عقيل الخضري
باحث، روائي، كاتب، ناشط في مجال حقوق الإنسان
(Aqeel Alkhudhari)
الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 06:55
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يوم أمس قرأت خبرًا عن اِنتحار طالبة داخل الحرم الجامعي في إحدى الجامعات الأهلية في العراق.. حيث ألقت الطالبة - دون العشرين من العمر- بنفسها من الطابق الرابع في مبنى الجامعة.
في تتبع افتراضي لحياة الطالبة في ساعات ما قبل قرار الاِنتحار..
في اليوم السابق، حاولت مفاتحة والدها باستحاق القسط الجامعي، وقفت متردِّدة عند باب غرفة والدها، فسمعته وهو يشتكي لوالدتها ظروف العمل القاسية، وعجزه عن توفير مستلزمات أخوتها المدرسية.. ويؤلمه منظر ابنته الكبرى منى، وملابسها القديمة الُمهتَرِئة وعجزه عن مساعدتها حتى بيومية تعينها بالمواصلات ولمشتريات بسيطة من كافتريا الجامعة.
عادت إلى الغرفة المشركة مع إخوتها وأخواتها.. حاولت التركيز بمطالعة المقرّر الدراسي لامتحان يوم الغد.. فلم تستطع التركيز! ففكرها تشتت في متاهات وذهنها ساح برغبة الموت، فهرب إلى اللاشيء فغفت وهي جالسة.
في الصباح الباكر، تناولت قطعة من الخبز وقدح من الشاي، ارتدت ملابسها اليتيمة، بنطال جينز عتيق بلون سماوي وجبة زرقاء بلون غامق، وحجاب أسود. طرقت باب غرفة والديها، بهدوء ودخلت، قبَّلت يد والدها فاستيقظ من نومه، وخرج صوته صباح الخير بابا.. إن شاء تدبر.. الله كريم.
خرج صوتها مستسلمًا بتلقائية:
- الله كريم..
قبَّلت رأس والدتها كعادتها كل صباح، انتبهت والدتها وندت:
- فطرتي ماما..
- إي..
- الله وياك..
تأبطت كتبها وخرجت تطوي الدروب مشيًا على قدميها، وبالها يخبط فيما ستواجه قسم الحسابات بما يتعلق بالقسط الجامعي.
أنهكها التعب وفتتها الأفكار. زميلاتها يتجنّبن صداقتها وحتّى الوقوف معها، فهي بنت معقدة ولملابسها رائحة غير طيبة على الدوام.. ووجهها شاحبًا كوجوه الموتى.
قبل أن تدخل قاعة المحاضرات، وقفت بقرب زميلتها رجاء، عسى أن تهبها طاقة إيجابية تسند قامتها النحيلة التي انهكها الجوع والتعب.. لم تتكلّم رجاء! اقتربت زينب ضحكت وقالت لمنى:
- حاولي تغيير ملابسك.. هذي الهدوم مقرفة!
ثم أمسكت بيد رجاء وذهبتا دون كلام..
سمعت صوت الطالب سيف:
- منى.. اذهبي لقسم الحسابات.. طلبوك.. اذهبي الآن.
بقدمين مثل خرقة قماش تناولت السلم للطابق الرابع، جرّت جسدها أو جرّها القدر جرًا.. اِتكأت على الحاجز الحديدي ونظرت إلى الأسفل.. الأرض الرخامية كسطح قبر جماعي.. تسلقت الحاجز وأفلتت يديها.
#عقيل_الخضري (هاشتاغ)
Aqeel_Alkhudhari#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟