أحمد الجوهري
مهندس مدني *مهندس تصميم انشائي* ماركسي-تشومسكي|اشتراكي تحرري
(Ahmed El Gohary)
الحوار المتمدن-العدد: 8327 - 2025 / 4 / 29 - 07:40
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
مقدمة
في رحلة تمتد من الحلقة الأولى (“تهديد الشبح”) إلى الحلقة السادسة (“عودة الجيداي”)، يرسم جورج لوكاس في ملحمة حرب النجوم سيناريوًّا ماديًّا–تاريخيًّا لصعود الديمقراطية وتحوّلها إلى ديكتاتورية مطلقة، ثم اندلاع الثورة الشعبية لتقويضها. من خلال استحضار لوبيات التجارة الفاسدة، وتقنيات الاستنساخ الحربية، وختامًا بالمعركة النهائية على إندور، نراقب كيف تتفاعل القوى الإنتاجية (السفر بالفرط، جيوش الدرويد، شبكات التبادل) مع البنى السياسية (الجمهورية، الإمبراطورية، الجيداي) وفق ما يشرحه جي. أ. كوهن في المادية التاريخية التحليلية. تنسجم هذه القراءة مع نظرية كارل ماركس حول كون “أفكار الطبقة الحاكمة هي الأفكار السائدة”، وتكملها رؤية نعوم تشومسكي حول استخدام الدعاية لإحكام القبضة على الشعوب. تهدف هذه الدراسة إلى تقديم قراءة ماركسية تحليلية متوازنة لكل حلقة، مع مقارنات تاريخية (جمهورية روما، فايمار، الإمبراطورية الأمريكية) تظهر كيف تحولت جمهورية تبدو صامدة إلى إمبراطورية استبدادية، وكيف نتج عنها ثورة اجتماعية جمعت “البروليتاريا” على اختلاف كواكبها.
صُمِّمت ملحمة ستار وورز لـجورج لوكاس في خضم السياسات المُتوتِّرة في السبعينيات (حرب فيتنام وفضيحة ووترجيت) لتكون قصة تحذيرية عن فشل الديمقراطية وصعود الاستبدادtime.com. كما يوضح لوكاس بنفسه: «كيف تتحوّل الديمقراطيات إلى دكتاتوريات؟ … إن الديمقراطيات لا تُقهر، بل تُسلم طواعية»time.com. تستمد الأفلام إشاراتها من التاريخ المعاصر: الجنود المروِّعين الإمبراطوريون والصُّوَر الرمزية المُصمَّمة عمدًا تستحضر صور النازيةhistory.com، والمتمرِّدون (والأيوك – سكان الكوكب الغابي في “عودة الجيداي”) يُشبِهون ثوار فيتنامhistory.com، ومؤسسات الجمهورية/الإمبراطورية تُذكرنا برموز روما القديمةhistory.com. وقد لفت البعض الانتباه إلى أن لوكاس قدم نقدًا ضمنيًا للـ«إمبراطورية الأمريكية» الحديثة – بمعنى دولة عسكرية شبه فاشية تحت قبضة النخبة الصناعية والعسكريةdrmichaeljharrisbooks.com. من منظور اشتراكي ماركسي-تشومسكي ليبرتاري محلي، تتبدى هذه الموازيات بوضوح: ستار وورز يصور صراعًا ماديًّا بين سلطة الدولة القمعية والمقاومة الشعبية، موجِّهاً رسالة تحذيرية متشائمة وآخرى أملية في آن معًا.
نعالج حلقات I–VI بوصفها “تاريخًا” بالمفهوم الماركسي التحليلي لـ[كوهن]philpapers.org. فقد أكد كوهن في دفاعه عن الماركسية التاريخية أن هناك ميلًا طويل الأمد نحو نمو القوى الإنتاجية، وأن أشكال المجتمعات تنهار أو تزدهر تبعًا لما إذا كانت هذه الأشكال تعزِّز أو تكبح نمو القوى الإنسانية للإنتاجphilpapers.org. هذا يعني أنه يمكن قراءة ستار وورز بما يتعلّق بكيفية تفاعل قاعدته التكنولوجية والاقتصادية (السفر بالفرط، جيوش الآلات، شبكات التبادل التجاري، إلخ) مع بنيته السياسية (الجمهورية، الإمبراطورية، رهبنة الجيداي). وبحسب ماركس، «أفكار الطبقة الحاكمة هي في كل حقبة الأفكار السائدة»marxists.org، لذا يمكن اعتبار أيديولوجية الإمبراطورية (السّلطوية والنظام بالقوة) تعبيرًا عن مصالح الطبقة المسيطرة مادّياً، في حين تظهر أفكار المتمردين (الحرية، الديمقراطية) بوصفها وليدة الأغلبية المضطهدة. كما ينطبق نقد نعوم تشومسكي على هذا العالم: حيثما توجد ديمقراطيات اسمية يستخدمون الدعاية عوض القبضة الحديدية، كما يقول: «الدعاية بالنسبة للديمقراطية ما هي الهراوة للدولة الشمولية»chomsky.info، ويجعلون الجمهور «مُفَرَّدًا ومعزولًا» حتى لا ينظم نفسهchomsky.info. في تحليلنا التالي نطبِّق هذا الإطار على كل حلقة من الحلقات I–VI بالتساوي، موصولين بحالات تاريخية حقيقية (روما، جمهورية فايمار، الإمبراطورية الأمريكية الحديثة) لتوضيح البُعد السياسي العميق في سرد لوكاس.
الحلقة الأولى: تهديد الشبح
في تهديد الشبح (Episode I) تبدو الجمهورية البالية قد تمترست وراء لوبيات تجارية وجهاز بيروقراطي منحرف. فعندما يحاصر اتحاد التجارة كوكب نابو بزعم نزاع “ضريبي”، نرى تحالفًا بين العصابات الاقتصادية وقيادة السياسة. أما مجلس الشيوخ المجريالي، فيمضي عاجزًا في انقسامات حزبية. وهذا يعكس فشل النظام التمثيلي في تصميمه السياسي، كما يلاحظ كريبتاوي: «لقد وقع كل من الرايخستاغ فايمار ومجلس شيوخ المجرة فريسة لمتعصب متعطش للسلطة استغل انقسامات الهيئة التشريعية ليجني القوة»westga.edu. وفي الحلقة الأولى، يستغل السيناتور بالباتين (مستشار نابوليون) هذه الانقسامات التي صنعها بنفسه، ليفوز بالمنصب الأعلى بوعده بحزم الأوضاع. هذه الشعارات – التي تقدم على أنها إنقاذ للأمن والنظام – تخفي طموحه الفعلي. كما شرح لوكاس، يكمن التكتيك السيثي في أن «يصنعوا أزمة» ثم ينهالوا على الرأي العام المخيف طلبًا لزعيم قويdrmichaeljharrisbooks.com. يجعل وجود أكثر من ممثلٍ عن جماعات هامشية (مثل اتحاد التجارة) المجلس عرضة للمناورة، تمامًا كما حدث في فايمار وغيرهماwestga.edu. بتعبير ماركسي، تُبرر الطبقة الحاكمة (الصناعيون والتجار الراسخون) وضعهم الراهن عبر إدامة الاستقرار، مؤكدين بذلك صحة “الأفكار السائدة” التي تدعم سلطتهمmarxists.org.
بالرغم من ذلك، ينفرج في هذه الحلقة بوادر أمل. فالأميرة أميدالا (بدعم من الجيداي) تتصدى لركود الشيوخ وعجزهم، معبرة عن رفض مباشر لهذه التآمرات الاقتصادية. (كما عبرت عن ذلك بقُبيل الانتخاب: «هكذا تموت الحرية… وسط تصفيق مدوٍ»westga.edu). من منظور تشومسكي، كان دور جمهور الشعب في الحلقة الأولى هو دور المتفرج المُذهول. يُحذِّر أوبي-وان وكي-جون أميدالا أن السيناتورات هم “رعيل” منهمك بالتخطيط، بينما يبقى عامة الناس خارج دائرة الفعل السياسيchomsky.info. هذه الجمهورية تستخدم الدعاية (خطاباتها الوردية في مجلس الشيوخ) للمَّ الشمل بينما يسيطر اتحاد التجارة على الأرض بالقوة. بالتالي تحذِّرنا الحلقة الأولى من لوكاس: الديمقراطية الليبرالية قد تكون هزيلة إن سيطرت عليها المصالح المالية والعسكرية في الخفاء – وهي رسالة تبدو مطابقة للإحباط التاريخي من «رجال الخير الذين لا يفعلون شيئًا» فنسمح للشر بالتمكنwestga.eduwestga.edu.
الحلقة الثانية: هجوم المستنسخين
في هجوم المستنسخين (Episode II) تنغمس الجمهورية أكثر في العسكرة. فعقب محاولة اغتيال لأميدالا، يصوت الشيوخ على إنشاء جيش من الجنود المستنسخين للدفاع عن الجمهورية. هذا الموقف السياسي يشبه حالات الواقع حيث تُستغل المخاوف الحقيقية (تهديد الانفصال) لإخضاع النظام لأعمال استثنائية. الجنود المستنسخون أنفسهم – الذين تربّت في كوكب سري بأمر من أغنياء – يُشبهون طبقة عمالية مُستغلّة تدخل الحرب كسلع. يؤكد سيناريو الحلقة تعليق لوكاس نفسه: كان يفكر في «كيف تتحوّل الديمقراطيات إلى دكتاتوريات» عن طريق تسليم السلطة، وليس حروب الانقلابdrmichaeljharrisbooks.com. وفي حقائق المسلسل، يضخ بالباتين الحرب من كلا الجانبين دون علم أحد.
من منظور ماركسي-مادي، يكشف هذا المسار كيف تترابط المصالح الاقتصادية (بيع الأسلحة، التمويل المؤسسي) مع الأوضاع السياسية. تقنية الاستنساخ المتقدمة تُمثِّل قوة إنتاجية جديدة، لكن بدلاً من تغيير أساليب الإنتاج لصالح الجميع، تُحاك لها لتقوية السيطرة السلطوية. الطبقات الحاكمة الكبيرة (المالكون الصناعيون والمصرفيون) يريدون الحرب ليكسبوا أرباحًا ويُخضعوا المجرة، على غرار ما خلَّفته علاقات الحكم الواطئة أو في الدول المعاصرة ذات «المجمع الصناعي-العسكري»drmichaeljharrisbooks.com. وحتى أثناء الحرب “الشعبية” – التي يغذيها الشيوخ وشعاراتهم – فإن الجماهير تظل مفككة: ينظر الكثيرون إلى الصراع بعين المتفرج. هذه الحلقة تُبيّن الحقبة الانتقالية القاسية: الديمقراطية الجمهورية تستعد لتسليم مفاتيحها للمارين المتوحشين، فتُمهّد الطريق للمرحلة النهائية من الاستبداد.
الحلقة الثالثة: إنتقام السيث
تأتي إنتقام السيث (Episode III) لتمثيل الانتقال الحاسم إلى النظام الديكتاتوري. يعلن بالباتين نفسه إمبراطوراً ويُلغي القانون القديم. تسير الأحداث بما يشبه فك رموز التاريخ الحقيقي: حرق الهيكل الجيدائي في معركة شبّهت بحريق الرايخستاغ، وتنحية الشيوخ طواعية لسلطة الاستبداد. كما لو أن أحداث هتلر تتكرر في المجرة: فقد لوحظ أن “الصعود التدريجي لبالباتين من مستشار إلى إمبراطور” يوازي تمامًا صعود أدولف هتلر من مستشار إلى دكتاتورhistory.com. حتى زي دارث فيدر وخوذ الجنود يذكّر بمحاربي الرايخ الثالثhistory.com. في المصطلحات الماركسية، هذا لحظة بلغت فيها الدولة (المجلس الشيوخي/الإمبراطوري) ذروة عملها كأداة طبقية: إذ يستخدم الإمبراطور السلطات التنفيذية ليحمي مصالح حلفائه الرأسماليين. تعبير الأميرة بادمي هنا “هكذا تموت الحرية… وسط تصفيق مدوٍ”westga.edu يليق بتفسير تشومسكي: إن الجماهير يمكن أن تتخلى عن حريتها طوعًا تحت تأثير الدعاية والوعود الأمنية. الجمهورية بعت نفسها دون هزيمة عسكرية، كما ينص تحذير لوكاس: الديمقراطيات تُسلم سلطتها وتنهار من الداخلtime.com.
وهيكليًا، تتحقق أطروحة كوهن بأن المجتمعات تستمر طالما ساعدت على تطوير القوى الإنتاجية. لقد سقطت الجمهورية الغارقة في البيروقراطية لأنها وقفت في وجه ديناميكية تكنولوجية تتطلب هيكلًا جديدًا. بعد فوز بالباتين بالسلطة المطلقة، يتحول الاقتصاد إلى صناعة الحرب الشاملة (جيش مستنسخ وجيش آلي)، فتزدهر التكنولوجيا العسكرية ولكن على حساب أي شكل آخر من أشكال القوة الإنتاجية. المشهد النهائي في هذه الحلقة هو تدمير آخر جذور المعارضة: يُباد الجيداي، ومعه تختفي أية فكرة مضادة داخل النظام. تمامًا كما قال ماركس: الأفكار السائدة ما هي إلا صورة علاقات الإنتاج المُهيمنةmarxists.org، فقد سادت في ستار وورز أيديولوجية الإمبراطور التي تمثّل مصالح الطبقة الرأسمالية الحاكمة. نهايةً، تُقدّم الحلقة درسًا ماديًا: في ظل الرأسمالية يحكم النظام برأس المال حتى لو تحوّل نحو فاشية كامنة في النظام نفسه، وجمهوريته تتآكل من الداخل عبر قوانين هيكله وليس بانقلاب مسلح.
الحلقة الرابعة: أمل جديد
في أمل جديد (Episode IV) ننتقل إلى وجهة نظر الثوار. وقد نشأ تحالف من جماعات مهمشة في المجرة – أبرزها الكائنات اليتيمة والسكان تحت خط الفقر وثوار اليمين المتطرف السابق – لتشكيل تحالف المتمردين ضد الهيمنة الإمبراطورية. يمكن اعتبارهم «البروليتاريا» الثورية المتّحدة عبر الأنواع والأنظمة. وفعلاً يتحقق وعد ماركس: «ليس لدى البروليتاريين ما يخسرونه سوى أغلالهم. ولديهم عالماً يكسبونه»marxists.org. فالشاب لوك سكاي ووكر (صاحب مزرعة رطوبة بسيط) والأميرة ليا (نبيلة سابقًا) يتصنعان صورة التعاون بين الطبقات المستضعفة. وسلاح الثوار الأبرز – الموت بنجمة الموت – يمثِّل انتصار العمالة الجماعية على رأس المال السياسي.
تتضمَّن هذه الحلقة مفارقة سياسية: فإن مسيرة الأبطال الختامية لتكريم الفائزين تشبه عن سابق نية الاستعراضات الفاشية في التاريخ. ففي نهاية الفيلم، تمنح ليا الميداليات للمنتصرين، وهذه المشهد وِفق التاريخ جاء “متناغمًا مع استعراضات نازية كبرى” كما صورتها صانعة أفلام الدعاية ريفنشتالhistory.com. بعبارة ماركسيّة، يلتحم هنا القالب العقائدي: يحيي العدو (الإمبراطورية) روحه الرمزية لكي تبقى الأمة موحدة في طاعة، في حين يُعلي الثوار صوت الجماهير المنكوبة التي أطلِقت من القيود. يندمج هذا مع رؤية تشومسكي بأن الجمهور مهيأ لأن يكون متفرجًا فقطchomsky.info؛ فالإمبراطورية تلعب على الأضواء والرتب، وتنشر شعارات النصر، بينما يتشاور الثوار بانتظام حول معركة التحرير. يعكس انتصار الثوار في أمل جديد مبدأ كوهن: إن النظام القائم (الإمبراطورية شبه الإقطاعية) كان يعوق نمو القوى الإنتاجية الحقيقية (الطاقة الشعبية)، فهبَط سُدُده حين انطلقت إرادة الجماهيرphilpapers.org. بهذا الأمل المتولد، يؤكد الفيلم أن العمل الجماعي للأقليات والشعوب يمكن أن يقضي على جلادة الهيمنة.
الحلقة الخامسة: الإمبراطورية تنتقم
في الإمبراطورية تنتقم (Episode V) تتبدى الوجهة المضادة للثورة. إذ تطبق الإمبراطورية عقابها بشراسة: يُهجَّر الثوار عن قاعدة هوث، ويُخدع هان ولاندو في مدينة السحاب، ويظهر للمرة الأولى الوجه الحقيقي للوحش – دارث فيدر – لأسرى المتمردين. تبقى أغلب الجماهير مستهدفة بتهديد الإمبراطورية، لا فرصة لها للمبادرة. من منظور الماركسية التحليلية، هذه الحلقة تمثل انتفاضة النظام: فالتآمر داخل المقاطعات يسعى لإسكات أي ظل من سلطة الشعب. المشهد الأبرز هو مواجهة لوك لفيْدر في باديا، حيث يعترف فيدر بأنه والد لوك ويعري كيف أن نسل المظلوم قد تغلّب على نفسه وتحول إلى جزء من جهاز القمع. هذا يشبه نقد كوهن: القوة الثورية الجديدة (لوك) يمكن أن تُمتصَّ داخل النظام العتيد إذا خضع بدوره للمعايير التي فرضها.
في إطار تشومسكي، نشهد هنا تفككًا للعلاقات: يظل معظم الناس جمهورًا عاجزًا، و”المشاهدون” في انتظار المعجزات. يرى فيدر وكبار الإمبراطورية السلطة المطلقة، وكل ما يهمّهم هو السيطرة؛ بينما ثوار كينيان (كاتش، ووكابا، إلخ) كأفراد عاديين لا زالوا بحاجة ملحَّة لقصتهم. يقول تشومسكي إن النخب المسؤولة يجب أن تُخضع الجمهور (الجمع الواسع من الناس) إلى حالة الذهول، كي لا تتحوّل الجماهير إلى لاعبين نشطينchomsky.info. والحلقة الخامسة تُظهر أن المقاومة الشعبية لم تتبلور بعد: فحتى لو توجد صفقات منفصلة (انشقاق لاندو)، تبقى الأحزاب الرئيسية المخططة لهمشهم. لكن في نهاية الحلقة، ورغم الهزائم، يولد الأمل الخافت بأن المقاومة لن تتوقف: الرسالة صريحة بأن الطريق إلى الحرية طويل وقد تمر بمراحل داكنة، ولكن الفكر الثوري – شعور لوك بضرورة القتال وريدته – لم ينطفئ.
الحلقة السادسة: عودة الجيداي
تبلغ المعركة ذروتها في عودة الجيداي (Episode VI). ففي هذه النهاية تتكاتف كافة القوى المضطهدة لهدم حصون الإمبراطورية. يشمل ذلك تحالف السكان من العبيد (جوني باي باز)، وسكان الأيوك الأصليين، وحتى بعض جنود الإمبراطورية المنشقّين (مثل لاندو) – جميعهم يجمعون جهودهم لكسر تسلُّط رأس المال القمعي. تجسِّد قبيلة الأيوك بفِرادتها ذروة مقاومة الجماهير. فقد صمم لوكاس هذه الكائنات «بشراً غابيين» استُلهموا مباشرة من تكتيكات جيش فيت كونغ في حرب فيتنامhistory.com، حيث يستخدمون معرفة فائقة بالبيئة المحلية والأساليب القتالية غير المتماثلة ليقهروا جيشاً متفوقًا من الناحية التقنية. حين يحثّ هان الأيوك على الثورة بخطابه الشهير («فتذكّروا، القوة ستكون معنا دائمًا»)، فإننا نرى الثوار العاديين متحدين لهزيمة آلة الظلم الرأسمالية.
من خلال هذا النهاية، يتحقق مبدأ كوهن التاريخي: الإمبراطورية التي بنت اقتصادها على الرق والحرب تعرقل نمو الإنسان – وهي بذلك مُعرضة للانهيارphilpapers.org. فالنظام يهبط حين يبدأ أفراد المجتمع المضطهد في العمل المشترك كسائر الطبقة العاملة، متحدِّين ممارسات قديمة. وكما قال تشومسكي عن احتمال الثورة الشعبيّة: يُمكن أن يصبح الناس فاعلين «إذا استطاع الكثير من الناس ذو الموارد المحدودة أن يتجمعوا ويدخلوا الساحة السياسية» – وهو ما نراه يتحقق حين يجتمع أعضاء التحالف في معركة نهائيةchomsky.info. وبعد سقوط الإمبراطور، يولد فجر ”العالم الذي يصل إليه العمال أبدًا”(نهاية الثورة) حيث تتحكم الشعوب في مصادر القوة والإنتاج. إذ يتحوّل شعار الممثلين العاملين في كل بلد إلى واقع تتحالف فيه جميع كائنات المجرة ضد جبروت المال السياسي.
الخاتمة
خلاصة القول في الحلقات I–VI أن لوكاس نسج حكاية سوداوية ولكن متفائلة للحياة السياسية. مجرة لوكاس، كما يمثّلها، دولة حيث – كما علّمنا ماركس – تتحول الدولة إلى «اللجنة التنفيذية للطبقة الحاكمة» (الإمبراطورية)، بعدما تآكلت الديمقراطية الحقيقية. وفي الوقت نفسه يصور السيناريو إمكانيات التحرر الشعبي. لقد ربَّى توالي الأحداث وفقًا لمنظور كوهن الشرط المادي: إن كل مرحلة تاريخية في ستار وورز كانت نابعة من القوى الإنتاجية والانعكاسات الهيكلية لها. ففي نهاية المطاف يُحقّق كوهن القول المُدعِّي بوجود ميل نحو تجاوز الأنظمة التي تعرقل تطوُّر الإنتاج: فالإمبراطورية الرأسمالية تنهار لأنها تقيّد القدرة الإبداعية للطبقات المحرومةphilpapers.org. والأهم من ذلك أن الملحمة تفترض أملًا ليبرتاريًا: بإمكان الطبقة المدموغة أن تؤسّس تاريخها. فقد كتب ماركس ببساطة، «ليس لدى البروليتاريين ما يخسروه سوى أغلالهم»marxists.org – وهو أمر يراه لوكاس حقيقة مجسدة عندما تطيح الشعوب المضطهدة بقيودها.
من هذه الزاوية، تبدو ستار وورز حكاية مادية: تحذر من تبديد الديمقراطيات نتيجة تحالف المصلحة الرأسمالية والدعاية (كما يحذر تشومسكي)chomsky.infowestga.edu، ولكنها تضع أيضًا إمكانات التحرر الجماعي في متناول المتابع. تذكِّرنا بأن التحالف بين المعانين يمكن أن يغيّر مسار التاريخ: فبعد سقوط الإمبراطورية نجد في الأفق نبأ “العالم الذي يكسبه العمال”marxists.org حيث تُعِدُّ شعوب المجرة حكومةً جديدة تعِد بالمساواة الشعبية. وبالتالي كان لوكاس ينسج قصة تدمج ما بين الوعيد التاريخي – كما حدث في روما القديمة وجمهورية فايمار – ومثال الأمل الثوري، فهو يضع في النهاية مُثل التحرر الجماعي ضد إمبراطورية القهرphilpapers.orgmarxists.org.
المراجع: مقتطفات من كارل ماركس، البيان الشيوعيmarxists.org والأيديولوجيا الألمانيةmarxists.org؛ نعوم تشومسكي، التحكم في الإعلامchomsky.info؛ جورج أ. كوهن، نظرية التاريخ الماركسية: دفاع عن ماركسphilpapers.org؛ تصريحات جورج لوكاس ومقابلاتهtime.comdrmichaeljharrisbooks.comdrmichaeljharrisbooks.com؛ وتحليلات تاريخية لنجم حرب النجومwestga.eduhistory.comhistory.com
المراجع:
• بروكر، ويل. استخدام القوة: الإبداع والمجتمع ومعجبو حرب النجوم. نيويورك: كونتينوم، 2002.
• تشومسكي، نعوم، وإدوارد هيرمان. صناعة الإذعان: الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام الجماهيرية. نيويورك: بانثيون بوكس، 1988.
• تشومسكي، نعوم. فهم السلطة: تشومسكي الضروري. تحرير بيتر ر. ميتشل وجون شويفل. نيويورك: ذا نيو برس، 2002.
• كوهين، ج. أ. نظرية كارل ماركس في التاريخ: دفاع. برينستون: مطبعة جامعة برينستون، 1978.
• فريدلاند، جوناثان. "حرب النجوم: أسطورة لعصرنا." ذا غارديان، 16 مايو 2002.
• جيبون، إدوارد. تاريخ انحدار وسقوط الإمبراطورية الرومانية. لندن: ستراهان وكاديل، 1776–1789.
• جنكينز، هنري. ثقافة الالتقاء: حيث تتقاطع الوسائط القديمة والجديدة. نيويورك: مطبعة جامعة نيويورك، 2006.
• جونسون، تشالمرز. الارتداد: تكاليف وعواقب الإمبراطورية الأمريكية. نيويورك: ميتروبوليتان بوكس، 2000.
• لوكاس، جورج. مقابلة مع بيل مويرز. "أسطورة حرب النجوم." بي بي إس، يونيو 1999.
• ماركس، كارل. رأس المال: نقد الاقتصاد السياسي، المجلد الأول. ترجمة بن فوكس. لندن: بنجوين بوكس، 1976.
• ماركس، كارل، وفريدريك إنجلز. الأيديولوجيا الألمانية. تحرير سي. ج. آرثر. نيويورك: الناشرون الدوليون، 1970.
• شايرر، ويليام ل. صعود وسقوط الرايخ الثالث: تاريخ ألمانيا النازية. نيويورك: سايمون وشوستر، 1960.
• تايلور، كريس. كيف غزت حرب النجوم العالم: الماضي والحاضر والمستقبل لامتياز بمليارات الدولارات. نيويورك: بيزك بوكس، 2014.
#أحمد_الجوهري (هاشتاغ)
Ahmed_El_Gohary#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟