عماد عبد اللطيف سالم
كاتب وباحث
(Imad A.salim)
الحوار المتمدن-العدد: 8328 - 2025 / 4 / 30 - 16:05
المحور:
سيرة ذاتية
أنا "مَشّاءٌ" عتيد.
أنتمي إلى سُلالةِ "المَشّائينَ" العظيمةَ المُعَذّبَة.
لعشرِ سنواتٍ متواصلة كنتُ أمشي المسافةَ ما بينَ "العطيفيّةِ" (حيثُ أسكُن)، و"بابُ المُعظّمِ" (حيثُ أعمل)، قاطِعاً بقدميَّ جسرَ "الصرّافيّةِ" ذهاباً وإيّابا أكثرَ من مليونِ مرّة.
من قالَ يوماً "جِسر الحديد إنكَطَع.. من دوس رِجْلَيّه" كانَ يقصُدُني أنا بالذات، وليسَ أحداً غيري.
بعدها كنتُ أمشي من المنصورِ إلى العامريّةِ (ليلاً في الصيف)، ومن ساحةِ الميدانِ إلى حيّ العاملِ (نهاراً في الشتاء).
وفي "حَيِّ اليرموكِ" تمشّيتُ كثيراً في "الأربعِ شوارعَ"، يومَ كانت هذهِ "الشوارعُ" مُسوّرةً بالبيوتِ الهادئةِ الفسيحةِ، وبالنخلِ والنارنجِ وأشجار "المانجا".
وعندما زاحَمَتني المطاعمُ والكافيهاتُ وسيّاراتُ الدفعِ الرباعيّ، زحفتُ إلى الشوارعِ الخلفيّةِ في الحيّ، فطارَدني "المُستَثمِرونَ" و "الوارِثونَ" و "السماسِرةُ" و "المُضارِبونَ".. بحصاهِم و رَملِهم و"آليّاتِهِم" الثقيلةِ إلى هناك، وطَرَدوني شرَّ طَردة.
وبعدما ضاقت الدروبُ والميادينُ بي، ولَم تَعُد في بغدادَ أرصفةٌ نمشي عليها، هاجَرتُ إلى أربيل.. وكانت أحدُ "أعذارِ" الهجرةِ الرئيسةِ عند الردِّ على سؤالِ الكثيرينَ الأزليّ (لماذا تترُكُ بغدادَ وتذهبُ للعيشِ في أربيل وأنتَ في آخرِ وقتكَ هذا).. هو أنّني أُريدُ أن أمشي.. وإنّني إن لم أواصلُ المشيَّ، سأموتُ بـ "السكتةِ البغداديّةِ" القاتلة.
في أربيل وجدتُ ضالّتي في "بارك سامي عبد الرحمن".
أمشي طيلةَ الوقتِ ما بعدَ الظهيرةِ، أو ما بعدَ العَصرِ، إلى أن يحلَّ المساء.
ومع ارتفاعِ درجاتِ الحرارةِ لَم يعُد بوسعي المشيَ إلاّ مساءً.
غيرَ أنّ المساءَ لديَّ لا يصلَحُ للمشيِّ، بل لتفكيكِ الهمومِ الثقيلة.
أنا لا أمشي الآن.
أربيلُ أليفةٌ، وأهلها طيّبونَ.. هكذا عرفتهم، أنا الذي عشتُ في أربيلَ وما حولها لمُدّةِ عامٍ ونصفٍ قبلَ ما يقرُبُ من خمسينَ عاماً، ولم تتغيّر خِصالُهُم هذهِ إلى الآن.
ومعَ ذلكَ فأنا لا أمشي الآن.
"المَشّاءُ" الذي يسكنني محبوسٌ في شُقَّةٍ في الطابقِ السابعِ عشرَ من مُجمّعِ سَكنيٍّ هاديءٍ جدّاً، لَم يُصادِفُني في ممرّاتهِ منذُ ما يقرُبُ من عامٍ..
لا وجهٌ يألفني..
ولا قلبٌ يضحَكُ..
ولا عينٌ تمشي.
#عماد_عبد_اللطيف_سالم (هاشتاغ)
Imad_A.salim#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟