أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر قطيشات - -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!














المزيد.....

-التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!


ياسر قطيشات
باحث وخبير في السياسة والعلاقات الدولية

(Yasser Qtaishat)


الحوار المتمدن-العدد: 8339 - 2025 / 5 / 11 - 21:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يعد التديّن، في كثير من دوائر القرار الغربي، مجرد مسألة روحية أو شخصية، بل تحوّل إلى أداة أيديولوجية تُستخدم لتبرير مشاريع الهيمنة والغزو، خاصة في الشرق الأوسط، وأقصد بـ"التديّن الإمبريالي" هو ذلك النمط من الخطاب الذي يُلبس السياسات الاستعمارية لبوساً دينياً مقدّساً، مستنداً إلى نبوءات توراتية أو رؤى لاهوتية عن نهاية الزمان.
في هذا السياق، تصبح الحروب "مهمات مقدسة"، والاحتلال تحقيقاً "لإرادة إلهية"، وهو ما يُشكّل أخطر أنواع الشرعنة للعدوان باسم الدين، ويعيد إنتاج خطاب "الغزو المقدّس" بثوب معاصر يتقاطع فيه اللاهوت مع الجيوسياسة.
فهل ثمة علاقة بين النبوءات الدينية والسياسات الإسرائيلية والأمريكية في الشرق الأوسط، وهل ما يحدث اليوم توظيف سياسي لنبوءات لاهوتية! وهل نحن أمام صراع مصالح، أم حروب عقائدية؟
العديد من دوائر تنفيذ القرار الديني والسياسي الغربي، خاصة الأمريكي، تعتبر نفسها "مرسلة" لتنفيذ مشيئة إلهية، كما عبّر عن ذلك صراحة الرئيس الأمريكية ترامب، أو سفيره في "إسرائيل" (مايك هاكابي) "سنحقق شيئا ذا أبعاد توراتية بالشرق الأوسط في ظل إدارة ترمب"، وأضاف لاحقاً: "انتصارات إسرائيل وبقاءها لان يد الله فيها .. الله اختار هذه الأرض كي تكون موطنا للشعب اليهودي .. التحالف الأمريكي الإسرائيلي هو تحالف ديني وليس سياسي.."
في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك تيار قوي يُعرف بـ"المسيحية الصهيونية (Christian Zionism) يبرز دوماً خطاب نهاية الزمان في السرديّات السياسية، ويؤمن أتباعه بأن عودة اليهود إلى "أرض الميعاد" وإقامة دولة إسرائيل هو تحقيق لنبوءات توراتية، تمهيدًا لـ"نهاية الزمان" وعودة المسيح.
هذه الرؤية شائعة بين بعض القيادات السياسية المؤثرة، خاصة في اليمين المحافظ، وتدفع هذا التيار إلى دعم إسرائيل بشكل غير مشروط، لأنه يُنظر إليها كأداة لتحقيق مشيئة إلهية حسب اعتقادهم! كما يتم توظيف مفاهيم مثل "هرمجدون" و"المعركة الأخيرة" كتبريرات لأعمال عسكرية أو تدخلات في الشرق الأوسط.
في عهد الرئيس "رونالد ريغان"، قال في إحدى المقابلات عام 1980م، إنه يعتقد "أننا نعيش في "نهاية الأيام" بحسب الكتاب المقدّس، وأن الاتحاد السوفيتي وإيران يمثلان قوى الشر التي ستخوض معركة "هرمجدون"!
أما "جورج بوش الابن"، فوصف حرب غزو العراق عام 2003، بأنها "مهمة ذات طابع مقدّس"، كما استخدم عبارات دينية مثل "الله أمرني بمحاربة الإرهابيين"!. أما "مايك بينس" (نائب الرئيس ترامب) يرى أن دعم إسرائيل ليس فقط مسألة سياسية بل "وصية إلهية"!
هذه المواقف، وغيرها الكثير، ليست فقط شخصية، بل تؤثر على السياسات الخارجية، وتُستخدم لتبرير الحروب وتغذية فكرة "الخير ضد الشر" بنَفَس توراتي!
أما في "إسرائيل"، كدولة مصطنعة، غالباً ما تُقدِّم نفسها كدولة علمانية، لكنها تستفيد سياسياً من الدعم الأمريكي القائم على أساس ديني، فأغلب الجماعات الدينية والسياسية تؤمن بأنها في "فترة تحقيق النبوءات"، خاصة ما يخص "بناء الهيكل الثالث" المزعوم في القدس، حيث تعمل الأحزاب الدينية على إعداد الأدوات اللازمة لبناء الهيكل في موقع المسجد الأقصى، انطلاقاً من إيمانهم بأن ذلك سيسرّع من مجيء "المسيح المنتظر"!
وبعض الأحزاب الدينية في الكنيست (مثل "يهودوت هتوراه" و"شاس") تتبنى خطاباً يشير بوضوح إلى أن "إسرائيل" الحالية هي نواة مملكة داوود الموعودة"!.
وفي عام 2023، وصف رئيس وزراء الكيان "بنيامين نتنياهو" الحرب على غزة بأنها "مواجهة بين أبناء النور وأبناء الظلام"، وأضاف: "سنحقق نبوءة إشعياء، لن تسمع بعد، خراباً في أرضك، سنمنح المجد لشعبك، سنقاتل معاً وسننتصر". وعام 2024، قال "نتنياهو"؛ "كما هو مكتوب في التوراة سألاحق أعدائي وسأقضي عليهم".
بات من الواضح أن توظيف النبوءات الدينية في القرارات الدولية، خاصة في الغرب و"إسرائيل"، لم يعد ظاهرة هامشية بل سياسة ممنهجة، وإن ربط السياسات الدولية بالعقائد الدينية يُسهم في تغذية الصراعات ويبررّ القتل والعنف والظلم باسم "الإله"، وبقالب روحي خالص، كما يُحوّل الجغرافيا السياسية إلى حلبة معركة لاهوتية.
وقد اعتبر العديد من المفكرين العرب أن هذا التوظيف الديني في الغرب ليس تعبيراً عن إيمان، بل سلاح أيديولوجي يُستخدم ضد العرب والمسلمين، والحل، كما يرون، ليس فقط في نقد هذا الخطاب، بل في تحرير الوعي العربي من التبعية له، وبناء مشروع حضاري مستقل.
فالمفكر "محمد عابد الجابري" انتقد توظيف الدين في السياسة، واعتبر أن الخطاب الديني الذي يستخدم النبوءات يُكرّس التبعية والتخدير، بدلاً من تحفيز الشعوب على النهوض. أما "إدوارد سعيد" فقد وضّح في كتابه "تغطية الإسلام"، كيف يتم استخدام الصور النمطية الدينية عن العرب والمسلمين في الإعلام الأمريكي لتبرير السياسات العدائية.
فيما تحدّث المؤرخ اللبناني "جورج قرم" عن "العلمانية المزيفة" في الغرب، التي تدّعي الحياد، بينما توظّف الدين في خدمة المصالح الاستراتيجية، خصوصاً في دعم إسرائيل.
ما تحتاجه المنطقة، ليس فقط تفكيك هذا الخطاب بل مقاومة تبعيته، عبر وعي نقدي، ومشروع نهضوي مستقل، يُحصّن العقل العربي من الانخداع بالشعارات الروحية المزيفة، ويُعيد بناء الحضور الحضاري والإنساني للعرب والمسلمين على أساس أخلاقي وسياسي مستقل.
والمعركة العربية مع مشروع "التدّين الإمبريالي" ليست فقط سياسية أو عسكرية، بل فكرية وثقافية في العمق، وأي مواجهة فعالة يجب أن تبدأ بتحرير العقل العربي من أوهام التبعية، وبناء خطاب عربي إنساني، عقلاني، مقاوم، لا ينجر إلى ثنائيات "النور والظلام" بل يُعيد توجيه البوصلة نحو العدالة والحرية وكرامة الشعوب.



#ياسر_قطيشات (هاشتاغ)       Yasser_Qtaishat#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حين تحدث الفلاسفة بالعربية: أثر الإسلام في الفلسفة الغربية
- الصين والولايات المتحدة: إدارة النفوذ بين الاحتواءِ والصراعِ
- بين -عبقرية المكان وانتقام الجغرافيا- نظرة -كابلان وحمدان- ل ...
- الأردن وهواجس -ترامبسفير- غزة الخيارات الوطنية لمواجهة المخط ...
- الأردن وريادة دعم حقوق ذوي الإعاقة إنجازات مشرّفة.. ونماذج إ ...
- مآلات ومستقبل الدولة السورية ما بعد الاتفاق: شروط وتحديّات
- الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا ومستقبل البحث العلمي الرقمي: ا ...
- طهران وتل أبيب.. من حروب الظل إلى رسائل النار
- -المجمع الصناعي العسكري- الأمريكي وتجارة الحروب
- ما بعد -الطوفان- .. مصير الكيان والمنطقة!
- انحياز النظام الغربي ضد الإنسانية !
- -هولوكوست- غزة وجريمة الصمت العربي والدولي !
- -طوفان الأقصى- والعدوان على غزّة: سياقات الصراع وسيناريوهات ...
- سياقات الموقف الأردني من العدوان على غزة: الخيارات الصعبة بي ...
- الانسحاب الأخير وغياب البديل !!
- الأردن ودول الخليج: معادلة الأمن والسياسة ومُعضلة والاقتصاد
- الدولة والمواطن .. كيف يكون المجتمع المدنيُّ رديفاً للدولةِ؟
- فلسفة الانتحار .. لحظةٌ فاصلةٌ بين المواجهة وتجربة الموت!
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم ! الجزء الثاني
- التوظيف السياسي للدين : لعبة الأمم !! الجزء الأول


المزيد.....




- أستراليا.. ألبانيزي يستبعد وزيرا مسلما وآخر يهوديا من حكومته ...
- كيف كانت علاقة بن لادن بالجماعات الجهادية خلال تواجده في الس ...
- بابا الفاتيكان الجديد ليو الرابع عشر: ما أكبر التحديات التي ...
- تردد قناة طيور الجنة الحديث على النايل سات والعرب لضحك الأطف ...
- مستوطن إسرائيلي يحاول إدخال قربان إلى المسجد الأقصى
- أطفالك هيتسلوا بأحلى الأغاني.. استقبل تردد قناة طيور الجنة ا ...
- بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر يعقد أول مؤتمر صحفي له منذ تنص ...
- الأزهر يبارك والصحفيون يتحفظون.. قانون الفتوى يثير الجدل في ...
- اضبط الآن بجودة عالية.. تردد قناة طيور الجنة 2025 الجديد على ...
- استقبلوا الفرح في بيوتكم.. ثبت دلوقتي تردد قناة طيور الجنة ا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسر قطيشات - -التديّن الإمبريالي-: حين تُصبح الحروب مقدّسة!