أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عبد الله النملي - الإجرام.. محاولة لتفسير الظاهرة















المزيد.....

الإجرام.. محاولة لتفسير الظاهرة


عبد الله النملي

الحوار المتمدن-العدد: 8326 - 2025 / 4 / 28 - 00:13
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


وصلت حالة الإجرام بالأسلحة الحادة والمشفرة حدا لا يمكن السكوت عنه، بعد التنامي المطرد للظاهرة وتوالي عمليات "الكريساج"، حتى أصبح الخوف من قطاع الطرق والمجرمين أكثر من الخوف من "داعش"، حيث شكل هؤلاء السّياب الجُدُد، ظاهرة شبابية إجرامية قلقة، فتحت أعين المغاربة على أشكال إجرامية غير مألوفة، بحيث لم يكن يتوقع أحد أن تصل وقاحة المجرمين حدّ توثيق محاولات السلب والنهب والضرب والجرح والاعتراض والسرقة والاغتصاب والاحتجاز في وضح النهار. ولم يكن يتصور أحد أن تصل جرأة المجرمين حدّ اقتحام البيوت الآمنة بحثا عن "الغنائم والسبايا".

وحتى المدرسة امتد إليها الإجرام ليطال العاملين تحت سقفها، من خلال اعتداءات التلاميذ على بعضهم البعض، وعلى موظفي وأساتذة المدرسة. و خير مثال على ذلك قضية الاعتداء الجسدي على التلميذة سلمى بواسطة شفرة حلاقة على مستوى وجهها من طرف زميلة لها في الدراسة، والتي لقيت استنكارا واسعا من طرف المغاربة الذين استشاطوا غضبا من الحالة المتردية التي وصل إليها فضاء التربية والتعليم في بلادنا، وكذلك حادثة أستاذة أرفود التي توفيت متأثرة بجروحها على يد أحد طلابها، والتي عرفت تضامنا افتراضيا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، وخرجت دعوات بين صفوف الأساتذة للاحتجاج في مختلف المدن، من أجل إعادة الاعتبار لكرامة رجال ونساء التعليم، بعد أن أسقط بعض التلاميذ هالة التقديس والاحترام عن المدرسة والفاعلين فيها، ولم يعد للأستاذ حق التبجيل والاحترام، وأصبح الأساتذة يخافون على حياتهم، ويميلون أكثر إلى اتباع "السبل السلمية" في طريقة توبيخ التلميذ إذا ما اقترف فعلا يخالف أعراف المدرسة و تقاليدها، درءا لأي تصرف عنيف قد يصدر عنه. والنتيجة انتشار صور الاعتداءات على المدرسين، جعلت بعضهم يصاب بمرض نفسي، يزورون بسببه الطبيب بحثا عن الراحة، بعد أن أرهقتهم كثرة الضغوط الممارسة عليهم، التي تجعل منهم ضحية تلميذ "منحرف" داخل القسم أو خارجه.


والأخبار التي تتناقلها الصحافة، وشبكات التواصل الاجتماعي، والملفات الرائجة في المحاكم، كافية لكشف الستار عن المنحى التصاعدي الذي اتّخذه الإجرام بالمغرب. وقد بدأت الظاهرة في بعض المدن، ثم انتشرت جغرافيا في باقي البلاد، حيث لقيت اهتماما واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، لتصل إلى قبة البرلمان، بعد أن صار تجول مواطن حاملا حقيبة أو مُتحدثا في هاتفه تصرفا بطوليا.

ونتيجة لذلك، ارتفعت الحملات الداعية لمحاربة الاعتداءات المسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما أطلق نشطاء حملة "زيرو كريساج" تطالب بالتدخل لوقف الظاهرة الإجرامية. وقد أجْرَت المختبرات الجهوية للتسجيلات الرقمية والإلكترونية تحريات واسعة بشأن صور وفيديوهات تسربت إلى مواقع التواصل الاجتماعي، تُظهر مجرمين وجانحين يستعرضون سواطير وخناجر، وسكاكين كبيرة الحجم تقطر بالدماء، وسيوف مختلفة الأحجام، بعضها يُحيل على تلك المستعملة بالأفلام التاريخية وأفلام "الأكشن"، وكذلك عصي كهربائية وبخاخات، ويتباهون بغنائم تحصلوا عليها من عمليات سرقة وسطو.

وكانت وزارة الداخلية قد وجهت في السابق دورية إلى الولاة وعمال الأقاليم، تطلب منهم اتخاذ التدابير الكفيلة بالقضاء على استهلاك المواد المهلوسة، والتصدي لظاهرة الاتجار وصناعة الأسلحة البيضاء التي صارت اكسسوارا ملازما "للمشرملين"، بعد أن اتضح أن استهلاك القرقوبي واستعمال الأسلحة البيضاء يقفان وراء ظاهرة الإجرام المتصاعد. الأمر الذي استدعى توقيف العديد من الأشخاص على خلفية تورطهم في قضايا تتعلق بالسكر العلني والعربدة وإحداث الفوضى والمشاركة في مشاجرات، واعتقال آخرين لتورطهم في حيازة السلاح الأبيض دون سند مشروع، والتهديد بارتكاب جنايات وجنح ضد الأشخاص والممتلكات، وعدم الامتثال لإجراءات الضبط، وإبداء المقاومة العنيفة عن طريق الكلاب من فصيلة خطيرة. ولدرء هذه التهديدات الخطيرة والوشيكة المسجلة، اضطر رجال الأمن أحيانا لاستخدام السلاح الوظيفي بشكل احترازي.

إن تفشي الإجرام في وسط المراهقين والشباب عامة، أصبح ظاهرة ملفتة في المجتمع المغربي. هذه الظاهرة عنوان لمشكلة فراغ وسوء التربية والمشاكل الاجتماعية، وانشغال الوالدين في حياتهم عن مراقبة أبنائهم، مما دفع بالشريحة المذكورة إلى توظيف طاقاتها في الإجرام. وإذا كانت الظواهر الشبابية عَبّرت عن نفسها في الماضي من خلال الموسيقى والرياضة وغيرها، فإن ظاهرة الإجرام تعبير شبابي عنيف، ينم عن رفض لواقع مأزوم. شباب يحاولون اثبات وجودهم ولفت الأنظار إليهم من خلال التمرد على واقعهم، مستغلين العالم الافتراضي لعرض غنائمهم وأسلحتهم الحادة والمُشَفّرة. هذه الظاهرة، يتميز أصحابها، عما سواهم، بكلامهم غير المفهوم، وطريقة حلاقتهم اللافتة للأنظار، وتحويل أجسادهم لورش للأوشام والرسوم، وارتداء الملابس الغالية الثمن، وامتلاك أغلى الهواتف، والساعات اليدوية، والتزين بأغلى العطور، واستعمال دراجات نارية، وأحذية رياضية، واستعراض القوة من خلال تهديد الآخر.

العنف صفة مُكْتَسَبَة لا فطرية. وقد أظهرت دراسات أن لوسائل الإعلام نصيب وافر في التأثير على سلوك الأبناء، ذلك أن مشاهدة أفلام الإثارة والعنف والجريمة له دور كبير في ميل الذكور إلى العنف، باختلاف أعمارهم ودرجات تعليمهم. كما خَلُصَت أبحاث أخرى إلى أن بعض المشاهدين لتلك الأفلام يتأثرون أحيانا بتلك المشاهد. أما على صعيد أبطال أفلام المغامرات والإثارة والرعب، فالملاحظ أن أولئك الأبطال يتميزون بالبنية الجسدية الضخمة الرياضية، ويتصفون بالوسامة والقبول الإجتماعي (داخل أحداث الفيلم)، إضافة إلى سعي البطل إلى نُصْرة من حوله وكشف الحقيقة، كما يتميزون عادة بحركات احترافية وصعبة وسرعة البديهة، وفي أحيان كثيرة يميز البطل نفسه بلباس معين. وقد أوضحت دراسات مختصة أن عينة من الشباب تَمَنّوا فعليا أن يكونوا بقوة وسيطرة أبطال الأفلام، وأكدوا وجود مثل هذه النماذج البطولية في الواقع.

وهذا يؤكد أن التأثر بالصورة المُكْتَسَبَة من مشاهدة أبطال الأفلام تؤثر في المشاهدين، حتى إن البعض منهم يَأمل أن يكون نموذجا واقعيا من صورة أولئك الأبطال في تلك الأفلام. ناهيك عن آخرين أكدوا محاولتهم تقليد سلوك الأبطال في هذه الأفلام، واستعانتهم ببعض الأفكار التي شاهدوها في تلك الأفلام في حياتهم الواقعية.

وبيّنَت الدراسات كذلك، أن الألعاب الإلكترونية الحديثة، لعبت دورا كبيرا في برمجة عقول شبابنا على استخدامها كرمز للقوة والشجاعة. فبعض الألعاب قائمة على شراء الأسلحة لقتال العدو والنيل منه للفوز عليه، والانتقال لمراحل أعلى في اللعبة.

وعلى الرغم من الأعباء الثقيلة والتضحيات الجسيمة التي يَبْذلها رجال الأمن، لازالت الجريمة في تنامي مطرد، الشيء الذي أقلق طمأنينة الناس، ذلك أن كل العمليات الإجرامية ذات علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالخمر والمخدرات والقرقوبي والأسلحة البيضاء، والتي يعتبرهم الخبراء البيئة الخصبة لمختلف الجرائم. وكيف يطمئن القاضي إلى ميزان العدالة إذا كان المجرم يعود إليه كل بضعة أشهر بجريمة جديدة؟، وكيف يخرج الشباب من حالة الإحباط إذا كان ترويج الخمر والمخدرات والقرقوبي يتم بالقرب منهم؟. وليس من الحِكمة أن تمر التقارير التي تتحدث عن انتشار الجريمة دون الوقوف عندها والتأمل في أرقامها. وفي الوقت الذي تستفحل فيه ظاهرة الإجرام، ننتظر بالمقابل مواجهة عاجلة توازي حجم المشكلة.



#عبد_الله_النملي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفنان حميد بنوح.. رحيل مسرحي كبير
- من عجائب وغرائب الإحصاء العام للسكان والسكنى
- الهروب الجماعي .. «حتى مش ما كيهرب من دار العرس»
- الصحراء المغربية والعداء الجزائري
- اطروحة الإنفصال تتهاوى
- اللغة الرسمية للبلاد تهان وتحتقر
- هل ظهر ملك الغابة بالمغرب؟
- صهاينة العرب.. -إسرائيل- دولة طبيعية ومحبة للسلام أيضا !
- أمريكا والدعم اللامحدود للكيان المحتل
- طوفان الأقصى يمرغ كبرياء الكيان في الوحل
- ما هكذا يتم الإحتفاء بالمدرسين
- بلغوا تجار الأزمات أن الكفن بلا جيوب
- زلزال المغرب .. في الإتحاد قوة
- آسفي.. بحث في معنى اسم المدينة
- عين لالة ميرا.. الماء و الخرافة
- الغرب والطعونات الرعناء في الإسلام
- فلسطين الفائز الأكبر في مونديال قطر
- اسفي .. من أكبر طاجين في العالم إلى أكبر مزهرية في افريقيا
- ظاهرة حفلات التكريم الزائفة
- العَبــــــــث بِاســـم الفــنّ و السينــمـا


المزيد.....




- الشرع يتسلم دعوة رسمية من العراق للمشاركة في القمة العربية
- كورسك.. كيف سقطت أهم ورقة أوكرانية؟
- الجيش الأميركي يكشف تفاصيل عملياته ضد الحوثيين
- ترامب: أعتقد أن زيلينسكي مستعد للتخلي عن شبه جزيرة القرم
- نتنياهو يردّ على اتهامات رئيس الشاباك -الخطيرة-
- واشنطن تتحدث عن -أسبوع حاسم- أمام أوكرانيا وروسيا
- زيادة قياسية في الإنفاق العسكري العالمي خلال 2024
- الحداد يتحوّل إلى غضب في إيران بعد مقتل 40 شخصاً خلال انفجار ...
- فولغوغراد تستضيف المنتدى الدولي.. -إرث عظيم - مستقبل مشترك- ...
- نائب عن -حزب الله- يعلق على استهداف إسرائيل للضاحية الجنوبية ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - عبد الله النملي - الإجرام.. محاولة لتفسير الظاهرة