أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رسلان جادالله عامر - أفكار وجيزة في العلمانية















المزيد.....

أفكار وجيزة في العلمانية


رسلان جادالله عامر

الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 22:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التعريف الشائع للعلمانية هو أنها الفصل بين الدولة والدين، وهذا تعريف سطحي واختزالي، فالتعريف الأعمق والأوسع للعلمانية هو أنها الاعتراف بالعالم الواقعي كحقيقة مطلقة، وبالعقل الإنساني كوسيلة وحيدة لمعرفة هذا العالم ولإدارة شؤون وحل مشكلات الإنسان فيه.
والعلماني هو الإنسان الذي يمتلك مثل هذا الاعتراف ويلتزم به في حياته كناظم لهذه الحياة.

أما عند تعريف العلمانية كفصل بين الدولة والدين، فهي تكون بلا أساس، حيث لا يفهم من هذا التعريف سبب هذا الفصل الغاية منه وما هو بديل الدين فيه؟
كما لا يفهم منه أيضا من هو الشخص العلماني إلا أنه ذاك الشخص الذي يتبنى أو يقبل مبدأ الفصل بين الدولة والدين، وبذلك يُختزل مفهوم الشخص العلماني في حدود موقفه السياسي من العلاقة بين الدولة والدين، بل ولا يدخل في إطار هذا الموقف موقف الشخص نفسه من الدين نفسه؛ كما أنه لا يتضمن أيضا أية فكرة عما إذا كان هذا الشخص متدينا في حياته أم لا، وهل لديه بديل للدين فيها؟

في العلمانية.. الدين ككل يعتبر منتجا بشريا محكوما بعصره ومكانه وظروفه، وهو من إنتاج العقل البشري بالطبع، ولكنه من إنتاج عقل قاصر عقلانيا ومعرفيا وعلميا ﻷسباب تاريخية موضوعية؛ ومع ذلك فتاريخيا لم يكن ثمة مفر من الاعتماد على الدين واستخدامه على نطاق جد واسع في حكم المجتمعات وضبط الناس، إذ لم يكن ثمة بديل له آنذاك..
لكن اليوم البديل أصبح متوفرا، والعقل الحديث المسلح بالعلم والمعرفة والتجربة التاريخية الغنية يستطيع أن يكون ذلك البديل، وهذا العقل يمكن تسميته بالعقل العلماني العقلاني؛ وهو يجزم بعدم صلاحية اﻷديان كلها، وبدون استثناء أي منها، لإدارة العالم الإنساني الحديث، وذلك ﻷن اﻷديان كلها منتجات عقول بشرية غير ناضجة معرفيا، ومتدنية العقلانية.

لكن مع ذلك، فالعلمانية لا تقترن قطعا بالإلحاد، رغم قولها ببشرية كل اﻷديان، ومن الخطأ الفادح القرن بين العلمانية والإلحاد.
والمسألة الإلهية في العلمانية يجب فصلها عن الدين.
والعلمانية تولي هذه المسألة إلى الفلسفة العقلانية (بالمفهوم الواسع لهذه الفلسفة)، وتعطيها كامل الحرية للبت فيها وتقبل فيها كل الاختلاف الإنساني!
وبالطبع يجوز في النتيجة الحديث عن "علمانية مادية" ترى بأن الوجود ككل أساسه هو المبدأ المادي، أو المادة؛ وعن "علمانية روحانية" ترى أن أساس الوجود كله هو الروح أو المبدأ الروحي.
لكن مثل هذه التشكيلات أو التركيبات العلمانية، هي قطعا ليست مذاهب في العلمانية ولا هي اختلافات أو انقسامات فيها، وما هي إلا مذاهب أو اختلافات في أوساط العلمانيين في ما يتعلق بمواقفهم من المسألة الرئيسة في الفلسفة المرتبطة بسؤال أصل الوجود، وهل هو المادة أو الروح (أو الوعي)؟
وبالطبع، فالعلمانية في مبادئها الخاصة، لا تفضل المادية على الروحانية أو العكس، ولا الإلحاد على الدين أو العكس، وكل هذا تقبله وتعترف به بشكل متساو تماما، وتعتبره أشكالا مختلفة من أشكال التنوع والاختلاف الإنساني.

العلمانية في قيامها على العقل العقلاني، تعي تماما حقيقة أن العقول تختلف وتتنوع، وأن العقل لا يمكنه أن يكون عقلا فاعلا إلا إذا كان حرا، ولذا فهي تعترف بحرية الاختيار وبالاختلاف والتنوع، وتعطي هذه الحرية حتى للعقول غير العقلانية، وتقبل بخياراتها ضمن شرطية عدم الضرر الإنساني؛ فالعلمانية بإنسانيتها وعقلانيتها ترى أنه من المناقض لها جوهريا أن تصادر حرية أي إنسان حتى وإن لم يكن إنسانا عقلانيا، فمصادرة اختيار أي إنسان تعني سلب حريته وامتهان كرامته، وهذا ما تأباه العلمانية كليا، وتعتبره نقيضا جذريا لها.

ولذا تُقبل في العلمانية كل اﻷديان والعقائد كخيارات لأناس مختلفين، ولكنها جميعا تؤَطر بإطار إنساني، فلا يرفض منها أو فيها إلا ما يتعارض أو يتناقض مع الإنسانية ويتسبب بشرّ للإنسانية.
وبهذا الشكل تستوعب العلمانية في إطارها الإنساني الرحيب كل الاختلافات الإنسانية، البنّاءة وغير الهدامة، ولا ترفض منها إلا الضار إنسانيا.
وهي بذلك تختلف جذريا عن اﻷديان ذات اﻷطر الضيقة، التي تؤطر الإنسانية بإطارها الديني، وكل منها يتعارض أو يتناقض أو يترافض مع غيره اﻷطر الدينية الأخرى.
بينما في العلمانية، الإطار الإنساني واسع إلى أقصى الحدود ويستوعب كل الاختلافات ويقيم بينها التوافق والانسجام على قاعدة إنسانية؛ أما في اﻷديان، فعادة ما يُقلص الإطار الإنساني إلى أضيق الحدود، وتُرفض الاختلافات وتُنبذ، ويحل بينها الاضطراب والتوتر والنزاع.

وفي الدين، معيار الخير ديني رباني، ولذلك تتناقض وتتضارب معاييره بين اﻷديان المختلفة؛ أما في العلمانية فمعيار الخير إنساني، وهو يوحد ويشمل جميع الناس، وعندما يضبط هذا المعيار الإنساني اﻷديان بضوابطه، فهو يؤنسنها ويجعلها تنوعات تغني العالم الإنساني.

علاقة العلمانية بالحرية علاقة جوهرية، والعلمانية تفقد ذاتيتها إن هي افترقت عن الحرية أو تعارضت أو تناقضت معها، ولذلك تعترف العلمانية بالحرية في كل المجالات، وتقبل بالاختلاف فيها بما ينسجم مع الشرطية الخيرية الإنسانية، التي تتمثل بعدم التسبب بأي ضرر بالمفهوم الإنساني.
وهكذا تقبل العلمانية التنوع والتعدد في كل مجالات حياة الإنسان، كالفكر والسياسة والاعتقاد وسواها...

وفي العلمانية، اﻷخلاق بدورها محكومة بمنطق الحرية والتنوع المشروط إنسانيا؛ ولذلك لا تتبنى العلمانية أية أنماط أخلاقية شمولية وتفرضها بصرامة على الجميع!
بل تعطي الحرية لكل الناس بأن يختاروا مذاهبهم اﻷخلاقية التي ترضيهم، بشرط ألا ينجم عن خياراتهم هذه أية أضرار.
وهكذا تعطي العلمانية لكل إنسان إمكانية أن يختار منظومته اﻷخلاقية التي تناسبه، وأن يحيا حياته وفق هذه المنظومة، دون أي منع له منها أو فرض لغيرها عليه.

وفي الجنس، العلمانية تتخذ موقفا مشابها لمواقفها في الميادين الإنسانية اﻷخرى، فتقبل فيه الحرية والتنوع والاختلاف ضمن نفس المعيارية الإنسانية.
ولذلك تقبل العلمانية في مجتمعاتها أنماطا مختلفة من الجنس كالزواج التقليدي، والزواج المدني، والجنس الحر (العلاقة بدون زواج)، والرهبنة، وسواها..
هذا من الناحية التنظيمية؛ أما من الناحية الاعتبارية فهي أيضا تقبل التنوعات في الجنس من القيمة الوظيفية التي يعتبر فيها الجنس مجرد نشاط وظيفي بيولوجي محض، إلى القيمة الروحية، التي يمكن أن يعتبر فيها الجنس نشاطا ذي بعد روحاني يوصف فيه بـ"الجنس المقدس".

وفي العلمانية، لا تقوم بالطبع شرعية العلاقة الجنسية على معايير دينية أو تقليدية أو عرفية، بل على أسس عقلانية.
وعندما نعتمد على هذا اﻷساس لقوعدة شرعية العلاقة الجنسية، فسنجد:
أولا أن شرعية أي علاقة جنسية بين رجل وامرأة بالغين، تقوم فقط على إرادتهما الحرة بأن تقوم بينهما هذه العلاقة، بشرط ألا تتعارض هذه العلاقة مع معايير أخلاقية أخرى.
وثانيا أن الاعتماد على العقل الحر في قوعدة الشرعية الجنسية سيفضي بنا إلى تعدد واختلاف خيارات الناس في هذا المجال، كسواه من مجالات الحياة اﻷخرى، وسيلزمنا بقبول هذين التعدد والاختلاف الجنسيين، أسوة بمثيليهما في مجالات الحياة اﻷخرى.

وفي العلمانية يجب التمييز بين "الحرية الجنسية" و"الجنس الحر".
فالحرية الجنسية هي ذلك الفرع المتعلق بالجنس من منظومة الحرية الإنسانية الشاملة التي تتبناها العلمانية جوهريا!
وهذه الحرية هنا في ميدان الجنس تعني أن يختار الإنسان شكل أو نمط الحياة الذي يناسبه، سواء كان ذلك زواجا أو علاقة بدون زواج أو تبتلا؛ أو كان ذلك جنسا وظيفيا أو قدسيا؛ أو سوا ذاك وذلك...
أما الجنس الحر، فهو يعني ممارسة الجنس بدون الالتزام بالأطر التقليدية الناظمة للعلاقة الجنسية، وبنفس الوقت بما لا يتخارج مع الضوابط العلمانية، ويمكن القول أن الجنس الحر هو ممارسة الجنس بدون زواج، سواء كان هذا الزواج تقليديا أو مدنيا.
وهذا النمط من العلاقة الجنسية، عندما نحاكمه منطقيا بشكل عقلاني محض، وبالاعتماد على معايير العقل وحده، فلن نجد ضده أي مانع عقلي، إلا إذا تجاوز بشكل ما حدود السلامة الإنسانية.
وإذا ما أردنا أن نكون صريحين، فهذا الشكل من العلاقة هو الشكل الأكثر مناسبة وأريحية بالنسبة للغريزة بشكله الوظيفي، ولكنه بنفس الوقت قابل ﻷن يكون متوافقا مع اﻷبعاد اﻷرقى، النفسية والعقلية، عند الإنسان.
فالجنس الحر يمكنه أن يكون مجرد ممارسة عابرة لا تقوم إلا بتلبية وظيفية استهلاكية للحاجة الغريزية، ولكن يمكنه أن بتدرج ارتقائيا ليصل إلى حالة ارتباط إنساني وثيق وعميق بدون زواج رسمي، بل ويمكنه حتى أن يصل إلى درجة الجنس المقدس، بحيث يصبح الشريكين فيه عشيقين مرتبطين ارتباطا إنسانيا وثيقا ومقتنعين بقدسية العلاقة بينهما حتى في جانبها كممارسة جنسية.
وبالتالي يمكن القول أن الجنس الحر هو عبارة شكل تنظيمي للعلاقة يمكنه أن يكون في الوقت عينه متعدد ومتباين المضامين؛ ولكن هذا الحال فعليا لا يختلف عن حال الزواج، الذي في عين وقته كشكل من أشكال تنظيم العلاقة الجنسية يمكنه أن يكون ذا مضامين مختلفة تمتد بين الاستهلاكية والروحانية.

وأخيرا..
ما نسميه اليوم بالمجتمعات العلمانية، هي جميعها فعليا ما تزال مجتمعات علمانية جزئيا، وهي فقط يمكن أن تصبح علمانية تماما، عندما تتم هندستها بالكامل على أسس عقلانية إنسانية كاملة، وبلوغ هذا المستوى من الرقي الإنساني مايزال يحتاج إلى مسار طويل وصعب من التطور والتقدم الإنسانيين.

*

‏25‏/04‏/2025
سوريا - السويداء



#رسلان_جادالله_عامر (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بشرى الحياة
- هل كانت ديكتاتورية اﻷسد حكما علويا أو بعثيا أو علمانيا ...
- ديالكتيك العَلمانية
- ما هي العلمانية؟
- التناقض الجوهري بين الدولة المدنية الديمقراطية ونظام المحاصص ...
- ما هي -الدولة المدنية الديمقراطية-؟
- الكتابة عن الحب والجنس في موضع جدل
- إشكالية الاختلاف، دور النظام الاجتماعي وإمكانية الحل
- ما هي -ما بعد العلمانية-؟
- بناء الثقة والأمن: البريكس والنظام العالمي
- إثنان من كارل ماركس
- العملية الحربية الخاصة وتغيير النظام العالمي
- عبد عدوه لا ينصر أخاه...
- كيف تتعامل العلمانية مع المسألة الجنسية؟
- تحليل الحمض النووي يثبت أن القديس لوقا هو من يقولون أنه هو
- الطائفية بين عصبية الطائفة وتردي المجتمع
- قصة حب ميهاي إمينيسكو وفيرونيكا ميكلي
- الديكتاتورية.. تقزيم الشعب وتأليه الزعيم
- مشكلة الزي بين المرأة العصرية والمؤسسة الدينية التقليدية
- مزامير على إيقاع فلسطيني


المزيد.....




- بينهم جوزيف عون.. زعماء دول العالم يودعون البابا الراحل في ...
- الكويت.. تقليص الوقت ما بين الإقامة والصلاة في المساجد والكش ...
- الفاتيكان منتقدا موقف -إسرائيل- من جنازة البابا: إهانة للمجت ...
- فوق السلطة: يهود سيقتلون اليهود والإكثار من أكل البطيخ يدخل ...
- مصر.. شاب يحاول إلقاء نفسه من أعلى الجامع الأزهر
- وزير الخارجية السوري: بعض اليهود السوريين عادوا إلى بلدهم وت ...
- مجلة سويسرية: البابا فرنسيس جعل الكنيسة الكاثوليكية صوتا للس ...
- في ثاني زيارة.. توجه نحو 600 رجل دين درزي من سوريا إلى إسرائ ...
- مشاهد لتدافع المشيعين عند الفاتيكان لإلقاء النظرة الأخيرة عل ...
- جموع من الزوار أمام الفاتيكان لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة على ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - رسلان جادالله عامر - أفكار وجيزة في العلمانية