أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيف الخياط - قصة الشيعة في العراق















المزيد.....



قصة الشيعة في العراق


سيف الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 1803 - 2007 / 1 / 22 - 09:25
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


بعد ثلاثة اشهر على سقوط النظام، تحديدا في السابع من تموز من العام 2003 اعلن عن وفاة احد اهم الدعاة الشيعة وهو الشيخ احمد الوائلي، فاهتاجت جماهير الشيعة ووجدتها فرصة ممتازة للتعبير عن كثافة وجودها في تشييع مليوني لم يسبق للعراق ان شهد له مثيلا، لطم فيها الشيعة بأقصى سرعتهم واشد قوتهم.



اشارت بعض التقارير الى ان وفيات حصلت اثناء التشييع نتيجة للتدافع بين الجماهير، فيما طغت حالة هيجان عاطفي شديد بين المشيعين، ومن الغريب ان تتزامن وفاة الخطيب الحسيني مع عودته الى العراق بعد سنين طويلة قضاها في المنافي ممنوعا من الاقتراب من بلده، حيث اعتبرته السلطات البعثية عميلا، وهي التهمة التي كانت السلطة تعتمدها ضد معارضي سياستها من الشيعة، وتحدث مقربون عن امنية سبق للشيخ ان اعلنها وهي ان يدفن في ارض العراق، وكانت قد سبقت التشييع بعد سقوط النظام مراسيم اربعينية الامام الحسين، حيث شاهد العالم اجمع الشيعة وهم يؤدون بنهم شديد طقوس التعزية الحسينية والهامات التي ادميت بفعل الضرب بالسيف، كانت ثقافة نحر الشيعي لم تترسخ بعد لكنها ستبدأ بعد وقت قصير.



على اية حال.



لا يشترط في من يرتقي المنبر الحسيني خطيبا وواعضا ان يكون على درجة عالية جدا من التعليم الحوزوي، والتي تبلغ اقصاها درجة الاجتهاد، فهذه الدرجة لا يحضى بها عادة الا قليلون قد يستمر تحصيلهم لعشرات السنين لحين بلوغ مرحلة الاجتهاد، حيث يطلق على احدهم لقب آية الله، وتسمح الاعراف الشيعية لدارسي علوم الدين في مراحله الاولى بعد التخرج على يد مجتهد بارتقاء المنبر، فضلا عن ممارسة بعض الامور الاجتماعية التي لها علاقة بالدين، مثل عقد قران الزواج وتحصيل اموال الزكاة والخمس، بل ان دور الوعظ الحسيني اصبح مشاعا في السنوات الاخيرة لمن لا يمتلكون نصيبا في التعليم الحوزوي الرسمي، فقط يشترط فيهم الرغبة والخلفية العلمية الجيدة المكتسبة ذاتيا، وقد يلجأ احدهم الى تقليد خطيب معتبر.



ويعد المنبر الحسيني من اهم وسائل الاتصال بالجماهير للدعوة الحسينية وهو ما يعرف بالاتصال الجمعي المباشر بكل خصائصه المميزة، وهو اقدم بكثير من الوسائل الاخرى مثل الكتاب، كما ان جماهيره هي الاوسع قبل تطور الحال الى ما عليه اليوم، حيث انتشر المتعلمون بين الاوساط الشيعية واتخذ الكتاب طريقه اليهم ثم وسائل الاتصال الحديثة مثل الراديو ولاحقا الانترنت والقنوات الفضائية، ويعود الفضل الى المنبر الحسيني في الترويج للعقيدة الشيعية بين اوساط العشائر العراقية واتساع رقعة التمذهب جغرافيا اثر حملات تبشيرية كبرى قام بها الدارسون في الحوزة بين ابناء العشائر لينشروا المذهب.



الخطاب الحسيني وأدواته.



بعد تشذيب القصة التاريخية للشيعة والتشيع يمكن حصر محركات القضية والعقيدة الشيعية في معالجة مقتضبة استنادا الى معطيات تاريخية قد يكون الاتفاق عليها تم بين مختلف الفرقاء نوردها هنا للمساعدة في فهم العديد من القضايا مما ترد في هذا الفصل وغيره، تشير بعضها الى ان تأسيس الشيعة وهو حزب علي بن ابي طالب كان في حياة النبي محمد حيث يحصي الشيعة العشرات من اسماء الصحابة الاولين ممن اطلق عليهم لقب شيعة علي، كما يورد الشيعة نصوصا عن النبي واخرى من القرآن على هذا التخصيص، حيث ميز النبي جماعة من المسلمين ممن لا شك في اخلاصهم ونزاهتهم بأنهم شيعة علي، كما قال في نص واضح ومشهور وعلى رؤوس الاشهاد وبحضور الآلاف من المسلمين بأن من والى النبي يجب ان يوالي عليا وفي الخطبة الشهيرة رفع يد علي عاليا في اشارة منه الى انه خليفته.



وتكررت مثل هذه الحالة مرات عدة قبل ان يواجه النبي ربه فترك المسلمين ليقرروا ما اذا كانوا سيطيعونه في امره هذا ام يجدون صالحهم في غيره، وبدا ان المسلمين وخاصة المتنفذين منهم من صحابته ذوي المنزلة والمهابة الاجتماعية وجدوا صالحهم في مخالفة نبيهم فاختاروا بدلا عن الموصى به رجالا اخرين توالى ثلاثة منهم على الحكم قبل ان يؤول الامر الى علي من جديد، ولكن بعد فوات الاوان حيث تشكلت قوة معارضة حقيقية بقيادة معاوية بن ابي سفيان طالبت بالحكم واستندت الى السيف للتقرير ووضعت الامير الجديد ازاء تحديات متكررة لم تترك له مجالا للسيطرة بالحكم والسير على نهج النبي، حتى قتل غدرا فآل الامر الى خصمه الذي حكم في الشام بعد ان آثر الابن الاكبر لعلي، الحسن حقن دماء المسلمين بالتنازل عن الخلافة لحين وفاته، الا ان ذلك لم يكن سوى فرصة للخصم لتثبيت اركان حكمه بعد ان غدر بالابن الاكبر لعلي بدس السم له ومن ثم آل امر الخلافة الى ولده، المدعو يزيد الذي عرف عنه خلاف اخلاق المسلمين من موبقات يستحيل على المؤمنين الحقيقيين القبول بمرتكبها اماما لهم فخرج عليه ثاني اكبراولاد علي مطالبا بالخلافة ورافضا الاعتراف بالخليفة الجديد ومسنودا بأهالي العراق الذين دعوا لنصرته لكن مغتصب الخلافة آثر حسم الامر على ابشع صورة حيث ارتكب مجزرة مهولة في اطراف الصحراء قتل فيها حوالي سبعين رجلا من اقارب واصحاب الحسين بن علي وأسر عائلته خلافا للاعراف الاسلامية والعربية واستتب الامر له.



ويرفض خصوم الشيعة مقولة ان تأسيس الشيعة كان في عهد النبي ويصرون بدلا من ذلك على ان التشيع جاء في وقت خلافته وعند انقسام المسلمين بين مؤيد له واخر يؤيد خصمه في الشام، اما الاحاديث التي اشارت الى تنصيص الولاية لعلي فأنها لا تشير الى ذلك بل عنت ايلاء منزلة كبيرة لشخص علي وليست تخصيصا له، لكنه كلام مردود من قبل الشيعة اذ لا يعقل ان يجمع النبي الالاف من انصارة في غدير خم ليبلغهم ان عليا هذا مسلم جيد، كما واختلف الفريقان الشيعة وخصومهم في مسألة خروج الحسين بن علي عن بيعة يزيد بن معاوية وسفره الى اهل العراق فعدوها مغامرة عبثية اودت بحياته وحياة اخوته بينما يعاند الشيعة في ان تصرف الحسين على هذه الشاكلة كان لهدف اسمى من الحياة والوجود وهو رفض السلطان الجديد والعودة بالدين الى اصوله ومنابعه ووقف استهتار بني امية.



يقول الدكتور طه حسين في كتابه علي وبنوه، "لم يكن معاوية عادلا، ولا ابنه يزيد فقد اسرف معاوية في اموال المسلمين حين ولى جبابرة على الامصار اسرفوا العالم بدورهم في اموال الناس ودمائهم وكان ذلك نقضا للبيعة، وهذا ما يبريء ذمة الحسين في الخروج على حكم بني امية، وقد رأى الحسين ان الامر لا يستقيم له الا بالثورة عليهم".



على ان الفريقين يتفقان الى حد ما بأجدرية الحسين وهو ربيب البيت النبوي بالخلافة على عكس خصمه الذي عرف بموبقاته وسيرته المعوجة ويعتبر الفريقان الحسين شهيدا من طراز خاص ولا يختلفان على اطلاق القاب عليه منها سيد شباب اهل الجنةوهو مستل من حديث للنبي متفق عليه بين الفرقاء ولقب سيد الشهداء، على ان هناك بين المسلمين من لا يتفق بالرأي حول يزيد وأبيه وهم قلة.



وشكلت حادثة مقتل الحسين في معركة الطف نقطة تحول كبرى بين شيعة علي حيث اعادوا تنظيم صفوفهم ليشكلوا فريقا معارضا على اسس جديدة، وبدأوا العمل السياسي وقاموا بثورات ضد الحكم الاموي ومن ذلك حركات ثورية انتقامية قتل فيها قتلة الحسين واستمروا مناوئين لحكم بني امية رغم قوته واكتسبوا المزيد من الاتباع ونهضوا بالعمل التبشيري والدعائي باساليب العمل السري الذي عرف للمرة الاولى في تاريخ المسلمين، واقضوا مضاجع بني امية حتى تسببوا في فقدانهم الخلافة لصالح سلالة اخرى من اقارب النبي ينتسبون الى عمه العباس، وهؤلاء رفعوا راية الحسين وعلي في حربهم ضد الامويين لحين كسبهم الحرب وتأسيس خلافتهم بعاصمتها الكوفة قبل ان تنتقل الى بغداد، ويتم التنصل من الشيعة ومعاداتهم والتنكيل بهم وقتل رؤسائهم بأشد مما فعل بنو امية.



وعاد الشيعة للعمل الحزبي المعارض، وبازاء هذا كله تبلورت فكرة العقيدة الشيعية بعد ان اكتسبت اشكالا شتى كانت تظهر وتندرس بمرور الزمن وعلى مدى تعاقب ذرية الحسين وفقا لترتيب محدد تتسلسل فيه زعامة البيت الشيعي من الاب للابن بمقتضى شروط وصولا الى الحفيد التاسع للامام علي، ويلقب بالمهدي والذي مارس دوره بسرية تامة فيما عرف بالغيبة الصغرى اذ لم يظهر الا لأربعة من سفرائه بالتتابع قبل ان يغيب تماما فيما عرف بالغيبة الكبرى التي تنتهي بظهوره في زمن ما ليحكم بالعدل والقسط بعد ان تمتلئ بالظلم.



في القرن الرابع بعد النبوة ظهر من يمكن اعتباره منظر الشيعة الاول وهومحمد ابو الحسن الطوسي الذي اسس اول مدرسة للشيعة في العالم الى جوار مرقد امام الشيعة الاكبر في مدينة النجف القريبة من الكوفة ليضع بذلك اسس التشيع العالمي كمذهب فكري وعلمي وفقا لفكرة الاثني عشرية التي بقيت صامدة بعد انحسار المدارس والافكار الاخرى، ولتستمر هذه المدرسة التي توالدت في مدن عَدة حتى يومنا الحاضر.



قضايا الشيعة :



ان أي قاريء للتاريخ الشيعي وملابساته لا يمكن ان يبتعد عن حقيقة جوهرية تكاد تشكل نواة الفكرة الشيعية بلا منازع وهي مشكلة الخلافة التي خرجت من ابناء علي وذهبت لغير مستحقيها، وهذه الفكرة بالذات شكلت العقدة التي تحرك العملية الشيعية برمتها على مدى القرون الاربعة لحين الامام الثاني عشر ومن ثم استمرت حتى يومنا هذا متخذة منها ميدانا هائلا للجدل الفقهي وما ارتبط به، فهي تكاد تكون العروة الوثقى التي يتمسك بها الشيعة بمذهبهم لدرجة التعصب، وتتماهى هذه العقدة مع التركيبة النفسية لأبناء المذهب بكونها ترتبط معهم عاطفيا للانحياز تجاه احد الفريقين، وتلك من سجايا البشر عموما، اذ لا يوجد الا فيما ندر من يتغلب على شهوة الانحياز تجاه الجماعة او الفكرة او الوطن، وقد يكون عامل الانحياز اكبر من غيره بحيث يمنع النظرة الموضوعية ويستحيل الحياد فيها.



العقدة الخلافية وما جرته من اهوال على آل البيت ومشايعيهم وكان اقساها ما جرى في كربلاء شكلت اساسا راسخا للتشيع، لكن هناك ايضا عوامل اخرى ساهمت في تكوين التيار في بداياته ويمكن ايجازها بالتالي.



1- سيرة بني امية التي ساروا عليها الامر الذي ألب عليهم المسلمين ما ادى الى تشكل واحدة من ابكر صور المعارضة السياسية اضافة الى حركة الخوارج وحركات اخرى مثل حرمة عبدالله بن الزبير وعبدالله بن عمر كان انبثاقها رد فعل طبيعي لأستئثار بني امية بالخلافة وتوريثها، وهو امر لم يلق قبولا لدى المسلمين وكان بينهم من صحابة الرسول من لا زال حيا يرزق.



2- عودة اتباع علي ممن قاتلوا الى جانبه ابان فترة حروبه مع مناوئيه الى صف التشيع بعد مقتل ابنه الحسين خاصة في مدينة الكوفة حيث لاحظوا الفرق بين سيرته وسيرة خلفاء بني امية وقد يكون لعقدة الذنب دوره هنا مع الاعتقاد الذي ساد بخذلان اهل الكوفة الحسين.

3- انحراف الدين الاسلامي عن خطه المرسوم واستشعار المسلمين الخطر الداهم و ضرورة عودته الى خطه عبر تبني اطروحات مناوئي بني امية وخاصة من اهل بيت الرسول وتابعي الصحابة ممن يحملون الفكر النبوي وعلومه واخلاقياته والمعلوم ان آل الرسول كانوا بمثابة حفظة علوم الدين.



4- وفي مراحل لاحقة جاءت نظرية الامام المهدي لتكون بمثابة الرابط الابدي للشيعة حيث يظهر في وقت ما ليملأ الارض قسطا وعدلا وصولا الى قضية نواب الامام.



بعض هذه القضايا يمكن اعتبارها اسس العقيدة الشيعية والتي اتخذت كمرتكزات فكرية للدعاية والتبشير والاقناع حسب مواصفات كل فترة زمنية وبحسب مستوى تفكير الجمهور، فقضية قتل العلويين بقيت اهم مرتكزات الدعاية ضد مناوئيهم وخصوهم فيما جاءت قضية الاعلمية ثانية بالاهمية برغم كونها مبرزة دائما باعتبارها القضية الجوهرية التي تقود بالتالي الى حسم مسألة الخلافة.



ان المتوافر من معطيات لدى الرعيل الاول يختلف قطعا عن ذلك الذي حظيت به الاجيال اللاحقة، فتشيع صحابة علي ممن شهدوا غدير خم غير تشيع التابعين، ولعل التشيع لاحقا لدى البعض لم يكن يستند الى قضية التنصيص بالخلافة خاصة وان مسافة زمنية انقضت وصولا الى مقتل الحسين بن علي وانما قد يعود السبب الى الرغبة في معارضة خلفاء امية وقد يكون عن توافر جانب التدين العالي الذي يجد مثاله في آل البيت او التأثر بالشخصية العلوية كما لا يمكن اغفال التأثير الطاغي لعلي بين المسلمين الاوائل وما حفلت به شخصيته العظيمة من مزايا قل ان تتوافر في بشر.



انتقلت ادوار التشيع حسب اغلب المؤرخين من التشيع الفقير الذي مثله صحابة علي من الفقراء بمالهم والاغنياء بنصرتهم للنبي والدين والقرب من علي بما حمل من افكار في المساواة والعدل وما اتصف به من نزاهة، الى تشيع الجماهير من رعايا الدولة في المدن التي كانت تحت سيطرته أبان خلافته، الى تشيع المعارضة في زمن ابنائه والذي استمر جيلا فجيل، وكان لكل مرحلة خطابها، لكنه لم يكن يبتعد عن الاساسيات التي جئنا على ذكرها ابتداء من قضية احقية الولاية والاعلمية مضافا اليها التضحية الجسيمة التي قدمها آل البيت، والقضايا الثلاث المترابطة تندرج في الفقه الشيعي بما يعرف "عصمة الائمة" فالولاية الهية والعلم نبوي والتضحية امر مقضي.



وبحسب نوع الجمهور والظروف التي تحيق به ودرجة فهمه بني تراث الشيعة الفكري والادبي والذي تراوح بين المغالاة حينا والاعتدال حينا اخر، ولم تغب عن الذهنية الشعبية حالة الأسطرة فالتراث الشيعي المعتمد حاليا مليء بالمبالغات رغم محاولات كثيرة مضنية لتشذيبه جرت على ايدي علماء الشيعة من الاصوليين، وسنورد عن الموضوع شيئا في فصل لاحق، وما زال خصوم الشيعة يأخذون عليهم هذه المبالغات لكن لا مناص للخطيب والواعظ الشيعي من اللجوء اليها طالما استهوت الجمهور بل وان البعض يزيد عليها كثيرا.



محاضرة ممتعة :



يتحدث بعض اهالي الجنوب العراقي ان روض خون اتى في عاشوراء الى احدى العشائر ليلقي بين اهلها قصة المقتل الشهيرة مستندا الى رواية ابي مخنف المعروفة والتي اعتمدها الطبري وسرد لهم فيما سرد ان احد صحابة الحسين قتل ثلاثة او اربعة قبل ان يموت وهنا ثارت ثائرة الجمهور الذي استنكر هذا الامر حيث كان يخبرهم الروض خون السابق ان هذا الصحابي قتل اكثر من هذا العدد بكثير وهنا تطلع الرجل في الاوراق بين يديه وقال لهم بأنهم على حق بل وزاد في الرقم وبالغ حتى نال رضا الجمهور.



عند دراسة قضية التشيع دراسة نفسية واجتماعية معمقة سوف لن ينتهي بنا مطافها في فصل واحد غير اننا سنعتمد على قدرة القاريء على الاستقراء من خلال هذا العرض السريع.



استقر الشكل النهائي لما بات يعرف بالمحاضرة الدينية الشيعية، على قالب محدد بات يسير عليه اغلب الخطباء الشيعة ولا يعرف على وجه الخصوص متى تم اعتماد هذا القالب، الا ان اسماء شهيرة برزت فيه كان من بينها الشيخ كاظم آل نوح والسيد جواد شبر و الشيخ احمد الوائلي والشيخ فاضل المالكي والشيخ عبد الحميد المهاجر والاسماء الثلاثة الأخيرة اشتغلت غالبا خارج العراق.

يتألف قالب الخطبة او المحاضرة من مستهل لآية قرآنية او حديث نبوي يجري تفسيرها اعتمادا على نصوص موثقة لدى الشيعة مع ايراد تفسيرات اخرى قد يكون بينها تفسيرات السنة مع شرح معاني مفردات الآية وايراد العبرة او المغزى الأدبي منها واسباب نزولها والوعظ الاخلاقي حولها مع الاستشهاد بقصص من التراث او حتى من الواقع وقد تشفع بابيات شعرية مرورا بالتعريض لخصوم الشيعة من الحكام او المناوئين النواصب، ثم يأتي الخطيب الى ربط المغزى الاخلاقي بقصة جانبية مما حدث في واقعة الطف او احدى مقاتل آل البيت وتنتهي المحاضرة ببكائية على لسان احد ضحايا آل البيت وهي بكائية تأتي باللهجة العامية غالبا، ولا تكاد تشذ اية محاضرة عن هذا القالب سوى ان المحاضرات او التعزية التي تقام في محرم وعلى مدى عشرة ايام تختص بشخوص معركة الطف حيث تخصص ايام معلومة لها ويأتي على ذكر مناقبها وبطولاتها.



ويلعب الخطيب المفوه الذي يؤدي التعزية دورا هاما في عدد الحاضرين ونوعيتهم وبخاصة اذا كان ذا صوت جهوري وثقافة دينية وتاريخية واسعة ويستطيع اثارة المستمعين واستدرار دموعهم، كما يذكر ابراهيم الحيدري في كتاب تراجيديا كربلاء.



إن المحاضرة الدينية بهذا الوصف وبالطريقة التي عرفها الناس من خلال الخطباء الكبار من امثال الشيخ الوائلي تتسم بشيء ما يمكن ان نعرفه بأنه الامتاع، فالمحاضرة بكل ما فيها تأتي ممتعة ابتداء من مدخلها ثم طريقة ترتيل الآية المستهل والبدء بتفسيرها، والقصص والشواهد التي يتم ايرادها وتأتي الذروة في البكائية التي يتفاعل معها الجمهور تفاعلا وجدانيا بطبيعة الحال، والأمر شبيه إلى حد ما بعملية التطهير التي قال بها ارسطو في المغزى من المأساة او ما يعبر عنها اخرون بأنها وسيلة من وسائل السيطرة على الذات ومعرفتها ونقدها ومحاولة لتجنب اي عنف او تطرف قد يصدر نحو الاخرين.



الامتاع لن يكون معيبا في حال الخطاب الدعائي او الاعلامي فهو جانب مهم وحيوي ولولاه لما كان هناك تأثير، والمتعة احدى اهم المكتسبات التي يحصل عليها الشيعي.

والمقصود بالشيعي هنا المتدين الذي يبدأ بأكتشاف دينه عن طريق مراجعة مذهبه للاقتناع به والدفاع عنه تاليا وهو غالبا ما يحصل لدى الشيعة دون غيرهم اذ نادرا ما تجد سنيا يبحث عن كتب الاحتجاج للجدل حول حقيقة او صحة مذهب والديه بينما يلجأ الشيعي الى ذلك بشغف لا مثيل له ويغرق فيما بعد بممارسة الطقوس الشيعية وما اكثرها، ولعل للتركيبة النفسية المثقلة باضطهاد السلطة والتمييز الطائفي دوره في هذا البحث، كما ان مشكلة مقاتل ائمة الشيعة التي ما ان يعي الشيعي شيعيته حتى يفاجأ بها قد تدفعه للتساؤل عن اصل المشكلة، فيبدأ في البحث فيها مع اقرانه من طائفته المثقلين بأفكار مكتسبة من ذويهم او من اقرانه من الطائفة الاخرى، لكنه غالبا لا يجد اجابة لدى الاخير فهو غيرمعني بها طالما عرف ان النبي محمد جاء بالقرآن ونشر الدين وان الخلفاء الراشدين اربعة واما من جاءوا بعدهم فلا شأن له بهم وهو بغير حاجة الى ان يقلد مرجعا ولا هم يحزنون.



حدثني صديق سني بواقعة جرت له مع صديقه الشيعي، قال ولما كان هو صديقي المقرب، جئنا الى ذكر السنة والشيعة، وهنا انبرى يعدد الادلة التي تثبت الولاية لعلي وكان يوردها من كتب السنة والشيعة على حد سواء، فبت استفزه بأسئلة اخرى واجادله وهو يستمر بايراد الامثلة التي حفظها غيبا، واستمر حالنا أياما، فكان بين الحين والحين يزودني بكتب الاحتجاج، وفي لحظة نفذ صبري فقلت له، يا فلان ماذا تريد ان تثبت لي، فاجاب، ان الولاية لعلي فأجبته ببرود حسنا، أنا أصدقك وماذا بعد؟، ويختم حكايته بالقول اتعلم انه كان من اكثر الطلاب ابتعادا عن الدرس.



ان من اكبر المتع التي يقدمها الطقس التشيعي ايجاد الرفقة التي تشاركه اكتشافاته، والسفر لزيارة مراقد الائمة برفقة العائلة او الصحبة، والسير اليها مشيا في مناسبات محددة، والسهر حتى الصباح في ليلة العاشر من محرم التي تشهد الطبخ وتسمى المحية والمفردة مأخوذة من احياء ذكرى مقتل الحسين، ان متعة الشيعي بشيعيته لا يكدرها سوى اضطهاد السلطة وربما كان هذا الاضطهاد سببا لمتعة راقية من نوع ما لدى الكثيرين قد توصلهم الى حبل المشنقة وهم راضون كل الرضا، يشير ماكس فيبر عالم الاجتماع المعروف الى ان القناعات الدينية للمضطهدين تعكس دوما احتجاجهم على وضعهم الدنيوي وبروحية هي اقرب الى التعصب الناشيء عن اضطهادهم، على امل حصول انقلاب يغير وضعهم وفي حال توفر شروط ملائمة فمن الممكن ان تراكم الضغوطات وانفجارها سيكون جارفا مثل جبل جليدي ينحدر.

قد لا يكون استخدام مفردة الامتاع في المحاضرة الشيعية وبعض الشعائر مقبولا لدى البعض لكنها حقيقة مثلما ان وصف الفنان قد ينطبق على عدد من خطباء الشيعة، انهم يتفنون بالفعل في استعراض المحاضرة واستخدام المفردة وملاحظات التنبيه وحتى استخدام المصطلحات الفكرية كما هي في القواميس العالمية، فالخطيب لا يجد حرجا من استخدام عبارة المادية الديالكتيكية وهو يتحدث عن حقيقة اللاهوت برغم ادراكه ان غالبية جمهور المستمعين قد لا تفقه العبارة، لكن المستمع سرعان ما يشعر بالزهو عند سماعها من خطيبه المفضل منتقدا الماركسية، ويشعر بالثقة والاطمئنان بوجود من يفكر عنه، وسرعان ما يتفاخر بعباراته في المحافل للرد على قليلي الايمان.



ان استخدام مفردة المحاضرة بحد ذاته جزء من الترويج المشفوع بالمتعة، فالمعروف ان المفردة تختص بطلبة الجامعات دون غيرهم واطلاقها على الخطبة يوحي بأهميتها واهمية المستمع برغم انها كمفردة ومعنى صحيحة في الاستخدام لكن استخدامها بين الجمهور يحمل معنى لذيذا.



ان جانبا مهما من الأمتاع يأتي في المبالغة بشخص الخطيب فعلى سبيل المثال يعتقد اكثرية الشيعة بأن بعض الخطباء يجيد سبع لغات ويحمل عددا من شهادات الدكتوراه في شتى الاختصاصات، ويرفضون التصديق بعكس هذا مهما كلف الامر.

التشيع يحمل في داخله بذرة الاستمرار طالما كان هناك شيء اسمه ممنوع، وهذا الممنوع فرضته السلطات التي تعاقبت على حكم العراق كل بمقدار معين والتمسك بالتشيع نوع من انواع الرفض للأستبداد ولذا بات على كل شيعي يحترم وجوده ان يدافع عنه ومن ذلك البحث عن مبررات تشيعه واكتساب المزيد من الثقة بصحة المذهب الذي وجد نفسه يدين به بالوراثة مع وجود احدى اكبر المؤثرات وهي الشفاعة التي يؤمن بها الشيعة اشد الايمان، هذه الشفاعة التي سيقدمها رموز آل البيت يوم القيامة هي مكافأة الشيعي عن تشيعه وعن دموعه التي ذرفها على مآسي آل البيت، وهي الفكرة التي يشتغل عليها الخطباء ويرسخونها دائما فضلا عن فكرة قضاء الحاجات في الدنيا عبر تقديم النذور.



قد يعتبر البعض ان هذا الكلام يدخل في باب التشكيك بالعقيدة، الا ان الحقيقة غير ذلك فهو تقرير واقع وقد يكون الاعتقاد الشيعي حقيقيا مائة بالمائة رغم قناعتنا ان الشفاعة لا تأتي وحدها اذا لم تشفع بعمل صالح.

وبمقدار ما يكون الاخلاص للتشيع تكون الشفاعة وعلى قدر المشقة تأتي الفائدة ولا يشترط هنا ان يكون الحماس للشعائر والطقوس الحسينية دليل تدين، بل قد يكون

العكس، فالمعروف ان عموم الاشخاص الذين يضربون هاماتهم بالسيوف "التطبير"

في عاشوراء هم من غير المتدينين، بل وقد يكونوا من الفئات الشاذة اجتماعيا.



ان من اكبر المتع التي يجدها الشيعي في بحثه مسألة تشيعه تكمن في كتابات الدعاة الشيعة فهي تحمل اجواء تثير في النفس الرضا بمقدار ما تثير من فائدة ومتعة، ومن اشهر المؤلفين الشيعة محمد التيجاني التونسي الذي كتب عدة كتب عن قصة انتقاله من المذهب السني الى المذهب الشيعي بعد معرفته الحقيقة ويورد في كتبه الشائقة قصصا مستلة من التاريخ عن احقية علي في الخلافة وعن خطأ السنة وأن المذهب المقبول لدى الله هو مذهب اهل البيت، ويلجأ التيجاني وغيره من الدعاة الشيعة لاثبات صحة مذاهبهم واعتقادهم الى كتب السنة الموثوقة ومنها الصحاحات الستة على طريقة من فمك ادينكفهم يستلون حججهم من كتب خصومهم وتلك لعمري غاية الارب ويفاخر الشيعة بها لادانة خصومهم.



وبمقدار ما يتفاخر الشيعة بتراثهم الادبي والفني وطقوسهم وشعائرهم فأن السنة في العراق لا يجدون الامر مغريا، ولعل الفكرة التي تقول ان التخفيف من مبالغات الشيعة كفيلة بكسب المزيد من الانصار قد تكون صحيحة، لكن الأمر مختلف بالنسبة للسلطات اذ وجدت في الطقس الشيعي عدوا مبينا.



الطقس الشيعي والسلطة.



ابتدأت الطقوس الشيعية الرسمية والمتمثلة بالتعزية الحسينية في ذكرى استشهاد الحسين على يد السلطة، ويرجع اغلب الباحثين تاريخها الى نهاية القرن الرابع الهجري حيث امر السلطان معز الدولة البويهي، الشيعي المذهب باقامتها في بغداد، واستمرت وتطورت الى شكلها الحالي بعد مرورها بفترات وتحولات اتخذت فيها شكلا من اشكال التحدي والثورة، ويرى الباحث ابراهيم الحيدري ان الطقوس والمراسيم الشيعية شهدت اكبر تطور لها بدايات القرن التاسع عشر من دون ان يورد سببا لذلك، لكن الواضح ان تطورها الملحوظ واتساعها ترافق مع اتساع رقعة التشيع في وسط وجنوب العراق في فترة مقاربة، وهو التوسع الذي جرى على يد التبشيريين الشيعة مترافقا مع اتساع المد الوهابي في الجزيرة العربية والتهديدات المستمرة للمراقد الشيعية، وكذلك استقرار القبائل البدوية في الاراضي الزراعية مما سهل عملية الكسب، وهما السببان اللذان اوردهما اسحاق النقاش في كتابه شيعة العراق.



كان تأثير الخطاب الشيعي في القبائل العربية حديثة التشيع كبيرا بسبب احتوائه على شفرات تتناغم مع الحس البدوي والقيم المعروفة كالشجاعة والبطولة والاقدام التي شهدتها معركة الطف، والى حد ما كان تخلص القبائل من العديد من قيمها البدوية الوحوشية نتيجة الاستقرار والاقتراب من اجواء المدينة سببا في تقبل الخطاب الشيعي بمضامينه التي اوردناها ناهيك عن ان ممارسة الكثير من الطقوس الشيعية اصبحت عوامل مفاخرة كزيارة المراقد وعمل المجالس والتودد الى رجال الدين وخاصة الذين ينحدرون من آل الرسول - السادة -.



ويشير إبراهيم الحيدري في كتابه تراجيديا كربلاء إلى "أن المواكب الحسينية اكتسبت اهمية وازدهارا وقوة بعد الحرب العالمية الثانية حيث اتخذت طابعا اجتماعيا سياسيا شعبيا بعد ازدياد حدة التوترات وتعمق الوعي الديني السياسي والشعور بالتمايز الطائفي ذي الدوافع السياسية الذي ظهر بوضوح في مسرح الاحداث".



وقد حاربت السلطات التي تعاقبت على حكم العراق بعد اندحار الدولة العثمانية الطقوس والمراسيم الشيعية والمجالس كل بطريقتها الخاصة وذرائعها، خاصة بعد ان مارس الخطاب دوره التعبوي والسياسي والنقدي للاوضاع العامة، وقد برز دور الشيعة السياسي بأجلى صوره اثر دخول قوات الاحتلال البريطاني العراق عام1914 وكان سببا مباشرا في التحريض لثورات 1915 و1917 و1920 ولطالما نفت او اعتقلت سلطات الاحتلال او السلطات الحكومية خطباء المنابر الحسينية بسبب خطبهم التحريضية ومنهم السيد صالح الحلي الذي نفي ابان العشرينات مرتين وروقب مراقبة شديدة بسبب تحريضه ضد الانكليز وضد الحكومة.



واذا كان العهد الملكي والجمهورية الاولى شهدا محاولات منع بعض انواع الممارسات في المراسيم الحسينية مثل التطبير بالسيوف فان عهودا اخرى شهدت محاولات دموية لمنع هذه المراسيم وخاصة ابان العهد الثاني لحكم حزب البعث حيث شهد محرم من العام 1977مجزرة وقعت بحق زوار الحسين راح ضحيتها العشرات بعد تدخل الجيش لمنعهم من اكمال مراسيم التعزية خاصة وانهم رفعوا شعارات سياسية تنادي باحقية الشيعة في الحكم كما اعتقل اخرون واعدم ثمانية منهم بحسب البيانات الرسمية، وقد لجأ البعث بعد ثلاث سنوات من ذلك الى منع المراسيم الحسينية منعا تاما اثر اندلاع الحرب مع ايران.



ولم تكن الطقوس والمراسم الحسينية تخلوا من كوارث تحصل في مناسبات معينة نتيجة الاندفاع الهستيري في اعلان الولاء لآل البيت في المناسبات الحسينية الكبرى بعض هذه الحوادث شديد العبثية مثل الموت نتيجة التطبير او في التزاحم لدخول المواكب الى الصحن الحسيني او صحن شقيقه العباس، ويورد السيد ابراهيم الحيدري هذه الواقعة في كتابه، في يوم الاربعين عام 1949 حدث اصطدام عند بداية تحرك المواكب الرئيسية، بين مواكب الكاظمية وبين مواكب النجف وكان السبب في الحقيقة تافها وبسيطا وهو من الذي يدخل الى الصحن اولا، مواكب الكاظمية ام مواكب النجف؟.



ولما كان كل منهما يريد الدخول الى الصحن اولا، فقد حدث شجار حاد بينهما مما دفع الى هجوم مواكب الكاظمية على مواكب النجف واخذوا بتمزيق الخيم وقلب دلال القهوة بما فيها، ثم توجهوا الى صحن العباس ودخلوه فخورين كالمنتصرين، وكانت نتيجة تلك المعركة قتيلين من مدينة النجف بينهما احد رؤساء المواكب وعدد من الجرحى، ويضيف بانه في محرم عام 1966حدث ان توفي عدد من الافراد بسبب الازدحام الشديد فعندما توجهت تلك الكتل البشرية الهادرة، ويقصد بها موكب طوريج الذي يدخل بطريقة خاصة تتسم بالعنف نحو بوابة الصحن ونزلت درج السلم الاول سقط بعضهم فوق بعض واصبحوا تحت ارجل تلك الكتل البشرية المندفعة نحو الداخل بحماس وبعد اجتيازهم باب الصحن تركوا ورائهم عددا من القتلى والجرحى بلغ عددهم الاربعين.



اما اكبر الكوارث التي شهدها العراق في هذا المضمار فكان في العام2005عندماعبر الناس جسر الائمة في بغداد باتجاه مرقد الامام موسى الكاظم وحدث تدافع رهيب نتيجة شائعة سرت بين الجموع مفادها ان قنبلة موقوتة ستنفجر ما ادى بالناس الى التدافع فقتل من قتل تحت الارجل وغرق من غرق في نهر دجلة اثر سقوطهم من الجسر وبلغت الحصيلة نحو الالف، ولا حول ولا قوة الا بالله، وفي فصل لاحق سنتحدث عن موت الشيعة المجاني والعبثي.



وعلى اية حال فأن الشيعة يعتبرون هذه الميتة شهادة في سبيل المذهب، لكنها في كل الاحوال تشير الى اهمية الطقس الشيعي ومراسم العزاء لدى الشيعة، اذ هي المقياس الاول في ميزان عمل الانسان في الدنيا لنيل رضا الرب في الاخرة.



المبالغة والتهويل الشيعيين اتخذ اشكالا عدة سواء في ايراد مناقب آل البيت او اتباعهم واستحداث المقدسات والنقل غير الموضوعي والمنطقي واداء الشعائر ومنها العنيفة، وقد حاول العديد من رجال العلم الشيعة المتنورين تشذيب الطقس الشيعي وعقلنة التراث ونفي التقديس عن غير المقدس، الا ان محاولاتهم اصطدمت بنمط تفكير عنيد ومتصلب وغير قابل للاخذ والرد وهي العقلية التي تشكلت عبر اضطهاد ثقافي استمر عقودا طويلة بوجود عوامل اخرى منها التصلب الثوري، لكن هذه المؤشرات استمرت دائما سلاحا بيد خصومهم يلوحون بها الى جهل وتجهيل الشيعة برغم ان الغالبية العظمى من طاقات البلد الكبيرة هي من اتباع هذه الطائفة.



ومما يؤسف له حقيقة ان تساهم وسائل الاعلام الحديثة في تكريس العديد من الاعتقادات المبتناة على جهل مفرط، لا لسبب الا للتعصب الذي يكاد يعمي العقول قبل الابصار، ففي محرم من العام 2004 هرع الناس الى مدينة الثورة-الصدر ببغداد ليشاهدوا ظاهرة غريبة تحدث حيث تذرف شجرة كرم (عنب) الدم سنويا في يوم ذكرى مقتل الحسين بن علي، وقد اذاعت النبأ محطة تلفزيون العراقية وهي المحطة الحكومية وعرضت تحقيقا مصورا مع ذوي الدار صاحبة الكرمة الذين اكدوا حصول الظاهرة سنويا، وما ان سمع الناس بذلك حتى هبوا خفافا وثقالا حاملين امانيهم واحلامهم ونذورهم وتوافدوا عند الدار بالمئات وتدافعوا بالمناكب، حيث لا يصل الى الشجرة الا من كان ذو حظ عظيم، فما حكاية هذه الشجرة؟.



انها ببساطة شديدة، كرمة عنب تقع في باحة دار بسيطة في المدينة، اعتاد صاحب الدار ان يقوم سنويا بنحر خروف عند الشجرة لكي يطبخ الاكلة المعروفة بالهريس والتي اعتاد الشيعة ان يقدموها ليلة ذكرى مقتل الحسين، وما ان ينتهي من الطبخ حتى يبادر الى غسل ارضية الباحة بالماء، الامر الذي يخفف من كثافة الدم ويساعد على تسربه في سويقات الشجرة المجوفة بصورة تدريجية وبطيئة مما يسهم في نضحها عبر نتوئات الشجرة في اليوم التالي فتبدوا الشجرة كما لو انها كانت تبكي دما!.



وأسهمت روايات امثال هذه في خلق اماكن اسطورية اصبحت مزارات خالدة لدى الشيعة واكتسبت شهرة عظيمة وراجت تجاريا كما هو الحال مع احد المراقد في مدينة الحلة الذي يدعى انه يحوي ضريح احد الائمة، واشتهر هذا المكان بامكانية طرد الجن من المرضى ولا تكاد تزور المكان حتى تفاجأ بأشياء غاية من الغرابة تحدث بغية طرد الجن من الفتيات والفتيان، واضحى هذا المزار الخدعة بؤرة يمارس فيها شذاذ الآفاق مغامراتهم في استدراج الغفل من الشيعة وسرقة اموالهم بطريقة اسلامية ممتازة، ناهيك عن افعال منكرة اخرى.



والى حد ما استفاد شباب مدينة الثورة في ثمانينيات وتسعينيات القرن المنصرم من ظاهرة التقديس العشوائي عندما تناقل الناس اخبارا عن قبر يقع بالقرب من المدينة لم تتمكن اليات البلدية من تهديمه، مما حوله الى مزار مقدس بين ليلة وضحاها واضحى يستقبل الاف الزائرين يوميا مما يوفر فرصة ممتازة للمحبين من الشباب للقاء هناك بعيدا عن اعين العواذل، وكان من اكبر المستفيدين عائلة صاحب القبر والتي ابتنت قصورا وامتلكت ضياعا، ولازال المزار موجودا لليوم.



لا فكاك لشيعي من قيود المقدس والأسطوري، وسنرى في فصل لاحق فعل الرقم خمسة في القائمة الشيعية في انتخابات 2005.



#سيف_الخياط (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العُقدة والعقيدة .. قصة الشيعة في العراق
- دموع على قائد وطني عراقي اسمه( سعدون)
- السماء تمطر كاتيوشا في السماوة والارض تنبت ارهابيين جدد
- الرقص السياسي
- زواج في مقبرة جماعية !!
- المنظمة العربية لحرية الصحافة تصل إلى بغداد
- أميركا تعلمنا الشرف
- قرارات بريمر
- المناضل صدام حسين
- العلوج والطراطره
- مجلس اللا أمن
- أبو محمد الدفان


المزيد.....




- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب ...
- اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا ...
- الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سيف الخياط - قصة الشيعة في العراق