|
فاشية ترامب تدمر مراكز المقاومة الذاتية لدى المجتمع والأفراد
سعيد مضيه
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 10:16
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
ترجمة سعيد مضيه
"هجوم ترامب مصلت على أبعاد ثلاثة – ضد الحركة الفلسطينية، والمهاجرين، واستقلالية الجامعات- بينما الميديا الرئيسة لا تقدم بوجهه سوى مقاومة الحد الأدنى، حتى هذه تفشل في ربط الأبعاد الثلاثة المتداخلة فيما بينها، بوصفها عناصر محورية للسياسات الفاشية. في هذه الأثناء تستسلم الجامعات، وتتراجع المؤسسات الحقوقية التي تباهت يوما بالدفاع عن الحقوق المدنية . انتكاسات تميز انهيار التخييل المدني والشجاعة الأخلاقية"، يحذر هنري غيرو في مقالة جديدة حول مرامي فاشية ترامب بالولايات المتحدة:
نعيش في عصرٍ لم يعد فيه الاختفاء مجازًا، بل أصبح خطرا مهددا ومبدأً حاكمًا في آنٍ معا. تحت وطأة نظام ترامب، لم تعد اللغة مقدمةً للعنف، بل هي بمثابة الصدى للعنف وإعلانٌ له وتنظيم لرقصاته الدرامية. خطاب المحو بات أشد مضاءًا ليغدو سياسةً، وباتت السياسة منصةً لمسرحٍ ينفرج عن فظاعات. بات المهاجرون والمعارضون والطلاب والمؤسسات، وحتى الدول ذات السيادة، أهدافًا لتخيل سلطوي لا يسعى إلى إسكاتهم فحسب، بل إلى هدمهم أيضًا. ما كان مدرجا في صعيد ما لا يجدر التحدث بشأنه تجسد الآن ضمن بنية عنف الدولة، والاختطاف، والترحيل، والإرهاب السياسي. المعارضة، التي كانت ذات يوم شريان الحياة للديمقراطية، تُوصف الآن بالإرهاب. لم يعد المحتج مواطنًا ذا صوت، بل مشتبهًا به تحت المراقبة، جسدًا يُسكَن أو يُسجن أو يطويه الاخفاء - أحيانًا في دولٍ بعيدة حيث يُردد المستبدون صدى ازدراء ترامب للقانون وحقوق الإنسان. في ظلّ الاستبداد الزاحف بات الطالب الحاصل على البطاقة الخضراء خطرا ، والصحفي يوصم بالخيانة، وجماعات المهاجرين الملونين كافة تهديدا للأمن القومي، ويحسبون ضمن الفضلات البشرية. الميديا الرئيسة لا تظهر فيها الفظاعات - كالقصف المتواصل بالقنابل والصواريخ وتجويع النساء والأطفال في فلسطين- مكابداتهم تضيع في خضمّ الإبادة الجماعية واللامبالاة. في ثقافة مشظاة بألف عبارة مقتضبة، لم يتبق قيمة للمسؤولية الاجتماعية، يتناثر بخارها في الهواء السام للجهل والكراهية واليأس المصنعة. تدور بوحشية بوصلة الاخلاق في المجتمع الاميركي مع تحول القسوة واقعا طبيعيا، ومع إسكات الضمير باسم الأمن والربح والسلطة. عندما وقف ستيفن ميلّر يعلن أن "أمريكا للأمريكيين فقط"، أمام لعلعة الهتافات في ماديسون سكواير غاردن يوم 27 أكتوبر/تشرين الأول 2024، لم يكن يُطلق العنان لنزعة قومية متطرفة بشعة فحسب، بل كان يُعيد إحياء لغة النقاء العرقي المُفعمة برائحة الموت. كلماته، تردد صدى خطابات هتلر، لم تقتصر على استبعاد المهاجرين؛ بل استهدفت فكرة الإنسانية المشتركة بالذات. رسالته واضحة: ليس فقط المهاجرون السود واللاتينيون، بل كل من يدافع عن كرامتهم وحقوقهم، ينتمون إلى عالم خارج الحدود الأخلاقية والسياسية للبلاد. ضج الحشد بالتأييد عندما ايد ميلّر تحذير ترامب نفسه - المهاجرون "يسممون دماء بلادنا" - مُشيرًا إلى العودة الكاملة للمنطق الفاشي الذي لم تعد فيه المواطنة حقًا ديمقراطيًا، بل سلاحًا عنصريًا. في هذه النظرة العالمية، فإن أولئك الذين لا تنطبق عليهم النظرة - مسقط الرأس، المعتقد، أو لون البشرة – يفرزون بهدف الإقصاء، الشطب أو الطرد. نعيش في كنف سياسات الإفناء المعولمة، جرى فيها تجويف معنى "المواطن"، الذي كان يوما يرتبط بالتمثيل الديمقراطي والانتماء المدني. وما تبقى هو حسبة وحشية للفضلات البشرية، وسياسات اللاوجود. تُحشر جماهير حاشدة في فضاءات مجهولة في حالة من الاختفاء القسري. وكما حذرت أشيل مبيمبي، "تخضع شعوبٌ كثيرة لظروف معيشية يطلقون عليها فيما بينهم الموتى الأحياء"- يظهرون للعيان أشباحا، يُرفَض الاعتراف بهم الى ان يصدر عنهم ما يخل، وفي الحال يعلَنون مرضًا معديا او خطرا، ويُعزلون في الحال. تم إفراغ التربية أو عدل هدفها الى بيداغوجيا اللاعقلانية، في مشهد تتخلله الاستعراضات تتحكم به ميديا الشركات الكبرى- بوق ينفث السم، يمجد الحروب، وتطبيع القسوة، ونشر الأكاذيب وفانتازيا العنصرية واحلام الاستبداد للحفاظ على أيديولوجيا الفاشية.
شطب التاريخ والذاكرة الإنسانية والديمقراطية هذا الهجوم على الوعي النقدي لا يشوه الحقيقة فقط ، بل يُمزّق أُطر الانتماء ذاتها، معبدا الدرب لما يُسميه زيجمونت باومان "التشرد الاجتماعي" – ظرف لا يُحرم فيه الناس من مأوى فقط ، بل يُجرّدون من البنى الاجتماعية والسياسية التي تحسبهم في عداد الموجودين . هذا هو منطق فاشية النيوليبرالية، حيث تُقدس السوق الحرة، بينما تعتبر الفقراء والمرضى وكبار السن والمُهمّشين عرقيًا فضلات بشرية. في هذه البيداء القفر يغدو الإقصاء مُميتًا. يحرمون الحماية، ويجردون من الحقوق، ويُصبح الوجود نفسه مشروطًا. غير ان ما هو أشد إثارةً للرعب أن الاختفاء لا يقتصر على الأجساد؛ ما يتلاشى في هذا الخطاب هو الذاكرة والحقيقة والتضامن وإمكانية العدالة. يمتد الآن نهج ترامب الاستبدادي في المحو ليشمل دولًا بأكملها. إن تهديداته الخيالية بضم غرينلاند أو كندا أو بنما ليست هذيانات عقلٍ مخدوع، بل هي إيماءات أيديولوجية نحو الإمبراطورية والغزو واختفاء السيادة الوطنية بالذات. ما يبدأ كمحو أيديولوجي - للتاريخ والحدود والقيمة الإنسانية - يتجلى حتمًا في عنفٍ واقعي، حيث تُصادر الجثث وتُلغى التأشيرات وتُهدر الأرواح بدقةٍ بيروقراطية. يُمثل اختطاف محمود خليل ورميسة أوزتورك على يد عملاء حكوميين بملابس مدنية عتبةً مرعبةً في دراما الاستبداد الأمريكي التي تكشف عن ذاتها؛ لم تكن هذه الأفعال أخطاءً معزولة في إنفاذ القانون، بل عمليات اختطاف سياسية، مما يُشير إلى أن الفاشية في الولايات المتحدة لم تعد تهديدًا زاحفًا - بل هي حقيقة واقعة. هؤلاء الباحثون الشباب، المقيمون قانونيًا في الولايات المتحدة، اعتُقلوا، وحُرموا من الإجراءات القانونية الواجبة، وسُجنوا في مراكز احتجاز نائية لا لشيء سوى معارضتهم للإبادة الجماعية الإسرائيلية الأمريكية في غزة. وتبعهم الكثيرون. هذا هو إرهاب الدولة الجديد: مُعقّم بيروقراطيًا، مُبرّر قانونيًا، وقاسٍ أيديولوجيًا . إن وصف عمليات الاختطاف هذه بأنها "أعمال إرهاب دولة" هو إدراكٌ للقصد الكامن وراءها - ليس فقط العنف الجسدي أو الانتهاكات القانونية، بل الرسالة النفسية والسياسية التي تُوجهها. وكما هو الحال في الأنظمة الفاشية السابقة، لا تهدف عمليات الاخفاء هذه فقط إلى إسكات الأفراد المستهدفين؛ فهي تحذيراتٌ لنا جميعًا: ستُعاقَب المعارضة، وستُراقَب الاحتجاجات، وسيُجرَّم النقد. إن التذرع بـ"دعم الإرهاب" دون دليل، والتوظيف المُناسب لخطاب الأمن القومي، يُذكرنا بشكلٍ مُخيف باستخدام النظام النازي لـ"الحجز الوقائي" و"النظام العام" لتبرير الاعتقالات والاحتجازات الجماعية. ما يسمح بحدوث هذا - وخاصةً في الأوساط النخبوية مثل جامعة كولومبيا - ليس مجرد ضغط خارجي من الدولة، بل التآكل الداخلي للحوكمة داخل التعليم العالي نفسه. فالجامعات، التي كانت تُعتبر في السابق قلاعًا للفكر النقدي، قد خضعت شيئا فشيئا للمصالح السياسية والضغوط المالية ومنطق السوق. استسلام لإغراءات ومكافآت الليبرالية الجديدة، تبعية جبانة لدولةٍ أسيرةٍ للمليارديرات وللمتطرفين أيديولوجيًا. مؤسساتٌ مثل كولومبيا وهارفارد، بإعطائها الأولوية لتبرعات الشركات والعقود الفيدرالية ولأمن سمعتها بما يجور على الحرية الأكاديمية وحقوق الإنسان، فإنها بذلك قد اختارت الجبن على الضمير. برفضها الدفاع عن محمود خليل، لم تخذل كولومبيا طالبًا فحسب، بل خذلت بالذات المبادئ الديمقراطية التي تدّعي التمسك بها. توضح دروس التاريخ الى اين تفضي هذه الطريق؛ عام 1933، كجزء من المجهود المبذول لتتبيع المؤسسات الألمانية لإيديولوجيا النازية – العملية التي أطلق عليها غليشالتونغ- استهدف النظام الجامعات، موقعا مفتاحيا للسيطرة الإيديولوجية. بجامعة غوته في فرانكفورت تم باختصار طرد الأساتذة اليهود وفصل الطلبة اليهود. بدل المقاومة تواطأ العديد من أساتذة الجامعات - اختاروا امن الوظيفة ومواصلة الأبحاث مفضلينها على التضامن مع زملائهم والدفاع عن سيادة الدستور. نفس النمط اتبع بجامعة هايدلبيرغ وميونيخ وجامعات أخر، حيث قايضت الجامعات الحرية الأكاديمية بالتوافق الإيديلوجي.
بالخنوع للإرهاب تتداعى قيم الشجاعة الأخلاقية والفكر الحر هذا التاريخ تحذير وليس حدث مضى وانتهى؛ واليوم عندما تقدم مؤسسة، مثل جامعة بنسلفانيا، على تعليق الطلبة بسبب حديث بالسياسة، او عندما تنأى جامعة التكنولوجيا في ماساشوشيتس بنفسها عن الباحثين الذين ينتقدون سياسة الولايات المتحدة الخارجية ، فإننا شهود تآكل مماثل للشجاعة الأخلاقية والاستقلالية الفكرية. ثم ، كما يجري الآن ، تغدو الجامعات شركاء متواطئين في الاضطهاد ، ليس فقط من خلال ما تمارسه – انما من خلال ما ترفض الدفاع عنه. وعلى حد التعبير الشجاع لميشيل روث، حان الوقت لتحدي هذا الجبن المؤسسي. الجامعات ليست مضطرة لأن تذعن بوجه الضغوط السياسية؛ لديها المسئولية الأخلاقية والالتزام الديمقراطي لمساعدة أنشطة الطلبة والدفاع عن مبادئ حرية التعبير وانماط التربية النقدية التي تتيح الإمكانية لمثل هذه الأنشطة. ومع ذلك، كما يلاحظ صمويل كارلين في "منعطف اليسار" بات ضروريا للغاية انضمام الأكاديميين لنقاباتهم ولنقابات العمال و"يتخذوا موقفا ويسخروا قوة عملهم لتعطيل عمل الجامعات ، طالما إداراتها تذعن لليمين المتطرف". يعكس المشهد المؤسسي الواسع هذا التعقيد. كما أوضح جاسون ستانلي، فيلسوف الفاشية البارز، بقراره ترك جامعة ييل والالتحاق بجامعة غيرها، نرقب فشلا منهجيا في المؤسسات الجامعية والمدنية في التصدي للتحولات الفاشية. لم يكن تصرفه خيارا شخصيا، بل قرار عام لدولة تنزاح – او بالأخرى تغرق – في السلطوية. هجوم ترامب بأبعاده الثلاث – ضد الحركة الفلسطينية، والمهاجرين، واستقلالية الجامعات- لا تقدم الميديا الرئيسة بوجهه سوى مقاومة الحد الأدنى، حتى هذه تفشل في ربط الهجمات الثلاث المتداخلة فيما بينها، بوصفها عناصر محورية للسياسات الفاشية. في هذه الأثناء تستسلم الجامعات، وتتراجع المؤسسات الحقوقية التي تباهت يوما بالدفاع عن الحقوق المدنية . هذه الانتكاسات معا تميز انهيار التخييل المدني والشجاعة الأخلاقية. يعلمنا التاريخ ان الطغاة على الدوام يتحركون أولا ضد خبراء القانون والمربين وغيرهم ممن يطلق عليهم "أعداء الدولة"؛ يبعد عن الميدان المدافعون عن القانون ويقف ضحايا القمع وحيدين. حين تسلم الجامعات لضغوط الفاشيين، فإنها لا تخون رسالتها وحسب- إنما تشجع على المزيد من الهجمات على التفكير الحر. كما كتب جي .إس. هانس في "بولز اند سترايكس": ا"لبيت الأبيض، اذ يستهدف شركات المحامين بسبب مرافعاتهم، يقلد الأنظمة السلطوية بالخارج ، حيث الحكام المستبدون يروعون المحامين المقاومين او حتى يقتلونهم . بالفيليبين اغتيل ما يربو على ستين محاميا أثناء حكم دوارتي. بدون تمثيل قانوني ذي معنى إما ان يلجأ المناضلون الى الصمت او يواجهون رد فعل وحشي." ان قضية خليل ، كما كتبْتُ قبل قليل، تدور حول مصير الديمقراطية بالذات؛ فعندما يجري اعتقال المقيمين بصورة شرعية ويحملون البطاقة الخضراء ويبعدون بسبب التعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني ، فإننا لم نعد نعمل ضمن إطار ديمقراطي . نحن شهود الانحراف عن القانون، حيث تسخر الشرعية سلاحا لدعم الظلم، وتغدو التدابير اللائقة موضوع اختيار . إن إعلان دونالد ترامب انه يريد أن يكون " ديكتاتورا ليوم واحد" وتأكيده المروع بأن " من يريد إنقاذ البلد لا ينتهك القانون"، وزعمه بانه يود خوض الانتخابات للمرة الثالثة -على الرغم من الحدود الدستورية – ليست مجرد زلات في خطاب ؛ إنها الصقالة الإيديولوجية للفاشية. نحن نعيش في ما أسميته "سلطوية بنغمات إضافية فاشية"،حيث الدولة لم تعد تخفي ازدراءها للديمقراطية، بل تعلنها سوط قوة. في هذه الأيام ألية القمع تغلف بلغة الشرعية ، وبألأمن القومي بالوطنية. غير ان هدفها المحوري يظل: اضطهاد المعارضة ، شطب الذاكرة وتعزيز السلطة. لقد نجح ترامب وحركته في نزع إنسانية شرائح كبيرة من المجتمع – المهاجرين ، المسلمين والملونين، والآن الطلبة واساتذة الجامعات؛ باتوا حاليا في عداد المخاطر المهددة وسحبت عنهم صفة المواطنة. كما لاحظت جوديث بتلر ، نزع الصفة الإنسانية هذا ليس مصادفة؛ انه الأساس للسياسات الفاشية، يتطلب الضحايا كي يؤدي وظيفته .
تخدير الوعي نهج ترامب في تخليد حالة الاضطراب- ازماته التي لا تنتهي، تحذيراته الكلبية وتعمد إلحاق الضرر- تخدم استراتيجية مستهدفة؛ انها تعصف بالاستجابات الديمقراطية، تربك الجمهور وتسمح بمرور إجراءات السلطة الاستبدادية تحت غطاء الفوضى. هي استعراضات منظمة لرقصات الاضطراب مصممة ليس بهدف الإرهاب فقط ، بل وكذلك لإحداث حالة نعاس- جعل العنف امرا معتادا والمعارضة أمرا بعيدا عن التخيل. يكمن الخطر الحقيقي ليس في ما تقوم به الدولة ، بل في ما بات الجمهور يعتبره أمرا عاديا ، وحتى ضروريا. هنا يكمن الخطر في ما يفوق ثقافة الصمت، او روتين فظاعة سياسات الإخفاء- الخطر يكمن في تشييد بطيء ممنهج لحالة فاشية. هذه ذاتية يشكلها الخوف بإغراء الطاعة، وفي نهاية الأمر تجرد من القدرة على إدراك - او رفض- القوى التي تهيمن عليه. لا يقتصر الأمر على إذعان الناس لنظام الاستبداد، بل ان الاستبداد أعاد تنميط الناس، اعتادوا عنفه لدرجة سيادة إحساس بعقم المقاومة ويغدو التواطؤ امرا طبيعيا.
خطر يستدعي التحدي بشجاعة وامل رغم هذا كله، حتى في حلكة الظلام الدامس فالمقاومة تتنامى؛ والاحتجاجات التي عمت البلاد يوم 5 إبريل مؤشر لموجة جديدة من المعارضة :عشرات آلاف البشر نزلوا الى الشوارع في نيويورك وواشنطون ، وآلاف آخرون في المدن الصغرى، كلهم نهضوا ليقولوا ان الخط معترض عليه. تقدم هذه المظاهرات ، بوضوحها الأخلاقي وابداعيتها، لمحة للممكن. فالمسألة ليست في ان المقاومة سوف تبزغ – فقد بزغت؛ المسالة هل يمكن الحفاظ عليها وتعميقها وتجذيرها. من هنا ،علينا الدفع باتجاه تشكيل جبهة ذات قاعدة عريضة للرفض بالداخل؛ على الجامعات ان تغدو ملاذات للحقيقة، وليست بؤر مراقبة. على الفنانين والصحفيين والمربين والطلبة الالتحام للدفاع عن الحيزات المفصلية وإعادة تأهيل الذاكرة، وتمتين التخييل الراديكالي. على هيئات القانون ان تتحد ضد مخاطر الفاشية الصادرة عن إدارة ترامب . علاوة على ما تقدم عليهم جميعا الإقرار ان ما يوحدهم هو الحاجة لمقاومة مشتركة ضد طاعون الفاشية بصيغه المحدّثة. يصر روبين دي . جي. كيلّي على ان هذه لحظة تتطلب ما هو اكثر من الاحتجاج- فهي تستدعي العمل المباشر ، السلمي الجماعي والمنظم. يطالب كيلّي بتضامن كفاحي بين العمال والنقابات والطلبة والشباب والمربين ومؤسسات التعليم العليا. وهذا ليس مجرد دعوة للمقاومة، بل بهدف التعطيل - من أجل أعمال منسقة تمنع هذا النظام الاستبدادي من أداء مهامه. فالهدف من الإضرابات والمسيرات الى حملات سحب الاستثمارات وشبكات الأمان ليس التقدم بالتماسات للسلطة ، بل لتقويض قدرتها على الحكم بدون تفويض شرعي. كما يذكرنا كيلي في "ملاحظات حول الفاشية المكافحة" بقوله" إذا ما مضينا لإلحاق الهزيمة بالترامبية، الفاشية الحديثة ، ونشن التحدي المستدام ضد الرأسمالية المنحازة جندريا [ يعني المعادية للمرأة- المترجم] فعلينا ان نحيي شعار الحرب العالمية الثانية "إضرار بواحد منا إضرار بالجميع". يعني هذا التفكير بوعي طبقي مزود بالمعرفة ويمد بالطاقة ، تنظيم يشمل جميع الهويات، وإنعاش نشاط سياسي يتجذر في العدالة والسلطة الجماعية والتخييل الراديكالي. يصر صمويل كارلين ، إذ يبني على دعوة كيلي للمقاومة، على ان أي نضال ذي معنى الانفصال عن أوهام مؤسسات الرأسمال؛ يقول ان المقاومة لا يمكن تجذيرها بالذات في البنية التي تحافظ على الهيمنة والاستغلال. كما كتبت كارلين: بما ان إدارة ترامب تزيد من إجراءاتها الاستبدادية ضد الشعب الفلسطيني والمهاجرين والجامعات وغيرها ، يغدو من الضرورة القصوى ان يعتمد جميع المكافحين ضد هذه الهجمات على أنفسهم ، وليس على مؤسسات الراسماليين. نحتاج لأن نشرع في تنظيم أماكن لتجمع حركاتنا كي نتحاور ونقرر كيف نكافح هذه الهجمات. وهذا يتطلب حملات ديمقراطية واسعة تحشد الجماهير في أرجاء البلاد. تقضي الضرورة القصوى من الهيئات النقابية ، خاصة نقابة العاملين بالجامعات، ان تتخذ موقفا وتستثمر قوة وظيفتها لتعطيل البيزنيس المعتاد بالجامعات ، خاصة بالنظر لاستكانة عدد من الإداريين لليمين المتطرف. التاريخ لا يحذرنا وحسب التاريخ يطلب منا ان نتصرف. ان استيلاء الفاشية على اميركا ليس قدرا محتما ، بل يغدو توطدها اكثر احتمالا مع كل فترة صمت او تواطؤ او تراجع بالمعنويات.لا يمكن للديمقراطية ان تستمر إذا ما تطلع الناس بعيدا وانخرطوا بالتواطؤ او اكتفوا بالكلام محجمين عن الانتظام الجماعي ضد رأسمالية الغانغستر لتمزيقها نظرا لتباهيها في استعراض انفعالاتها الفاشية وهي تجند الأتباع. سوف ننقذ الديمقراطية ، كفكرة وممارسة راديكالية إذا– فقط إذا- ما هب الناس بشجاعة وتحدي وأمل كفاحي. حان الوقت لأن نهتم للتاريخ ، نتعلم منه ونربط بين النقاط كي نعي شمولية هذا النظام الاستبدادي، ونحيل المقاومة ضرورة لا فكرة شاردة. لا يتعلق الأمر بإدارة واجدة او مهرج منفرد، بل يتعلق بمصير الذاكرة الجماعية ، والإبقاء على الفاعلية السياسية والحق في التعبير والتصرف بدون خوف. الولايات المتحدة لا تزحف نحو الأزمة، فقد غرقت في لجة نداءات تحذيرية بأن الحريق قد يستعصي على الإطفائيين . الترياق الوحيد لهذا التيار المتعاظم مقاومة جماعية شجاعة لا تستكين. نحن لا نقف على طرف الفاشية- نحن نعيش في خضم تجلياتها ، أرضيتها التي تقومر عليها ، أفعالها الاستهلالية.لم تعد المسألة هل نحن نراها ، بللاهل لدينا إرادة إيقافها قبل ان تنزل ستارتها الأخيرة . المقاومة لا تقدم أي ضمان؛ إنما بدون المقاومة ، إذا ما تراخت ، إذا ابقت على خفرها او تشظيها -فالموت لا يغشي الديمقراطية وحدها كما نعرفها ، بل الموت يلحق بإمكانية تصورها بالذات.
#سعيد_مضيه (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (2من2)
-
مساع أميركية محمومة لخنق التضامن مع الشعب الفلسطيني (1من2)
-
اسرائيل تعرض للخطر أنظمة عربية ارتبطت بها
-
االمقاومة الفلسطينية.. هزائم ليست حظا عاثرا ولا قدرا معاندا
-
العلم يدعم القضية الفلسطينية وهو الفريضة الغائبة عند العرب
-
كابوس الثقافة الفاشية يجثم على المجتمع الأمريكي
-
هل انتقاد إسرائيل خارج القانون؟
-
فضيحة أميركا الحقيقية تتضح في العدوان على اليمن
-
المقاومة الشعبية كفيلة بإفشال خطة التهجير (1من2)
-
الدفاع عن الحريات المدنية معركةحاسمة
-
الامبريالية والصهيونية عنصرية التفوق العرقي افضت الى مجازر ا
...
-
الامبريالية والصهيونية ..عنصرية التفوق العرقي افضت الى مجازر
...
-
اعتقال محمود خليل أحد دلالات الفاشية في نظام ترمب
-
التعليم العالي حين يكرس للأغراض الحربية(3من3) معهد ماساتشوست
...
-
التعليم العالي حين يكرس للأغراض الحربية معهد ماساتشوستس للتك
...
-
التعليم العالي حين يكرس للأغراض الحربية معهد ماساتشوستس للتك
...
-
التطهير العرقي جار جنوب الضفة الغربية
-
فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(3من3)
-
فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(2من3)
-
فيضان الثقافة العادمة يغرق الولايات المتحدة(حلقة 1من3)
المزيد.....
-
دير الزور: تنظيم داعش يعود للواجهة ويقتل 5 مقاتلين أكراد
-
صحفي مقرب من حكومة أنقرة: الجيش التركي قد يشن عملية عسكرية ض
...
-
كندا: الليبراليون بزعامة رئيس الوزراء مارك كارني يفوزون بالا
...
-
قبل 30 سنة إضراب شغيلة سكك الحديد التاريخي: وجهة نظر
-
قبل 30 سنة إضراب شغيلة سكك الحديد التاريخي: تناول أكاديمي
-
-ملناش دخل بالقضية الفلسطينية-... ما حقيقة التسجيل المسرب بي
...
-
الصحراء الغربية هل وصلت خط النهاية؟
-
وكالة: تنظيم -داعش- قتل 5 مقاتلين أكراد في شرق سوريا
-
تسجيل عبد الناصر والقذافي.. القصة الكاملة وأبعادها السياسية
...
-
مغردون يتساءلون: ما الهدف وراء بث التسجيل الصوتي المنسوب للر
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|