون داخل مصر، تكون ردة الفعل الطبيعية منهم في الاحتفاء الكبير والدعم والمساندة لكل من ينتقد الإسلام بحق أو بباطل، فنرى مثلا المثقف المسيحي يكتب بوجه مقالات مفعمة بالحب والأخوة الوطنية لإخوانه المسلمين، بينما بالوجه الآخر يقوم سرا أو علنا بمناصرة وتأييد كل من ينتقد الإسلام أو يشكك فيه.
وعلى الجانب الآخر نجد الكاتب والمثقف المسلم، يقوم بنفس الفعلة، فنراه يكتب عن حقوق الأقباط والمواطنة ومصر والمصريين والنيل والأهرامات والدين لله والوطن للجميع، بينما بالوجه الآخر ينتقد العقيدة المسيحية ولا يسمح لمسيحي أن ينال من إسلامه، بل ويتألم ألما شديدا إذا ما تم انتقاد عقيدته الدينية في الوقت الذي لا ينكر فيه أي انتقاد يوجه للعقيدة المسيحية.
وتكمن المشكلة في أن هؤلاء وأولئك يرفعون علانية نفس الشعارات، من قبيل: (الدين لله، الوطن للجميع، الأخوة في الوطن، النسيج الواحد)، وغيرها من الشعارات البراقة والكلمات كبيرة الحجم، ومصطلحات من العيار الثقيل، والتي لا يوجد لها أي أثر على أرض الواقع، بل أنا أجزم بأن الواقع الحقيقي لهذه المبادئ وهذه الشعارات غير موجود بين البعض أو الكثير من النخبة المثقفة من الطرفين مسيحيين ومسلمين، بل إن الوجود الحقيقي لهذه الشعارات وهذه المبادئ، فقط بين عوام الناس المسلمين والمسيحيين البسطاء الأبرياء، من المزارعين والفلاحين والعمال والأميين، وهؤلاء هم غالبية الشعب المصري الطيب المسالم، وهؤلاء هم المصريون حقا، فهؤلاء أخوف ما أخاف عليهم أن تصل إليهم أيدي النخب المثقفة فتلوث براءتهم وتحولهم من مواطنين بسطاء إلى ذئاب بشرية يأكل بعضهم بعضا، كما فعل الشيوخ والمراجع والمثقفون والسياسيون الذين يسيطرون على الحكم في العراق.
فما يحدث الآن في مصر هو حرب قذرة، يشترك في إشعال نارها البعض من الجانبين، من المنتفعين والمتاجرين بأي شيء للوصول إلى غايات الله وحده أعلم بها وبأصحابها. أنا لا أحمل الطرف الخارجي إطلاقا أدنى مسئولية عن ما يحدث في مصر بين المسلمين والمسيحيين، وإن كان بالفعل هناك يد خارجية خفية، كما يزعم البعض، فنحن من مهدنا الطريق لهذه اليد بأن تعبث بمستقبل الجميع مسلمين ومسيحيين، بل إني أحمل الجانب المسلم في مصر الوزر الأول والأكبر لهذه الحرب الطائفية الباردة والتي ربما قد تشتعل في أي وقت لا قدر الله.
فالجانب المسلم لا يريد أن يعترف بأن المسيحيين هم بشر كبقية البشر من حقهم أن يدينوا بما شاءوا من دين، ومن حقهم أن يدافعوا بالكلمة عن عقائدهم ومقدساتهم ودينهم، أليس في القرآن الذي يؤمن به المسلمون نقضا ونقدا لمعتقدات المسيحيين ودينهم الذي يدينون به، أليس المسيحيون يسمعون هذا النقد ليل نهار في كل وسائل الإعلام المختلفة ومن على منابر المساجد، فألا يحق لهم أن يدافعوا عن معتقداتهم ومقدساتهم؟؟، وألا يحق لهم أن ينتقدوا ديننا وعقائدنا كما ننتقد دينهم وعقائدهم.
نعم أنا أقر وأعترف بكل صدق وأمانة ودون مجاملة أو تحامل على أحد، بأن المسيحيين المصريين مضطهدون دينيا، وسياسيا، وشعبيا، ومحرومون من أهم حقوقهم الإنسانية، كحق الدفاع عن الدين والعقائد، وحق توجيه النقد للإسلام، كما أنه من حق الإسلام توجيه النقد للمسيحية. فلماذا لا يكون للمسيحيين قناة تليفزيونية أو إذاعة أو صحيفة، يدافعون فيها عن عقائدهم ويردون فيها على الإسلام، ويكون ذلك في إطار من الحرية والتحضر وقبول الرأي الآخر أو انتقاده.
وعلى الجانب الآخر أرى بعض المسيحيين لا يفوتون فرصة ولا يألون جهدا في مناصرة ومساندة كل من ينتقد الإسلام أو يشكك فيه، بصورة عدائية بشعة، وأنا لا ألومهم على هذا إطلاقا، بل هذا هو رد الفعل الطبيعي للقهر الديني الذي يشعر به المسيحي في مصر، حين يرى دينه وعقيدته تنتقد في كل وقت وحين، وهو لا يستطيع أن يرد على ذلك الانتقاد بأي صورة من الصور، بل إننا لو أفسحنا المجال للمسيحيين للدفاع عن عقائدهم ودينهم في إطار من الحرية، فمهما كان دفاع المسيحي عن دينه وعن عقيدته ومهما كان نقده للإسلام، فسنضمن على الأقل وجود الروح العلمية النقدية التي تبحث عن الحقيقة في جو من الحرية والاطمئنان، بدلا من الروح العدائية الناقمة، التي ولدها القهر والكبت والحرمان من أهم الحقوق وهو حق الدفاع عن الدين والعقيدة، وحين يتم الحوار بين الدينان في جو من الحرية، وفي جو من البحث العلمي التواق إلى الحقائق، عندها يترك للناس حرية الخيار بين الدينين، ويترك لهم أيضا أن يتدينوا بعقولهم، وبقناعتهم، وبمسئولية، بدلا من تدين الناس بجهل وتخلف ووراثة عمياء تهدم أكثر مما تبني.
ولن يكون الدين لله ولا الوطن للجميع في مصر إطلاقا، مادام أحد مكونات الوطن مقهور ومظلوم ومكبوت، لا يستطيع الدفاع عن أقدس مقدساته وأحق حقوقه وهو الدين، ولن ينفع النفاق من الطرفين، ولن تنفع المقالات ولا الشعارات ولا الصلوات ولا موائد الإفطار والسحور ولا حتى موائد الغداء والعشاء.
فما أريد قوله هنا هو: لابد من تواجد حسن النية بين المثقفين من الطرفين حتى نتمكن من كشف الغمة عن الجميع، وحسن النية بالطبع يؤدي إلى الثقة المتبادلة، وهذه الثقة المتبادلة بطبيعة الحال سوف تقضي على الظلاميين من الطرفين، بل وتقطع الطريق أيضا على صيادي المياه العكرة، الذين لا يريدون بنا ولا بأوطاننا خيرا.
وسوف أقدم للقارئ حادثة صغيرة حدثت معي أنا شخصيا من كثير من الحوادث التي تدلل على عدم الثقة المتبادلة حتى بين أوساط المثقفين، وسوف أقوم بسرد هذه القصة دون ذكر الأسماء، وأنا محتفظ بالرسائل الإلكترونية التي جاءت فيها وقائع هذه الحادثة. ما حدث هو أنني أحتفظ بعلاقات طيبة وودية كثيرة مع بعض الأخوة المثقفين المسيحيين المصريين، وأخص من بينهم الصحفي المحترم الأستاذ: سامح سامي، ومنذ عدة شهور فوجئت بأحد مواقع الإنترنت المسيحية التي يمتلكها ويقوم عليها بعض المصريين المسيحيين في الخارج، بنشر مقال لي بعنوان: (الاجتهاد الديني تشريع إلهي أم اختراع بشري)، وبعدها بشهرين طلب مني أحد صحفيي هذا الموقع عبر البريد الإلكتروني إجراء حوارا صحفيا معي لنشره على هذا الموقع، فلبيت طلبه وأجريت معه الحوار، فظننت أن ذلك الموقع ليست لديه خطوط حمراء كموقع الحوار المتمدن وشفاف الشرق الأوسط وجريدة شباب مصر وغيرهم من المواقع التي تتمتع بحرية النشر دون تحيز أو تحفظ.
ومضت الأيام، وطلب مني الصحفي نفسه إجراء حوارا مصورا عبر الفيديو، وكنت وقتها في مصر في إجازة فلبيت طلبه وكان ذلك في الصيف الماضي، ثم بعد أحداث طلبة الإخوان بجامعة الأزهر، طلب مني الأخ الصحفي نفسه إجراء حوارا حول الموضوع فلبيت طلبه أيضا، لكنني لاحظت منذ فترة أن الموقع ينتقي من مقالاتي التي أنشرها عبر الحوار المتمدن وعبر الشفاف، ينتقي المقالات التي أنتقد فيها تصرفات المسلمين وأفكارهم، ثم يقوم بحجب أي مقال آخر انتقد فيه المسيحية أو تصرفات المسيحيين، بل إن الموقع المقصود لا يترك مقالا ينتقد الإسلام والمسلمين إلا ويقوم بنشره بصفة يومية، فالتزمت الصمت لحين التعرف على أحد القائمين على الموقع وسؤاله عن المبررات في عملية الانتقاء من مقالاتي.
فشاءت الأقدار أن أتعرف على أحد الأخوة المسيحيين من كتاب هذا الموقع، ونشأت بيننا صداقة عبر الهاتف وعبر البريد الإلكتروني، ثم طلب مني أن أرسل له مقالاتي عبر إيميله الخاص لينشرها على الموقع المقصود، فلبيت طلبه، وكل مقال أكتبه أرسل له نسخة كما أرسل لكل المواقع التي أنشر فيها، وأثناء ردود الفعل التي أحدثتها المحاضرة الشهيرة لبابا الفاتيكان بنيدكتث السادس عشر، قمت بإرسال مقال من جزأين، الأول: هاجمت فيه بشده ردود فعل المسلمين على محاضرة البابا، والثاني: قمت فيه بتفنيد ومناقشة بعض ما جاء في محاضرة البابا، ثم فوجئت بأن الموقع المقصود قام بحجب الجزء الثاني من المقال، والذي كان بعنوان: (محاضرة البابا بين الله المسيحي والله المسلم) وانتظرت أسبوعا فلم يتم النشر فتأكدت أن الموقع لن ينشر المقال.
فكتبت رسالة إلكترونية إلى الأخ الذي أرسل له مقالاتي، أعاتبه فيها على عدم نشر الجزء الثاني وكان نص الرسالة كالتالي:
(الأخ والصديق العزيز الأستاذ / .......... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته كل عام وأنت بخير اسمح لي أن أعتب عليك عتاب أخوي: وهو أني كنت وما زلت واحدا من القراء والمتابعين بصفة شبه يومية لموقع (........) وأني أكن لهذا الموقع كثير من الاحترام لشعوري بأن هذا الموقع يتمتع بشيء من حرية الكلمة وعرض الرأي والرأي الآخر. أما عتابي فهو على عدم نشر مقالي الأخير مما أشعرني بوجود انتقائية ومقص الرقيب والخطوط الحمراء. وأنت تعلم أني في مقالي الأخير والذي تم نشره عبر موقعكم قد انتقدت فيه جميع ردود الأفعال التي حدثت على محاضرة البابا، وكنت أول من قال أن من حق البابا وغيره أن ينتقد الإسلام أو أي دين كان لأن من حق أي إنسان أن يبدي رأيه وفكره في أي شيء في هذه الدنيا بما فيها الأديان وهذا حق مكفول لكل شخص، وأظن أن مقالي الذي لم ينشر والذي أرسلته لسيادتك لم أذكر فيه شيئا غير حقي في إبداء رأيي حول ما جاء من انتقادات في محاضرة البابا وأظن أن من حقي كما هو من حق البابا أن أنتقد الديانة المسيحية وأبدي رأيي في بعض العقائد المسيحية كما فعل البابا تماما وناصره في ذلك الكثير من الكتاب. فالسؤال الآن : أليس من حقي أن أرد على البابا وأنتقد بعض عقائده كما فعل هو؟. ثم أني قمت في محاور المقالة بطرح آرائي الشخصية والفكرية وإن كنت مخطئا فيما ذكرت فالمجال مفتوح أمام القراء والكتاب للرد علي وتخطئة كلامي ويسير ذلك في إطار من الرأي والرأي الآخر مهما كان هذا الرأي ثقيلا، وأنت تعلم أن موقعكم الموقر وغيره الكثير من المواقع التي تنشر الكثير من المقالات التي تنتقد الله والرسول محمد والقرآن ويعلم الله أني لا أشعر بأي حزن ولا ضيق من أي كلام يقال في حق الإسلام وهذا شيء طبيعي. وأخيرا أخشى أن يكون لموقعكم الذي ما زلت أحترمه وأقدره وأتشرف بأن أكون أحد كتابه خطوط حمراء وزرقاء وبنفسجي وسوداء ومقص ومشرط ومنظار وجهاز أشعة وبعض الأكلات الممنوعة حفاظا على صحة القراء والأمن العام والنسيج الوطني، إحنا مصدقنا لقينا منفذ أو خرم إبرة عبر هذه الشبكة العظيمة نتنفس منها الحرية الفكرية بعد هذا القمع الحكومي الذي عانى الجميع منه، ومصدقنا ربنا رحمنا من المقصات والخطوط بجميع ألوانها. وعموما مهما كان المبرر صدقني مش هزعل والخلاف في الرأي لن يفسد لصداقتنا ومحبتنا قضية، وبرضوا هرسلك أي مقالة أكتبها انشر منها ما تريد وامنع ما لا تريد ولن أعتب عليك مرة أخرى، ولكن ما شجعني على العتاب هو أنك أنت من طلب مني إرسال المقالات لشخصك الكريم لنشرها في الموقع. أخوك / نهرو طنطاوي الذي يشتاق لرؤياك والجلوس معك، مع تحياتي لجميع أسرة الموقع، وكل عام وأنتم بخير). انتهت رسالتي.
# فرد علي برسالة جاء نصها كالتالي:
(أخي العزيز نهرو طنطاوى بعد ارق تحياتي وكل عام وانتم بخير بمناسبة شهر رمضان، أشكرك على رسالتك الرقيقة التي سعدت بها وبالنسبة إلى مقالتك الأخيرة وردك على البابا بيندكت أنا حولتها إلي الأستاذ (......) المسئول عن الموقع وهو المسئول الأول والأخير وأنا حينما اكتب مقالة أرسلها له للنشر كما فعلت مع مقالتك تماما، وأنا متأكد انه شخص ممتاز مصري أصيل محب لكل المصريين وأرسلت له رسالتك الأخيرة ليرد عليك في هذا الموضوع شخصيا، وأنا أملي أن اعرف أين أنت الآن في مصر أم لا، للاتصال بك وتهنئتك تليفونيا. أخيك (.......).انتهت رسالته.
فلم ينشر المقال، ولم يرد الأستاذ المسئول عن الموقع منذ شهر رمضان وحتى الآن. والتزمت الصمت، حتى تم نشر مقال السيدة وفاء سلطان: (نهرو الطنطاوي: عنزة ولو باضت) فوجدت الموقع المقصود قد نشر مقال هذه السيدة، فقمت بإرسال رسالة إلكترونية للأخ الذي أرسل له مقالاتي، وكان نصها كالتالي:
(الأستاذ والأخ الفاضل / ........ تحية قلبية خالصة لشخصكم الكريم وكل عام وأنتم بخير، وبعد. لقد نشر موقع (.......) رد السيدة وفاء سلطان المعنون : (نهرو طنطاوي عنزة ولو باضت)، وجاء ردها على مقالي: المعنون: (البحث عن وجود الله داخل سراويل المسلمين)، وأحيط سيادتك علما بأن الموقع تجاهل نشر مقالي سالف الذكر، واهتم بنشر مقال السيدة وفاء سلطان سالف الذكر، ولقد قمت بإعداد ردا وافيا على السيدة وفاء سلطان، فما أريد معرفته هو هل سينشر الموقع ردي عليها مراعاة للمصداقية والإنصاف والمساواة، أم لا؟؟ أرجو الإفادة ولكم جزيل الشكر نهرو طنطاوي). انتهت رسالتي. فلم يأتني أي رد حتى وقت كتابة هذا المقال.
فما أود قوله بعد سرد هذه الحادثة، والتي لم تأثر إطلاقا على علاقاتي الطيبة بهؤلاء الأخوة الكرام، هو أن المطلب الحقيقي: لابد أن يكون لزاما على المثقفين بناء جسر من الثقة والصدق الحقيقي فيما بينهم، مع الاحتفاظ باختلاف مواقفهم الفكرية والسياسية والعقائدية والدفاع عنها، ونقد كل منا لموقف الآخر في إطار من الحرية والأسلوب المتحضر، حتى نضيع الفرصة على المنتفعين، ومحترفي الصيد في المياه العكرة، والذين لا يريدون بنا ولا بأوطاننا خيرا.
وما دفعني إلى هذه الكلمة هو اعترافي بأني مدين لمصر، وخاصة لصعيد مصر، وأهل صعيد مصر، الذين تربيت ونشأت وتعلمت بينهم، ذلك الصعيد الذي علمني أن الكلمة لا تعرف سوى معنى واحد، والحقيقة لا تعرف سوى وجه واحد.
وأستعير شيئا من شعر (أحمد مطر) يصف فيه استغفال الحكام العرب لشعوبهم المغفلين، فأرى أن فيه بعض الشبه بينه وبين حال بعض المثقفين من الطرفين على النحو التالي:
(مقاعد المسرح قد تنفعل قد تتداعى ضجرا قد يعتريها المللُ لكنها لا تفعلُ لأن لحما ودما من فوقها لا يفعلُ فهذه فرقة يضرب فيها المثلُ غباؤها مُعَقَّلُ وعقلها معتقلُ الصدق فيها كذب والحق فيها باطلُ يا ناس لا تهللوا ووفروا الحب لمن يستأهلُ وهكذا ظل الستار يعملُ يرفع كل ليلة عن موعد وفوق عرقوب الصباح يسدلُ وكلما غير في حواره الممثلُ مات وحل البدلُ رواية مذهلة لا يعتريها الجدلُ الكل فيها بطلُ وليس فيها بطلا عوفيت يا جمهور يا مغفلُ لا ينظف المسرح إن لم ينظف الممثلُ)انتهى. (مع الاعتذار للشاعر إن كنت أخطأت في النقل أو اختصرت منها شيئا).
# وفاء سلطان لا تفرق بين قول المسيح وما جاء في التوراة:
قالت وفاء سلطان: (أنا مدينة لأمريكا، على الأقل لأنها علمتني الصمت وتجنب مجادلة الحمقى. كلما تواجدت في محفل عربي يركض الي بعض الناس ويبدأون الجدل حيال ما اكتب، فأهزّ رأسي واقول: شكرا لملاحظتكم، اعدكم أن آخذها بعين الاعتبار في مقالاتي القادمة. كنت اقرأ مرّة لكاتب امريكي عن اهمية الصمت أمام الحمقى من الناس الذين يرون في الجدل العقيم انفسهم، قال: دعيت الى حفلة عشاء مع صديق لي. صديقي هذا يحمل شهادة دكتوراه في الادب الانكليزي وهو مختص في ادب شكسبير ومضى عليه مدرسا في احدى الجامعات الامريكية المرموقة اكثر من عشرين عام. اثناء الحفل، جلس الى جانبي احد الثرثارين الذي انبرى يطرح افكاره ولا يترك لغيره فرصة الحديث. اثناء حديثه ذكر قولا لشكسبير وادعى أنه آية من الانجيل، عندها تتدخلت محاولا تصحيح ما قال. قاطعني مصرا على أنها آية من الانجيل. ركضت الى صديقي المختص في ادب شكسبير وسحبته من ذراعه واتيت به الى طاولتنا وأنا اقول: من فضلك، مستر فلان يصر على أن هذا القول آية من الانجيل، اقنعه بأنه قول لشكسبير. صمت صديقي برهة متظاهرا بالتفكير، ثم قال: بل هو آية من الانجيل! في طريقنا الى البيت التفت اليّ صديقي معاتبا: الا تخجل من مجادلة شخص لا يميّز بين ما قاله شكسبير وما جاء في الانجيل؟! ويضيف الكاتب الامريكيّ: من يومها تعلمت فنّ الصمت وآدابه!)انتهى.
# أقول في ردي على هذه السيدة:
فهي كعادتها بأن تتحفنا بالأحاجي والقصص والحكايات في كل مقالاتها حتى توهم القارئ بأنها تحيط بكل شيء علما، ولكن فيما يبدو أن حكاياتها وقصصها قد انقلبت عليها، طبقا للقول الشائع: انقلب السحر على الساحر، وهذا ما حدث بالضبط مع السيدة وفاء سلطان، ففي قصتها سالفة الذكر والتي أرادت من خلالها، أن تتهم المسلمين بالحمق والغباء وبالطبع أنا من بينهم، وادعت بأنني لا أفرق بين قول شكسبير وما جاء في الإنجيل، بل لا أفرق بين العنزة والبطة، ولم تذكر هذه السيدة ما هو وجه استدلالها بهذه القصة في مقالها، ولكن لسوء نيتها وافترائها على الناس، وكذبها المتعمد، وقعت هذه السيدة وبالدليل القاطع وبنص كلامها في نفس الحمق والغباء الذي اتهمت به غيرها، بل واتضح بالدليل القاطع أن وفاء سلطان: من الحمق والنفاق بمكان كي لا تفرق بين قول المسيح وما جاء في التوراة، وسوف أقدم للقارئ الآن دليلا قاطعا من نص كلامها أثبت من خلاله أنها هي الحمقاء التي لا تفرق بين قول المسيح وما جاء في التوراة، وذلك على النحو التالي:
تقول وفاء سلطان: (جاء المسيح قبل محمد بستمائة عام، وكانت لغته مملؤة بالحب والمحبة، فلماذا لم يراعي لغة زمانه؟!! الم يقل: "المرأة الفاضلة من يجدها، ثمنها يفوق اللآلئ؟" كيف عرف المرأة الفاضلة وهو لم يمسّ امرأة في حياته؟ ألم يتعرّف عليها بالروح والعقل؟! ثلث سكان الكرة الارضيّة من اتباعه، فلماذا لم ينكح(!!!) جيشا من النساء، كي يساعده في نشره دعوته؟!! انظر الى لغته العذبة الجميلة وأتساءل: أليست صالحة لكل زمان ومكان؟!)
من الكلام السابق لوفاء سلطان نتبين منه أمرين هما: * الأول: جهلها بأقوال المسيح: فالقول الذي نسبته للمسيح عليه السلام والذي يقول: (المرأة الفاضلة من يجدها، ثمنها يفوق اللآلئ)، هذا القول ليس من أقوال المسيح بل هو قول ورد في سفر الأمثال في العهد القديم (التوراة) وينسب هذا السفر إلى سليمان بن داوود، فلم يقل المسيح بهذا إطلاقا، وهذا هو نص الآية كما جاءت في سفر الأمثال: (من يجد المرأة الفاضلة؟ إن قيمتها فوق اللآلئ).(سفر الأمثال: الإصحاح/31، الآية عشرة). (المصدر: الكتاب المقدس، الطبعة الثالثة، دار المشرق، بيروت، 1994، ص 1358). فلو كانت السيدة وفاء سلطان على دراية حقيقية بالكتاب المقدس، أو قرأته ولو مرة واحدة في حياتها، لما كانت سقطت هذه السقطة الشنيعة بأن تكذب على المسيح وتنسب إليه ما لم يقله، ويبدوا أن السيدة وفاء سلطان قرأت آية سفر الأمثال سالفة الذكر، في مقال من مقالات الصحف أو على شبكة الإنترنت فقامت بنقلها بصورة عمياء دون أن تتثبت من مصدرها الحقيقي، وقطعا من يكذب على الناس لا يستحيي أن يكذب على الله وعلى الأنبياء!!!!.
* الأمر الثاني: النفاق الأعمى من وفاء سلطان للمسيحية والمسيحيين: يبدو من نص كلام وفاء سلطان سالف الذكر حول ما نسبته كذبا للمسيح، مدى النفاق البين الفاقع لكل ذي عينيين، فهي تريد من نسبة هذا القول للمسيح، أن توهم القارئ بأن الديانة المسيحية أكرمت المرأة لدرجة أنها جعلت ثمنها يفوق اللآلئ، بينما الدين الإسلامي قد حط من قدر المرأة وجعلها كالأرض يشقها الرجل بمحراثه، وبما أن السيدة وفاء سلطان لا تعرف شيئا عن المسيحية وأعتقد أنها لم تقرأ الكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم ولو مرة واحدة في حياتها، لا بأس أن أذكر لها شيئا مما لا تعرفه، أو مما لا تريد قاصدة أن لا تعرفه، أو مما تغمض عينيها خبثا ونفاقا عنه، من وضع ومكانة المرأة في الكتاب المقدس، فسأذكر لها بعض الآيات وأتحداها ثم أتحداها أن تعلق على آية واحدة منها بخير أو بشر، حتى أثبت للقارئ أن هذه السيدة لا تحترف مهنة سوى النفاق والصيد في المياه العكرة القذرة، لإشعال نار الفتنة وحريق القتال بين المسلمين والمسيحيين، وخاصة في مصر وذلك على النحو التالي:
ماذا تقول وفاء سلطان في هذه الآيات الواردة في الكتاب المقدس؟:
* بعض النصوص من العهد الجديد (الإنجيل) حول مكانة المرأة:
قال بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس (14 : 24): (لِتَصْمُتْ النِّسَاءُ فِي الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ مَسْمُوحاً لَهُنَّ أَنْ يَتَكَلَّمْنَ، بَلْ عَلَيْهِنَّ أَنْ يَكُنَّ خَاضِعَاتٍ، عَلَى حَدِّ ما تُوصِي بِهِ الشَّرِيعَةُ أَيْضاً. 35وَلَكِنْ، إِذَا رَغِبْنَ فِي تَعَلُّمِ شَيْءٍ مَا، فَلْيَسْأَلْنَ أَزْوَاجَهُنَّ فِي الْبَيْتِ، لأَنَّهُ عَارٌ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَتَكَلَّمَ فِي الْجَمَاعَةِ.)انتهى.
ويقول بول الرسول أيضا: (لا أسمح للمرأة أن تُعَلِّم ولا أن تغتصب السلطة من الرجل ولا تتسلط ، وعليها أن تبقى صامته، لأَنَّ آدَمَ كُوِّنَ أَوَّلاً، ثُمَّ حَوَّاءُ ، وَلَمْ يَكُنْ آدَمُ هُوَ الَّذِي انْخَدَعَ بَلِ الْمَرْأَةُ انْخَدَعَتْ، فَوَقَعَتْ فِي الْمَعْصِيَةِ.) (الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 2 : 12 _ 14).
وقال بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس (11 : 7): (الرَّجُلَ عَلَيْهِ أَلاَّ يُغَطِّيَ رَأْسَهُ، بِاعْتِبَارِهِ صُورَةَ اللهِ وَمَجْدَهُ. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَجْدُ الرَّجُلِ. 8 فَإِنَّ الرَّجُلَ لَمْ يُؤْخَذْ مِنَ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ أُخِذَتْ مِنَ الرَّجُلِ؛ 9وَالرَّجُلُ لَمْ يُوجَدْ لأَجْلِ الْمَرْأَةِ، بَلِ الْمَرْأَةُ وُجِدَتْ لأَجْلِ الرَّجُلِ.)
* المرأة المطلقة لا تتزوج وإن تزوجت فهي زانية:
جاء في إنجيل متى (5 : 27 _ 32): (وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق. وأما أنا فأقول لكم: ان من طلق امرأته إلا لعلة الزنا يجعلها تزنى. ومن تزوج مطلقة فإنه يزنى).
* المرأة إذا حاضت فهي إشعاع نجاسة ينجس كل من حولها كما جاء في الكتاب المقدس (العهد القديم):
يقول كاتب سفر اللاويين (15 : 19): (19وَإِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فَسَبْعَةَ أَيَّامٍ تَكُونُ فِي طَمْثِهَا، وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُهَا يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 20كُلُّ مَا تَنَامُ عَلَيْهِ فِي أَثْنَاءِ حَيْضِهَا أَوْ تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً، 21وَكُلُّ مَنْ يَلْمِسُ فِرَاشَهَا يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 22وَكُلُّ مَنْ مَسَّ مَتَاعاً تَجْلِسُ عَلَيْهِ، يَغْسِلُ ثِيَابَهُ وَيَسْتَحِمُّ بِمَاءٍ، وَيَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 23وَكُلُّ مَنْ يَلَمِسُ شَيْئاً كَانَ مَوْجُوداً عَلَى الْفِرَاشِ أَوْ عَلَى الْمَتَاعِ الَّذِي تَجْلِسُ عَلَيْهِ يَكُونُ نَجِساً إِلَى الْمَسَاءِ. 24وَإِنْ عَاشَرَهَا رَجُلٌ وَأَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ طَمْثِهَا، يَكُونُ نَجِساً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. وَكُلُّ فِرَاشٍ يَنَامُ عَلَيْهِ يُصْبِحُ نَجِساً.)
* قطع يد المرأة في الكتاب المقدس ولا شفقة عليها:
(إذا تخاصم رجلان بعضهما بعضاً. وتقدمت امرأة أحدهما لكي تخلص رجلها من يد ضاربه ومدت يدها وأمسكت بعورته، فاقطع يدها ولا تشفق عليها) (تثنية 25:11 _ 12)
* حرق المرأة بالنار إذا زنت:
(إذا تدنست ابنة كاهن بالزنا، فقد دنست أباها. بالنار تحرق) (لاويين 21 : 9).
* نجاسة الأنثى ضعف نجاسة الذكر في الكتاب المقدس:
جاء في سفر اللاويين (12 : 1 _ 5): (إذا حبلت امرأة وولدت ذكراً، تكون نجسة سبعة أيام . . . ثم تقيم ثلاثة وثلاثين في دم تطهيرها. وان ولدت أنثى، تكون نجسة أسبوعين . . . ثم تقيم ستة وستين يوماً في دم تطهيرهاً.)
# وفي ختام ردي على وفاء سلطان استعير الفقرة التي ختمت بها مقالها، لأختم بها ردودي عليها على النحو التالي:
(أكاد أسمع قارئا يحتج علي معاتبا: ألا تخجل من مجادلة امرأة لا تميز بين الألف وكوز الدرة وتصر على أنه كوز درة. فأرد: كلا، لا أخجل، لكنني، على الأقل، أحاول أن أوقظ داخل هذه السيدة ضميرها الإنساني النائم، إن كان نائما ولم يكن قد مات بالفعل).
# أوجه ملحوظة للسيدة وفاء سلطان:
كما سبق وأن قلت في مقال سابق لي أن وفاء سلطان ومن هم على شاكلتها، يكتبون لمن لا يقرأ أو يكتبون لقارئ أمي أعمى وأطرش، ومن هنا أحب أن ألفت نظر السيدة وفاء سلطان بأني لدي ثلاث نسخ من الكتاب المقدس، ومن بين هذه النسخ الثلاث نسخة بها شرح وتفسير في هوامش الصفحات، بل وألفت نظرها إلى أن قراءتي ودراستي للكتاب المقدس في بعض الأيام تفوق قراءتي للقرآن، بل وأزيدها من الشعر بيتا، أني لا أميل إلى القول السائد لدى المسلمين أن الكتاب المقدس محرف، وهذه حقيقة أعتقدها وأومن بها، ولي دراسة صغيرة حول هذا الموضوع أعددتها منذ سنوات، وربما يأتي يوم أنشرها فيه، وقد عاتبت الكاتب الأستاذ أسعد أسعد في رسالة أرسلتها له على بريده الخاص حين اتهمني في بعض مقالاته بأني أعتقد بتحريف الكتاب المقدس، فقلت له بالنص في الرسالة:
(في أكثر من مرة اتهمتني أني أعتقد كما يعتقد غالبية المسلمين أن التوراة والإنجيل قد حرفا ، يا أخي العزيز أنا لا أعتقد في هذا الأمر إطلاقا ولكن لي رأيا مخالفا لما يعتقده غالبية المسلمين ألا وهو أن الموجود بين أيدي المسيحيين في العالم من نسخ الكتاب المقدس هي ترجمات للتوراة والإنجيل وليسا هما التوراة والإنجيل الأصليان، وأنت تعلم يا أستاذ أسعد أن الترجمة مهما بلغت دقتها لا يمكن أن تصل إلى النص الأصلي مائة بالمائة فأنت مثقف وتعرف ذلك جيدا، ولكن هذا لا يدعو إلى القول بتحريفهما وإلا فلماذا طلب الرسول من أهل الكتاب كما جاء في القرآن بأن يأتوا بالتوراة ويتلوها، وأمر الله رسوله بأن يسأل أهل الكتاب ويصف كتابهما بأنهما هدى ونور، وأيضا أنا اعتقد بأن الكتاب المقدس الموجود حاليا بين أيدي المسيحيين يحتوي على المضمون العام وليس التفصيلي للتوحيد والدين.)انتهى.
فرد الأستاذ أسعد أسعد علي قائلا: (أما ما قد اتهمتك به من دعوى بأنك تعتقد بتحريف الكتاب المقدس فسامحني وأنا لا أجد كلمات اعتذر لك بها عما أكون سببته لك من جُرح بهذا الاتهام وعذري فيه الذي لا اعتذر به عن ذنبي إنما فقط أبديه إن مفهومي عن المسلمين من جميع المواقع الإسلامية التي زرتها يتهمون المسيحيين (النصارى) بأنهم حرفوا الكتاب المقدس وأنا أرجو أن تصفح عن زلتي هذه طمعا مني في كرم أخلاقك.)انتهى.
# كلمة أخيرة:
أود أن أقرر حقيقة هامة، ألا وهي: أنني لا أدافع عن كلمات القرآن كمجرد كلمات، ولا أقول بقدسية كلماته إطلاقا، فهذا ليس من عقيدتي الدينية التي أدين بها لله تجاه القرآن، وسوف أبين ذلك في مقال لي قريبا حول طبيعة وماهية كلام الله، فبعض الرسائل التي تصلني وتتهمني بأني أستميت في الدفاع عن كلمات القرآن تضحكني، وأضحك أيضا حين يتهمني البعض بأني أدافع عن اللغة العربية، وأقدسها وأعتبرها من أفضل اللغات، وهذا غير صحيح إطلاقا، بل إنني أعتقد أن الشخص الذي يقوم بتفضيل لغة على لغة أخرى حتى ولو كانت العربية، هو إنسان ليست لديه أية فكرة عن علم اللغات ولا البحث فيه.
فما أود قوله: أنه حين يأتي دفاعي في مقالاتي، يكون دفاعا في المقام الأول عن طرق وسبل الوصول للحقيقة الموضوعية التي قد يتجاهل البعض بعض طرقها طرقها، أو يتغافل عنها بسوء نية أو بدون قصد، وبما أني من المهتمين بالشأن الديني في الإسلام أجد نفسي، وانطلاقا من شغفي الشديد للوصول إلى الحقيقة بطريقة محايدة قدر استطاعتي، مع الأخذ في الحسبان أنني بشر ككل البشر أخطئ وأصيب، ولا أدعي أني أملك الحقيقة المطلقة، وانطلاقا من إيماني العميق بأن الإنسان أي إنسان، هو حر فيما يقول وفيما يفعل وفيما يعتقد ما لم يظلم الآخرين أو يعتدي عليهم بغير وجه حق، وانطلاقا من إيماني الشديد بأن الإنسان أي إنسان هو القيمة الوحيدة والحقيقية الكبرى في هذا الكون الكبير، ما لم يتجاوز الآخرين أو ينتقصهم حقا من حقوقهم الإنسانية المشروعة، وخاصة الحق الأكبر من أية حقوق أخرى، وهو حق الآخرين أن يكونوا مختلفين عنه في أي شيء وفي كل شيء.
فانطلاقا من كل هذا، حين أجد البعض من الناس مهما كان هذا البعض ومهما كان توجهه أو انتمائه الديني أو الفكري أو المذهبي، قد تجاوز في قوله أو فعله الآخرين، وحين أجد أن لي كلمة أصحح فيها خطئا ما في هذا القول أو الفعل، أو تكون هذه الكلمة فيها تصحيحا لفهم مغلوط، أو كشفا لكذب أو تحامل أو افتراء ما، أرى أنه من الواجب علي وعلى أي شخص يحترم نفسه ويحترم الآخرين، أن يقول كلمته ولا يخشى في الحق لومة لائم أو لئيم. وأيضا من حق من يقرأ كلامي أن يقبله أو يرفضه، ومن قبله لن ينفعني بشيء ومن رفضه لن يضرني بشيء.
لقد كنت وإلى وقت قريب جدا أظن أن وثنية تقديس الأشخاص هي حالة خاصة بالمتدينين في كل الديانات، لكنني فوجئت بأنها حالة مرضية منتشرة بين معظم البشر مهما اختلفت انتماءاتهم الفكرية والثقافية، فقد لاحظت هذا من خلال بعض الرسائل الإلكترونية التي حملت سبا وشتما لي، وأيضا من بعض المقالات التي هاجمتني بسبب ردي على وفاء سلطان، رغم هذا الكم الهائل من الأخطاء العلمية والأخلاقية التي وردت في مقالها، والتي تجاوزت كل الحدود. وهذا ما يثبت صحة قولي في المقال السابق: إن السيدة وفاء سلطان تغني لتطرب البعض دون أن يعرف البعض شيئا عن ماذا تغني. وهذا ما جعلني أيضا أتذكر موقفا طريفا حدث بيني وبين الحاج بيومي في الصعيد الصيف الماضي وكان الموقف كالتالي:
(الحاج بيومي رجل صعيدي بسيط من أهل قريتي لا يجيد الكتابة ولا القراءة، لكنه يملك قلبا صافيا ونفسا طيبة بريئة وكلاما مفعما بالنقاء والعفوية، في الصيف الماضي وحين نزلت من الكويت إلى مصر لقضاء إجازتي بين أهلي في الصعيد، خرجت ذات يوم بسيارتي متوجها إلى المدينة أو البندر، كما يطلق عليها أهل الريف، لشراء بعض الحاجات، وقبل أن أصل إلى الطريق التي ستوصلني إلى المدينة، وجدت الحاج بيومي يقف على جانب الطريق ينتظر سيارة أجرة ليتوجه إلى المدينة، فتوقفت على جانب الطريق وناديت عليه ليركب معي، فركب الحاج بيومي وسلم علي بحرارة، ثم انطلقنا في طريقنا، فنظرت بجواري فوقعت عيناي على شريط كاسيت للسيدة أم كلثوم قصيدة (الأطلال)، ثم سألته: تسمع حاجة للست يا عم بيومي؟، فقال: ياريت. فقمت بتشغيل الكاسيت، وإذا بالسيدة أم كلثوم تقول: (يا حبيبا زرت يوما أيكه طائر الشوق مغني ألمي)، وحين انتهت أم كلثوم من هذا المقطع، إذا بعم بيومي يقول بصوت مرتفع: الله الله الله يا ست. فضحكت ثم قلت له: يا عم بيومي انت عارف معنى الكلام إللي بتقوله الست. فقال ببساطة وعفوية الرجل الصعيدي: يا أستاذ إنت شايفني معايا كلية طب؟. فضحكت، ثم قلت له وما علاقة كلية الطب بما تقوله أم كلثوم؟، فضحك وقال: مش عارف. فالتزمت الصمت قليلا ثم قلت له: يا عم بيومي إنت بتسمع الست ليه؟. فقال: آه يا أستاذ، الست دي بتخفف الألم. فقلت له: ربنا يقوي إيمانك يا عم بيومي. وظللنا نضحك حتى وصلنا المدينة).
وردا على الكثير من رسائل القراء التي وصلتني وتطلب مني أن أتحدث عن موضوع ما يسمى (بالأخطاء اللغوية والنحوية والبلاغية في القرآن). أقول للقراء الكرام: هونوا على أنفسكم فالأمر أهون مما تتخيلون، فقد كنت سأتحدث حتما ودون طلب عن هذا الموضوع أثناء الحديث عن تفنيد عقائد المسلمين الذي انقطع بسبب ردودي على هذه السيدة، ولكل مقام مقال. وسوف أعود لمواصلة الحديث عن تفنيد عقائد المسلمين قريبا إن شاء الله. والسلام عليكم.
#نهرو_عبد_الصبور_طنطاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
وفاء سلطان: بين ممارسة الحب وممارسة الحرث والنكاح
-
وفاء سلطان: وعقدة زواج الرسول من زينب بنت جحش
-
وفاء سلطان : ونفاقها للمسيحية والمسيحيين
-
وفاء سلطان: وحالة الهذاء المرضي -البارانويا
-
وفاء سلطان : عالمة نفس؟ أم عبد السلام النابلسي؟
-
بعد فوات الأوان
-
العقل العربي والعقل الغربي
-
البحث عن وجود الله داخل سراويل المسلمين
-
العقيدة الأرثوذكسية لمذهب الشيعة والمعتزلة
-
العقيدة الكاثوليكية لمذهب أهل السنة والجماعة
-
أمطار الصيف
-
أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الثاني
-
أخطاء وخطايا الكتابة في الدين - الجزء الأول
-
أعلن انسحابي
-
الفرار إلى الله والفرار منه
-
حوار الأديان أطرافه مفتقدة الأهلية
-
تعقيب على رد الأستاذ أسعد أسعد ، ليس المسيح والله شيء واحد
-
محاضرة البابا بين الله المسيحي والله المسلم
-
محاضرة البابا وردود الأفعال
-
الولاء والبراء في القرآن
المزيد.....
-
ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب
...
-
اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا
...
-
الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
-
المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
-
أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال
...
-
كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة
...
-
قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ
...
-
قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان
...
-
قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|