|
رهينة الحلف الطائفي
جهاد الرنتيسي
الحوار المتمدن-العدد: 1805 - 2007 / 1 / 24 - 12:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
اقترب تأرجح الحكومة العراقية من حدوده القصوى مع وصول السجال السياسي بين جورج بوش ونوري المالكي الى ذروته ، واتساع هامش التوقعات الى مديات غير مسبوقة ، والاحتمالات المرافقة لاعلان الادارة الاميركية عن استراتيجيتها الجديدة حول العراق ، وتسارع دوران عجلة العنف اليومي . فما اظهرته الاتهامات المموهة ـ التي جرى التراجع عنها في وقت لاحق ـ يوحي بانكشاف جوهر ازمة العملية السياسية الذي جرى التستر عليه منذ تشكيل حكومة المالكي . والحديث عن جوهر الازمة يقود الى مسالك لم يعد ولوجها من محرمات التفكير السياسي مع تراكم ظواهر الفرز الطائفي . ومن بين المسالك المطروقة لبعض القوى السياسية العراقية ، ومعايني المشهد السياسي العراقي المقدمات التي سبقت تشكيل حكومة المالكي ، وتفرع عنها العجز الحكومي عن معالجة ملف حل المليشيات ، والشكوك المحيطة بصدق نوايا حكومة المالكي في وضع حد للفعل المليشيوي ، وتوفر الغطاء الحكومي للممارسات المليشوية . ولاختيار هذه المسالك لدى تشخيص الحالة العراقية الراهنة ما يبرره ، فالنتائج تبقى رهينة للمقدمات مالم تدخل على السياق العام متغيرات خارجية ، او تحدث تفاعلات دراماتيكية داخلية . وبقراءة سريعة لهذه المقدمات يطفو على السطح دور التيار الصدري في ترجيح كفة المالكي خلال مشاورات تشكيل حكومة الائتلاف الشيعي الثانية . ولتفضيل المالكي على الجعفري وغيره من مرشحي الائتلاف دوافع اتضحت من خلال اداء الحكومة التي جرى تشكيلها فيما بعد ، والممارسات اليومية للتيار الصدري ، وجيش المهدي الذي يتبعه . فقد شهد النصف الثاني من العام الماضي تصعيدا غير مسبوق في العنف الطائفي، ومؤتمرات مصالحة وطنية ذات طابع احتفالي ، وتبدد وعود حل المليشيات ، وبقاء قوى سياسية واجتماعية مؤثرة خارج العملية السياسية . ووفر تحول الحكومة الى رهينة في ايدي التيار الصدري مناخا نموذجيا لاعمال القتل والترويع والتهجير التي تنفذها مليشيات جيش المهدي لتغيير التركيبة الديموغرافية في العراق . وبقي الخلاف الذي جرى بين التيار الصدري والمالكي ، وادي الى انسحاب الصدريين بعض الوقت من الحكومة في دائرة اختلاف الشركاء ، فلم يكن الاعتكاف عن المشاركة في اجتماعات الحكومة سوى ورقة ضغط في يد الصدريين ، وحينما ضاقت الانشوطة على عنق الحكومة تراجع الصدريون عن المقاطعة لانقاذها . وككل علاقات الشراكة لا تخلو عودة التيار الصدري الى الحكومة من دوافع ذاتية حيث تضمن مثل هذه الخطوة للصدريين حماية يحتاجها مشروعهم الطائفي مع ظهور بوادر تغيير في السياسة الاميركية . ولذلك لم يكن مستغربا ان توصف عودة الصدريين الى الحكومة بانها مجرد انحناءة امام العاصفة . واللافت للنظر ان هذه الانحناءة لم توقف المخطط الذي يسعى التيار الصدري لتنفيذه ، فقد تواصلت تدريبات قياديي مليشيات جيش المهدي لدى حزب الله اللبناني والحرس الثوري الايراني ، الامر الذي لا يحتمل اكثر من تفسير واحد وهو وجود مهمات مقبلة لجيش المهدي لا علاقة لها بمقاومة الاحتلال ، فالاعتداءات التي تنفذها "فرق الموت" والتهديدات التي يطلقها التيار الصدري تكاد تقتصر على فقراء العرب السنة ، واللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين تقطعت بهم السبل في العراق . وبمعنى اخر انسحب عداء التيار الصدري لسنة العراق على الفلسطينيين والسوريين لمجرد انتماءاتهم الطائفية ، مما يعني المضي بعيدا في عملية الفرز الطائفي والمذهبي ،وعدم قبول اتباع المذاهب الاخرى . وتصلح العلاقة بين حكومة المالكي والتيار الصدري لكي تكون اداة قياس لما يمكن ان يفضي اليه نظام المحاصصة الطائفية الذي بنيت على اساسه العملية السياسية في العراق ، ففي الائتلاف الشيعي قوى سياسية اخرى لديها مليشيات متورطة في اعمال العنف الطائفي ، وتسعى لزيادة حصتها في السياسية . وفي حال استمرار التدهور الامني والسياسي ستجد بقية الاطراف المشاركة في العملية السياسية نفسها مضطرة للتفكيرالجدي في تشكيل مليشيات تعيد لها الاعتبار الذي بات مرتبطا بالقتل الطائفي واستباحة الحرمات . وبقدر استفادة طهران من عملية خلط الاوراق تخشى واشنطن تبعاتها الباهظة رغم تعايش القوات الاميركية في العراق وقوى الائتلاف الشيعي تحت سقف واحد . فلا يخفى على مراكز البحث المؤثرة في القرار الاميركي ان جزء لا يستهان به من الخسائر الاميركية في العراق نتيجة طبيعية للسياسات الطائفية التي تتبعها قوى الاسلام السياسي الشيعي . وساهم استيعاب الادارة الاميركية البطئ لهذه المسالة في دفع الرئيس جورج بوش الى تضمين استراتيجيته الجديدة اشارات الى تشريعات جديدة لتقاسم عائدات النفط بين "جميع العراقيين " واجراء انتخابات لمجالس المحافظات ، ودراسة ادخال تعديلات على الدستور العراقي ، واصلاح قوانين اجتثاث البعث . ولكن اجواء انعدام الثقة بين بوش والمالكي ، وتركيبة الحكومة العراقية ، وتوازنات العملية السياسية ، وقوة دفع الاحداث ، والظروف الاقليمية الراهنة لا توحي بامكانية تنفيذ التطمينات الموجهة للقوى الاجتماعية والسياسية غير الممثلة بالعملية السياسية . ويعزز هذا الاعتقاد الارضية السياسية الرخوة التي يتحرك عليها الرئيس بوش في الولايات المتحدة ، والتبدل المستمر في اولويات سياسته الخارجية ، ومواقف ادارته غير الواضحة تجاه بؤر ملتهبة في المنطقة . وتسوغ ضبابية الرؤية الاميركية التواطؤ مع عملية سياسية عرجاء يدفع العراقيون فواتيرها من لحمهم المتطاير يوميا على ايقاع دوي الانفجارات ، وتوطين النفوذ الاقليمي في بلادهم للحد الذي يختزل معالم الدولة ، ويحولها الى ساحة صراع مفتوحة على المجهول . الا ان وصول مازق المالكي الى ذروته ، وعجزه عن تقديم اية اضافات تحد من انزلاق العملية السياسية الى الهاوية ، وتحول حكومة الانقاذ الوطني الى مطلب شعبي عراقي يبقي الرئيس الاميركي وادارته رهائن حاجات ملحة لاحداث بعض التغييرات التي تمس مكتسبات سياسية راكمتها اطراف الائتلاف الشيعي خلال رئاستها للحكومة .
#جهاد_الرنتيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
استراتيجية اكياس الرمل
-
التحولات الجذرية في السياسة النجادية
-
منزلق الفيدرالية
-
وهم المصالحة الوطنية
-
الشيفرة الايرانية
-
حوارات الوقت الضائع
-
حروب الطوائف
-
رهائن الجغرافيا السياسية
-
صيف دمشق
-
سكة التقسيم
-
خريف السلطة
-
تحولات الغموض
-
لعبة الوقت
-
خطاب الانتحار السياسي
-
في الازمة العراقية
-
عاصفة الفصل الاحادي
-
حكومة مفترق الطرق
-
متاهة الحوار
-
ماراثون البؤر الملتهبة
-
ربيع بيروت
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|