أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ابراهيم الزراري - غفساي : بين قنبٍ يُقنَّن وتاريخٍ يُطمس — تفكيك سردية الكيف في ظل - الدولة المركّبة -














المزيد.....

غفساي : بين قنبٍ يُقنَّن وتاريخٍ يُطمس — تفكيك سردية الكيف في ظل - الدولة المركّبة -


ابراهيم الزراري

الحوار المتمدن-العدد: 8322 - 2025 / 4 / 24 - 10:29
المحور: المجتمع المدني
    


لم تكن غفساي يوماً مجرد جماعة ترابية تُدار من مكاتب الإدارة الترابية بنظريات بيروقراطية، بل كانت، منذ غابر الأزمنة، حقلَ نزاعٍ و صراع صامتٍ بين اقتصاد الحاجة وسلطة الخضوع ، في قلب هذه الجبال ، الكيف لم يكن اختراعاً حديثاً، بل كان جواب الأرض على الفقر ، حين جاء مشروع "التقنين"، لم يكن سوى خاتمة متوَّقعة، كتبتها السلطة بقلم هادئ على ورق صامت أبيض ، حيث لا صوت للفلاح إلا إذا تحوَّل إلى رقم إحصائي أو انتخابي أو توقيع استمارة .

منذ أن بدأ " المخزن " الدولة تلوك مصطلحات التقنين في أروقة البرلمان ، كانت الرائحة تعبق قبل النص ، مشروع القانون خرج من رحم مكاتب السياسات العليا في المركز لا من صلب الأرض ، وتحت مسمى "تنظيم الزراعة لأغراض طبية وصناعية"، انكشفت حقيقة المشهد ، لم يكن الهدف إنصاف الفلاح، بل إنصاف السوق .

الأحزاب السياسية ، تلك التي تتقن فن تغيير الأقنعة بين موسم انتخابي وآخر ، لم تكن يوماً معنية بأسئلة الجبل ، ولا بمحنة الفلاح ، بل كانت كعادتها، حريصة على إعادة قولبة الخطاب ليناسب "رؤية الدولة" لا وجع الأرض ، فمن حزبٍ يتقن لغة التنمية التسويقية ، إلى آخر يمتهن شعارات الأخلاقوية الرثة، كان الموقف الأكثر سطُوعاً ، التقنين مشروع سلطة لا مشروع مجتمع .

النخب السياسية المحلية و الجماعات الترابية ، التي يفترض أنها حلقة الوصل بين الأرض والمركز، تحولت، في مشهد التقنين، إلى مجرد "مُلحق إداري" للأسف ، دورها لا يتجاوز ختم الملفات، أو تيسير الاجتماعات الروتينية دون أن تمتلك الجرأة أو الخيال لتقترح بدائل اقتصادية حقيقية و عملية ، قادرة على تحويل الكيف من نبتة استهلاك إلى حجر بناء في اقتصاد محلي مستقل ، غابت عن هذه النخب رؤية التنمية التشاركية، وذهبت مع الريح فرص تحويل الزراعة من لعنة جغرافية إلى طوق نجاة اقتصادي .

منذ عهد الحماية، ظلت جبال غفساي، كما باقي أرياف و جبال المغرب، تحت اقتصاد الريع المقنَّع ، زراعة مدعومة بصمت الدولة ، تبرير سياسي تحت الطاولة ، وملاحقة قضائية فوق الطاولة ، معادلة ضبابية سمحت للكيف أن يتحول إلى عنصر توازن اجتماعي هشّ، أشبه بصفقة معلَّقة بين المركز والهامش ، و تعاقد صامت .

التاريخ الحقيقي للمنطقة، ذاك الذي يرفض أن يُختزل في خطابات وزارة الداخلية أو محاضر الاجتماعات وبيانات الاحصائيات ، يقول إن الكيف لم يكن سوى حيلة الأرض على مركز نَسِيها ، منذ عقود ، كان الفلاح الجَبلي يُجيد إعادة إنتاج ذاته خارج منطق الدولة، يُحسن صناعة الاكتفاء الذاتي في ظل اقتصاد يتسم بالعزلة، قبل أن تأتي موجة التحرير الاقتصادي و بعدها "النموذج التنموي الجديد"، لتعيد ترتيب علاقة السلطة بالمجال، لا على أساس العدالة، بل وفق منطق الاحتواء و الضّبط .

مشروع تقنين القنب الهندي لم يكن مبادرة فلاحية تصعد من الحقل إلى البرلمان، بل كان إجراءً فوقياً ، نزل بطيئاً كالمطر الخفيف ، حتى يُحكم ربط الفلاح بالسوق العالمي لا بسوقه المحلي، ويُجرد الأرض من براءتها التاريخية، لتصير مرقّمة، مقنّنة، خاضعة للمراقبة والتصديق .

أما الأحزاب، فلا صوت لها حين يتعلق الأمر بالبنية الاقتصادية العميقة، لأنها عالقة في رهان الواجهة و الماركوتينغ السياسي ، فهي تبارك ما يصعد من فوق وتُسَوِّق الوهم لمن هو تحت ، حينما تدافَع بعضها عن التقنين، زينت الخطاب بلغة التنمية، لكن سرعان ما انكشفت خلفها بنيات إعادة إنتاج الفقر عبر آليات قانونية محضة .

السلطة ، إذن، لا تُقنِّن الكيف حباً في استقرار الجبل، بل حباً في تأمين شروط اندماج اقتصاد الظل ضمن دورة التراكم الرأسمالي الرسمي، وهنا يسطع سؤال التنمية: تنمية مَاذا و مَنْ ولصالح مَنْ؟

الفاعل المحلي، سواء كان منتخباً أو فاعل مدني او قبلي ، وقع في فخ الوساطة، حيث صار "ضامن شرعي" لإعادة إدماج الريع ضمن منطق السوق الرسمي، لا ضمن منطق العدالة الاجتماعية. دور هؤلاء لم يكن تحفيز الفلاح على تنويع دخله أو تثبيت كرامته الاقتصادية، بل تمركز حول تسهيل مرور النبتة من ملكية شخصية إلى ملكية قانونية تحت رقابة الدولة.

في خلفية هذا المشهد، ترتسم المعضلة الكبرى، الدولة لا تبحث عن تنمية غفساي او الجبل ، بل تبحث عن استقرارها السياسي بأقل كلفة اجتماعية ممكنة، والكيف هنا ليس سوى ورقة في لعبة هندسة التوازنات بين الحاجة و الولاء .

في المحصلة، التقنين لا يُقاس بمقدار الوثائق أو عقود الشركات، بل يُقاس بقدرة الفلاح على تجاوز منطق الخضوع لمنطق السوق الذي لا يعرف الشفقة. والتاريخ لن يغفر للسلطة هذا النسيج المعقّد من الوعود والتنصل، الذي جعل الكيف مجرد مرآة لانعكاس البؤس المؤسساتي الذي تسميه الدولة "تنمية".



#ابراهيم_الزراري (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غفساي : بين قنبٍ يُقنَّن وتاريخٍ يُطمس — تفكيك سردية الكيف ف ...


المزيد.....




- رئيس الموساد يزور قطر لبحث صفقة الأسرى
- الكابينت الإسرائيلي يجتمع لمناقشة اتفاق الأسرى ومساعدات غزة ...
- وزير خارجية إسرائيل: المحكمة الجنائية الدولية لا سلطة لها لإ ...
- لا تغيير في موقف نتنياهو وجالانت.. الدائرة الاستئنافية بالمح ...
- أزمة التمويل تحرم آلاف اللاجئين بمصر من العلاج
- المجاعة تتفاقم في غزة: أطفال القطاع يعانون سوء التغذية ونقص ...
- العفو الدولية تندد بـ-اعتقالات تعسفية- وتتبعات -جائرة- في ال ...
- اعتقالات وإجراءات أمنية تواكب محاكمة زعيم المعارضة بتنزانيا ...
- نحو 3.7 ملايين.. هذا ما يمنع عودة اللاجئين السوريين في تركيا ...
- الأمن التونسي يستأنف حملة تفكيك خيام المهاجرين بصفاقس


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - ابراهيم الزراري - غفساي : بين قنبٍ يُقنَّن وتاريخٍ يُطمس — تفكيك سردية الكيف في ظل - الدولة المركّبة -