سنية الحسيني
الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 12:22
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
تستكمل المفاوضات النووية جولاتها يوم السبت القادم، في تطور متسارع باتجاه توقيع إتفاق ممكن بين الطرفين الأميركي والإيراني. وترجح المعطيات المتبلورة والتطورات المتلاحقة في المنطقة أن تتوج تلك المفاوضات بإتفاق، كان يرفضه الرئيس الأميركي دونالد ترامب من قبل. وتفصح التفاعلات المتلاحقة المصاحبة لجولات المفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة عمانية، ناهيك عن مرتكزات تلك المفاوضات، عن تراجع هيمنة ومكانة الولايات المتحدة الحصرية في المنطقة، وبدء الاستعداد لمرحلة سياسية جديدة، تحمل في طياتها تغيرات بنيوية مهمة، قد تغير المنظومة السياسية للشرق الأوسط، ولكن ليس وفق الرؤية الأميركية الإسرائيلية.
تبدأ الجولة الثالثة من المفاوضات النووية بين الولايات المتحدة وإيران بوساطة عمانية يوم السبت القادم، وستكون المفاوضات حوّل القضايا الفنية. وتشير تلك الجولة التي ستكون على مستوى الخبراء إلى حدوث تقدم واضح في إطار التفاهمات والقواعد التفاوضية العامة، في زمن قياسي لم يتجاوز الأسبوعين. وبدأت الجولة الأولى من تلك المفاوضات يوم السبت الموافق 12 من الشهر الجاري، ولحقت بها جولة ثانية جرت في الأسبوع التالي. ورغم كل ما يقال حوّل اضطرار إيران للدخول في هذه المفاوضات، بعد الكبوات المتلاحقة التي لحقت بقدراتها الصاروخية الدفاعية، وبحلفائها في لبنان وسوريا وفلسطين، إلا أن هناك عدد من المعطيات لابد من وضعها بعين الاعتبار، وتقدم تفسيرا مختلفاً.
بادر ترامب لعقد تلك المفاوضات قبل وصوله للحكم، فصرح بنيته عقد إتفاق مع إيران خلال دعايته الإنتخابية وقبل شهرين دعت الولايات المتحدة لعقدها، كما أرسلت رسالة بذلك لإيران عبر دولة الإمارات العربية. وتركز المفاوضات النووية الحالية على الملف النووي الإيراني بشكل خاص، وتدعي إيران بأن ذلك السبب تحديداً، كان وراء انخراطها في تلك المفاوضات. إلا أن الواقع وتطورات الأحداث في المنطقة يشير إلى رغبة إيران الواضحة في عدم التورط بحرب مباشرة مع إسرائيل والولايات المتحدة. ويعطي ترامب مهلة شهرين لهذه المفاوضات لإنجاز مهامها، الأمر الذي يعني تأجيل حدوث حرب مع إيران خلال تلك الفترة، على غير الرغبة الإسرائيلية المعلنة.
وكانت الولايات المتحدة قد انسحبت من الإتفاق النووي الذي وقعته إدارة الرئيس باراك أوباما مع إيران في العام 2015. وادعت إدارة ترامب السابقة، التي انسحبت من ذلك الإتفاق في العام 2018، بأن الإتفاق ضعيف، لأنه لم يشمل ملف الصواريخ البلاستية والاختراق الإيراني الإقليمي. ورغم ذلك تدخل الولايات المتحدة المفاوضات الحالية مع إيران حول ملفها النووي بشكل محدد، الأمر الذي يؤكد أن تلك المفاوضات لم تخرج عن حدود تلك السابقة، التي امتدت لأكثر من 21 شهراً، وأنتجت في النهاية إتفاق عام 2015.
ولا تمانع إيران تقييد وتتبع ومراقبة برنامجها النووي لضمان عدم عسكرته، فهي تدعي بأنها لا تطمح لبناء سلاح عسكري نووي، ويحرم المرشد الإيراني الأعلى إقتناء سلاح نووي عسكري. ووافقت إيران على تقييد برنامجها النووي ومراقبته في إتفاق عام 2015، من خلال تقييد مستوى تخصيب اليورانيوم لنسبة تخصيب لا تتجاوز الـ 5 في المائة، وتقييد عدد ومستوى تطور أجهزة الطرد المركزي التي تعمل على التخصيب، وسمحت برقابة اعتبرت الأشد عالمياً على برنامجها النووي من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
ويتحدث ستيف ويتكوف مبعوث الرئيس ترامب للشرق الأوسط، والمفاوض الرئيس في الجولات التفاوضية الحالية مع إيران عن ضرورة ضمان عدم تطوير إيران لقدرات نووية عسكرية. وحدد في أحد تصريحاته ضرورة عدم تجاوز نسبة التخصيب عن 3.67 في المائة، وهي النسبة المحددة بالضبط في إتفاق عام 2015، قبل أن يتراجع بعد ذلك، ويدعو لنسبة تخصيب صفر في المائة، أي بات يطالب بوقف التخصيب نهائياً. وتدخل إيران المفاوضات الحالية وفق شرطين، الأول يتعلق باحتفاظها برنامجها النووي السلمي، والثاني يرتبط بالأول ويركز على استمرارها بتخصيب اليورانيوم، بنسبة تسمح لبرنامجها النووي السلمي باستكمال طريقه. وتتعارض تلك الخطوط الحمراء الإيرانية مع مطالبات إسرائيل، التي تريد تفكيك البرنامج النووي برمته. ويبدو أن الولايات المتحدة التي وافقت على خطوط إيران الحمراء في الماضي، لا تعارضها اليوم، والمفاوضات الفنية ستدور حول نسبة التخصيب وعدد ومستوى أجهزة الطرد المركزي، الذي يضمن بقاء برنامج إيران النووي ضمن الحدود السلمية. ويبدو أن طلب إيران مبرر ومقبول غربياً وأميركياً، في ظل تزايد الاهتمام ببناء المشاريع النووية السلمية، لإنتاج الطاقة البديلة.
وحسب اعتقاد خبراء غربيين، استطاعت إيران، بعد خروج الولايات المتحدة من الإتفاق النووي عام 2018، تخصيب سبعة أطنان من اليورانيوم نسبة 60 في المائة، وتحتاج لرفع نسبة التخصيب لـ 90 في المائة، ليصنع كل طن منها قنبلة نووية. ويشكل ذلك هاجساً أميركياً إسرائيلياً، إلا أن الواقع لا يعلمه فعلاً إلا إيران، التي أوقفت الرقابة الدولية على برنامجها النووي تدريجياً، وزادت من عدد وتطور أجهزة الطرد المركزي، ورفعت نسبة تخصيب اليورانيوم بشكل كبير، وافتتحت مختبرات ومفاعلات نووية جديدة، لم تحدد موقعها بالضبط.
يشير الحراك في المنطقة الذي صاحب انعقاد جولات المفاوضات النووية الحالية عن تطورات سياسية ودبلوماسية تتعلق مباشرة باختلال التوازنات التي عملت الولايات المتحدة وإسرائيل على إرسائها في المنطقة. قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بزيارة لروسيا قبل انعقاد الجولة الاولى من المفاوضات النووية قبل أسبوعين، بينما قام بزيارة الصين قبل أسبوع من انعقاد الجولة الثانية، في رسالة ضمنية مهمة للولايات المتحدة. كما قامت روسيا باعتماد الإتفاق الاستراتيجي مع إيران الذي تم توقيعه مطلع العام الجاري، خلال فترة المفاوضات الحالية، والذي يتضمن تعاون عسكري، بالإضافة لملفات أخرى، في رسالة ضمنية أخرى من روسيا للولايات المتحدة، وإن لم يتضمن الاتفاق الروسي الإيراني الاستراتيجي اتفاقية دفاع مشترك.
وقد تكون أهم تلك الرسائل الضمنية للولايات المتحدة تلك التي جاءت من السعودية، بعد زيارة وزير الدفاع السعودي لطهران، في زيارة تاريخية، حملت الكثير من المعاني، أهمها أن مخططات الولايات المتحدة وإسرائيل لرسم توازنات المنطقة، وملامح الشرق الأوسط الجديد لم تحقق غاياتها تماماً، بل قد يكون العكس هو الذي تحقق، بعد أن انكشف القناع لدول المنطقة عن وجه إسرائيل الحقيقي.
ويبدو أن السعودية التي تختار اليوم استراتيجية التنويع الاسترتيجي للحلفاء قد كسرت الهيمنة الاميركية في المنطقة أو في طريقها لذلك. فباتت المملكة ترتبط بالصين كأهم شريك تجاري لها، وترتبط بروسيا كحليف أساسي ومهم في تنظيم سرق الطاقة وأسعارها، في إطار منظمة أوبك بلس. ولا تعد زيارة ترامب المتوقعة منتصف الشهر القادم للسعودية ودول خليجية أخرى، والتي تشكل زيارته الأولى، تماماً كما شكلت زيارة مشابهة أول زيارته الخارجية في عهده السابق، في إشارة لأهمية هذه الدول والمنطقة، في غير صالح السعودية، بل قد يكون العكس هو الصحيح. فتأتي زيارة ترامب للمطلقة بذريعة جلب استثمارات بتريليون دولار من السعودية لمدة أربع سنوات، وحوالي تريليون و400 مليار دولار من الإمارات وقطر، للعشر سنوات القادمة. ويصب ذلك في مصلحة دول الخليج تماماً كما يصب في صالح الولايات المتحدة في إطار استراتيجية التنويع الاستراتيجي، فتركز استثمارات تلك الدول في الولايات المتحدة على الأسلحة المتقدمة والذكاء الاصطناعي، والابتكارات التكنولوجية الأميركية المتطورة، والتي ترتبط بشكل خاص مع طموحات السعودية لرؤيتها الوطنية التنموية لعام 2030.
تشير التطورات السياسية والدبلوماسية المصاحبة للمفاوضات النووية الإيرانية الأميركية أننا نخطو خطوات جرئية باتجاه عام متغير، لم تعد الولايات المتحدة فيه الهيمنة الكاملة، كما كان ذلك في أعقاب الحرب الباردة وأحداث الحادي عشر من سبتمر. ورغم الإنجاز الذي حققته إسرائيل بدعم مطلق من حليفتها الأميركية في حربها المتشعبة في المنطقة، والخسارة التي لحقت بايران نتيجة ذلك التصعيد العسكري الإسرائيلي في المنطقة، لم ترسخ الولايات المتحدة وإسرائيل معدلاتها الاستراتيجية للمنطقة، بل على العكس، بات هناك معادلات جديدة تفرض نفسها على النظام الإقليمي الحالي، وقد يكون ذلك هو السبب الرئيس الذي جعل ترامب يتريث أمام الرغبة الإسرائيلية بالذهاب لحرب واسعة مع إيران، والتي ستورط الولايات المتحدة أكثر بسياسات ليست في صالحها مع دول المنطقة.
#سنية_الحسيني (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟