أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - التعليم العالي في ليبيا إلى أين ؟















المزيد.....

التعليم العالي في ليبيا إلى أين ؟


حسين سالم مرجين
(Hussein Salem Mrgin)


الحوار المتمدن-العدد: 8329 - 2025 / 5 / 1 - 18:49
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إن حب الاستقصاء والبحث أصبح جزءًا لا يتجزأ من هويتي كباحث، فهي لا تعترف بالرسميات، فهي قيود تكبل الحقيقة. أتذكر حين طلب مني أحد المسؤولين التوقف عن الكتابة في شؤون التعليم، معتقدًا بأن الخوف سيجد إلى نفسي سبيلا. كان ردي أن التخلي عن الكتابة هو الموت بعينه؛ فأنا أكتب كي لا أموت.
أدرك أن الأوضاع الراهنة قد تبدو قادرة على إسكات صوت كاتب مثلي، ففي غياب الحرية الأكاديمية، تسود القيم الوثنية وتمتد هالة القداسة والحصانة لتطال مسؤولينا. ولكن خشية الله واستشعار المسؤولية التاريخية أمام الأجيال القادمة، وأهمية المصلحة العامة التي أضعها فوق كل المصالح الشخصية أو الفئوية الضيقة، يدفعني للكتابة عن مستقبل التعليم العالي في ليبيا مرة أخرى.
بالرغم من أنني لست بحاجة لتبرير الكتابة عن التعليم العالي، فالوقائع التي نشهدها أعمق من أي وصف. فالحاضر هو المستقبل، ولا تزال تراودني مشاعر القلق والخوف كلما فكرت بمستقبل التعليم العالي في ليبيا، بل والتعليم بكل مستوياته.
لا يزال التعليم يعاني من غياب الرؤية الواضحة والأهداف الواقعية، وكأنه سفينة بلا بوصلة. فمعرفة الاتجاه الصحيح أهم بكثير من السرعة، فهل ينفع الركض إذا كنا نسير في الطريق الخطأ؟
كما أن بعض المسؤولين في وزارة التعليم يحاولون تجاهل أو التقليل من شأن المشاكل التي تواجه التعليم. ففي الوقت الذي تتفاقم فيه التحديات، يركزون بشكل كبير على التصنيفات العالمية والتنافسية بين الجامعات والمجلات العلمية، وكأن تحقيق هذه الأهداف كافٍ لإثبات جودة التعليم.
فبدلًا من معالجة المشاكل الحقيقية التي تعيق تقدم التعليم، مثل ضعف البنية التحتية، ونقص الموارد، وضعف المناهج، وتدني مستوى الخريجين، إلخ، يتم توجيه الجهود والموارد نحو تحسين التصنيفات العالمية، مما يعطي انطباعًا زائفًا بأن الأمور على ما يرام.
إلا أن واقع الحال لا يزال يؤكد أننا لا ندري ما هي وجهة التعليم العالي، أو إلى أين يقودنا؟ وهذا يعني ببساطة أننا نسير بدون قيادة. وهذا ما كشفته تقارير صادرة عن الوزارة نفسها، ففي تحليل قدمته استراتيجية وزارة التعليم العالي، والمعنونة "الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي 2025-2035"، بينت الاستراتيجية في الصفحة (13) بوجود توسع كمي للجامعات غير علمي، على حساب جودة ونوعية مخرجاتها. وهذا التوسع الكمي، الذي يهدف ظاهريًا إلى زيادة فرص التعليم، يؤدي في الواقع إلى تخريج أعداد كبيرة من الخريجين غير المؤهلين لسوق العمل، مما يزيد من معدلات البطالة ويقلل من قيمة الشهادات الجامعية. إضافة إلى ظاهرة تكرار الكليات (وليس الفروع) من نفس التخصص في الجامعة الواحدة في مواقع مختلفة. وهذا التكرار غير المبرر يؤدي إلى تشتيت الموارد، وتكرار الجهود، وعدم الاستفادة من التخصصات المتاحة بشكل فعال.في حين رصدت نفس الاستراتيجية في صفحات (40- 41) عددًا من مواطن الضعف المستمرة في التعليم العالي العالي أهمها :
• ضعف البنية التحتية لمؤسسات التعليم العالي، وعدم ملاءمة بعض المباني الجامعية والبحثية لاستيعاب الطلبة والباحثين، والتجهيزات والمختبرات والورش، وعدم توفر مواد التشغيل والصيانة الدورية للأجهزة والمعدات، مع ازدياد الكثافة العددية للطلبة في الجامعات.
• ضعف أنشطة البحث العلمي ومعدل النتاج العلمي في الجامعات والكليات العليا، وقلة التفاعل مع مراكز البحث العلمي في تلبية احتياجات القطاعات الخدمية والإنتاجية من الأبحاث والدراسات الموجهة لخدمة الاقتصاد الوطني والمجتمع.
• ضعف آليات دعم البحث العلمي، وربطه بمتطلبات المجتمع والتنمية، واحتياجات السوق.
• شح أو عدم توفر التمويل الكافي اللازم للتطوير، والاعتماد على مصدر واحد للتمويل.
• عدم الاستقرار الإداري في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، وافتقار مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي للحوكمة الرشيدة.
• ضعف برامج إعداد ورفع كفاءة الباحثين وأعضاء هيئة التدريس، وازدياد النسب غير المعيارية لحملة الماجستير بين أعضاء هيئة التدريس الجامعيين.
• الحاجة لإعادة هيكلة وزارة التعليم العالي وإداراتها، ووضع توصيف وظيفي دقيق يتناسب مع المهام المناطة بهذه الإدارات.
والأخطر من كل ذلك، أن التعليم لا يزال يعاني من تبعات الانقسام الحكومي، حيث توجد وزارتان للتعليم، إحداهما في طرابلس والأخرى في بنغازي. وهذا يعني بالضرورة أن التعليم يقوده أكثر من "ربان"، ونحن نعلم أن السفينة لا يمكن أن تصل إلى وجهتها بسلام إلا إذا كان لها ربان واحد. هذا الانقسام أدى إلى تعطيل العديد من المشاريع التعليمية، وتضارب القرارات، وعدم التنسيق بين المؤسسات التعليمية في مختلف أنحاء البلاد.
فمن يقود سفينة التعليم؟ وكيف نطمئن بأننا سوف نصل إلى الوجهة الصحيحة؟
في ظل هذا التضارب والازدواجية في القيادة، نشهد تخبطًا في إصدار القرارات وتشكيل اللجان، بالإضافة إلى التعدي على اختصاصات الجامعات والأقسام العلمية. وربما الأخطر من كل ذلك هو انقسام المركز الوطني لضمان جودة واعتماد المؤسسات التعليمية والتدريبية إلى أكثر من مركز. وهنا أتوقف قليلًا لأقول بأنني كنت ضمن الفريق الذي قاد المركز منذ تأسيسه، ليكون الجسم الذي يقود عملية إصلاح التعليم في ليبيا، وينفذ البرنامج الوطني لجودة واعتماد التعليم. فالجودة تبدأ بتكوين الإنسان وتنشيط ذكائه ووعيه ليكون فعالًا، والجودة ليست ما يقال، إنما ما ينجز.
للأسف، لا يوجد حاليًا أي وعي بفعالية الجودة، فهي تمر دون أن ينتبه لها أحد من غالبية قيادات مؤسسات التعليم العالي، حيث أصبحت تلك المؤسسات تسعى للظفر بشهادة الاعتماد فقط، كوثيقة دون الاهتمام بالمضمون. وهذا الأمر أفرغ المركز الوطني لضمان الجودة من أهدافه الحقيقية.
إذن، كيف نحكم على مسيرة التعليم حاليًا؟ وببساطة شديدة، كيف لنا أن نحكم على شجرة التعليم في ليبيا؟ أليس من خلال ثمرها! بالتالي، إذا لم نساعد الشجرة حتى تثمر، فلا يمكن أن نحكم عليها مطلقًا.
ينبغي الاعتراف بأن جُلّ مواطن الضعف التي تم سردها والتي لا تزال تواجه مؤسسات التعليم العالي في ليبيا هي في الأصل إرث ثقيل لسنوات سابقة، بعضها يعود إلى ما قبل عام 2011، غير أنها ازدادت حدة في مرحلة 2021 وما بعدها.
هنا نود الإشارة إلى المقولة الشهيرة للفيزيائي ألبرت أينشتاين التي جاء فيها: "لا يوجد مشكل بدون حل، بل توجد مشاكل مطروحة بطريقة خاطئة."
المشكل في التعليم لا يزال قائمًا، وهو أن التعليم لا يزال يقاد من خلال شخصية من يقود الوزارة. بالتالي، أرى أنه من الضروري تأسيس هيئة أو مجلس للتعليم العالي مستقل عن الوزارة، يتمتع بصلاحيات وضع الأهداف ومتابعة التقييم. يجب أن يتم اختيار أعضاء هذه الهيئة بعيدًا عن خيارات الوزارة أو الحكومة، وأن يكونوا من ذوي الخبرة والكفاءة المشهود لهم.
كذلك، يجب الأخذ في الاعتبار أن نجاح التعليم أو تحقيق أهدافه متوقف على عدة عوامل، وهي التي تؤثر في النتيجة النهائية، بما في ذلك استدامة الدعم المالي، والحوكمة الفعالة، والخبرة والكفايات والتدريب. والأهم، وجود إرادة سياسية قوية قادرة على إحداث تغيير وتتحمل ضغوط هذا التغيير.



#حسين_سالم_مرجين (هاشتاغ)       Hussein_Salem__Mrgin#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وإكراهات الغفلة والعفن وهبال ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- قراءة نقدية حول خطة استشرافية لتطوير وتجويد التعليم في الوطن ...
- مدينة الأصابعة والبحث عن الحقيقة المخبأة
- الاعتماد وضمان الجودة في مؤسسات التعليم العالي العربية : من ...
- الأفكار ودورها في تأصيل نباهة الاستحمار
- قراءة نقدية لورشة عمل بعنوان -تطوير أساليب وطرق منهجية البحث ...
- صوت النخبة نحو إعادة التأثير في الشأن العام الليبي
- قراءة نقدية لكتاب معتقل الحصان الأسود – أحزان من المعتقل الس ...
- إعادة هيكلية التعليم العالي الخاصة في ليبيا - الإكراهات ومقت ...
- أبعاد عملية الطوفان الأقصى
- طوفان الأقصى: تغيير العقلية العالمية نحو القضية الفلسطينية
- تحديات الاستثمار الزراعي في المناطق القبلية : مفارقات اجتماع ...
- الأفكار كأداة للتغيير في المجتمع
- نظام ما بعد التفاهة
- مفارقات الأمومة بين الأمس واليوم
- تبادل الأدوار في النسيج الليبي: عندما يصنع الرجال ملابس النس ...
- إعادة التفكير في دور علم الاجتماع : منظور نقدي وتقويمي


المزيد.....




- لماذا يعارض مؤيدون بارزون لترامب قبول الطائرة القطرية؟
- -هذه ليست حقبة حرب-، مودي يوجّه أول خطاب للأمة منذ بدء الضرب ...
- رئيس حكومة الوحدة في ليبيا: وزارتا الداخلية والدفاع حققتا إن ...
- إسرائيل تغتال الصحفي حسن إصليح خلال تلقيه العلاج في مستشفى ن ...
- ليبيا: اشتباكات ليلية بين مجموعات مسلحة في طرابلس ووزارة الد ...
- هدية -القصر الطائر- لترامب.. ماذا يقول القانون الأميركي؟
- وكالات أنباء -ممنوعة- من مرافقة ترامب بجولة الشرق الأوسط
- بيان عاجل بشأن -أحداث طرابلس-.. والدبيبة يعلق
- ترامب في طريقه للشرق الأوسط.. ويصف زيارته بـ-التاريخية-
- ليبيا.. لقطات لاقتحام مقرات -الدعم والاستقرار- وتحرير محتجزي ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - حسين سالم مرجين - التعليم العالي في ليبيا إلى أين ؟