أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مجاني، وأول إنصاف للفلاح - الجزء الأول -














المزيد.....

الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مجاني، وأول إنصاف للفلاح - الجزء الأول -


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 21:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة: تأملات في نزاهة كتابة التاريخ:
حين نكتب التاريخ، لا ندوّن الماضي فحسب، بل نعيد تشكيل الوعي بالحاضر، ونرسم حدود المستقبل. التاريخ ليس ما جرى، بل هو ما يُروى عن الذي جرى. وهنا تكمن خطورته، كما تكمن مسؤوليته.
لقد أدرك المؤرخ البريطاني إدوارد هاليت كار حين كتب في كتابه الشهير ما هو التاريخ؟ (What Is History?)، أن "الحقائق التاريخية ليست كالكائنات العضوية التي تُستخرج من الأرض كما تُستخرج الحفريات، بل تُنتقى وتُبنى وتُفسّر"، مؤكداً أن التاريخ لا يُكتب إلا من خلال وعي المؤرخ وخياره لما يسرده وما يسكت عنه. ومن هنا فإن أول خيانة للزمن ليست في الخطأ، بل في التحيّز بالصمت (Bias by Omission)، حين يُستبعد ما لا يوافق الهوى أو المصلحة أو السردية السائدة.
هذا التحيّز الصامت هو ما جعل المفكر الفرنسي بول ريكور يكتب في الذاكرة، التاريخ، النسيان (Memory, History, Forgetting): "ليست خطيئة التاريخ في أنه لا يذكر، بل في أنه ينسى بانتقائية". ويضيف: "النسيان حين يكون منظمًا، يتحول إلى أداة قمع معرفي"، وهنا يصبح التاريخ سلاحًا لا ذاكرة، وسردًا لا حقيقة.
لقد عانت شعوب العالم المستعمَر، ومن ضمنها مصر، من تشويه متعمّد في تمثيل سردياتها الذاتية، كما أشار المؤرخ إريك هوبزباوم في عصر الإمبراطوريات (The Age of Empire): "الخطر على الذاكرة الجماعية في بلدان الجنوب ليس فقط في الاحتلال، بل في أن يُكتب تاريخهم بأقلام الغير أو بأقلام ملوّنة بالهيمنة".
إننا لا نكتب التاريخ لنُنصف الماضي فحسب، بل لنُعيد تصويب البوصلة الأخلاقية التي تقودنا. فكما قال ليوبولد فون رانكه، أحد أعلام المدرسة الوضعية الألمانية: "التاريخ يجب أن يُكتب كما وقع فعلاً (wie es eigentlich gewesen)". لم يكن رانكه ينشد حيادًا ساذجًا، بل كان يُحذّر من أن يتحول التاريخ إلى خطاب سلطوي، يخدم الأقوى لا الأصدق.
وقد مضى على خطاه مفكرون كثر من أمثال مارك بلوخ في "دفاعه عن التاريخ" الذي رأى فيه أن وظيفة المؤرخ هي "أن يستنطق الماضي لا أن يُسقط عليه حاضرًا مُشوّهًا"، وإدوارد كار، الذي نبّه إلى خطورة أن يتحول المؤرخ إلى مجرد ناقل منحاز، منتقيًا من الأحداث ما يؤكد رؤاه، متغافلاً عن البقية. وفي هذا السياق، لا يخفى أن من أخطر أنواع التزوير هو "الحذف المتعمّد"، أو ما يُعرف في الأدبيات الأكاديمية باسم "التحيّز بالصمت" (bias by omission).
إن الالتزام بنزاهة السرد التاريخي ليس ترفًا أكاديميًا، بل ضرورة أخلاقية؛ لأن كل جيل يقرأ تاريخه يحدد من خلاله مستقبله. وما لم يكن المؤرخ أمينًا في النقل، فإن أجيالًا بأكملها ستُبنى على وعي زائف.
وكم هو مؤلم أن نكتشف أن كثيرًا من الرموز التي قاومت الظلم أو حاولت الإصلاح قد دُفنت مرتين: مرة بالجسد، ومرة بالصمت. لقد كتب المؤرخ الأمريكي هوارد زن في تاريخ الولايات المتحدة من وجهة نظر الشعوب (A People’s History of the United States): "التاريخ الذي لا يتحدث عن المهمشين، ليس إلا منشورًا دعائيًا للقوة".
في ضوء هذا، تبدو أمانة كتابة التاريخ فرضًا أخلاقيًا قبل أن تكون مهمة معرفية. فالمؤرخ لا يكتب حكاية، بل يزرع وعيًا. وكل سرد زائف، أو حذف متعمّد، أو تمجيد مصطنع، هو سهم في قلب أمة تُحاول أن تعرف نفسها.
من هنا، لا بد أن نعيد تعريف المؤرخ: ليس ككاتب وقائع، بل كحارس ذاكرة. ليس كمن يُنقّب في الغبار، بل كمن ينفخ فيه الروح. وكما كتب جون لوك: "من يسيطر على التاريخ، يملك حق تقرير ما هو معقول وما هو مستحيل".
ولعل أخطر ما نواجهه في عصر ما بعد الحقيقة، هو هذا التلاعب الخفي بسرديات الماضي. فأمام طوفان الأيديولوجيات، واستثمار الماضي في صناعة الشرعية، تبقى النزاهة التاريخية هي الخط الفاصل بين أمة تعرف جذورها، وأخرى تبيع ذاكرتها في سوق المزايدة.
ومن ثم، فكتابة التاريخ ليست مهنة، بل موقف. وليست معرفة، بل مسؤولية. فإما أن نكون أوفياء للذين مشوا الدرب قبلنا، وإما أن نشارك في دفنهم للمرة الثالثة، بصمتنا هذه المرة.
ولذا، حين نكتب عن الخديوي إسماعيل أو مجلس شورى النواب أو معركة التعليم أو عبء السخرة، فإننا لا نحاكم زمنًا مضى، بل نحاكم ذاكرتنا عن ذلك الزمن، ونُقرّر إن كنا أبناء الحقيقة أم ورثة وهم.
ببليوغرافيا:
1- Carr, E.H.
What Is History?
London: Penguin Books, 1961.
⟶ مرجع تأسيسي يناقش دور المؤرخ، وحيادية السرد التاريخي، وكيف تُصنع "الحقائق التاريخية".
2- Ranke, Leopold von.
History of the Latin and Teutonic Nations, 1494–1514.
Trans. G.R. Dennis. London: George Bell and Sons, 1887.
⟶ أصل مقولة رانكه الشهيرة: "wie es eigentlich gewesen" (كما حدث فعلاً).
3- Ricoeur, Paul.
Memory, History, Forgetting.
Trans. Kathleen Blamey and David Pellauer. Chicago: University of Chicago Press, 2004.
⟶ تحليل فلسفي عميق لدور النسيان والتأويل في كتابة التاريخ.
4- Hobsbawm, Eric.
The Age of Empire: 1875–1914.
London: Weidenfeld & Nicolson, 1987.
⟶ يسلّط الضوء على تأثير الاستعمار في صياغة السرد التاريخي لشعوب العالم الثالث.
5- Zinn, Howard.
A People s History of the United States.
New York: Harper Perennial, 1980.
⟶ نموذج لكتابة التاريخ من "أسفل"، أي من وجهة نظر المهمشين والطبقات غير المُمثلة.
6- Locke, John.
Two Treatises of Government.
Cambridge University Press, 1988 (originally 1689).
⟶ يشير إلى العلاقة بين السلطة، والسيطرة على السرد التاريخي، وتشكيل وعي الأفراد.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النجمة فاتن حمامة وجه القمر سيدة الشاشة العربية
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثاني )
- شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )
- القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية ...
- مصر القديمة... مهد الإخراج المسرحي وجذور الدراما الإنسانية:
- مسرح الطليعة يحيي الذكرى ١٥٠ لوفاة -بيزيه- ...
- الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية
- المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما
- ماذا تبقى من القومية العربية؟
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق
- العشق ورحلة الفناء في الحقيقة
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟


المزيد.....




- -كله مسموح-.. كارول سماحة تقدم عرضاً مسرحياً بعد أيام على وف ...
- -يتحدثون بذكاء شديد-.. هكذا علق ترامب على سلوك إيران بالمفاو ...
- تفاعل على حديث جانبي -ودي- بين ترامب ومحمد بن سلمان وإيلون م ...
- موسكو: سنرد بالشكل المناسب على قرار وارسو إغلاق القنصلية الر ...
- -أكسيوس- يكشف خفايا إطلاق سراح الأسير الإسرائيلي الأمريكي
- الملك تشارلز يستضيف ماكرون في زيارة دولة
- البرلمان الأوروبي يحقق في زيارة وفد من نوابه موسكو لحضور احت ...
- غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي للقطاع بلغت 52908
- ليبيا.. مقتل 6 أشخاص في اشتباكات بين مجموعات مسلحة جنوب طراب ...
- رئيس الوزراء الهندي في قاعدة -أدامبور- الجوية


المزيد.....

- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مجاني، وأول إنصاف للفلاح - الجزء الأول -