أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكيم الليبي - خرافة آدم















المزيد.....


خرافة آدم


حكيم الليبي

الحوار المتمدن-العدد: 1803 - 2007 / 1 / 22 - 09:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لن أعقب على كلام السيد صلاح عبد العزيز في مقاله المعنون " كل ليبي آدمي .. إلا من أبى" فيما يتعلق بزواج الأمازيغيات لأن الأخ "الزواري" قد كفى ووفى في الرد عليه في مقاله " يا أصحاب البسملة والسفتلة" .. ولكني سأعقب على بعض النقاط التي ذكرها في مقاله متجاهلاً شتائمه المتكررة وتهديده بشطبي من سجل الليبيين فقط لأني لا أشاركه الإيمان بمعتقده الديني .. أول ما يلاحظ من كلامه أنه لا يعرف شيئاً عن نظرية التطور يزيد عما يعرفه العامة .. فهو لا يعرف عنها إلا أن أصل الإنسان قرد وكان الله بالسر عليماً .. وكأن النظريات العلمية تولد وتعيش لمئات السنوات بهذه البساطة .. وطبعاً لن أرد على هذا الفهم الخاطىء فالمجال يضيق عن ذلك ولكني أنصحه أن يقرأ كتاباً حول النظرية بعقل مفتوح غير مسمم بآيات القرآن ولغو المشايخ لعله يستفيد ..

وثاني الملاحظات أنه كغيره من أصحاب ثقافة "سمعنا وأطعنا" لا يعرف إلا التسليم .. فيقول في مقاله "فعجب تسليم عقول اللادينيين لشخص اسمه تشارلز بن دارون" .. ولا ندري متى سمع في ساحة العلم بمصطلح اسمه التسليم .. فالتسليم مصطلح ديني وليس مصطلحاً علمياً .. فلا يطمع أحد من العلماء بأن يسلم له حتى تلاميذه فضلاً عن أترابه ومنافسيه .. وتشارلز دارون لم يحظ بالتسليم من أحد بل شنت عليه كافة أنواع الحروب ومع ذلك فهاهي نظريته اليوم بعد مائة وخمسين عاماً أقوى مما كانت عليه يوم أشهرها .. هذا مع العلم أنه لم يكن قد اكتشف في عصره الحمض النووي ولا البيولوجيا الجزيئية ولا المجاهر الالكترونية .. ولكن مع تقدم العلم يزداد العلماء اقتناعاً (وليس تسليماً) بصحتها ..

مما يطمئن به الخلقيون (المؤمنون بقصة خلق آدم) أنفسهم أن جامعة أو مدرسة ثانوية في الولايات المتحدة قد ألغت تدريس نظرية التطور .. وطبعاً فالولايات المتحدة فيها بضعة آلاف من الجامعات فإذا تملك زمام أحدها بعض المهووسين الدينيين فلا عجب أن يلغوا تدريس نظرية التطور .. وهذا ليس عجيباً فإذا وصل الرئيس بوش وزمرته المسيحية المتعصبة لرأس السلطة فلم لا يصل بعض المهووسين إلى رئاسة إحدى الجامعات؟

ولن ألوم السيد صلاح على المعلومة التي أوردها بتحريم تدريس التطور في جامعة كانساس إذ أنه نقلها عن "جورج المصري (لاحظ اتفاق الدينيين من كافة الديانات على محاربة العلم)" وبهذا يكون قد أعذر نفسه ولكني مع ذهبت إلى موقع جامعة كانساس ووجدت أن بها قسماً كاملاً لتدريس نظرية التطور يسمى بقسم الـ "Ecology & Evolutionary Biology" .. وطبعاً لم أفاجأ بهذا فكل جامعة أو حتى مدرسة ثانوية تحترم نفسها في يومنا هذا لا بد لها من أن تدرس نظرية التطور في خانة العلم .. وتستطيع أن تدرس قصص الجنة والشياطين والأشجار المحرمة في حصة الدين أو في قصص ما قبل النوم .. ولم تبق إلا بلداننا المنكوبة بالدين والتي تناطح العالم بنسبة الأميين وأشباه الأميين من دكاترة يتحدثون عن خيام اللؤلؤ المجوفة والحور العين والأشجار التي يسير تحتها الفرسان لمدة خمسمائة سنة والتي تحاك منها ثياب أهل الجنة .. ولذلك فإني أرجو من الأخ صلاح أن يوضح لنا كيف لهذه الجامعة أن تحرم (لاحظ المصطلح الديني هنا) تدريس نظرية التطور وبها قسم كامل اسمه قسم بيولوجيا التطور؟

سؤال آخر إلى السيد صلاح: إذا كانت نظرية التطور هباء منثوراً كما تزعم فكيف تأتى لها أن تصمد لمدة قرن ونصف في عالم يتسارع فيه معدل الكشف العلمي بالدقائق وليس بالساعات أو الأيام؟ .. لن يجد السيد صلاح وأمثاله ممن حاورتهم في هذا الموضوع سوى نظرية المؤامرة ملجأً وملاذاً .. فهم يدعون أن العلماء يريدون إنكار وجود الله ويسعون لذلك لغاية في أنفسهم .. وإذا صح ذلك عن عالم أو آخر أو عشرة أو مائة لربما صدقنا ذلك ولكن ما الذي يجعل عشرات الآلاف من العلماء والباحثين في جامعات العالم المختلفة من استراليا إلى اليابان إلى أمريكا وأوروبا وعلى مدى مائة وخمسين سنة يتفقون على رأي رجل واحد في تضليل العلم والعالم لهذه الغاية؟

ودعني أصحح للسيد صلاح معلومة مهمة وهي أن الجدال الدائر في الولايات المتحدة ليس حول منع (أو تحريم) تدريس نظرية التطور بل هو حول إمكانية تدريس "نظرية" أخرى يسمونها نظرية "التصميم الذكي" أو "Intelligent Design" ويرمز لها بالـ "ID".. أي ببساطة فإن بقايا المؤمنين المسيحيين يطالبون فقط وبكل تواضع بأن يسمح لهم بتدريس "نظرية" التصميم الذكي جنباً إلى جنب مع نظرية التطور وليس كبديل لها.. لاحظ أنني أضع كلمة نظرية بين مزدوجين ولذلك لأنها في حقيقة الأمر ليست نظرية وذلك بأصل التعريف .. فليس هناك نظرية إلا ومعها شروط اختبارها .. وهذا ما لا يوجد في "نظرية" التصميم الذكي ومن باب أولى في نظرية (أو قصة) الخلق (أي خلق آدم من تراب).. ولا ننسى أن نذكر أن هذا الجدال يدور في الولايات المتحدة فقط وليس في أوروبا أو اليابان أو أستراليا أو أي من الدول المتقدمة .. وذلك بسبب النكسة الدينية والحضارية التي تمر بها الولايات المتحدة والناتجة عن القوى التنظيمية الفائقة التي يتمتع بها اليمين المسيحي والذي جاء بأجهل رئيس في تاريخ الولايات المتحدة إلى السلطة.

من المفيد أيضاً أن يعلم هؤلاء أن نظرية التطور لا تتنافى مع وجود الإله فليس كل مؤمن بنظرية التطور جاحداً لوجود الإله بالضرورة .. فقد يكون الإله موجوداً وقد خلق الخلية الأولى ثم قدر لعملية التطور أن تأخذ مسارها على مدى ثلاثة مليارات سنة تقريباً .. ويكفي أن يعلم أنه حتى القائلين بالتصميم الذكي لم ينكروا نظرية التطور ولكنهم يرون أن ورائه يداً إلهية توجه التطور في مسلك مرسوم .. وهو زعم لن نناقشه لأنه كما قلت لا يمكن اختباره ولكنه يفيد بأن هؤلاء لا يملكون أن يردوا جميع الأدلة على التطور هكذا بجرة قلم كما يفعل أهل الإيمان الأعمى.

وقد اقتبس السيد صلاح شيئاً من كتاب (الأصول المفاجئة) لجيفري شوارتز والذي نعته بالعالم البيولوجي .. وللتصحيح فإن جيفري شوارتز عالم "أنثروبولوجي" وهو علم يبحث في أصل الجنس البشري وتطوره وأعراقه ومعتقداته وبذلك فالرجل ليس بحجة في عالم البيولوجي كما أراد أن يوحي (طبعاً عن غير قصد وتباً للنسخ واللصق الذي يضع صاحبه في مواقف محرجة).

ولشد ما أكره أن أخوض بالقارىء في تفاصيل دقيقة ولكني أود أن أنتهز هذه الفرصة لتصحيح معلومة خاطئة يتداولها الكثيرون حتى ممن حظوا ببعض الدراسة في هذا الجانب وليس فقط السيد صلاح الذي درس نظرية التطور على يد بن باز وبن عثيمين .. هذه المعلومة تتعلق بعدة نظريات داخل نظرية التطور ذاتها .. فبعض العلماء يرى أن التطور تم بتغيرات طفيفة جدا وبطيئة ومتراكمة على مدار فترة زمنية طويلة جداً بينما يرى آخرون (ومنهم جيفري شوارتز لسوء حظ الأستاذ صلاح) أن التطور يتم في طفرات تستغرق فترات قصيرة نسبياً ثم تخضع الكائنات لفترات استقرار طويلة جداً وهذه النظرية تسمى نظرية الإتزان المتقطع (الترجمة من عندي) "Theory Of Punctuated Equilibrium" .. ومرة أخرى لسوء حظ الأستاذ صلاح فإن هذه النظرية جزء من نظرية التطور ولكنها تختلف مع الفهم السائد في النظر إلى معدل التطور .. هل هو رتيب وطفيف أو على هيئة طفرات كبيرة يتبعها استقرار لفترة طويلة جداً ..

وأما استدلاله بكتاب مايكل دنتون فهو كسابقه فالرجل لا ينكر أبداً نظرية النشوء والارتقاء ولا ينكر أن التطور قد حدث ولكنه يرى أن تفسير التعقيد في الكائنات فقط بالتغيرات الإحيائية (mutations) والانتقاء (selection) غير كافٍ.. فهو بهذا ينتقد نظرية دارون الكلاسيكية ولكنه لا ينفي حدوث التطور أو ينكره . ويرجح أن يكون خلقياً (أي مؤمناً بالخلق) ولكنه لا يدعي أن الله خلق آدم رجلاً كاملاً في أحسن تقويم .. ولكنه خلق الخلية الأولى ثم تركها تسير مسيرة التطور الذي صممه الخالق (بافتراض وجوده) بعناية وساهم في توجيهه وهذا اعتقاد يخلط بين الخلق والتصميم الذكي وفي كلتا الحالتين ليس للسيد صلاح حجة في كتاب هذا الرجل.

وتبقى نقطة أخيرة وهي أن من يريد أن ينتقد نظرية التطور فمرحباً به فهذا ما يفعله العلماء يومياً .. فهم ينتقدون النظرية ولكنها انتقادات لم تؤد إلى هدمها كما يأمل إخواننا ولكنها ساهمت في تنقيحها وتهذيبها .. أما إذا كان لديك البديل فهلم به ولا تتأخر شرط أن يكون دليلاً علمياً أو على الأقل نظرية علمية يمكن اختبارها وليس قصة رواها ملاك ذو أجنحة يهبط في جنح الظلام على رجل في كهف فيخبره بقصص لا يصدقها الأطفال ثم تجد من يريد أن يناطح بها العلماء الذين أفنوا أعمارهم في المختبرات.

وقبل أن أختم أحب أن أتنبأ بما سيلجأ إليه السيد صلاح عبد العزيز .. سيذهب مسرعاً إلى موقع الشيخ البيولوجي (عفواً أقصد الشيخ الذي أصبح عالماً) هارون يحي ويقتبس من كتبه بعض الشبهات وينسخها في مقال آخر، أو لعله يكلف بذلك أحد المخلصين .. وفي جميع الأحوال لا يهمني هذا في شيء ولكني أردت أن أساهم في توعية القارىء الذي لم تتح له فرصة القراءة بغير العربية نتيجة التجهيل الإجباري للأنظمة الدكتاتورية من جهة والتجهيل المفروض من رجال الدين بحظرهم تدريس نظرية التطور وترجمة الكتب العلمية المفيدة إلى اللغة العربية ..

هذا ما أردت قوله وأستودعكم عقولكم حتى لقاء قريب..



#حكيم_الليبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تحصين النص المقدس


المزيد.....




- “في خمس خطوات”.. حدّث الآن تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 ...
- الوزير المتطرف بن غفير يقتحم المسجد الأقصى في أول أيام عيد - ...
- خارجية الأردن: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى خطوة استفزازية م ...
- بن غفير يقتحم الأقصى احتفالا بعيد -الأنوار- اليهودي ومكتب نت ...
- حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
- الرئيس الايراني: لو كان المسلمون متحدين لما تجرأت -اسرائيل- ...
- حماس: اقتحام بن غفير المسجد الأقصى انتهاك جديد وخطير
- وجهاء الطائفة العلوية في حمص يصدرون بيانا إلى أهالي المحافظة ...
- وزير الامن المتطرف بن غفير يقتحم الاقصى بأول ايام -عيد الانو ...
- عاجل | مصادر للجزيرة: وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حكيم الليبي - خرافة آدم