أزاد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 16:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في ظل التحولات الكبرى التي تعصف بالمنطقة، من سقوط الحدود إلى صعود الفاعلين غير الدولتيين، لم يعد من الممكن التحدث عن استقرار حقيقي في المشرق دون إعادة النظر في المسألة الكردية بوصفها أحد الأعمدة المؤجلة في هندسة الشرق الأوسط الجديد. إن السؤال الكردي لم يعد شأناً محلياً أو هامشياً، بل بات عنصراً محورياً في معادلة الأمن الإقليمي ومواجهة التشدد.
منذ قرنٍ من الزمان، حُرم الكرد من دولتهم الوطنية، وقُسمت أرضهم التاريخية—كردستان—بين أربع دول، صارت كلها عاجزة عن استيعاب التنوع أو بناء دول مواطنة. في العراق، ذاق الكرد مرارة الأنفال والقصف الكيماوي؛ في سوريا، عانوا من سياسات التعريب والحرمان من الهوية؛ وفي تركيا، عاشوا عقوداً من الإنكار والقمع، أما في إيران، فكان مصيرهم التهميش والتصفيات المتكررة.
لكن رغم كل ذلك، لم يتحول الكرد إلى حركات انفصالية مغلقة، بل ظلوا في صلب المعركة من أجل دولة مدنية ديمقراطية في عموم المشرق. في سوريا، شكلت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) واحدة من أنجع القوات في قتال “داعش”، ووفرت نموذجاً لمشروع حكم ذاتي متعدد القوميات والأديان، رغم كل ما يواجهه من حصار وتجاهل. وفي العراق، أظهر إقليم كردستان قدرة على إدارة ذاتية مستقرة نسبياً، رغم التحديات الاقتصادية والسياسية والأمنية التي تعصف به.
أمام تصاعد النزعات التوسعية في أنقرة وطهران، وتحول الإرهاب إلى أداة جيوسياسية تُستخدم بوقاحة من قبل دولٍ تدّعي محاربته، تبرز الحاجة إلى كيان كردي موحد، يتمتع بالشرعية السياسية، ويكون قادراً على حماية نفسه وشعبه وحدوده. ليست الدولة الكردية مشروع تقسيم، بل على العكس، هي فرصة تاريخية لإعادة صياغة معادلة المنطقة على أسس من التعددية والتوازن.
دولة كردية على حدود الجغرافيا الكردية الكبرى، تمتد من السليمانية إلى ديريك، ومن سنجار إلى عفرين، ليست فقط حقاً مشروعاً لشعبٍ حُرم من تقرير مصيره، بل ضرورة استراتيجية لبناء توازن جديد في منطقة تعاني من هشاشة الخرائط واستباحة الحدود. دولة لا تعادي أحداً، لكنها قادرة على حماية نفسها من الجميع. دولة تحكمها مؤسسات مدنية لا ميليشيات، دستور لا فتوى، وشراكة لا وصاية.
إن من يدفع بالمنطقة نحو المجهول ليست مطالب الشعوب المضطهدة، بل السياسات القائمة على الإنكار والتوسع والاستثمار في الإرهاب. وفي مواجهة هذا الواقع، ينبغي على المجتمع الدولي أن يكف عن ازدواجية معاييره، وأن يعترف بأن الكرد ليسوا مجرد “شركاء في الحرب على الإرهاب”، بل مكونٌ أساسي في السلام الدائم.
لقد أثبتت تجارب العقود الماضية أن غياب حل عادل للمسألة الكردية يعني بقاء المنطقة رهينة للأنظمة السلطوية والجماعات المتشددة، وأن قيام دولة كردية ديمقراطية ليس فقط حقاً تاريخياً، بل ضرورة سياسية لمواجهة التشدد، ومقدمة لبناء شرق أوسط جديد، يتسع للجميع
#أزاد_خليل (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟