سرود محمود شاكر
باحث في مجال حقوق الإنسان ومدرب معتمد دولي
(Surd Mahmooed Shakir)
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 07:55
المحور:
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
يُحتفل باليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل في 28 أبريل من كل عام، وهو مبادرة أطلقتها منظمة العمل الدولية (ILO) لتعزيز بيئات عمل آمنة وصحية. في عام 2025، يأتي هذا اليوم في ظل ثورة الذكاء الاصطناعي (AI) والتحول الرقمي، اللذين يعيدان تشكيل أماكن العمل وتهدف السلامة والصحة المهنية في جوهرهما إلى إدارة المخاطر المهنية. ويُعتبر نظام إدارة السلامة والصحة المهنية نهجًا وقائيًا يرمي إلى تطبيق إجراءات السلامة والصحة بأربع خطوات ويتضمّن مبدأ التحسين الدائم. وترتكز مبادئه على دورة الخطة، هل، راجع، القانون : وضع الخطة وتنفيذها وتقييم النتائج والقيام بالتحسينات. إلى جانب ذلك، يسعى نظام إدارة السلامة والصحة المهنية إلى بناء آلية شاملة ومنظّمة للعمل المشترك ما بين العمّال والإدارة في تطبيق إجراءات السلامة والصحة. كما يساهم نهج الأنظمة في تقييم تحسّن الأداء في تطبيق إجراءات الوقاية والرقابة. تشكّل أنظمة إدارة السلامة والصحة المهنية أداةً ناجعة في إدارة المخاطر الخاصّة بنوع معيّن من الصناعات أو العمليّات أو المنظّمات ومن الممكن تكييفها مع حالات مختلفة من حاجات الشركات الصغيرة إلى مُختلف حاجات الصناعات المعقّدة والخطيرة كالتعدين والصناعة الكيميائية والبناء.
الذكاء الاصطناعي: محرك لتعزيز السلامة المهنية
يُحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في إدارة المخاطر في أماكن العمل عالميًا. وفقًا لتقرير منظمة العمل الدولية لعام 2023، يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين السلامة من خلال تحليل البيانات الضخمة للتنبؤ بالحوادث قبل وقوعها[1]. أنظمة الذكاء الاصطناعي، مثل أجهزة الاستشعار المتصلة بإنترنت الأشياء (IoT)، تُراقب ظروف العمل في الوقت الفعلي، مثل جودة الهواء أو مستويات الضوضاء، مما يقلل من المخاطر البيئية. في قطاعات مثل البناء والتصنيع، تُستخدم الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي لأداء المهام الخطرة، مما يحمي العمال من الإصابات[2].
ومع ذلك، يُثير الذكاء الاصطناعي تحديات جديدة. الاعتماد المفرط على الأتمتة قد يُقلل من الرقابة البشرية، مما يزيد من مخاطر الأخطاء الناتجة عن خوارزميات غير دقيقة[3]. كما أن أعباء العمل المدفوعة بالخوارزميات والتواصل المستمر قد تُسبب الإجهاد النفسي والإرهاق، مما يؤثر سلبًا على الصحة العقلية للعمال[4].
التحول الرقمي: فرص وتحديات
التحول الرقمي، بما في ذلك منصات السحابة، أنظمة العمل عن بُعد، وتقنيات الواقع الافتراضي (VR)، يُعزز كفاءة أماكن العمل ولكنه يطرح تحديات صحية وسلامة جديدة. وفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024، يُسهم العمل عن بُعد في زيادة المرونة ولكنه يُعزز الشعور بالعزلة الاجتماعية والإجهاد النفسي[5]. كما أن الاستخدام المطول للشاشات يُسبب مشكلات صحية مثل إجهاد العين واضطرابات العضلات والعظام.
في المقابل، يوفر التحول الرقمي أدوات مبتكرة لتحسين السلامة. تُستخدم تقنيات الواقع الافتراضي في التدريب على السلامة، مما يتيح للعمال محاكاة سيناريوهات خطرة دون التعرض للمخاطر[6]. كما تُستخدم تطبيقات الصحة الرقمية لمراقبة الإجهاد وتحسين الرفاهية النفسية.
الواقع العراقي: التحديات والفرص
في العراق، يواجه قطاع السلامة والصحة المهنية تحديات هيكلية تتفاقم بسبب البنية التحتية المحدودة، الظروف الاقتصادية، والصراعات المستمرة. ومع ذلك، فإن الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي يُقدمان فرصًا واعدة لتحسين بيئات العمل. وفقًا لتقرير نشرته لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا (الإسكوا)، نظمت العراق ورشة عمل في عام 2024 لبناء القدرات الوطنية حول التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، مما يعكس التزام الحكومة بتبني هذه التقنيات[7].
التطبيقات في العراق
1. القطاع الصحي: يعاني القطاع الصحي في العراق من نقص الأطباء والمعدات الطبية. يمكن للذكاء الاصطناعي تحسين التشخيص الطبي عن بُعد، مما يعالج نقص المتخصصين، خاصة في المناطق الريفية. على سبيل المثال، تطبيقات الذكاء الاصطناعي يمكن أن تُحلل الصور الطبية لتشخيص الأمراض المزمنة مثل أمراض القلب[8].
2. الأمن السيبراني: مع تزايد التهديدات السيبرانية، تُستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي في العراق للكشف عن الاختراقات الإلكترونية، خاصة بعد تسريبات أمنية استهدفت مواقع حكومية مثل وزارتي التعليم العالي والتربية في 2024[9].
3. القطاع الصناعي: في الصناعات الخطرة مثل النفط والغاز، يمكن للروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي تقليل التعرض للمخاطر الكيميائية والفيزيائية. مبادرات مثل ورشة "المحطة" في بغداد عام 2018 أظهرت إمكانات الشباب العراقي في تطوير تقنيات ذكاء اصطناعي محلية[10].
التحديات في العراق
1. البنية التحتية: محدودية البنية التحتية الرقمية، مثل الاتصال بالإنترنت وتوافر الطاقة، تعيق تبني التقنيات الحديثة[8].
2. نقص المهارات: هناك فجوة كبيرة في المهارات الرقمية بين القوى العاملة، مما يتطلب برامج تدريب مكثفة[12].
3. المخاطر الوظيفية: تشير تقارير منظمة العمل الدولية إلى أن الأتمتة قد تؤدي إلى فقدان 375 مليون وظيفة تقليدية بحلول 2030، مما يشكل تهديدًا للعمال غير المؤهلين في العراق[8].
4. الإجهاد الحراري: أشار مؤتمر وطني عُقد في العراق عام 2025 إلى تزايد مخاطر الإجهاد الحراري المهني بسبب تغير المناخ، مما يتطلب حلولًا تكنولوجية مثل أجهزة استشعار لمراقبة درجات الحرارة في أماكن العمل[11].
المبادرات العراقية
تُظهر مبادرات مثل "المحطة" في بغداد، التي أطلقت ورش عمل لتطوير الذكاء الاصطناعي، إمكانات الشباب العراقي في قيادة التحول الرقمي[10]. كما أن التعاون بين الحكومة والمؤسسات الدولية، مثل الإسكوا، يُعزز من تطوير سياسات رقمية فعّالة[7]. على سبيل المثال، تُركز هذه المبادرات على تطوير استراتيجيات للتحول الحكومي الرقمي لتبسيط الخدمات وتقليل البيروقراطية.
التوصيات لتعزيز السلامة والصحة في العراق
1. تطوير البنية التحتية: الاستثمار في شبكات الإنترنت والطاقة لدعم تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي.
2. برامج التدريب: إطلاق برامج تدريب وطنية لتأهيل العمال على المهارات الرقمية، مع التركيز على الشباب والمناطق الريفية.
3. التشريعات التنظيمية: وضع قوانين تحمي خصوصية البيانات الصحية وتُنظم استخدام الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل.
4. مواجهة الإجهاد الحراري: استخدام أجهزة استشعار مدعومة بالذكاء الاصطناعي لمراقبة ظروف العمل في القطاعات المعرضة للحرارة، مثل البناء والنفط[11].
5. التعاون الدولي: تعزيز الشراكات مع منظمات مثل الإسكوا والأمم المتحدة لتبادل الخبرات وتطوير سياسات السلامة.
خاتمة
يُمثل اليوم العالمي للسلامة والصحة في مكان العمل فرصة للتفكير في كيفية استغلال الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي لخلق بيئات عمل آمنة وصحية في العراق والعالم. رغم التحديات الهيكلية في العراق، مثل محدودية البنية التحتية ونقص المهارات، فإن الفرص المتاحة من خلال هذه التقنيات واعدة، خاصة في القطاعات الصحية والصناعية. من خلال الاستثمار في التدريب، التشريعات المحدثة، والتعاون الدولي، يمكن للعراق تحقيق تقدم كبير نحو أماكن عمل أكثر أمانًا واستدامة.
المصادر
[1] منظمة العمل الدولية. (2023). *السلامة والصحة في مكان العمل في العصر الرقمي*. جنيف: ILO.[](https://news.un.org/ar/story/2025/04/1140911)
[2] معهد ماكينزي العالمي. (2024). *مستقبل العمل: التكنولوجيا والسلامة*. تقرير.
[3] جامعة أكسفورد. (2023). *مخاطر الذكاء الاصطناعي في القطاعات الصناعية*. دراسة.
[4] المنتدى الاقتصادي العالمي. (2024). *الصحة النفسية في أماكن العمل الرقمية*. تقرير.[](https://news.un.org/ar/story/2025/04/1140911)
[5] المنتدى الاقتصادي العالمي. (2024). *الصحة النفسية في أماكن العمل الرقمية*. تقرير.
[6] الجمعية الأمريكية للسلامة المهنية. (2024). *استخدام الواقع الافتراضي في تدريب السلامة*. مقال.
[7] لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا. (2024). *التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي في العراق*. تقرير.[](https://www.unescwa.org/ar/news/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D8%25AD%25D9%2588%25D9%2584-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B1%25D9%2582%25D9%2585%25D9%258A-%25D9%2588%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B0%25D9%2583%25D8%25A7%25D8%25A1-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25B5%25D8%25B7%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25B9%25D9%258A-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2582)
[8] مركز الدراسات الاستراتيجية. (2025). *العراق والذكاء الاصطناعي في 2025: بين آفاق التطور وتحديات الواقع*. تقرير.[](https://mcsr.net/locals/941)
[9] طريق الشعب. (2025). *كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على سوق العمل العراقي؟*. مقال.[](https://www.tareeqashaab.com/index.php/sections/people-s-lives/21839-2025-02-01-17-18-54)
[10] دويتشه فيله. (2018). *ورشة للذكاء الاصطناعي في بغداد*. تقرير.[](https://amp.dw.com/ar/%25D9%2588%25D8%25B1%25D8%25B4%25D8%25A9-%25D9%2584%25D9%2584%25D8%25B0%25D9%2583%25D8%25A7%25D8%25A1-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25A7%25D8%25B5%25D8%25B7%25D9%2586%25D8%25A7%25D8%25B9%25D9%258A-%25D9%2581%25D9%258A-%25D8%25A8%25D8%25BA%25D8%25AF%25D8%25A7%25D8%25AF/a-43227834)
[11] منظمة العمل الدولية - العراق. (2025). *مؤتمر وطني حول الإجهاد الحراري المهني*. منشور على منصة X.[](https://x.com/IloIraq/status/1916543865814724644)
[12] بوابة الذكاء. (2024). *العراق: التحول إلى مركز تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بحلول 2050*. مقال.[](https://bawabaai.com/%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B9%25D8%25B1%25D8%25A7%25D9%2582-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25AA%25D8%25AD%25D9%2588%25D9%2584-%25D8%25A5%25D9%2584%25D9%2589-%25D9%2585%25D8%25B1%25D9%2583%25D8%25B2-%25D8%25AA%25D9%2583%25D9%2586%25D9%2588%25D9%2584%25D9%2588%25D8%25AC%25D9%258A%25D8%25A7-%25D8%25A7%25D9%2584%25D8%25B0%25D9%2583/)
#سرود_محمود_شاكر (هاشتاغ)
Surd_Mahmooed_Shakir#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟