|
بهجة الاحتضار ومراوغات الجثة
كريم الهزاع
الحوار المتمدن-العدد: 1803 - 2007 / 1 / 22 - 09:33
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
فى " بهجة الاحتضار" للشاعرمؤمن سمير : مراوغات الجثة / القصيدة مثلما هى اللذة، تأتى هكذا وتحضر دون سؤال تراتبى ومباشر، تحضر الأشياء فى نصوص الشاعر مؤمن سمير، لكن المفارقة أنها تتلاشى بعد ذلك أو تتشظى تاركة ندبة فى الروح.
وحين تستوقفنا القصيدة الروح / الجثة الجسد، تتموضع الأشياء أو تتأسطر بشكل أو بآخر. إن أسطورة «أورفيوس»، وهى ما يمكن اعتباره معادلاً لقصيدة النثر أو القصيدة الحداثية، نرى أشلاءها أو روحها موزعة من نصوص الديوان(1) يقول الشاعر فى قصيدة «أسفكسيا الخنق» :
لا شك
أن الأمور تحتاج إلى ضبط النفس
قليلاً.
فالبحر : لم يقل شيئاً حتى الآن
والصياد : مات لانه عجوز ..)
ثم فى مقطع آخر :
أنتظر الجثة منذ ساعة
أو يزيد ..
لأقول فقط
كيف الحال عندك يا صديقى..
إن حضور الجثة هو المبدد لذلك الصمت، الحضور الذى يستبطن الغياب ويجابهه، حيث لا سبيل إلى مقاربة الحياة إلا بعد التلاشى الكامل. يتزيا الواقع بزى الانمحاء لكى يتشكل بالشكل المعروف، فيكون الفرق بين الحياة والموت هو ما تعنيه المسافات بين أوجه المرايا وزواياها، فقط كان لا بد من سؤال، أو بالأحرى سؤال آخر، لكى نمتحن الوجود ولكى نعرف ماهية قصيدة مؤمن أو مغزى تشعير العالم، إن المبدع يمارس عبر بنيان نصوصه قلب المعايير الافتراضية فيقتفى أثر الشعر/ الحياة فى مقابر المعانى وخرابات الوهج.
وفى بعد آخر لماهية القصيدة، نجد خيط الحزن أو القهر الذى «يلضم» حبات مسبحتها والذى تشربته من الوجوه المتعبة الكادحة، ولكن دون تورط أيديولوجى فج يضيق الدلالة، يقول الشاعر فى «منطاد لا يحتاج إلى الهواء»
أبى
البروليتارى الأخير
منذ سنوات
يكتفى
بأن يبكى
فى منديله الكبير، بعد أن
ننام
ثم «يبوس» بإعزاز
بذلة كالحة ..
«السكونية» هى الوجه الآخر لذلك الحزن وهى اللمسة الأخيرة للمشهد، وهى تلك البهحة فى ذلك الاحتضار المتوالى، ولكنها لا تترك هكذا دون تساؤل استفزازى ومراوغ ودال على وجوب إعادة النظر فى كل ما هو مفروض واعتيادى، إن تأريخ غربة الإنسان له دوماً أكثر من جناح، ففى «قديماً كانوا يكتبونها (سكائر) » يسأل النص ذاته وفى الآن ذاته يناوش المطلق، هادفاً لإعادة الخلق :
أعلم أنك تتخلص الآن
ودون تدخل فج
من ذلك العبء الثقيل :
ما فائدة الأصابع،
تلك الطويلة الرفيعة
التى تشبه المخالب
ولا تفعل شيئاً غير الارتعاش ؟
إن الخوف من كل ماهو (آخر): الذات، الكائنات، العالم، الوجود .. إلخ هو ما يسلب طاقة الفعل الفعل من الأصابع المرتعشة، وهو الذى يدفع إلى الإعلان فى نص «جدى كان يؤكد أنه نبات يطرد العفاريت» :
من الآن
من هذه الساعة
سأدشن لنفسى تاريخاً
أزينه بالذكريات الرائعة
والضحكات التى من القلب
وصورة الموناليزا
مستعيناً بالشبورة المسائية(2)
ونبات الزنزلخت..
تختفى الروح دائماً تحت أقبية الأقنعة، وتدفع نفسها ببطء لتحقن فى عصارة الأشياء، لكى تحتمى منها وتكشف عمقها فى نفس الوقت. إن الخوف التاريخى القابع فينا، الخوف من وطأة سلطات تراكمت بعضها فوق بعض، يمنعنا من تحريك الجثة المحتفظة بأنفاسها الأخيرة / البهجة، قبل أن تتلاشى فى جسد العالم وتندفع نحو أحضان الديدان النهمة. لذا ففى النهاية : إذا كانت الرواية هى تجميع للأشلاء من خلال السرد وتجميع الزمن من خلال الذاكرة كى تتدحرج صخرة «سيزيف» ببطء شديد نحو الأرض، فإن القصيدة (قصيدة النثر) وقصيدة مؤمن سمير بالذات، هى توزيع للأشلاء، هى الومضة أو فلاش الكاميرا الذى يخترق عظام الأشياء، وهى قوة ارتطام الصخرة بالأرض وتحولها إلى غبار يتلاشى أو يتشظى حيث إنها ضد الذاكرة ..
الهوامش
(1) «بهجة الاحتضار»، شعر، مؤمن سمير، سلسلة «كتابات جديدة»، الهيئة العامة للكتاب، 2003 وهو الديوان الرابع للشاعر حيث لحق «السريون القدماء» 2003 أيضاً.
(2) يعرف النص «الشبورة» كالتالى : «كائن خرافى»، يختزن فى بطنه البيوت وأضواء النيون، لكنه عندما يعجز عن زحزحة الذكرى، يبخ فينا الصراخ، وقد ينام ...»
(صفحة 98 من الديوان) وهو ما يؤكد ما ألمحنا إليه عبر سطور المقالة من مغايرة علائقيات الديوان فى محاولته المحمولة لإعادة ترسيم الوجود.
#كريم_الهزاع (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإرادة : حينما لا أجد شيء يقلقني فهذا بحد ذاته يقلقني
-
خطوة في التوجس . خطوة في اليقين
المزيد.....
-
مصطفى شعبان بمسلسل -حكيم باشا- في رمضان
-
شاهد: أصدقاء وأقارب الأسيرة الإسرائيلية آغام بيرغر يحتفلون ب
...
-
حركة حماس تعترف بمقتل قائد جناحها العسكري محمد الضيف
-
القاهرة: لا لتهجير الفلسطينيين من أرضهم
-
عمّان.. رفض قاطع لتهجير الفلسطينيين
-
حماس تنعى عددا من كبار قادتها العسكريين وفي مقدمتهم القائد ا
...
-
سـوريـا: مـا هـي طـبـيـعـة الـمـرحـلـة الـجـديـدة؟
-
الدولي المغربي حكيم زياش ينضم إلى نادي الدحيل متصدر الدوري ا
...
-
العراق ومصر يجددان رفضهما لتهجير الفلسطينيين
-
الجيش الفرنسي يسلّم آخر قاعدة له في تشاد
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|