علي لهروشي
كاتب
(Ali Lahrouchi)
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 09:52
المحور:
حقوق الانسان
في نهاية الثمانينات، تم فتح مخفر للشرطة بدائرة "الريش" في الجنوب الشرقي، إلى جانب مخفر للدرك الملكي، وثكنة عسكرية، وثكنة للقوات المساعدة، أو ما يسمى بـ"المخازنية" المتواجدة بالدائرة من قبل. والغريب في الأمر أن هذه الدائرة أو القرية لا تحتاج إلى كل هذا الإنزال الأمني، والطوق، والعسكرة، لأنها دائرة صغيرة مكونة من حيّين سكنيين فقط، وهما: "الريش القديم" الممتد حتى "الباطوار"، ثم حي " تاحمدانت " إلا أن المبرر الخفي وراء هذه العسكرة هو أن دائرة الريش قريبة من السجن السري الرهيب المعروف "تازمامارت"، إضافة إلى تواجد أنصار وعائلة ومسكن "عدي أوبيهي آيت رهو"، الذي كان قائدًا على منطقة تافيلالت خلال فترة الحماية الفرنسية على المغرب، والذي قاد ثورة سنة 1957 ضد الحكم العلوي إن الغرض من ذكر هذه المنطقة، التي أنتمي إليها شخصيًا، هو أن ذلك المخفر كان يتوفر آنذاك على أفراد يرتدون الزي الرسمي للشرطة، إلى جانب آخرين بلباس مدني، وهم من الشرطة السرية. غير أن لا حاجة لسريتهم في تلك الدائرة، لأن الأجنبي معروف لدى الساكنة ، حيث إن الجميع يعرف بعضهم البعض بالاسم والنسب.
وقد كان هناك أفراد قادمون إلى الدائرة من أبناء الدار البيضاء، معروفون بأسماء: "أحمد" و"عبد الله"، إلى جانب رئيسهم المعروف باسم "حسن" القادم من مدينة "أوزر" وكان كل ما يحصل داخل مخفر الشرطة يُتداول في المقاهي والمنازل والشارع بين السكان، وهو السبب الذي جعل أمرًا مدهشًا يُشاع بين الساكنة، مفاده أن الشرطي السري المسمى "حسن" أمر كلًّا من الشرطيين السريين "أحمد" و"عبد الله" باعتقال المسمى "أوشاوع"، الذي كان يشتغل مساعد سائق الحافلة التي تربط بين منطقة الراشدية ومدينة فاس، بتهمة نقل مخدر القنب الهندي "الكيف" والحشيش من مدينة فاس إلى دائرة الريش ومنطقة الراشدية ،وبما أنهما لم يحتجزا أي شيء بحوزة المعتقل، ولم يكن هناك أي دليل يبرر توقيفه، فقد أمرهما رئيسهما بممارسة التعذيب، وإجلاس المعتقل على القنينة، وانتزاع أقواله واعترافاته بالقوة. وهو ما جعل الشرطيين يرفضان تنفيذ الأمر، حتى إن الأمر وصل إلى حد التشابك بالأيدي مع رئيسهما ، وعلى إثر هذه الواقعة، تسرّب أمر غريب للغاية، وهو أن أي شرطي سري، كيفما كانت رتبته ، يُفرض عليه خلال الأشهر الستة الأولى من تخرّجه ضبط قضية إجرامية ما، سواء كانت جنحية أو جنائية ، وتقديمها للمحكمة داخل تلك المدة الزمنية المحددة، وإلا يتم رفض تعيينه نهائيًا كشرطي سري لمواصلة مزاولة تلك الوظيفة. وهو ما جعل الشرطي "حسن" يحاول إنقاذ نفسه من الطرد بالعمل على تلفيق التهم لإنسان بريء، براءة الذئب من دم يوسف، مع استخدام القوة المفرطة لانتزاع أقواله.
من هنا، أرى أن كثيرًا من السجناء المغاربة هم ضحايا لجرائم ضد الإنسانية، تُرتكب في حقهم من طرف أفراد الشرطة والسلطات بشكل عام، رغم أنهم أبرياء. كما أن ما يُسمى بـ"القضاة" في المغرب لا يستحقون تولي هذه المناصب، ولا ممارسة مهنة القضاء، لأنهم – في نظري – قضاة كسالى، متخلفون، رجعيون، انتهازيون، يلهثون خلف المال، ضيقي الأفق، عديمو الضمير والإنسانية، ولا يعلمون شيئًا عن دور القاضي في الدول الديمقراطية، ولا عن القضاء الدولي، أو حقوق الإنسان ، فهم مجرد منفذين لأوامر أسيادهم، لا يملكون الشجاعة الكافية للتشكيك في محاضر الضابطة القضائية، و يأخذون نفي و تصريحات المتهمين على محمل الجد. لا يصدرون أوامر بإجراء تحقيقات مضادة قد تؤدي إلى إثبات البراءة من عدمها. هم قضاة، بكل بساطة، صمٌّ بكمٌ عميٌ لا يعقلون
أما في الدول الديمقراطية، فالقاضي يطّلع على جميع حيثيات القضية وتجلياتها، بصفته الطرف الحيادي الذي يفحص كل ما هو معروض عليه. فإذا كانت النيابة العامة تدافع عن تطبيق القانون، وكان المحامي يدافع عن براءة موكله، فإن القاضي يحتكم إلى ضميره واستقلاليته ، ونزاهته ، وذكائه ليُمعن النظر في أقوال المتهم، ويوازن بينها وبين محاضر الشرطة والنيابة، وينظر بحدس وفطنة في أية تناقضات محتملة ، بل إن القاضي العادل قد يسمع من المتهم نفسه اعترافًا صريحًا، ومع ذلك يواصل التحقيق لفهم الأسباب النفسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية التي دفعت به للاعتراف، وهل هو اعتراف حقيقي أم مجرد نتيجة ضغط نفسي أو تعذيب. القاضي، في الأصل، يجب أن يسعى لإثبات براءة المتهم، والتخفيف من معاناته، ما لم تثبت إدانته بأدلة دامغة واضحة لا غبار عليها ، لكن، للأسف، لا يوجد هذا النوع من القضاة في المجتمعات المتخلفة مثل المغرب، حيث القاضي لا يفكر، لا يعرف، لا يجرؤ، ولا يريد سوى تصديق ما يُكتب له في المحاضر، حتى إن افتقدت إلى المنطق أو البرهان ، فبينما يُفترض بالقاضي أن يفترض براءة المتهم إلى حين إثبات العكس، فإن قضاة المغرب يفترضون العكس منذ اللحظة الأولى، ويعاملون المتهم كمجرم، لأنهم يفتقرون للاستقلالية، والإنسانية، والشجاعة القضائية
هذا ما يحصل في المغرب لكثير من المعتقلين الأبرياء، وقضية المعتقل المغربي–الأمريكي المدعو "فؤاد عبد النبي" تفضح، بشكل صارخ، ما يُسمى بـ"القضاء المغربي"، وتكشف عن الإجرام الواضح الذي تمارسه الضابطة القضائية من خلال تلفيق التهم، وصياغة ملفات فارغة تفوح منها رائحة الانتقام والانتهازية واستغلال السلطة لأغراض شخصية
فبتاريخ 21 يناير 2025، أصدرت المحكمة الزجرية بالدار البيضاء، وهي منعقدة للنظر في القضايا الجنحية التلبسية بقاعة 08، في ما وصفته بالجلسة الاعتيادية، الحكم الآتي نصه : بين وكيل الملك بهذه المحكمة، والمسمى فؤاد عبد النبي، مغربي مزداد بتاريخ 1 يناير 1970 بتازة، الظنين بارتكابه داخل الدائرة القضائية لهذه المحكمة، منذ فترة لم ينقضِ عنها أمد التقادم الجنحي، جنحة، التحريض ضد الوحدة الترابية للمملكة عبر الوسائل الإلكترونية، وإهانة رموز الدولة، والتحريض على ارتكاب جنايات وجنح بواسطة وسائل إلكترونية، وهي الأفعال المنصوص عليها والمعاقب عليها في الفصول: 1-299، 1-267، و5-267 الفقرة الثانية من القانون الجنائي.
استندت المحكمة في قرارها على الأمر الصادر بتاريخ 6 يناير 2025 عن السيد قاضي التحقيق في ملف عدد 3833-2301/2024، الذي قرّر متابعة المتهم من أجل التهم المذكورة ، كما استندت على مطالبة النيابة العامة بإجراء تحقيق في حق المتهم، بناءً على محضر الضابطة القضائية عدد 354 الصادر بتاريخ 31 أكتوبر 2024، والمنجز من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية ، والذي يفيد أن المعني بالأمر تم توقيفه من قبل عناصر الشرطة بمطار محمد الخامس الدولي بعد ولوجه أرض الوطن قادمًا من أمريكا ، وبعد تنقيطه، تبيّن أنه مبحوث عنه على الصعيد الوطني من طرف الفرقة نفسها، ليتم توقيفه وإحالته على الجهة المعنية، حيث تم الاستماع إليه بمحضر قانوني بتاريخ 24 أكتوبر 2024، فأنكر كل ما نُسب إليه من منشورات منسوبة إلى حساب فيسبوكي يحمل اسمه الكامل ، وقد صرّح المتهم بأنه لا يمتلك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن الأجهزة الإلكترونية التي صودرت من حوزته – أربعة أجهزة – لا تخصه، بل تخص أفراد عائلته، ورفض تسليم الأقنان السرية الخاصة بها بدعوى أنها لا تعود له. ورغم أن نتائج تحليل هذه الأجهزة في مختبر الشرطة الرقمية جاءت سلبية، إلا أن النيابة العامة أمرت بوضعه رهن تدابير الحراسة النظرية
عند الاستماع إلى المتهم تمهيديًا، صرّح بأنه لا يمتلك أي حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن الحساب موضوع البحث لا يخصه ولم يسبق له استعماله. وأضاف أن هناك العديد من الحسابات تحمل نفس الاسم على الإنترنت عمومًا، وعلى موقع "فيسبوك" خصوصًا ، وأشار إلى أنه في سنة 2017، وبينما كان يتصفح شبكة الإنترنت، لمح منشورًا يتضمن طلبًا لإسقاط الجنسية المغربية، وفي لحظة غضب، قام بكتابة اسمه الكامل ورقم بطاقة تعريفه الوطنية، لكنه لم يرسل الطلب إلى أي جهة، بل احتفظ به فقط، ولم يكن في نيته استعماله ، أما بخصوص الأجهزة الإلكترونية، فقد أوضح أن سبب رفضه تسليم الأقنان السرية هو أنها تخص أبناءه وعائلته، وقد أحضروها معه كهدايا إلى المغرب بعد اقتنائهم لأجهزة جديدة
وعند الاستماع إليه ابتدائيًا، جدد نفيه القاطع لما نُسب إليه، مؤكّدًا أن الحساب لا يعود له، وأنه كان مقيمًا في أمريكا من 2017 إلى 2024، أي خلال الفترة التي يُزعم أنه نشر فيها تلك المنشورات، وبأنه لا يملك أي توجهات سياسية معادية، بل هو ابن جندي شهيد، ولا عداوة له مع النظام السياسي المغربي، ولم يُعِدّ يومًا أي فيديو ، كما صرّح بأنه لا يعرف الحساب موضوع الملف، ولم يُبلَّغ به سابقًا، ولم يسبق له أن حُكم عليه أو تورّط في أي قضية من قبل، ولا توجد له سوابق قضائية. أما بخصوص وجود طلب إسقاط الجنسية بحوزته، فأوضح أنه كان قد فكر في الأمر خلال سنة 2017، نظرًا لحصوله على الجنسية الأمريكية، لكنه تراجع لاحقًا عن الفكرة
وبتاريخ 16 يناير 2025، أُدرجت القضية في جلسة علنية، وأُحضر المتهم في حالة اعتقال، ورفض أن يترافع عنه أي دفاع. وعندما وُوجه بالتهم، أنكرها جميعًا، وأكد أنه مواطن أمريكي، يحمل الجنسية الأمريكية، والتي تشترط التنازل عن الجنسية المغربية، وهو ما فعله سابقًا ، سُئل عن ملكية الأجهزة المحجوزة، فأجاب أنها في ملكية بناته القاصرات، ولا تخصه شخصيًا. وبعد أن قدّم وكيل الملك ملتمساته التي تضمنت المطالبة بالإدانة وتشديد العقوبة، خُتمت الجلسة بحجز القضية للمداولة إلى جلسة 21 يناير 2025 ، ورغم أن المتهم أنكر المنسوب إليه في جميع مراحل الدعوى، ورغم غياب أي دليل رقمي يربطه بالحساب الفيسبوكي المعني، ورغم النتيجة السلبية لتحليل الأجهزة، حكمت المحكمة الإبتدائية ثم محكمة الاستئناف عليه بما يلي
"خمس سنوات حبسا نافذاً، وغرامة مالية قدرها 100,000 درهم، مع تحميله الصائر دون إكراه، وأمرت بمسح مقاطع الفيديوهات والتدوينات المخالفة للقانون، ونشر ملخص الحكم في جريدتين وطنيتين، إحداهما بالعربية والأخرى بالفرنسية، على نفقته الخاصة."
وقد صدر الحكم علنًا في قاعة الجلسات الاعتيادية بالمحكمة الزجرية بالدار البيضاء، وكانت الهيئة مكونة من: ميلود ضومر (رئيسًا للجلسة)، عزيز الباز، وفاطمة اللاني (أعضاء)، أيوب زيدوح (ممثل النيابة العامة)، ومحمد حلاوي (كاتب الضبط)، في ملف عدد: 4336/2103/2025.
إن هذه المحاكمة الإنتقامية لهذا المواطن المغربي الأمريكي جعلتني أعود بالذاكرة إلى تلك الواقعة التي عرفتها دائرة الريش كي اقف عن احدى اخطر الجرائم و التجاوزات في مجال حقوق الإنسان التي ترتكبها السلطة المغربية في حق الأبرياء ، والتي لا يتقبلها العقل البشري ، ولن تصدر حتى عن المرضى النفسيين و المختالين عقليا ، لكنها وقائع ، زجرائم ، و أحداث مؤلمة تحصل في مملكة يحكمها الطغاة بكل ما تحمله الكلمة.
#علي_لهروشي (هاشتاغ)
Ali_Lahrouchi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟