سامي خاطر
الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 10:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مفاوضات على وقع الانتهاكات
تشكل المفاوضات الأمريكية مع نظام ولاية الفقيه في إيران واحدة من أكثر الملفات تعقيداً في السياسة الدولية المعاصرة، حيث تتشابك فيها الأبعاد النووية والأمنية متجاهلة انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة، ولا تجري هذه المفاوضات في فراغ بل تحت ظل سجل حافل من القمع الداخلي والتوسع الإقليمي الذي ينتهك أبسط حقوق الشعوب، وتكشف الوثائق والوقائع أن النظام الإيراني يوظف سياسة "المناورة والمهادنة" لتحقيق مكاسب سياسية بينما يستمر في قمع شعبه، حيث سُجلت 318 عملية إعدام شنقاً في العام الحالي فقط، وهذا وفقا لإحصاء منظمات حقوق الإنسان عن الأوضاع في إيران.
أزمة هوية النظام الإيراني وانقساماته الداخلية
الصراع بين الأجنحة حول التفاوض مع "الشيطان الأكبر" وازدواجية خطاب النظام الإيراني
تكشف المفاوضات الأمريكية-الإيرانية عن أزمة هوية عميقة يعيشها نظام ولاية الفقيه، حيث تتناحر أجنحته بين رافض للتفاوض مع الولايات المتحدة باعتباره "تفريطاً بالتكليف الشرعي" وفق تعبير الملا أحمد علم الهدى ممثل خامنئي في مشهد 1، وبين تيار يرى في التفاوض مخرجاً من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ولا يعكس هذا الانقسام مجرد خلاف تكتيكي بل يعكس تصدعاً في البنية الأيديولوجية للنظام القائم على ادعاء العداء المزمن للغرب.
يظهر النظام الإيراني تبايناً مدروساً في مواقفه؛ فبينما يرفض المرشد الأعلى علي خامنئي أي تفاوض تحت التهديد نجد البعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة تعلن أنها "لا تستبعد التفاوض"، وتعكس هذه الازدواجية استراتيجية إيرانية لاختبار نوايا الطرف الأمريكي وإبقاء جميع الخيارات مفتوحة؛ بينما يواصل النظام قمعه الداخلي وتوسعه الإقليمي.
انتهاكات حقوق الإنسان لا وزن لها في المفاوضات والقمع الممنهج هو سياسة دولة
يوثق تقرير لمنظمة "حقوق الإنسان في إيران" أن السلطات الإيرانية تستخدم الإعدامات الواسعة " لترويع المجتمع ومنع انطلاق أي تظاهرات جديدة". كما تشير تقارير الأمم المتحدة إلى اعتقال عشرات النشطاء والمحامين والمعلمين خلال احتجاجات 2022 بتهم فضفاضة مثل "تهديد الأمن القومي"، ولم يقتصر هذا القمع على المتظاهرين بل شمل الأقليات الدينية، إذ تواجه جماعات مثل البهائيين والزرادشتيين قيوداً مشددة على ممارسة شعائرهم الدينية، وكذلك الحال للجماعات والأقليات العرقية وخصوم الرأي، ويشتهر نظام ولاية الفقيه بانتهاك حقوق المعتقلين السياسيين واعتماد سياسة التعذيب والتنكيل الممنهجين في السجون.
عقوبات غربية انتقائية
وماذا إذا فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات على 10 أفراد وكيان إيراني إضافي في يناير 2023 بحجة انتهاكات حقوق الإنسان في حين لا يعترفون رسميا وعلانية بحق الشعب الإيراني في نيل حريته ومواجهة السلطات القمعية الدموية بكل ما لديها من سبل.. أعلنوا فرض عقوبات وجاءت هذه العقوبات متزامنة مع مفاوضات نووية ولم تأتي في غير زمن المفاوضات على الرغم من وجود قضايا إبادة جماعية ارتكبها النظام الإيراني بحق معارضيه ومنها قضية إعدام أكثر من 30 ألف سجين سياسي معظمهم من منظمة مجاهدي خلق، وقد أنهى معظمهم أحكاما جائرة بالسجن ثم تم إعدامهم بعد ذلك؛ الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى جدية الموقف الغربي في مساءلة النظام الإيراني حيث يتم توظيف ملف حقوق الإنسان كأداة ضغط سياسي أكثر من كونه قضية مبدئية.
المفاوضات النووية خلفياتها ومآلاتها وسياقها التاريخي المعقد
تعود جذور التوتر النووي بين واشنطن وطهران إلى عقود، حيث بدأ البرنامج النووي الإيراني في الخمسينيات بدعم أمريكي خلال حكم الشاه، ثم تحول إلى مصدر صراع بعد اعتلاء الملالي لسدة الحكم بعد سنة 1979، وقد شهد الملف النووي تطورات دراماتيكية مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 وإعادة تفعيل ما أطلقوا عليها سياسة "الضغوط القصوى.".
مطالب أمريكية وشروط إيرانية
في مارس 2025 بعث ترامب رسالة إلى خامنئي عبر الوسيط الإماراتي أنور قرقاش تضمنت المطالبة بتقليص البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير، ووقف دعم المليشيات الإقليمية مثل حزب الله والحوثيين، ومنح مهلة شهرين للرد مع تهديد ضمني بالخيار العسكري، في المقابل يصر النظام الإيراني على رفض التفاوض تحت التهديد. والتأكيد على الطابع السلمي لبرنامجه النووي وربط أي اتفاق برفع العقوبات الاقتصادية.
التناقض الغربي بين ازدواجية المعايير والمساءلة والتواطؤ
يكشف التعامل الدولي مع النظام الإيراني عن تناقض صارخ؛ فبينما يتم فرض عقوبات صارمة على روسيا بسبب حرب أوكرانيا نجد النظام الإيراني يترأس مؤتمر نزع السلاح التابع للأمم المتحدة عام 2024 رغم دعمه للجماعات المسلحة وتطويره برامج صاروخية ونووية، ويثير هذا التناقض تساؤلات حول شفافية النظام الدولي ومصداقيته.
الوساطات العربية ودورها المثير للجدل
تقوم دول عربية مثل عُمان والإمارات بدور وساطة بين واشنطن وطهران، وهو ما ينتقده بعض المحللين باعتباره محاولة لـ "إنقاذ نظام الملالي من السقوط". هذه الوساطات تثير استياءً في بعض الأوساط العربية التي ترى في النظام الإيراني مصدراً لزعزعة استقرار المنطقة.
البديل الديمقراطي: هل من أفق للتغيير في ظل تصاعد الدعم للمقاومة الإيرانية؟
تبنت الأغلبية التشريعية الأمريكية في مارس 2023 القرار رقم 100 الذي يدعم المقاومة الإيرانية بقيادة السيدة مريم رجوي معترفاً بحق الشعب الإيراني في تقرير مصيره؛ هذا القرار يمثل تحولاً في الجانب التشريعي من الموقف الأمريكي من سياسة المهادنة إلى دعم التغيير الديمقراطي.
رؤية لإيران ما بعد الملالي
يطرح المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية رؤية لإيران ديمقراطية غير نووية، تقوم على دستور يعترف بحقوق جميع المكونات الإيرانية، وفصل الدين عن السياسة، والتخلي عن البرامج الصاروخية والنووية المثيرة للقلق، وتبني سياسة حسن الجوار مع الدول العربية.
المواقف بين المصالح والمبادئ
ختاما.. تكشف المفاوضات الأمريكية مع نظام ولاية الفقيه عن تناقض صارخ في السياسة الدولية؛ فبينما يتم استخدام انتهاكات حقوق الإنسان كورقة ضغط في المفاوضات لا يوجد إجماع دولي حقيقي على مساءلة النظام الإيراني، والسؤال الذي يبقى معلقاً هنا هو: هل يمكن فصل الملف النووي عن انتهاكات حقوق الإنسان؟ وهل يمكن تحقيق استقرار إقليمي دون معالجة جذرية لطبيعة النظام في طهران؟
تشير التجربة التاريخية إلى أن سياسة المهادنة مع الدكتاتوريات لم تنتج إلا مزيداً من القمع والتوسع، بينما قد يكون دعم التحول الديمقراطي في إيران هو الضمانة الوحيدة لاستقرار دائم يحترم حقوق الإيرانيين وجيرانهم. كما قال الكاتب العراقي د. محمد حسين الموسوي: "لا حل إلا بالمفاجآت الوطنية التي تصنعها الشعوب".
ألا يكيل تيار المهادنة والاسترضاء في الغرب بمائة مكيال في سياساتهم خاصة المتعلقة بانتهاكات نظام الملالي وحق الشعب الإيراني ومقاومته في مواجهة طغيان ودكتاتورية الملالي؟
نعم هذا سؤال في غاية الأهمية؛ سؤالٌ يعكس واقعًا مريرًا في السياسة الدولية تجاه قضايا مثل قضية الشعب الإيراني ومقاومته ضد نظام الملالي. غالبًا ما يكيل تيار المهادنة والاسترضاء في الغرب بمائة مكيال كما تم وصفه بدقة في تعامله مع انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها هذا النظام، وفي موقفه من النضال المشروع للشعب الإيراني من أجل الحرية والديمقراطية.
فبينما لا يتردد بعض المسؤولين الغربيين في إدانة انتهاكات حقوق الإنسان في بلدان أخرى، نراهم يتعاملون بازدواجية صريحة عندما يتعلق الأمر بنظام الملالي الذي لا يزال من أكثر الأنظمة قمعا ودموية في العالم، وتُترجم هذه الازدواجية أحيانًا إلى غض الطرف عن القمع الوحشي في الداخل الإيراني لا سيما أثناء الانتفاضات الشعبية، واستمرار العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع النظام رغم جرائمه ضد الإنسانية، والتردد في دعم المعارضة الإيرانية الديمقراطية أو حتى الرفض كالمواقف الحقيقية من المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق على الرغم من أنهم يطرحون بديلًا ديمقراطيًا واضحًا، وبرامج تقدمية حقيقية تتماشى تماما مع شعارات الغرب هذا بالإضافة إلى معرفة بمدى شرعيتهم وقدراتهم.. وما يزيد الطين بلة هو أن هذه السياسات تُبرَّر غالبًا بذريعة "المصالح الاستراتيجية" أو "الحفاظ على الاستقرار"، في حين أن الحقيقة هي أن هذا الاسترضاء لا يجلب إلا مزيدًا من العنف والتطرف؛ ليس فقط في إيران بل في المنطقة والعالم.
#سامي_خاطر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟