أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - ضيا اسكندر - الفساد والانفتاح.. إعدام الاقتصاد السوري














المزيد.....

الفساد والانفتاح.. إعدام الاقتصاد السوري


ضيا اسكندر

الحوار المتمدن-العدد: 8324 - 2025 / 4 / 26 - 15:45
المحور: الصناعة والزراعة
    


منذ سقوط نظام البعث قبل نحو خمسة أشهر، دخلت سوريا في موجة من الانفتاح التجاري العشوائي، اتسم بانعدام الضوابط وغياب أي سياسة اقتصادية واضحة. وقد اجتاحت البضائع التركية الأسواق المحلية بلا قيود جمركية تُذكر، لتتحول البلاد إلى سوق مفتوحة تُغرقها السلع الاستهلاكية والكماليات – من الأجهزة الكهربائية إلى السيارات والمواد الغذائية – التي تُباع بأسعار زهيدة مقارنة بالمنتج المحلي، مما يُنذر بخطر حقيقي يتهدد ما تبقى من قطاعات الصناعة والزراعة السورية.
والمفارقة أن النظام السابق، رغم كل ما شابهُ من خللٍ وفساد، كان يُظهِر – ولو بشكلٍ صوري – حرصاً على حماية الإنتاج الوطني، عبر فرض قيود موسمية على الاستيراد تتزامن مع فترات ذروة الإنتاج المحلي.
أما اليوم، فقد فُتحت الأبواب على مصراعيها لتحوّل سوريا إلى مستودع لفائض إنتاج دول الجوار، دون أي اعتبار لمصالح المزارعين والصناعيين السوريين، الذين يعانون أصلاً من تدهور البنية التحتية، وندرة الطاقة، وغياب التمويل، ما جعل قدرتهم على المنافسة في أدنى مستوياتها.

استنزاف العملة الصعبة وانهيار القطاعين العام والخاص
لا يخفى على أحد أن هذا الانفتاح العشوائي على الاستيراد يفاقم الأزمة المالية في البلاد، ويُسرّع وتيرة استنزاف احتياطيات العملة الصعبة، التي تُعدّ شريان الحياة لأي اقتصاد يُكابد آثار الحصار والعقوبات.
لكن الأخطر من ذلك هو الزجّ بالمنتج المحلي في معركة غير متكافئة مع السلع المستوردة. فكثيرٌ من البضائع الأجنبية التي تغزو السوق لها نظائر محلية، بل قد تتفوق عليها جودةً في بعض الأحيان، ومع ذلك يخسر المنتج السوري المنافسة، لا لضعفٍ في النوعية، بل لارتفاع تكاليف الإنتاج بشكل خانق.
ويعود هذا الارتفاع إلى جملة من الأسباب، أبرزها:
- انهيار البنية التحتية لقطاعي الطاقة والنقل، ما يرفع تكاليف التشغيل بشكل كبير.
- منظومة ضريبية ورسوم مجحفة تُثقل كاهل المنتجين دون عائد واضح.
- تفشّي الفساد الإداري، الذي يحوّل المعاملات إلى مساحات ابتزاز ومعاناة.
- غياب الدعم الحكومي وضعف السياسات الحمائية، ما يترك الصناعيين والمزارعين في مهبّ السوق المفتوح بلا درع أو سند.

إن استمرار هذا الواقع يُهدد ما تبقى من الصناعة الوطنية والزراعة، ويُحوّل الاقتصاد إلى مجرد سوق استهلاكي ينهش ذاته، حيث تضعف قدرة المنتجين الزراعيين على المنافسة وسط ارتفاع التكاليف وإغراق الأسواق بالبضائع المستوردة.
في المقابل، تُباع السلع التركية بأسعار مدعومة، ما يدفع المستهلك السوري – الذي أنهكه الفقر – إلى التوجه إليها، وهذا قد يُسرّع في إغلاق المصانع المحلية وتسريح العمال، ويدفع البلاد نحو مزيد من التبعية الاقتصادية لتركيا وتفاقم الأوضاع المعيشية التي هي بالأصل مأزومة.

مستقبل مظلم: من الفشل إلى الانهيار الكامل
إذا استمر هذا الواقع على حاله – وهو احتمالٌ وارد في ظل غياب رؤية اقتصادية واضحة – فإن سوريا لن تبقى عند حد الفشل القائم، بل ستتجه بسرعة نحو انهيار شامل، سيكون ثمنه باهظاً على المجتمع والدولة بأسرهما.
في ظل هذا المسار، سيزداد الاعتماد على الاستيراد، مما يهدد بانهيار ما تبقّى من القاعدة الإنتاجية المحلية. كما ستتصاعد معدلات البطالة نتيجة إغلاق المصانع والمزارع والمؤسسات الإنتاجية، بينما تتفاقم الأزمة النقدية بفعل نضوب احتياطيات العملة الأجنبية واتساع فجوة العجز في الميزان التجاري.
وفي نهاية المطاف، ستتحوّل سوريا تدريجياً إلى سوق استهلاكي هش، تابع اقتصادياً للخارج، بعد أن كانت تمتلك مقومات دولة منتجة. وإن لم يحدث تدخّل عاجل وفعّال، فإن الأمر لن يقتصر على أزمة اقتصادية فحسب، بل سيمتد ليشكل مأساة وطنية تهدد لقمة العيش، وتضرب كرامة المواطن، وتضع مستقبل الأجيال في مهبّ المجهول.

هل من مخرج؟
لا يكمن الحل في الانغلاق الاقتصادي، بل في تبني حزمة من السياسات الذكية والمتوازنة التي تنهض بالاقتصاد الوطني دون أن تخنق السوق أو تعزل البلاد عن محيطها. وأولى الخطوات تبدأ بمكافحة الفساد الذي يثقل كاهل الإنتاج ويرفع التكاليف بشكل غير مبرر، تليه ضرورة دعم الصناعات المحلية عبر تسهيلات ضريبية وتمويلية تُعيد تحفيز عجلة الإنتاج.
كما أن إصلاح البنية التحتية وضمان استقرار إمدادات الطاقة يُعدّان شرطين أساسيين لأي نهوض صناعي أو تجاري. إلى جانب ذلك، ينبغي فرض رسوم جمركية انتقائية على السلع غير الضرورية، بما يسهم في حماية السوق من الإغراق دون أن يعطل حركة التجارة.
وفي نهاية المطاف، يبقى السعي الحثيث لرفع العقوبات المفروضة على البلاد ضرورة لا غنى عنها، إذ لا يمكن لأي اقتصاد أن يتنفس تحت وطأة القيود الدولية الخانقة.
"السياسة هي تعبير مكثف عن الاقتصاد"
من المسلّم به أن الاقتصاد لا ينفصل عن السياسة، ولا يمكن معالجة الأزمات الاقتصادية المزمنة عبر قرارات اقتصادية معزولة عن السياق السياسي العام. فالأزمة الراهنة ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج سياسات متراكمة عبر عقود، أفرزت واقعاً هشّاً على مختلف المستويات.
ولكي يكون الخروج من هذا النفق ممكناً، لا بد من إطلاق مبادرة جادة تبدأ بعقد مؤتمر وطني عام، يشكل منصة حوار حقيقي بين مختلف مكونات المجتمع السوري. مؤتمر يتناول جذور الأزمات، ويفتح الباب أمام إعادة صياغة المشروع الوطني على أسس تشاركية، ويضع اللبنات الأولى لحكومة وحدة وطنية واسعة التمثيل، تتولى قيادة المرحلة الانتقالية بجدية ومسؤولية.
في ظل هذه الحكومة، يُعاد النظر في الدستور ضمن عملية وطنية شفافة، وتُجرى انتخابات حرّة ونزيهة تُمكّن الشعب السوري من التعبير عن إرادته واختيار مستقبله.
أما في غياب هذا المسار، فإن المشهد المُقبل يبدو أكثر قتامة: فالدولة التي عُرفت يوماً بتنوع اقتصادها، مهددة بالتحول إلى أرضٍ بائسة، تعيش على فتات الجوار، وتفقد ما تبقّى من استقلال قرارها وكرامة شعبها.



#ضيا_اسكندر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الواقع الأمني والاجتماعي في الساحل السوري.. مجازر وقلق وخيبا ...
- اليسار نائم: الرجاء عدم الإزعاج!
- -ثوار- خارج الخدمة
- اللجنة الوطنية للتحقيق: عندما تتحول المجازر إلى مسلسل شهري ب ...
- رسالة إلى سلطةٍ لم تَعُد ترى إلا ما تُريد..
- سكاكين المخطط: سوريا خارج التاريخ
- المجازر وخريطة التقسيم: كيف تؤدي الفظائع إلى تفتيت الأوطان؟
- لماذا تقلّ نسبة الجرائم في الدول الاسكندنافية؟
- من الطفولة إلى الإجرام: كيف يُصنع القتلة؟
- بين إحصاء الموظفين وإحصاء الضحايا.. ذاكرة الحكومة الانتقائية ...
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- العلويون في سوريا.. تاريخها معتقداتها معاناتها مستقبلها (الج ...
- الإعلام.. صانع الأحداث أم بائع الوهم؟
- سوريا بعد مائة يوم: أي عهدٍ هذا؟
- أردوغان وتطلعاته للسلطة الدائمة: تحليل لاستراتيجياته السياسي ...
- بين مطرقة الخوف وسندان الوطنية.. زيارة الدروز إلى إسرائيل
- اتفاق عبدي والشرع.. توقيع في الزمن الحرج
- الإعلان الدستوري: نسخة محسّنة من الاستبداد القديم!
- الطائفية.. حين يصبح الانتماء تهمةً تستوجب القتل
- هل أصبح مصير المفقودين في الأزمة السورية طيَّ النسيان؟


المزيد.....




- بالصور - من ساحة القديس بطرس إلى سانتا ماريا ماجوري: هكذا ود ...
- الطريقة الي تتبعها لفقدان الوزن الزائد تؤثر على صحتك النفسية ...
- ترامب يهدد روسيا بعقوبات مصرفية
- -القسام-: استهدفنا قوة إسرائيلية تحصنت داخل منزل بالقذائف وا ...
- مسؤول أمريكي: نتوقع من روسيا وأوكرانيا توضيح نواياهما لحل ال ...
- حكومة صنعاء في اليمن: إصابة ثلاثة بحارة روس في غارات أمريكية ...
- باربرا ليف : -تطبيع السعودية مع إسرائيل مرهون بإنهاء الحرب ع ...
- إيران تتحدث عن خلافات مع أميركا بمحادثاتهما النووية في مسقط ...
- تحضير الوجبات المسبقة.. توفير للوقت والمال أم خطر صحي خفي؟
- الدويري: فيديو القسام يثبت بالصوت والصورة أن إسرائيل تسعى إل ...


المزيد.....

- كيف استفادت روسيا من العقوبات الاقتصادية الأمريكية لصالح تطو ... / سناء عبد القادر مصطفى
- مشروع الجزيرة والرأسمالية الطفيلية الإسلامية الرثة (رطاس) / صديق عبد الهادي
- الديمغرافية التاريخية: دراسة حالة المغرب الوطاسي. / فخرالدين القاسمي
- التغذية والغذاء خلال الفترة الوطاسية: مباحث في المجتمع والفل ... / فخرالدين القاسمي
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي- الجزء ا ... / محمد مدحت مصطفى
- الاقتصاد الزراعي المصري: دراسات في التطور الاقتصادي-الجزء ال ... / محمد مدحت مصطفى
- مراجعة في بحوث نحل العسل ومنتجاته في العراق / منتصر الحسناوي
- حتمية التصنيع في مصر / إلهامي الميرغني
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ... / عبدالله بنسعد
- تطوير المشاريع الصغيرة والمتوسطة، الطريقة الرشيدة للتنمية ا ... / احمد موكرياني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصناعة والزراعة - ضيا اسكندر - الفساد والانفتاح.. إعدام الاقتصاد السوري