محمود كلّم
(Mahmoud Kallam)
الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 15:48
المحور:
القضية الفلسطينية
في الوقت الذي يُدفن فيه الأطفال تحت الركام، وتُمحى العائلات من السجلات، وتُذبح الحقيقة على أبواب العواصم الصامتة، يخرج علينا محمود عباس، ليصف نفسه بـ"رئيس زعَلَطي".
ولا غرابة، فالاعترافُ، وإن جاء متأخراً، لا يُكفّر عن تاريخٍ حافلٍ بالخذلان، والانفصال عن نبضِ شعبٍ ينزف منذ أكثر من سبعين عاماً.
الزعَلَطي ليس مجرّد كلمةٍ عامية، بل توصيفٌ فاضحٌ لحالةٍ سياسيةٍ ساقطة، تعيش على هامش الكرامة، وتعتاشُ على فتاتِ التنسيق الأمني، وتتنعّم بأموالٍ مشبوهةٍ تُكدّس في جيوب الأبناء، بينما الآباء يُحمَلون على الأكتاف في شمال غزة، والدماء تجرف الأمل في رفح وخان يونس.
الشعب الفلسطيني ليس بحاجةٍ إلى رئيسٍ زعَلَطي، ولا إلى من يرى في الكرسي وطناً، وفي الاحتلال شريكاً، وفي الذلِّ سياسة.
هذا الشعبُ العملاق بتضحياته، الجريح بخيباته، المحتشد بأوجاعه، بحاجةٍ إلى قائدٍ وطنيّ كبير، قائدٍ بمستوى النكبة، والشتات، والكرامة المنهوبة. قائدٍ قادرٍ على أن يوحِّد الفصائل المكسورة، ويجمع الشظايا، ويغلق جرح الانقسام، لا من يباركُ الانفصال ويؤسسُ عليه سلطةً بلا روح.
الزعَلَطي هو الذي سمح لأولاده ببناء إمبراطوريات المال، وسط بحرٍ من الفقر، والبطالة، والاحتلال. الزعَلَطي هو الذي منحهم مفاتيح الشركات، وشهاداتِ الحصانة، وجوازات التنقّل، تحت أعين مخابرات الإحتلال، التي كانت — وما زالت — تدير المشهد من وراء ستار.
لا ملامة على من باع القضية برخص، وارتضى لنفسه أن يكون دميةً في مسرحٍ عبثيٍّ ملوّث.
الملامةُ على أولئك الذين ما زالوا يُصفّقون له، ويُهلّلون لزعامته، ويُزيّنون الوهم بشعاراتِ "الشرعية"، وهم يعلمون أن الشعب الفلسطيني بات يلفظهم واحداً تلو الآخر.
لقد آن الأوان. آنَ لشرفاءِ حركة فتح، لمن بقي فيهم نبضٌ وضمير، أن يتحرّكوا، أن يُصحّحوا المسار، قبل أن ينهار كلُّ شيء، قبل أن نصحو ذات صباحٍ فنجد أنفسنا غرباء عن وطنٍ صُلبَ على أيدي "الزعَلَطيين".
وحده الطفل في غزة يعرف الحقيقة، حين يفتح عينيه على جثث عائلته، ولا يجد في هذا العالم سوى الصمت. وحده الشهيد يُدرك المعنى، حين يسقط بلا وداع، بينما الرؤساء "الزعَلَطيون" يتحدثون عن السلام الموهوم، ويصافحون قتلة الأحلام.
إنّ هذا الوطن، الذي دُفن مرّاتٍ ومرّات، لا يحتاج مزيدًا من الخُطب، بل يحتاج من يبكي عليه بصدق، من يُقاتل من أجله، من لا يخونه.
وحتى يأتي ذاك القائد، سنظل نكتب بالحبر والدم… عن وطنٍ يُذبح، وقضيةٍ تُباع، وعن وجعٍ اسمه فلسطين.
[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنينِ السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.
#محمود_كلّم (هاشتاغ)
Mahmoud_Kallam#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟