الفتح الفارسي للقدس عام 614 م مقارنةً بالفتح الإسلامي عام 638 م الجزء الخامس

عبد الحسين سلمان
باحث
(Abdul Hussein Salman Ati)

الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 17:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

الفتح الفارسي للقدس عام 614 م مقارنةً بالفتح الإسلامي عام 638 م.
الجزء الخامس

الكاتب : بن أبراهامسون وجوزيف كاتز
Ben Abrahamson and Joseph Katz
ترجمة : عبد الحسين سلمان عاتي

غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون ..سورة الروم , الآية 2

أرسل كسرى الرسالة التالية إلى هرقل من كسرى عظيم الألهة وسيد الأرض إلى هرقل عبده الحقير والبربري ، لماذا لا تزال ترفض الخضوع لحكمي وتسمي نفسك ملكا أولم نقضي على الإغريق قبلكم؟ أنت تقول أنك تثق بإلهك ، لماذا لم ينقذك من يدي في قيصرية والقدس والإسكندرية؟ أفلا أستطيع أن أهرب القسطنطينية أيضا؟ لكني سأغفر ذنوبك إن خضعت لي وأتيت إلى هنا مع زوجتك وأولادك ، وسأعطيك الأراضي والكروم والزيتون وسوف أعطف عليك ، لا تخدع نفسك بأمل باطل في ذلك المسيح الذي لم يقدر أن يخلص نفسه من اليهود الذين قتلوه على الصليب ، حتى لو لجأت إلى أعماق البحر بعد غزوا القسطنطينية فلن أمد يدي إليك……..


الفصل الربع عشر:
إعلان الاستقلال اليهودي، أولاً في بلاد فارس ثم شبه الجزيرة العربية

بعد إزالة عناصر السحر منها، تناولت رواية الطبري حادثة حقيقية. ففي عام 517 ، أدى تنصيب ملك فارسي حاخامي إلى استيلاء المسيحيين على مدينة رئيسية في مملكة حمير.
وبعد أن حشد جيشًا، أنزل ذو نواس Dhu-Nuwas , هزيمة نكراء بالمتمردين، فأسر العديد من الأسرى، ودمر كنيستهم. وتقليدًا لابن عمه مار زوترا الثاني Mar Zutra , الذي أعلن استقلاله عن كوفاد Kovad , في بلاد فارس، أقدم ذو نواس Dhu-Nuwas, على بعض الأعمال المتهورة التي أوقعته في النهاية في مشاكل وجلبت عليه وعلى مملكة حمير سوء الحظ.
ولما ظهرت الصلة بين الأمرين، حث الأسقف سمعان من بيت أرشام Arsham المسيحيين في فلسطين على القبض على زعماء اليهودية (مار زوترا الثالث Mar Zutra ) في طبرية، ووضعهم تحت المراقبة، وإجبارهم على إصدار أمر إلى الملك اليهودي، ذو نواس، بالكف عن اضطهاد المسيحيين في نجران .

سرعان ما وصلت أخبار هذا العمل إلى بيزنطة، ولم يكن من الممكن أن يمر تحدٍّ من هذا النوع دون عقاب . لكن الإمبراطور الروماني، جوستين الأولJustin ، كان متورطًا في حرب مع الفرس وثورة سامرية في إسرائيل . قرر مراسلة ملك إثيوبيا المسيحي، الذي كان أقرب إلى حمير، لينتقم للمسيحية. كان ملك إثيوبيا متلهفًا لتلبية طلب الإمبراطور. في عام 518، عندما نزلت القوات الإثيوبية في حمير، هزمت قوات ذو نواس الغزاة هزيمة ساحقة. وبفضل نجاحه، اعتبر نفسه الآن نصيرًا ليهود الجزيرة العربية. وقد أشار بعض العلماء إلى أن الهدف النهائي لذو نواس كان إنشاء إمبراطورية يهودية تمتد من بابل إلى البحر الأحمر.

في غضون ذلك، اندلعت ثورة في نجران، مركز حمير الشمالي (حوالي عام 523)، والتي كان يسكنها المسيحيون في الغالب، مما أدى إلى سقوط العديد من الضحايا. كان والي المدينة، وهو مسيحي يُدعى الحارث بن كالب Harith ibn Kaleb ، و كان سكان المدينة المسيحيون، الذين رفضوا هم أيضًا إطاعة أوامر الملك، يوازيون مشاعر الحاكم. عندما رفض متمردو نجران شروط السلام التي عرضها ذي نواس، حاصر المدينة وحاصر سكانها حتى اضطروا إلى الاستسلام. أُعدم الحارث وعدة مئات من المتمردين، وأُحرقوا في خندق كبير. فُرضت جزية باهظة على المسيحيين المتبقين في المملكة ردًا على اضطهاد اليهود في الدول المسيحية .

ورغم حرص الإمبراطور الروماني على القضاء على الملك الحاخامي، إلا أنه كان لا يزال منخرطًا في صراع مع بلاد فارس، وفضّل أن يتولى حليفه الإثيوبي هذه المهمة. ولم يتطلب الأمر إقناعًا يُذكر لخوض الحرب، إذ طردت حمير العديد من أبناء قومه (الكوشيين Cushites ) من شبه الجزيرة العربية. ولم يبق ذو نواس مكتوف الأيدي، بل سعى جاهدًا لكسب حلفاء دون جدوى. ولم تثق به القبائل العربية بسبب نسبه الأجنبي، ولم يرحب كافاد الأول ملك فارسKavad ، رغم وعود سلفه بالمساعدة، بفكرة الممالك اليهودية المسلحة المستقلة . وفي مدينة ماهوزا Maḥoza ( قرب مدينة المدائن العراقية ) ، صلب مار زوترا Mar Zutra وهانيناي Haninai  بتهمة إساءة استخدام إيرادات الملك، ووجد الآن أنه من السهل تجاهل توسلات ذو نواس.

كان الإمبراطور الروماني، على الرغم من حرصه على القضاء على الملك الحاخامي، لا يزال منخرطًا في صراع مع بلاد فارس، وفضّل أن يتولى حليفه الإثيوبي هذه المهمة. لم يتطلب النجاشي الإثيوبي (الحاكم)، خالد إيلا صبحا Kaled Ella Asbaha ، الكثير من الإقناع لخوض الحرب، لأن حمير طردت العديد من أمته (الكوشيين) من شبه الجزيرة العربية. لم يقف ذو نواس مكتوف الأيدي، بل سعى جاهدًا دون جدوى لكسب حلفاء. لم تثق به القبائل العربية بسبب نسبه الأجنبي، ولم يعجب كافاد الأول ملك فارس، على الرغم من وعود سلفه بالمساعدة، فكرة الممالك اليهودية المسلحة المستقلة . في محوزة، صلب مار زوترا وهانيناي بتهمة إساءة استخدام عائدات الملك، ووجد الآن أنه من السهل تجاهل توسلات ذو نواس.

بحلول عام 525 م، كان الإثيوبيون والرومان مستعدين للهجوم. كان النجاشي الحبشي قد حشد جيشًا قويًا وجهزه، وزود الإمبراطور الروماني حليفه بالأسطول اللازم لنقل القوات إلى حمير. اتخذ ذو نواس إجراءات لمنع إنزال الجيش الإثيوبي بإغلاق أكثر نقاط الغزو احتمالًا بالسلاسل.

إلا أن جهوده باءت بالفشل، وتمكنت القوات الإثيوبية من النزول قرب ظفورة (ظفر) على ساحل البحر الأحمر. اتخذ خالد إيلا صبحا, خطوات لإبلاغ العرب المسيحيين في المنطقة بخططه، فهاجموا الحميريين بينما كان ذو نواس ينشر جيشه لمواجهة قوة الإثيوبيين الغازية. في المعركة التي تلت ذلك، لجأ الملك الرباني إلى فرسانه المخلصين الشجعان لصد الغزاة، لكنهم سحقهم جيش العدو الأكبر. سقطت عاصمة ذو نواس في أيدي العدو، مع زوجته، وجميع كنوز مملكته. أدرك الملك المتهور أن كل شيء قد ضاع، ورفض أن يُقبض عليه حيًا، فانقضّ على جواده فوق صخرة عظيمة بارزة فوق البحر. جرفت الأمواج جثته إلى البحر. وهكذا مات أول وآخر ملوك حمير الحاخاميين. لكن العائلة المالكة لم تنقرض، وسنعود إليها عند استكشاف الزيجات بين اليهود وقريش، آل النبي.

الفصل الخامس عشر :
محاولات الاستقلال اليهودي الفاشلة

في شبه الجزيرة العربية، مُنح إريات Eriat , حكم اليمن من قِبل الحبشة، وهو منصبٌ شغله حتى اغتياله على يد أحد قادة جيشه، أبرهة. بعد مصالحته مع ملك الحبشة، تولى أبرهة حكم اليمن وبنى كاتدرائية في صنعاء لنشر المسيحية في شبه الجزيرة العربية. دنّس بعض قادة مكة، قريش، هذه الكاتدرائية بقضاء حاجتهم في قاعاتها. في شبه الجزيرة العربية، حيث استُمدت أحكام الطهارة من أحكام معبدي توماه Tumah والطهارة، أبطل هذا الأمر إقامة الصلاة في بيت الله الحرام، وكان ذلك أكبر إهانة. أمر أبرهة جنوده بهدم الكعبة في مكة. في عام 570 ميلادي، شنّ هجومًا واسعًا بواسطة فيلة الحرب، لكنه فشل، فأُطلق عليه هو وجنوده لقب "رجال الفيل". هذا هو العام الذي يُحتفل فيه تقليديًا بميلاد النبي محمد.

بعد حادثة "الفيل"، ثار شعب اليمن، بقيادة معدي كارب بن سيف ذو يزن الحميري، وبمساعدة فارسية، على الغزاة الأحباش (الأحباش)، واستعادوا استقلالهم وعيّنوا معدي كارب ملكًا عليهم. إلا أن معدي كارب اغتيل على يد حبشي. وفي ذلك الوقت تقريبًا، انهار سد مأرب مرة أخرى، ودُمّرت البنية التحتية الرئيسية للري. وفي عام 575 ميلادي، عيّن كسرى، ملك الفرس، حاكمًا فارسيًا على صنعاء، فجعل اليمن مستعمرة فارسية. وهكذا، حُرمت عائلة ذو يزن من الملكية إلى الأبد، بينما حافظ الحكام الفرس على حكم اليمن.

وكان لهذا أثرٌ في اتصال الجزيرة العربية المباشر ببلاد فارس، وشوهد البدو الآن يُخيّمون على الضفة الغربية لنهر الفرات. في عام 581 م، اضطهد هرمزداس الرابع Hormisdas ، ملك فارس، اليهود، وأجبر الكثيرين منهم على الفرار، بمن فيهم قادة الأكاديميات.
هزم الإمبراطور الروماني موريس هرمزداس Hormisdas بعد حملة استمرت أربع سنوات. خلال هذه الفترة، شهدت الجزيرة العربية العديد من الزيجات بين قريش واليهود. تزوجت ابنة حفناي Hofnai ، رئيس السبي الثاني والثلاثين، من أسد بن هاشم، ووُلدت فاطمة، والدة علي بن أبي طالب، الخليفة المستقبلي.

في عام 591 م، أصبح كسرى الثاني ملكًا ساسانياً على بلاد فارس. اتبع سياسة كسرى الأول الليبرالية تجاه اليهود. داخل الدوائر الملكية الفارسية، كان لليهود حقوق وامتيازات معترف بها، ولكن بسبب تعصب الشعب، عجزوا عن ممارستها. ظلت أبواب المعاهد مغلقة، وظلت الكراهية بين السكان اليهود وغير اليهود قائمة. فكر كسرى في نقل بعض اليهود، لكن الفرصة لم تسنح له.

كان لفشل فارس في مساعدة اليهود آثار طويلة الأمد في كل من بابل وشبه الجزيرة العربية. ألقى العرب باللوم على الفرس لعدم ثقتهم، وشعروا أن يهود فارس قد تخلوا عن ذي نواس Dhu Nuwas ( سورة المائدة, الآية 24 : فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ) .
انقسمت شبه الجزيرة العربية بين مؤيد لفارس ومؤيد لبيزنطة. بدأ دور اليهود الحاخاميين كمعلمين وقضاة في شبه الجزيرة العربية موضع استياء؛ وأثار الغضب من ادعاءاتهم بالتفوق و"نقاء الدم" غضب بعض القبائل العربية.
من جانبه، تعهد حاكم المنفى بالانتقام من خيانة كوفاد Kovad في ماهوزا Mahoza . كما اتجه آخرون من العائلة المالكة، مثل حوشيل بن هوفناي Hushiel ben Hofnai ، إلى دراسة التصوف اليهودي والملائكة. احتقر حوشيل مادية المنفيين السابقين، وحبس أبناءه في قصره في مأمن من أعمال الشغب والمذابح والسياسة. كان لحوشيل ولدان، نحميا وشلوم Nehemiah and Shallum ، يرتبط مصيرهما بمستقبل النبي.

الفصل السادس عشر :
فوكاس Phocas والحرب الفارسية الرومانية الأخيرة
في عام 603 ميلادي، في السنة الرابعة عشرة من حكم الملك الفارسي كسرىKhosrau , والسنة العشرين من حكم الإمبراطور الروماني موريس Maurice ، ثار الجيش البيزنطي في تراقيا Thrace ( جنوب شرق البلقان ) على الإمبراطور، ونصب رجلاً يُدعى فوكاس ملكًا عليهم. فذهبوا معًا إلى القسطنطينية، وقتلوا الإمبراطور موريس، وأجلسوا فوكاس على عرش المملكة. أعدم فوكاس أبناء الإمبراطور الخمسة أمامه، ثم أمر الإمبراطور بقتلهم وتعليق رؤوسهم في أحد شوارع القسطنطينية. وبعد أيام قليلة، أمر بقتل الإمبراطورة وبناتها الثلاث.

ثم انتشرت شائعة في جميع أنحاء البلاد مفادها أن أحد أبناء موريس، يدعى ثيودوسيوس Theodosius ، قد هرب وذهب إلى الملك الفارسي. وهكذا عمّت الاضطرابات جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية: في القسطنطينية، والإسكندرية في مصر، والقدس وأنطاكية، وفي جميع أنحاء البلاد، استلّ الناس السيف وقتلوا بعضهم بعضًا. أمر الإمبراطور فوكاس بقتل جميع المتمردين الذين ترددوا في ولائهم لحكمه. قُتل الكثيرون هناك في العاصمة. أرسل أميرًا يُدعى بونوس Bonos , مع قواته إلى أنطاكية والقدس، واندلعت الثورة في كل مكان. ذهب وضرب أنطاكية والقدس، وبالفعل التهمت السيف جميع مدن تلك البلاد. كان فوكاس إمبراطورًا قاسيًا، ويُقال إنه قضى وقتًا أطول في قتل رعاياه من الفرس.

تمرد الجنرال هرقل Heraclius ، الذي كان في الإسكندرية، على فوكاس مع قواته. وعزل مصر بالقوة عن الحكم الروماني. وفي بلاد ما بين النهرين السورية، تمرد أيضًا الجنرال نرسيس Nerses . ودخل مع قواته مدينة الرها واستولى عليها. لكن قوة بيزنطية هاجمته وحاصرت المدينة وقوات نرسيس.

وفر هذا الحدث لكسرى ذريعة أخلاقية جيدة لمهاجمة بيزنطة. فقد كان الإمبراطور موريس وليّ أمره؛ فبمساعدته استعاد عرش فارس بعد أن فقده. أعلن كسرى أنه سينتقم لمقتل عرابه وأبنائه من فوكوس، المغتصب. جمع كل جيشه، واتجه غربًا. وصل إلى مدينة دارا Dara ( مدينة حصينة رومانية شرقية هامة في شمال بلاد الرافدين  ) ، فاحتلها وحاصرها وبدأ القتال. وفي مناطق أرمينيا، جُمعت القوات. ثم قسم الملك كسرى قواته إلى قسمين: قسم تركه حول المدينة، وقسمه الآخر هو الذي هاجم القوات التي كانت تحاصر الرها. ألبس القائد البيزنطي نرسيس شابًا زيًا ملكيًا، ووضع على رأسه تاجًا، وأرسله إلى كسرى قائلًا:
هذا ثيودوسيوس Theodosius ، ابن الإمبراطور موريسMaurice . ارحمه كما رحمك أبوه.

استقبله الملك كسرى بفرح عظيم، وغادر، وذهب إلى مدينة دارا. احتفظ بثيودوسيوس عنده تكريمًا ملكيًا. حاصر كسرى دارا لمدة عام ونصف. حفر تحت أسوار المدينة، وهدم السور، واستولى على المدينة، وقتل كل من فيها. نهب المدينة، ثم توجه إلى قطسيفون ( المدائن ) ، لأن قواته كانت منهكة ومنهكة من القتال. لكن قوة أخرى من بيزنطة هاجمت الرها، وقاتلت واستولت على المدينة. أسر الرومان القائد المتمرد نرسيس وقتلوه، وسفكوا الدماء هناك .

الفصل السابع عشر :
نحميا بن حوشيل والحملة الصليبية اليهودية
غزى كسرى آسيا الصغرى وسوريا على رأس جيش ضخم، زاعمًا الانتقام لمقتل حميه، الإمبراطور موريس Maurice ، الذي قُتل على يد المغتصب فوكاس Phocas . لكن في الواقع، كان كسرى يتطلع إلى مصر. كانت مصر في حالة تمرد ضد فوكاس ، وإذا تمكن كسرى من غزوها، فربما يتمكن من التصالح مع فوكاس . لم يبقَ بين فارس ومصر سوى سوريا وفلسطين. وضع كسرى خطة: يمكنه الاستيلاء على مصر، وتسوية مشاكله الداخلية، والحصول على حليف قوي خلف صفوف القوات الرومانية إذا أعلن أحقية اليهود في جميع حقوقهم الوراثية؛ وأكثر من ذلك، يمكنهم استعادة وطنهم الأصلي. قد ينجح اليهود أو لا ينجحون، لكنهم سيشغلون الرومان بينما يركز هو على مصر.

في عام 608 م، عيّن كسرى نحميا بن حوشيل Nehemiah ben Hushiel ، ابن رئيس السبي الشرعي، قائدًا رمزيًا للقوات الفارسية. كان نحميا متصوفًا، لذا لم يخشَ كسرى التدخل في الشؤون العسكرية. ووعد رئيس السبي بإعادة تمثيل المآثر العسكرية في السنوات الماضية، فجند جيشًا يهوديًا قيل إنه كان قوامه 20 ألف رجل. في المقابل، سمح كسرى بإعادة فتح الأكاديميتين اليهوديتين الرائدتين بومبيديسا Pumbedisa (607) ( قريبة من بغداد ) وسورا Sura (609) ( كذلك قريبة من بغداد ) ؛ لاحقًا، كتب كسرى إلى الإمبراطور:
"لا تخدع نفسك بآمالك الباطلة، فكيف يستطيع المسيح الذي لم يستطع إنقاذ نفسه من اليهود أن ينقذك مني ؟ حتى لو نزلتَ إلى قاع البحر، فسأمدّ يدي وأمسك بك. وحينها ستراني في ظروف لا ترغب بها."

وعندما سمع اليهود نبأ زحف حكام المنفى بكامل قوتهم، على رأس القوات اليهودية الفارسية المشتركة، توقعوا حدوث معجزة. ففي أنطاكية، ثار اليهود وقتلوا البطريرك المسيحي.
وفي شبه الجزيرة العربية، ثاروا وقتلوا ممثل المسيحين في اليمن. وفي سفر زروبافيل Zerubavel ، يُنسب كلا الحدثين إلى معجزة النبية حفيضة Hefzibah . في غضون بضع سنوات، هُزمت جيوش فوكاس على التوالي، ووصل كسرى إلى الرها (الري، أورفة الحديثة، في آسيا الصغرى)، من جهة، وحلب وأنطاكية في سوريا، من جهة أخرى. نصب كسرى رئيس المنفى مع بلاط كامل في الرها.
في السنة العشرين من حكم الملك كسرى ، أغار القائد الفارسي شاهين Shahen , على المناطق الغربية، متجهًا إلى قيصرية كابادوكيا Cappadocian (في نركيا ) .
والآن، بينما قام سكان المدينة المسيحيون ورحلوا، ذهب اليهود إلى شاهين واستسلموا. مكث في تلك المدينة لمدة عام واحد. كان كل شيء يسير وفقًا للخطة: ستغزو بلاد فارس مصر. ستعقد بلاد فارس السلام مع فوكاس . ثم حدث ما لم يكن متوقعًا.

كان هرقل أحد أبرز قادة الإمبراطور الروماني الشرقي موريس في حرب عام 590 مع بلاد فارس. أُرسل هرقل إلى القسطنطينية بأسطول قوي. بدعم من بريسكوس Priscus ، أحد كبار القادة العسكريين للإمبراطور فوكاس ، والبطريرك سرجيوس Sergius ، والفصيل السياسي الأخضر Green political faction ، أطاح هرقل بفوكاس وأعدمه شخصيًا.
في 5 أكتوبر 610، تُوّج هرقل الأول إمبراطورًا (حكم من 610 إلى 641). الآن أصبح زعيم المقاطعة المتمردة إمبراطورًا لروما.
لم يكن هذا وفقًا لخطة كسرى. وفقًا للمؤرخين الإسلاميين، حدث هذا في العام الذي بُعث فيه النبي محمد . عندما تولى هرقل السلطة، كانت الإمبراطورية في وضع حرج، ففكّر في نقل العاصمة من القسطنطينية إلى قرطاج. وما إن تولى هرقل الحكم حتى أرسل رسلاً يحملون كنوزاً عظيمة ومراسيم إلى الملك كسرى، طالباً السلام بتوسلاتٍ كثيرة. إلا أن الملك كسرى لم يُرِد الاستماع، بل قال: "هذه المملكة لي، وسأُنصّب ثيودوسيوس Theodosius ، ابن موريسMaurice ، إمبراطوراً. أما هرقل، فقد ذهب واستولى على الحكم دون أمرنا، وهو الآن يُهدينا كنوزنا. لكنني لن أتوقف حتى أقبض عليه . أخذ كسرى الكنز، وأمر بقتل رسله، ولم يُجب على رسالته.

لم يعد العذر الأخلاقي الذي بدأ به كسرى الحرب مقبولاً بعد عزل فوكاس ووفاته. لو كان هدف حربه حقًا هو الانتقام لمقتل حليفه فوكاس لقسوته، لكان قد تصالح مع الإمبراطور الجديد بعد وفاة فوكوس، لكن بلاد فارس استمرت في القتال. في عام 612 م، ولمواجهة اختيار الفرس رئيس السبي، استدعى هرقل كاهنًا يُدعى فيليبيكوس للخدمة العسكرية. كان فيليبيكوس P ilipikos , هذا صهر الإمبراطور موريسMaurice ، وكان قد خدم في الجيش لفترة طويلة، منتصرًا في المعارك. ولكن بعد ذلك، خلال عهد موريس، قرر أن يقص شعره ويرتدي زي الكهنة، ليصبح جنديًا في عهد الكنيسة. عيّنه هرقل قائدًا عسكريًا بالقوة وأرسله إلى الشرق مع جيش كبير. هذا أعطى الحرب صبغة حرب صليبية بين اليهود والزرادشتيين ضد المسيحية .

كان هرقل قائدًا عسكريًا بارعًا، وكان من بين أعظم الأباطرة البيزنطيين. خفّضت إصلاحاته الحكومية الفسادَ الذي استشرى في عهد فوكاس الكارثي، وأعاد تنظيم الجيش بنجاحٍ باهر. طوّر فكرة منح الأراضي للأفراد مقابل خدمة عسكرية وراثية. ضمن هذا الترتيب استمرار الإمبراطورية لمئات السنين، ومكّن هرقل من استعادة الأراضي التي استولى عليها الفرس، مُدمّرًا بلاد فارس في طريقه.

مفتاح الأسماء :
ذو نواس Dhu-Nuwas :
يوسف أسْر يثار , كان آخر ملك مهم لإمبراطورية حمير في جنوب شبه الجزيرة العربية وكان حاكمًا يهوديًا لهذه الإمبراطورية. حكم من حوالي 521/522 إلى 529/530.
مار زوترا الثاني Mar Zutra :
كان مار زوترا الثاني منفيًا يهوديًا قاد ثورة ضد الحكام الساسانيين في عام 495 م وحقق سبع سنوات من الاستقلال السياسي في مدينة المدائن , العراق .

جوستين الأولJustin :
كان إمبراطورًا رومانيًا شرقيًا من عام 518 إلى عام 527. وُلد لعائلة من الفلاحين، وترقى في صفوف الجيش ليصبح قائدًا للحرس الإمبراطوري .

الحارث بن كالب Harith ibn Kaleb :
كان الحارث بن كليب، المعروف أيضًا باسم الحارث، حاكمًا عربيًا عاش في القرن السادس. كان حاكماً لنجران، وأصبح فيما بعد موضوع أسطورة تناقلتها الديانتان الإسلامية والمسيحية. كان حاكمًا مسيحيًا وقُتل على يد ملك يهودي لأنه هو ورعيته رفضوا التحول إلى اليهودية.

الكوشيين Cushites :
الكوشيون هم مجموعات عرقية لغوية تتحدث اللغات الكوشية ويعيشون بشكل رئيسي في منطقة القرن الأفريقي. غالبًا ما يرتبطون بكوش التوراتية، والتي من المفترض أنهم من نسلها. اللغات الكوشية هي جزء من عائلة اللغات الأفروآسيوية ويتم التحدث بها في إثيوبيا والصومال والسودان وكينيا وتنزانيا.

إريات Eriat :
كان أريات أو "أريات" قائدًا للجيش الإثيوبي أرسله الإمبراطور كالب للانتقام من اضطهاد المسيحيين على يد ذي نواس، حاكم اليمن المتهوّد، حوالي عام 523 م.

توماه Tumah :
هي كلمة عبرية تعني "النجاسة الطقسية" أو "النجاسة" في اليهودية. يصف حالة يصبح فيها الأشخاص أو الأشياء غير نقية بسبب ملامستها لبعض الشوائب الطقسية (مثل الموتى، أو بعض الأمراض، أو بعض السوائل الجسدية).

حفناي Hofnai :
هوفناي، ولد حوالي عام 540، وتوفي حوالي عام 585 أعدمه الملك الفارسي هرمزاد الرابع، وظيفته: رئيس البي اليهودي في بابل 550-581 .
ذكر محمد باقر المجلسي في شرحه للحديث: ««فتح لآمنة» أي كشف الحجاب عنها وقوي بصرها على رؤية قصور المدائن والشام لتعلم أنها تفتح على أمة ابنه، أو مثل لها مثالها»

حوشيل بن هوفناي Hushiel ben Hofnai :
حفني حنيناي بن أهوناي، المبعوث الثاني والثلاثون مار حفني الأول (530 - 609) المعروف أيضًا باسم: "مار ر. مار ب. مار ر. هنا". تاريخ الميلاد: حوالي 530. مكان الميلاد: بمبديثا، بابل، بلاد فارس. الوفاة: حوالي 609 بابل، العراق .

حفيظة Hefzibah :
اشتهرت النبية حفصيبة بكونها زوجة الملك حزقيا ملك يهوذا. ورغم أنها ليست نبية بارزة بحد ذاتها، إلا أن اسمها، الذي يعني "سروري بها"، ورد في سفر الملوك بالكتاب المقدس العبري، مقترنًا بحزقيا. ويرتبط العمل المعجزي المرتبط بها بشكل رئيسي بالحفاظ المعجزي على القدس وشفاء حزقيا المعجزي من مرضه، وهما حدثان تنبأ بهما إشعياء، ويرتبطان بدور حفصيبة كزوجة للملك.
"كان منسى ابن اثنتي عشرة سنة حين ملك، وملك خمسا وخمسين سنة في أورشليم، واسم أمه حفصيبة."(سفر الملوك الثاني
21: 1).

الفصيل السياسي الأخضر Green political faction :
لعب الفصيل السياسي "الخضر" في القسطنطينية القديمة، المعروف غالبًا باسم "الزرق الخضر"، دورًا هامًا في الحياة السياسية للإمبراطورية البيزنطية، وخاصةً في عهد الإمبراطور هرقل. ارتقى هرقل، الشخصية المحورية في سلالة هرقل، إلى السلطة بدعم من الفصيل الأخضر، مما ساعده على الإطاحة بالإمبراطور فوكاس الذي لم يكن يحظى بشعبية واسعة. كان هذا الفصيل، إلى جانب الزرق، قوى سياسية رئيسية، وكان دعمهم حاسمًا في نجاح انقلاب هرقل. كما تميز عهد هرقل بجهوده للتوفيق بين الاختلافات الدينية داخل الإمبراطورية، بما في ذلك محاولاته توحيد الفصائل المختلفة تحت صيغة دينية جديدة تُسمى التوحيدية.

المصدر
https://www.alsadiqin.org/en/index.php/The_Persian_and_Islamic_conquests_of_Jerusalem

#عبد_الحسين_سلمان (هاشتاغ)       Abdul_Hussein_Salman_Ati#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات