ثمن الحداثة

عمر علوي

الحوار المتمدن-العدد: 1804 - 2007 / 1 / 23 - 11:13
المحور: المجتمع المدني
    

Dans l ordre naturel comme dans l ordre social, il ne faut pas vouloirêtre plus qu on ne peut.
CHAMFORT-
ذلك الفقيه الذي أرسل ابنته الوحيدة للدراسة في أمريكا لم يكو يدور بخلده أن البنت التي ستعود اثر انتهاء الدراسة والتتويج بالشهادة الجامعية العليا ليست تحديدا ابنته الأثيرة التي قضى سحابة عمره يسلحها بترسانة من القيم والمواضعات والسلوكات النمطية كان يجهل أن للغة نظاما خفيا لتسنين القيم والمحددات الثقافية كما يقول أصحابنا في السميولوجيا .
لم يكن لفقيه أصلحه الله مندهشا من السيجارة الشقراء التي أصبحت تنبت كل صباح بين شفاه ابنته، ولم يفغر فاه لتنورتها القصيرة ولا لمسرب نهديها المتحدي، فقد رأى في مجتمعه ما (يشيب) على حد قوله...
الذي لم يفهمه صديقنا هو أحكام ابنته التي تغيرت، نظرتها لقيمه وأفكاره ونمطيات جيله، الطريقة الجديدة التي غدت تحاكم بها ابنته نظام الأشياء والقيم والسلوكات.
نسي صديقنا أو تناسى أن ابنته لو ترضع من ثدي أمريكا لغة ترطن بها فقط بل رضعت معها شغفا بحداثة انسربت في نسيج حياتها وغدّت نظرتها لكل شيء. تغير الوطن الذي تركته لأنها تغيرت هي. كثيرة هي الأشياء التي كانت تقبلها تهضمها معدتها الثلاثية. لم تكن كثير من السلوكات تتبدى في مرآتها غريبة أو شاذة أو حتى معرقلة، وهاهي الأيام تتكشف عن صورة أخرى وعن أشياء ماعادت تطبقها أو تستسيغ هضمها ولسان حالها يقول:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
نظام التسنين الذي خضعت له ثقافة ابنته هو درس سميولوجي مفيد للمغاربة لأن فقيهنا موجود في كل مكان وفي كل وزارة وقطاع.لنتذكر الرحلات .......... المغربية ولنتذكر كيف استقبل مجتمعنا محاولات التحديث المبكرة وكيف أفنى سادتنا الفقهاء بتحريم السكر وكيف قسموا العالم نصفين دار الحرب ودار السلام، وفيما كانت دار الحرب تعانق بتلات الحداثة كانت دار السلام تئدها في غيابات الجب.
يعود الكثير من المغاربة إلى الوطن يشتعلون حماسا لزرع بذور حداثة تشربوها في طريقهم الطويل علها تنبت في تربة وطنهم يضعون الخطط ويرسمون المستقبل الحداثي المشرق ولكن ما يكادون يطرحون أفكارهم على موائد الساسة حتى يسمعون في كل وزارة وقطاع صوت الحجاج يلعلع : أني أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها.

#عمر_علوي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات