أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - من نحن… ومن يمكن أن نكون؟














المزيد.....

من نحن… ومن يمكن أن نكون؟


أوزجان يشار

الحوار المتمدن-العدد: 8340 - 2025 / 5 / 12 - 08:58
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


وجدت دروس إنسانية مذهلة من كتاب “عشرة أنواع من البشر” لديكستر دياس.
في داخل كلٍّ منا لا تقيم روح واحدة، بل مجموعة من الأصوات والأقنعة والظلال. الإنسان ليس قالبًا واحدًا، بل مسرحًا تتناوب عليه الشخصيات: المنقذ، المعتدي، المعين، القاضي، الضحية، والمحارب. كلٌّ منهم يُطلّ بحسب ما تُمليه اللحظة من ألمٍ أو أمل. لسنا شيئًا ثابتًا، بل مشروعًا مستمرًا، يتشكّل ويتحوّل مع كل تجربة.

حين نفهم أن الشخصية ليست قالبًا جامدًا بل نسيجًا متحركًا من الانفعالات والتجارب، نزداد بصيرة في الحكم على أنفسنا والآخرين. من نراه ضعيفًا اليوم، قد يكون بطلًا غدًا، والعكس صحيح. إن محاولة تصنيف الإنسان بموقفٍ واحد تشبه اختزال البحر في قطرة، والعاصفة في تنهيدة.

وإذا كان السلوك هو اللغة التي ننطق بها وجودنا، فإن البيئة هي القاموس الذي نُعِدّه دون وعي. من أين جاء هذا الفعل؟ ما السياق الذي شكّله؟ قبل أن نحكم، فلنقترب. ليس كل من أخطأ شريرًا، وليس كل من جرح قاسيًا. أحيانًا لا تكون الأفعال انعكاسًا للنية، بل نداءً خفيًا من بيئة اختنقت بالضغوط والحرمان.

والتعاطف، ذلك النور الذي نحمله كي لا نغرق في الظلام، ليس موهبة بل مهارة، يمكن تهذيبها كما نُهذّب النظر. أن نضع أنفسنا في حذاء الآخر لا يعني أن نتنازل عن حذائنا، بل أن نخطو خطوة نحوه، ونرى. التعاطف وعي، وليس شفقة. جسدٌ يلتفت لا جسدٌ يحنو فقط.

أما المرونة، فهي ليست صلابة خارقة بل سلسلة من النهوضات الداخلية. ليس الناجون أبطالًا خياليين، بل أناسٌ تعلموا من السقوط كيف يصبحون أكثر وعيًا بمكانهم من الأرض. الصدمة لا تقتل دائمًا، بل أحيانًا تعيد تشكيلنا على نحوٍ أنبل، إن أحسنا الإصغاء لما خلف الألم.

لكن علينا أن نُمسك بمرآتنا الأخلاقية كل حين، ونسأل: هل نحن حقًا عادلون في أحكامنا؟ أم أننا نحمل قضاةً صغارًا في داخلنا، تحركهم العاطفة والانحياز؟ أن نعي ميلنا للانحراف الأخلاقي أحيانًا هو أول الطريق نحو عدالةٍ حقيقية لا تُبنى على وهم.

وفي زحمة العالم، قد تكون اللمسة البسيطة هي ما يصنع الفرق. لا حاجة إلى منبر أو سلطة أو شهرة كي نُحدث الأثر. أحيانًا تكفي كلمة صادقة، أو لحظة صمت تنقذ من الانهيار. المُعين الحقيقي لا ينتظر الأضواء، بل يتحرك عندما يوقظه ضميره من غفوته.

نملك قدرة عظيمة — لكنها مخيفة — على إعادة خلق أنفسنا. لسنا محكومين بسلاسل الماضي، بل نستطيع أن نعيد تشكيل “من نكون” كلما امتلكنا شجاعة الاختيار. في داخل كلٍّ منا مشروع إنسان لم يكتمل بعد، مشروع يُنقّح، يُعدّل، يُصقل.

غير أن السلطة، متى مُنحت، لا تُظهر فقط ما كنا نخفيه، بل تعيد تشكيلنا. “المُسيطر” قد لا يكون وحشًا كامنًا فينا، لكنه يظهر حين لا نُراقب أنفسنا. السلطة اختبار داخلي بقدر ما هي مسؤولية خارجية. الوعي بها يبدأ من الداخل، لا من منصات الحكم فقط.

أما الخوف، هذا المارد الذي يسكن الزوايا، فقد يُنتج العنف كما يُنبت البطولة. المُهاجم أحيانًا لا يهاجم لأنه شرير، بل لأنه مذعور. والخائف قد يكون هو ذاته من يدافع عن غيره لاحقًا. من رحم الخوف تولد الشجاعة كما يولد الجنون، والفارق هو وعي اللحظة.

وأخيرًا، العدالة ليست فكرة مثالية، بل فعل بشري متكرر. كل مرة نرفض فيها السكوت عن ظلم، كل مرة نحترم فيها شخصًا لا يملك صوتًا، نحن نمارس العدالة. لا نحتاج إلى محكمة لنكون منصفين، بل إلى ضمير لا يتعب من الوقوف، ولو في التفاصيل.

ديكستر دياس لا يكتب عن أنماط مجردة، بل يرسم ملامح الإنسان في أقسى لحظاته وأكثرها إنسانية. في زنزانة مظلوم، في عيني لاجئ، في موقف بسيط يمر دون أن تلتقطه الكاميرا، لكنه يُغير مصيرًا.
ليست هذه دعوة للتصنيف، بل دعوة للتأمل: من نحن، حين نكون وحدنا؟ ومن نجرؤ أن نكون، حين يُعاد اختبار إنسانيتنا؟



#أوزجان_يشار (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قيادة السيارة إنعكاس للشخصية: بين السلوك المتحضر والمتهور
- حين يُزهر الوعي: بين النور الداخلي وعتمة الانفصال
- المدينة بين الاختناق والنجاة: حين يتحوّل الإسمنت إلى مرآة لل ...
- من يطفئ العالم… ويشعل أرباحه؟ الكارثة كأداة تحكم، والخداع كا ...
- السلوك جوهر الدين: قصة النفاق الديني عبر الثقافات
- أنا في المقصورة الأخيرة: بين حرية الأبناء وألم تراجع مكانة ا ...
- العقول التي تُحدث الفرق: في فلسفة التأثير وأوهام الاستغناء
- فن الإدارة الصعبة: حين يصبح الإبداع سيفًا، والكرامة المهنية ...
- التنين يمد جناحيه: حين تتجاوز الصين ميزان القوى
- ترامب والكوكلس كلان الجديد: بين فاشية القرن الحادي والعشرين ...
- من هو المسيح الدجال؟ تأملات في زمن الذكاء المصطنع والضمير ال ...
- البروباغاندا: تغييب الوعي وصناعة مجتمعات القطيع
- الصليب في البيت الأبيض: حين تتسلّل الأيديولوجيا الدينية إلى ...
- العقل قبل الجينات
- دونالد ترامب وظلّ القناع الأبيض: هل يقود أمريكا إلى لحظة غور ...
- احتلال فرنسا للجزائر: الأسباب، التوابع، والرفض المستمر للاعت ...
- مهرجان من أمنيات مؤجلة
- العائلات الثرية وفرضية “المليار الذهبي”: رؤية تحليلية شاملة
- تداعيات الرسوم الجمركية على الاقتصاد الأمريكي
- سلوك العمل الجماعي: بين الإبداع والاندفاع


المزيد.....




- ليبيا.. لقطات لاقتحام مقرات -الدعم والاستقرار- وتحرير محتجزي ...
- مشاهد مرعبة.. العثور على شقيقتين مقيدتين في -سجن خاص- قذر ح ...
- إدارة ترامب تمنع وكالات الأنباء من مرافقة الرئيس في رحلته إل ...
- موسكو: مناورات الدول الغربية في ليتوانيا موجهة ضدنا ونتخذ إج ...
- بينها دول عربية.. أفضل 20 مطارا في العالم لعام 2025
- الصين تطلق بنجاح قمرا للاتصال إلى المدار الفضائي
- وزارة الدفاع التابعة لحكومة الوحدة الوطنية في ليبيا تعلن انت ...
- إعلام: نهج نظام كييف أدى إلى انقسام بين الولايات المتحدة وأو ...
- بالفيديو.. نجاة مراهقة وسيارتها من الغرق بطريقة غريبة في الو ...
- غرينلاند تتولى رئاسة مجلس القطب الشمالي نيابة عن الدنمارك


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - أوزجان يشار - من نحن… ومن يمكن أن نكون؟