سامي خاطر
الحوار المتمدن-العدد: 8338 - 2025 / 5 / 10 - 03:00
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تشهد المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى لحظة حاسمة بعد انتهاء الجولة الرابعة من المحادثات، وسط حالة من الغموض والتباين في التقديرات حول مدى تقدمها أو تعثرها؛ فقد جاءت هذه الجولة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، واستمرار العقوبات الاقتصادية على طهران، وتزايد الضغوط الداخلية على الأطراف المعنية بالصراع مما يجعل التساؤل حول مصير هذه المفاوضات أمراً ملحًا.
حول مصير الجولة الرابعة؛ تقدمٌ نسبي أم تعثرٌ مستمر؟
مع نهاية الجولة الرابعة، خرجت التصريحات من الوفود المشاركة بنبرة حذرة. ففي حين تحدثت بعض العواصم الغربية عن "بوادر إيجابية" و"نقاط تقارب" أكدت مصادر أخرى أن الفجوات الجوهرية لا تزال قائمة، لا سيما فيما يتعلق بآلية رفع العقوبات، وضمانات عدم خرق الاتفاق من جديد، ومستوى تخصيب اليورانيوم الذي تسعى إيران للاحتفاظ به.
إيران من جهتها تصر على رفع شامل وفوري للعقوبات الاقتصادية بما يشمل تلك المفروضة في عهد إدارة ترامب، بينما تطالب الولايات المتحدة وشركاؤها بضمانات واضحة لامتثال طهران لكافة بنود الاتفاق بما في ذلك التزاماتها تجاه الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
عوامل تؤثر في مصير المفاوضات
1. الداخل الإيراني: تواجه الحكومة الإيرانية ضغوطًا متزايدة من التيار المتشدد الرافض لأي تنازل، وفي ظل تدهور الوضع الاقتصادي وتراجع قيمة العملة المحلية يبدو نظام الملالي أمام معادلة صعبة بين تلبية المطالب الشعبية وتحقيق مكاسب تفاوضية دون الظهور بمظهر المتنازل.
2. التقلبات الدولية: الأزمة في أوكرانيا، والتوترات بين القوى الكبرى، والتحالفات الجديدة في المنطقة كل ذلك يؤثر على توازنات القوى داخل قاعة التفاوض ويزيد من تعقيد المشهد الدبلوماسي.
3. الوقت: يلعب العنصر الزمني دورًا جوهريًا إذ أن أي تأخير إضافي قد يؤدي إلى فقدان الزخم الدبلوماسي، ويفتح الباب أمام خيارات أخرى قد تكون عسكرية أو اقتصادية أكثر حدة.
السيناريوهات المحتملة
أمام المفاوضات النووية بعد الجولة الرابعة ثلاث مسارات رئيسية:
• التوصل إلى اتفاق مرحلي: قد يتم التفاهم على خطوات جزئية تسمح ببناء الثقة مثل تجميد أنشطة التخصيب مقابل رفع محدود للعقوبات.
• تجميد المفاوضات مؤقتًا: قد يتم تعليق الحوار نتيجة للخلافات انتظاراً لظروف أكثر ملاءمة سياسيًا، سواء داخل إيران أو في الغرب.
• انهيار كامل للمفاوضات: وهو سيناريو خطير قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد، وربما إلى مواجهة مباشرة في المنطقة.
يتضح مما سبق أن مصير المفاوضات النووية بعد الجولة الرابعة لا يزال معلقًا بين الأمل والقلق. فبينما تشير بعض المؤشرات إلى رغبة مشتركة في تجنب التصعيد، يبقى الطريق إلى اتفاق شامل مليئًا بالعقبات التقنية والسياسية. وما لم تُظهر الأطراف مرونة حقيقية في الملفات الجوهرية، فإن فرص التوصل إلى حل دبلوماسي قد تتلاشى لصالح مواجهات لا تخدم أحدًا.
كيف يقرأ نظام الملالي مسار المفاوضات؟
نظام الملالي يقرأ مسار المفاوضات النووية من زاويتين مترابطتين: زاوية استراتيجية ترتبط ببقائه واستمراره في الحكم، وزاوية تكتيكية تتعلق بكسب الوقت وتحقيق مكاسب اقتصادية دون تقديم تنازلات جوهرية، وفيما يلي تفصيل لكيفية قراءته للمسار الحالي للمفاوضات بعد الجولة الرابعة:
1. المفاوضات كأداة لإدارة الأزمة وليس لحلها
لا يرى نظام الملالي في المفاوضات وسيلة للتوصل إلى اتفاق نهائي فقط، بل أداة لإدارة التوازنات الداخلية والخارجية. فكل جولة مفاوضات تُستخدم لكسب الوقت، وتخفيف الضغوط الاقتصادية، واحتواء الشارع الإيراني الغاضب، دون تقديم تنازلات تمس جوهر المشروع النووي أو النفوذ الإقليمي للنظام.
القراءة الاستراتيجية للنظام: كلما طال أمد المفاوضات دون انهيارها، زادت فرصه في التقدم تقنيًا في برنامجه النووي، وفي الوقت نفسه إبقاء المجتمع الدولي في موقع المتأمل أو المتفرج.
2. استثمار الانقسامات بين القوى الكبرى
يرى النظام الإيراني فرصة في التناقضات بين مواقف الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، ومن خلال هذه الفجوة يحاول تقليل الضغوط الجماعية وكسر الإجماع الدولي، وتقديم نفسه كشريك يمكن التفاوض معه في ملفات أوسع خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية العالمية.
3. توظيف المفاوضات داخليًا
يركز نظام الملالي على تقديم المفاوضات للرأي العام الإيراني كمظهر استعراضي لـ "قوة نظام الملالي التفاوضية" وليس كتنازل؛ فالإعلام الرسمي يروج لفكرة أن إيران "فرضت نفسها على القوى الكبرى"، وأن العودة إلى طاولة الحوار جاءت بشروطها. كما تُستخدم نتائج أي انفراجة جزئية مثل الإفراج عن أموال مجمدة لتحسين صورة النظام داخليًا.
4. اللعب على حافة الهاوية
يدرك نظام الملالي أن الأطراف الغربية وخصوصًا واشنطن لا ترغب في انفجار الموقف عسكريًا لذلك يعتمد على سياسة "رفع سقف التخصيب" أو تهديد التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كورقة ضغط لكسب تنازلات دون تصعيد حقيقي، وهي استراتيجية محسوبة بدقة بين التهديد والاحتواء.
5. الحذر من الانقسام الداخلي
رغم سيطرة التيار المتشدد يخشى نظام الملالي من أي تنازل قد يُفسر كضعف أمام الغرب. لذلك فإن أي تقدم في المفاوضات يجب أن يُقدَّم بغطاء أيديولوجي يرضي قوات حرس نظام الملالي، ومراكز القوة داخل هذا النظام الفاشي الأمر الذي يفسر البطء والتصلب في بعض الملفات.
نستنتج مما سبق أن نظام الملالي لا يرى في المفاوضات مسارًا شفافًا لحل الأزمة النووية، بل معركة نفسية واستراتيجية لإطالة أمد النظام، وفرض واقع نووي جديد دون إثارة مواجهة شامل؛ لذلك فإن سلوكه التفاوضي سيظل مترددًا، ومزدوج الرسائل وقائمًا على سياسة "لا اتفاق.. ولا قطيعة".
كيف يقرأ الجانب الأمريكي مسار المفاوضات النووية مع نظام الملالي
تقرأ الولايات المتحدة مسار المفاوضات النووية مع النظام الإيراني من زاويتين أساسيتين: الأمن القومي الإقليمي والدولي، والاعتبارات السياسية الداخلية والخارجية. وتُظهر هذه القراءة مزيجًا من الحذر، وعدم الثقة، والواقعية السياسية للأسباب التالية:
1. فقدان الثقة الاستراتيجي في نوايا نظام الملالي
من وجهة نظر واشنطن لم يعد نظام الملالي يُنظر إليه كطرف يمكن الوثوق به في تنفيذ اتفاق طويل الأمد. فبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي عام 2018 في عهد ترامب، ثم تسارع نظام الملالي في تخصيب اليورانيوم وعرقلة أعمال الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ تعززت قناعة صناع القرار الأميركي بأن طهران تسعى للوصول إلى "عتبة نووية" دون نية حقيقية للتخلي عن هذا الطموح.
القراءة الأميركية: إيران تريد اتفاقًا يوفر لها مكاسب اقتصادية دون التخلي الفعلي عن البنية التحتية لسلاح نووي محتمل.
2. الرغبة في تجنب الحرب ولكن دون تقديم تنازلات مجانية
لا تريد واشنطن نزاعًا عسكريًا جديدًا في الشرق الأوسط، خصوصًا في ظل أولويات استراتيجية أخرى مثل المنافسة مع الصين والحرب في أوكرانيا. لكنها في الوقت ذاته ترفض العودة إلى اتفاق عام 2015 بالشكل القديم دون تحديثات جوهرية تتعلق بمدة الاتفاق، وبرامج الصواريخ الإيرانية وسلوك النظام الإيراني إقليمياً.
الرسالة الواضحة: لا عودة للاتفاق السابق بدون تحسينات... ولا رفع شامل للعقوبات دون التزامات صارمة.
3. المفاوضات كوسيلة لاحتواء التهديد وليس لإنهائه
ترى الولايات المتحدة أن المفاوضات وسيلة لشراء الوقت، ولمنع إيران من الوصول الفوري إلى سلاح نووي، حتى لو لم تنجح في إنهاء المشروع الإيراني بالكامل. وهذا ما يفسر الحديث الأميركي المتكرر عن "خطة بديلة" و"الخيار العسكري مطروح على الطاولة" دون تفعيله.
4. حسابات السياسة الداخلية
أي اتفاق مع ملالي إيران حساس سياسيًا في الداخل الأميركي خاصة في ظل وجود انتقادات من أي تقارب مع طهران أو تقديم "تنازلات". لذلك فإن الإدارة تسير في حقل ألغام سياسي، وتحاول ألا تُظهر مرونة مفرطة يمكن استغلالها سياسياً.
5. التنسيق مع الحلفاء والضغط المتعدد الأطراف
تعتمد الولايات المتحدة بشكل كبير على التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين وإسرائيل في التعامل مع إيران، وتحاول بناء شبكة ضغط متعددة الأطراف تشمل أيضًا قنوات دبلوماسية خلفية، وعقوبات اقتصادية، وخيارات ردع غير مباشرة لتطويق سلوك النظام الإيراني.
يتضح هنا أن الولايات المتحدة تقرأ المفاوضات النووية مع نظام الملالي كـ عملية معقدة تُدار بتوازن بين الردع والتفاوض، وبين الحذر والانخراط، وبين الواقعية السياسية والطموحات الأمنية. ولذلك فإنها تتحرك ببطء وتُبقي جميع الخيارات مفتوحة مراقبةً سلوك ملالي إيران على الأرض أكثر من الوعود على طاولة التفاوض.
آفاق المفاوضات النووية بين أمريكا والملالي
تمثل المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة ونظام الملالي في بعض الأوساط، أحد أكثر الملفات الدولية تعقيدًا وحساسية في العصر الحديث؛ فبعد سنوات من الشد والجذب والوصول إلى اتفاق تاريخي عام 2015، ثم الانسحاب الأمريكي منه عام 2018، تجد الأطراف نفسها أمام آفاق معلقة تكتنفها الشكوك والتحديات المتزايدة.
لقد كان إحياء الاتفاق النووي هدفًا رئيسيًا لدى إدارة بايدن عند توليها السلطة إيمانًا منها بأنه أفضل السبل لتقييد البرنامج النووي الإيراني ومنع طهران من امتلاك سلاح نووي، وقد شهدت الأشهر الأولى من ولايته جولات من المحادثات غير المباشرة في فيينا بوساطة أوروبية بدا أنها تحرز تقدمًا نسبيًا.. إلا أن هذه الآمال سرعان ما تضاءلت بفعل التصلب المتزايد في المواقف من كلا الطرفين؛ فملالي إيران تحت قيادة الهالك رئيسي كانت أكثر تمسكًا بمطالبها بما في ذلك الحصول على ضمانات قوية بعدم انسحاب أي إدارة أمريكية مستقبلية من الاتفاق مرة أخرى، ورفع جميع العقوبات بشكل كامل وفعال، وفي المقابل واجهت إدارة بايدن ضغوطًا داخلية كبيرة من الجمهوريين وبعض الديمقراطيين الذين شككوا في جدوى العودة إلى الاتفاق بشروطه الأصلية مطالبين بمعالجة قضايا أخرى مثل برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني، ودعم الجماعات المسلحة في المنطقة؛ فضلاً عن أن التطورات الإقليمية المتسارعة لعبت دورًا معقدًا في هذه المفاوضات.. فالصراع المستمر في اليمن، والتوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران ووكلائها، والأزمات الداخلية في بعض دول المنطقة كلها عوامل تزيد من صعوبة بناء الثقة وتهيئة بيئة إيجابية للمحادثات. فكل طرف ينظر إلى المفاوضات النووية من منظور أوسع يتعلق بأمنه ومصالحه الإقليمية مما يجعل التوصل إلى حلول وسط أمرًا بالغ الصعوبة، كما أن العامل الدولي لا يقل أهمية فالحرب في أوكرانيا وتداعياتها على العلاقات بين الغرب وروسيا التي كانت طرفًا في الاتفاق النووي أضافت طبقة أخرى من التعقيد، كما أن مواقف الصين كقوة دولية كبيرة وشريك تجاري رئيسي لإيران لها تأثيرها على مسار المفاوضات.
في ظل هذه التحديات تبدو آفاق المفاوضات النووية بين أمريكا والملالي ضبابية وغير مؤكدة، وهناك سيناريوهات متعددة محتملة:
• سيناريو الإحياء الجزئي أو المؤقت للاتفاق: قد يتم التوصل إلى اتفاق مرحلي أو محدود يركز على بعض جوانب البرنامج النووي مقابل تخفيف جزئي للعقوبات بهدف كسب الوقت ومنع التصعيد النووي.
• سيناريو الجمود والتصعيد: في حال استمرار تصلب المواقف وعدم قدرة الأطراف على تقديم تنازلات قد يستمر الوضع الراهن من الجمود مع خطر متزايد لتصعيد التوتر في المنطقة واحتمالية لجوء إيران إلى خطوات نووية أكثر تقدمًا.
• سيناريو انهيار المفاوضات: إذا وصلت المحادثات إلى طريق مسدود بشكل نهائي فقد يدفع ذلك كلا الطرفين إلى تبني استراتيجيات أكثر تصادمية مما يزيد من خطر المواجهة العسكرية.
• سيناريو اتفاق جديد بشروط مختلفة: على المدى الطويل قد تظهر إمكانية لإطلاق مفاوضات جديدة تهدف إلى التوصل إلى اتفاق أكثر شمولية يعالج المخاوف الأمريكية والإقليمية الأوسع، ولكنه يتطلب تغييرات جذرية في مواقف الأطراف المعنية.
خلاصة القول إن آفاق المفاوضات النووية بين أمريكا والملالي ضبابية، وإن التوصل إلى اتفاق شامل أو حتى مؤقت مرهون بتحولات سياسية في أمريكا وإيران، وإن تصاعد التوترات الإقليمية يجعل فرص النجاح أقل، ويبدو أن الطرفين يفضلان "إدارة الأزمة" بدلًا من حلها ما يعني أن الوضع مرشح لمزيد من التصعيد أو الجمود، وهذه المفاوضات معلقة بين الأمل في إيجاد حل دبلوماسي يجنب المنطقة والعالم خطر الانتشار النووي، وبين واقع جيوسياسي معقد ومليء بالتحديات التي تجعل تحقيق هذا الهدف أمرًا بالغ الصعوبة، ويبقى المستقبل مرهونًا ليس بقدرة الأطراف على تجاوز خلافاتها وتقديم تنازلات مؤلمة من أجل تحقيق الاستقرار والأمن الإقليمي والدولي وإنما بصدق هذه الأطراف بشأن حقائق ما يجري في المنطقة.
على الصعيد الشخصي واستناداً إلى رأي الكثير من الخبراء أن كلا الطرفين كما أسلفنا لا يريدان حلاً بل يريدان إدارة الأزمة وتستمر محنة الشعب الإيراني وشعوب المنطقة.. وبالتالي لا حل سوى أن يفرض الشعب الإيراني سياسة الأمر الواقع على الجميع كما فرضها في ثورة فبراير عام 1979 قبل أن يحتال الملالي بمساعدة الغرب ويصادرون ثورة الشعب.. لا خيار سوى ثورة شعبية تحرق الأرض تحت أقدام الجميع وتذهب بالملالي إلى الجحيم، وتؤسس لإيران جديدة وفق برنامج المواد العشر الذي طرحته وتتبناه السيدة مريم رجوي، وهذا أمرٌ ممكن وأقل تكلفة مما يدور منذ زمن طويل تحت مسمى المفاوضات.
لا حلول ولا خيارات استنادا إلى ما نراه من مناورات واستعراضات كاذبة بين المتفاوضين.. الحلول بيد الشعب ومقاومته ولا حل بعيدا عنهم..
#سامي_خاطر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟